من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

مقدمة سليم دولة


مقدمة سليم دولة
حكاية صوفي للشاعر السوري نديم الوزة:

تهجّي أحوال وتحوّلات العاشق و شعرية القفز في الفراغ العاطفيبقلم سليم دولة " الكاتب الحر "I. إنّ مجرّد تأمّل لمواقف من يُنسَبُون وينتسبُونَ إلى حقول الأداء الكتابي والجماليّ يتبيّن للتوّ قَلَقَ الجميع من أَنباء العصر التي تتّسم بإحالة أرْقى ما أنتجه العَصْر إلى مناطق غياهب النسيان العفويّ أو المتقصَّد، من ذلك اعتبار الشعر وكلُّ ما يحيلُ على الحميمي كأنّما فَقَدَ مُبرِّر وجوده في زمن الإله – البضاعة، وهو ما يجعل مُجرَّد الإصغاء إلى قصيدة ناهيكَ عن قراءتها أو كتابتها كما يقول أحد أحفاد رامبو " فعلاً ثوريّاً".هذا الحكم على الجماليّ بهذه الطاقة التي كان وصفها " هايدغر" بنسيان أكثر المواطن حميميّة للكائن الأنسيّ، إنّما هو الذي يبرّر حال " القلق " و"القشعريرة"و" الألم" التي تجتاح ،بلا وعي منّا ربّما، أفقنا الحضاريّ شرقاً وغرباً إذ انتصَرَ معموريّاً الفاقدُ للهويّة الجنسيّة على مستوى أشكال الأداء الإبداعي، فَلَمْ يَعُدْ الشِّعْرُ مَثَلاً أو الرسم مَثََلاً أو الرواية مثلاً، مكتفياً بأذن واحدة أو إيقاع واحد. كأنّما المجد للجوّال، للبداوة، وللمخنّث. هذه الملاحظة على بساطتها تكثّف لواقع جديد، لمقام جديد، لما عليه الشعر اليوم، الآن وهنا.II. إذا كان لابدَّ من التمييز بين طُرُقٍ مختلفة لاستيعاب الحدث الشعري فإنّه يتوجّب منطقيّاً الإعلان الواضح عن رغبة الذات القارئة بتعيين الأُفق الذي عَنْه تصدر، ذلك أنَّه ثمّة من القراءات التي تتحصَّنُ بما يُطْلَقُ عليه الموضوعيّة، ولست من الذين يتحصّنون وراء هذه القلعة، إذ أؤمن بما يمكن لي تسميته: "التواطؤ الحبري مع المقروء". إمّا أن نحب فنستجيب للنداء الكتابي أو نصْمت لأنّ شأنه القرائي يعني سوانا. ومجرّد تصفُّح متواطئ لنصوص نديم الوزّة ما قبل "حكاية صوفي" يجعلك غير محايد.
III. تتشكّل "الرواية" في كتابات نديم الوزّة من مركّب منعطفات سرديّة تجعلنا وجهاً لوجه مع نصٍّ اختلافيّ، وقد يكون خلافيّاً عن قصد. أمّا من جهة كونه اختلافيّاً فهو ينبني على استدعاء حكاية، مُنْتَظَمٍ من الكلمات والإحالات والأحوالِ تستدعيها ذات وفْق منطقٍ سرديّ يعي كونه يكتب حدثاً جديداً على الأذن المربّاة على شِعْرٍ قوامه الموسيقا، والموسيقا قَبْل كلّ شيء. بينما "حكاية صوفي" يحكمها إيقاع واضح لا يطلب من أذن القارئ رتابةً في التلقّي، إذ يتغيَّرُ الإيقاع من روايةٍ إلى أُخرى، وحتى بين مُفردة سرديّة وما سبقها، وذلك ابتداءً من التصدير ذاته، الذي يستحضر فيه الشاعر السويدي، وبمقطع دالٍّ يتأسّس على استدعاء حالةٍ لعربيّ مشكلته النظافة، حيث أنَّ جدلية "الطهارة" و"القذارة" هي حاضن النص منذ كمون بذرته، وإنْ كان حضور " حكاية صوفي" يمتدّ نسابيّاً – جينيالوجيّاً إلى نصوص أخرى لنديم الوزة مثل "الخروج من الجحيم" و"الفراغ الذي تتركه امرأة". أمّا خلافيّته فتتأسّسُ على استنطاق جميع حالات الذاكرة، كما ورد الأمر في الرواية الأولى على متن الديوان، والتي تتشكّل من سبعة مقاطع. الذاكرة اللمسيّة"المخاطب" و"الأصابع المرتعشة" و"الثياب الداخلية". وبتكثيف مخيف حكاية الحميمي والجحيميّ: "ألا تذكرين يا صوفي؟". يرتبط هذا النداء الذي ورد في شكل استفهام إنكاري بحالة انجذاب وجدانيّ، هو تعبير عن التمزّق العاطفي، وعن ما يشبه الندم لأنّ ذات الفاعل الحكائي الرئيس(الذي هو الشاعر) قد فوّتت على نفسها تمزيق لحم "صوفي" فلا مسافة بين الذاكرة العشقية بطيّاتها المختلفة والذاكرة الشميّة والذاكرة البصريّة وبين شهوة الدم. فالأداء السردي في المقطع الخامس مثلاًَ يستحضر ما يمكن تسميته الوجع والتأريخ الإستردادي للسقوط:" أنا الذي كنت أملك البساتينلماذا فتحت ذلك الباب السرّي."كما يستجضر المقطع الرابع الذاكرة الحليبيّة وانتفاضات الأعضاء ورَقْصَ الحواسّ جميعها، فَكَأنّما الشاعر يمشي في هذا المسرد الحكائي إلى المعشوقة "صوفي" بقلب حافٍ، إنه شاعر ينتعل قلبه فهو القاتل في الحكاية والقتيل. وإنّها لحظة توتّر تستلزم أن تنضاف إلينا عين أخرى لنشاهده ماشياً على حبل سرديّ بحثاً عن "إكسير اللقيا" وفقاً للمعجم الصّوفيّ، بعد اللقاء:"أريد أن أغرز هذا الخنجر في صدركِكي نذهب إلى القبر معاًكما كنّا نحلم، يا صوفي"وهكذا يمكن عدّ الخلافية في نصّ "حكاية صوفي" بما يمكن تسميته العقْد الإنتحاري، إذ الحبّ حدث اندفاعي وجداني يفترض أقلّ ما يفترض، تقاسم اللذّات والآلام مع كائن جميل أوْ مُتَوَهَّم أنّه كذلك، غير أنَّ "صوفي" الحكاية، الكائن السرديّ، صوفي "القذرة"، "الجائعة"، "الفقيرة" ،"عاهرة السوق"، هي أشهى محلوم به: "مسكينة هي" وقلب الشاعر مسكين أيضاً.أليس غريباً، ولو إلى حين، أن حياكة الحكاية افترضت التنكيل الحبري بهذا الكائن السرديّ، إذْ لابدَّ من خيانة... وجائع عاطفي، هو الشاعر... وطرف ثالث كابن البوّاب القميء مثلاً، ليستقيم النسيج السردي في النصّ الشعريّ؟. فصوفي هي "حلية العاشق"، "الغائبة"، وحيلة الذات الشاعرة. صوفي سليلة الملوك المخلوعين، المتهتكة، المتنكرة، متعدّدة الصفات، يقترن لديها، كما لدى الشاعر، الحضور بما يمكن تسميته صدمة الغياب، ذلك أنَّ ثمّة تأريخ للسقوط النفسي قبل السقوط المادّي، والذي يمكن التنصيص عليه بـ"القفز في الفراغ العاطفي"، كأنّما ثمّة لدى الشاعر مساءلات لغويّة ليليّة لا يريد الإفصاح عنها، تجعل منه أقرب إلى الباحث الفيلولوجي كما لدى الفرنسي "بونج"، حيث أنَّ الفقرَ المُسْتَحْضَر بكثافة في مجمل النصّ يقترن بالقرف والقَفْر وأكثر. كأنّما الأنا ليست واثقة بما يكفي من شفافية ذاتها أمام ذاتها وكأنّما المخاطبُ الأنثوي (صوفي)، وهي ذات مبتورة، تُستَحْضَرُ هنا لاستكمال هوية الشاعر المبتورة أيضاً. ومن هنا سرّ السقوط المضاعف والاغتراب المكثف ممّا يجعل الكتابة تشخيص أعراض، كتابة سمبتومالية وفقاً للدلالة الطبيّة، ذلك أنّه ثمّة علاقة تلازم "بين الطب والشعر" تشخيصاً لعطَبٍ سلالي، كتابة استردادية تنطلق من الحاضر في اتجاه الماضي، باستدراكات ساخرة وجارحة ترصد "العاقر" و"العاهر"، بل هي كتابة السكندالي والبورديليكي والهامشي في أبسط وأعنف تمظهراته على مستوى جميع متواليات الصفات والإحالات والأحوال والاحتمالات، من ذلك الدهاء واللصوصية والقوّة والشحاذة والتشرّد والاغتصاب:"ومع أنَّ والديكِ العزيزينكانا ملكاً وملكةلصّاً وداهية"فكأنَّما "صوفي" عدوّة اسمها، صراع بين الإسم والمسمّى، هي من الأسماء الأضداد، أو تكاد:"أنتِ من عَلَّمْتِ ابن البوابكيف يغتصبك"وبتكثيف مخيف: "صوفي" الحكاية الأولى وما يليها هي معلّمة السقوط اللحميّ التي جَعَلَتْ الشاعر يقيم في مفارقة القذارة والطهارة، كما في "حكاية فاطمة" لشقيقه الحبري الشاعر السويدي "كليف".ثمة صراع بين الكينونة والتملّك، بين الكوجيتو العشقي وبين الكوجيتو المالي، وبينهما حكاية خسارات. إذْ و كما دوّن قلم مرغريت يورسنار:ليس ثمة من حب تعيس، إذ لا نحوذ إلاّ وبينهما مالا نملك، وليس ثمة من حب سعيد إذ ما حُذْنَاهُ لم يعد ضمن ملكيتنا.IV. ألم يعرِّف العربُ، وفق صياغة مثيرة، الحبَّ بأنَّه "حالة من حالات الموت"؟!. وكما يستعيد نديم الوزة في الرواية الثانية من (حكاية صوفي) في لحظة تشرّده السّردي والعاطفي:"إنَّ الألم ليس في الموتوإنّما في المحبّة".وراء الألم والمحبة ثمة محرّك أساس يدفع الشاعر إلى أن يتوغَّل في عزلته، وهي الغيرة. والغيرة ليست من الآخر وإنّما من الذات نفسها، إذْ لم يَعُدْ مُتعَلَّقُهُ مجرّد محبة(صوفي) وإنّما المحبة في المطلق. ألم يرد في الأوراق القديمة لبعض الكتب المقدسة: "المحبة قوية كالموت، الغيرة ساحقة كالهاوية، نارها لظى الربّ"؟ فمضمون الحكاية العشقية لا ينفصل عن زمنها وإن كان (الراوي) غالباً ما يتسكع متشرّداً بين أشياء الحياة اليومية بتفاصيلها الدقيقة.رؤية (صوفي) حدّدها الشاعر بما يشبه زمن "الغيبوبة"، إذ يراها من "شرفة الأحلام" "مشرقة" بثوب يشبه "ثوب عرس" فيستحيل الشاعر إلى رائي، مُفَسِّر أحلام على طريقته الغريبة، وكأنّ هذه الرؤية إنما هي القدر الشعري الذي يحدّد منطلق الحكاية حيناً والرواية حيناً آخر. وذات الشاعر لا تزيد ظاهرياً على كونها الراعية لتفاصيل الحكاية ومنعطفاتها السرديّة:"أحداً يشبه شيئا مالا أتذكّرهكالفكرة التي توقظنيوتدفعني كالشهاب في سماء المعنىولا أستطيع إيقافها".بإمكاني أن أستنتج بدون ذكاء أنَّ هوية الشاعر تريد أن تتحدَّد وفق معجم عروجي /صعودي مسكون – بما كنت قد أطلقت عليه في سياقات سابقة "شهوة الطيران" فهو "كشهاب في سماء المعنى". إنَّ مفردة المعنى تكاد ترادف موضوعيّاً العَدَم، ممّا يجعل الكتابةَ لدى نديم الوزة، وكما نتبيّن ذلك في المقطع الرابع والخامس من الرّواية الثانية، نشيد عزلة وانكسار للعقود التواصلية. وهي أيضاً تغريبة غربة بين الأهل والكلمات. الذات تدين الرثاثة والقدامة، تدين المظاهر بسطوتها إذ تدعو إلى التمييز مثلاً بين شعراء الخرقةِ الهُم، وشعراء الذات الذين هم شعراء الحرقةِ، كان لا بدّ من إدانة اللصوصيّة واللصوصيّة اللغوية المعمّمة وما تخفيانه من تصحّر عاطفيّ :"لقد سرقوا كلماتي العاريةوارتدوها ثياباً جديدةوأنا لا تناسبني كلماتهم القديمةولا ثيابهم التي رموها!".وببساطة جارحة، وإن كانت مرحةً أحياناً، يعلن الشاعر:"لا أحد يكلمنيولا أكلّم أحداً".إنّه استحضار التصفّح الغريب لحالات التصحّر اللغوي والعاطفي وما يليهما هذا الكُلّ الهُمّ أصل الوجع والهَمّ. وياللمفارقة، الكلمات المضيئة تُولَدُ باستحضار هذا الرحم وأكثر، الكلمات تولد:"كمصابيح متناثرة في صحراء معسكر".إنَّ تأمُّل مجمل المعجم يبيّن لنا البعد التأمُّلي لدى نديم في هذا الديوان تحديداً، ذلك التأمّل الذي يرتبط تلازماً بالألم:ثمّة جوع وراء هذا الجوع. ثمّة أوجاع وراء هذا الوجع المقيم بين اللحم والعظام...جوع إلى الكلمات وأوجاع من الكلمات. فهل من سبيل الصدفة الخالصة لوجه اللغة أن يشتقّ جماعتنا، جماعة واحرّ قلباه – سلالة الشاعر، من المادة اللغوية نفسها (ك ل م) كلاًّ من كلَم وكَلَّمَ ولكم وملك؟، تماماً كما ليس من سبيل الصدفة الخالصة أن يُشتَقَّ من الجيم والواو والعين كلاًّ من الجوع والوجع والعوَج. اللسان ومقامه وفعل الكلام وحضوره مرح وجارح في هذا الديوان إذْ لا فواصل ولا معالم بين الوعي بالفقر والقرف وبالهروب أصلاً من الكتابة بالكتابة ذاتها.إنه خطاب الكبت الصّارخ، كأنّما الشاعر بمتواليات الحزن والأوجاع استحال وبوعي تامٍّ منه ربّما إلى طبّاخ استعارات وكنايات وضروب تعويض، كما استحالَ إلى بستانيّ لغة وحطاب للكلمات بالمعنى النيتشوي:"كنت آكل هناك بشراهةوألبس وأتدفألكنني كنت دائم الألم(...)وليس لأنك بعيدةبل لأنني كنت أفكر بكلماتغير محددةكما لو كنت وحيداً"إنها، فعلاً، كتابة العزلة الآهلة بالوحشة من الأهليّ، وبما لا يُسمّى إلّا تهجِّياً، وهي أرْقَى لحظات الكتابة لدى نديم الوزة في (حكاية صوفي).أداء سرديّ يمارس فعْلَ التدوين والإدانة والغضب المَرح لمتواليات الإخفاق والصراع بين المحلوم به شعريّاً/وجوديّاً والمقدور عليه عمليّاً/فعليّاً. فكأنّما إقامة الشاعر إقامة في متاهات ملغَّمة بما يمكن تسميته تجوّزاً بالصاعق النووي العَدَمي NIHILISTE، فأراد أن يكون هو عينه إيّاه نديم الوزة صاحب ديوان "فراغ تتركه امرأة" و"حكاية صوفي"، أراد مضطرّاً، ويا للمفارقة، أن يكون "ديناميت العصور" وفق الأداء الكتابي النيتشوي، إذْ يطرح سؤالاً جينيالوجيّاً نسابيّاً يطالُ أصْلَ وَفَصْلَ شجرة نَسَبِ الأفكار والقيم وجمّاع الأحكام المسبقة والمواقف المتسرّعة.. من أفق يحكمه منطق النجاعة الجائعة على الفاعلية و المردودية، وذلك ما نتبيّنه رأساً من المقطع السادس من الرواية الثانية وهو في طريقه إلى ..."قصيدة صوفي":"ماجدوى الأفكار؟والحقائق قاسية كهذا الحرمان والتشرّدعليَّ أن أنام طويلاً، طويلاً جدّاًولا أستيقظ أبداً..."إذا كان صاحب "زرادشت" قد طرح على نفسه في كتابه(العلْم المَرِح) التساؤل حول علاقة الفلسفة بالمرض"... بإمكاني أن أطرح على صاحب ديوان (خارج الجحيم) والذي هو نديم، علاقة الشعر بالندم؟، علاقته باللذّة والألم؟ علاقته بالإثم وارتكاب المحرّم؟لقد قال الشاعر وأقول معه:"في رأسي كلمات تظلّ توقظنيوتجعلني أنتفض "وأكثر يذهب الشاعر في التأريخ لوجعه:"أين أصدقائي الثلاثة؟هل ماتوا جميعاً... ؟لقد كنّا أربعة موهوبينوالكلب خامسناوأعطيناك رقم 6لقد وَجَدْنَا أن الحياة مسرحيّةيقودها من يملك شيْئاًوكنّا أتقياء نحاول أن نقول أفكاراً لا تُقَدَّرُ بثمنأي لا ثمن لهالذلك لم يصغ أحد إلينا"يمكن اعتبار هذين المقطعين، السادس والسابع، بمثابة المنعطف الحكائي الذي يشتمل على "تصعيد درامي" إذ يمثّل الثّيمة الأمّ والهمّ الكتابي الرئيس في المسرد الحكائي الشعريّ المراوغ بلذَّةٍ حبريّة. إنّها كتابة التقتُّل والقتال الحاسم بين الكينونة، مطلق الكينونة، والتملّك، مطلق التملّك، وفق عبارةِ إيريك فروم.الإقامة في عالم وفق رؤية تتأسَّس فعلاً على كوجيتو.. تملّكي استحواذي استهلاكي هلاكي: "أنا أملك إذن أنا موجود"، "أنا شاعر إذن أنا مفقود". تنبعث في هذه اللحظة بالذات حكمة جريحة آتية من بعيد، من الشاعر أوفيد صاحب كتاب (فن الهوى)، حكمة تردّد: "الفقر لا يملك ما به يغذّي الحب". فما كان من الشاعر إلّا أن تسلّح بأدوات أفعال المسرحة، مسرحة الحياة وإخضاعها لمنطق التمشهد الفرجوي السيركوي، هذا الإجراء البديل موجع وإن كان دعابيّاً ماكراً، فهو عابث وساخر:"فقررنا أن نمثّل على بعضنارقم واحد أنارقم اثنين المحبةرقم ثلاثة الفنرقم أربعة العقلرقم خمسة الكلبرقم ستة أنتِوجعلناكِ مرآة لنا جميعا"فكيف صارت الحكاية، وكيف صارت "صوفي"؟V. "الخبر اليقين" في القصيدة... والعهدة على الشاعر الذي يهرع لاجئاً عاطفياً عند الكتابة والداء الكتابيّ تحديداً عسى أن يجد لديه الأذن الصاغية أو القلب الذي يخفق والعين التي تدمع مستدعياً شقيقاً شعرياً آخر له، وهو الفرنسي بودلير، ذلك الذي كتَب بكلِّ عناصر كيمياء المحبة والألم أروع نصوصه الخالدة، ذلك الذي "بذَّر" حياته بين ريحانات الحانات والمواخير والأصدقاء الخونة والمعارف السَّفَلَة ولصوص آخر الليل والراسخين والراسخات في الإبنزاز العاطفي وغفلة الشعراء الأكيدة، فكان الاتجاه بالكليّة إلى إله لم يعبده...وحضن أمّ لم يتعوَّده ولم يعهده.هل استحضار بودلير من قِبَلِ نديم مجرّد استحضار شعري أم أنّه تدوين لما يشبه التقاء المصائر؟:"لقد كان في حاجة إلى كثير من الأموال وإن كان لا يؤسّس بهاشارعاّ من حجارة أوغاريت، بابل، أثيناأو باريس التي عمّرها بودلير كتحية للأشياء المهجورةللمجهول الذي يبكي دفء أمومتهولا يستطيع احتضانها"يصرّ نديم على أنًَّ الشاعر كائن ذاكرة، وذاكرة مركبة، و"صوفي الحكاية" كائن شعري قد لا يحيل إلّا على هوية حبرية ربّما، فهي مخلوق الشاعر، تقوم مقام قناعه، وإن كان يصرّف أقدارها برغبة فتّاكة في محبتها وحتى في محوها.. فهي بمثابة أخَره الأنثوي، وعدّته للمرور إلى ما يشبه الأبديّة وقناعه الحبريّ لتثبيته جرحه السريّ النرجسي، وقرفه من الآن والُهنا زماناً ومكاناً، وسوء تواصله مع العوالم حتى وهو يراقص "صوفي" على ما يشبه إيقاع النداء، نداء المستغيث، إيقاع حداثي بروح الزاهد في الدنيا حيناً والآخرة وما يحبّ الناسُ، لكنّه وثنيّ في محبته وتوثّبه العشقيّ وصادق في اندفاعه اللحمي نحو "صوفي"، وأشياء "صوفي" وإفك "صوفي":"ذكراك الأبديّةشوكة الوردة في قلب العاشقكنبل جريح قَدَّسَه المعنىولا يفهمه هذا العالم"التحصّن، كتابة التحصُّن بعالم الحلم والطيران والهذيان آخر الليل وآخر القول بعيداً عن عالم العلم والعيان.مسكينة هي صوفي ومسكين هو الشاعر بل "قلب الشاعر" وفقاً لعبارته، فله ماله وما عليه ولنا من حكاية صوفي متواليات البكاء والتبكاء في هذا المكتوب لذكرى انهيارٍ، انهيار "إمارتنا الحرّة"، إمارة العاشق والمعشوق الأنثوي:"كان الحلم يُفَسَّر كنبوءةكان الحلم يُصَدَّقُ يا عاهرة السوق المسكينة ! يا قلبي المسكين"VI. الذات العاشقة، تعي، تحسّ، تعلم أنّها سالكة إلى الهلاك، بذاكرة متّقدة، وأطرف ما فيها أنّها متلعثمة، و"بشهوة طيران" حيث... لا أدري؟!. ثمة تلازم غريب لدى نديم بين الذاكرة الحبرية وبين الذاكرة الحليبية، تماماً كما بين زمن الكتابة وزمن الطفولة، حكاية تعيد تجربة الانفصال والفطام:"أعرف أنّي ذهبتُ بعيداًلكنها شاكلتي في الوجود أن أطيرولا سيما حين أحلمإنّه مسافتي حتى وأنا داخل الصفّأقصد يقظتي التي يُقال،إنّها مجنونة"وهي فعلاً كذلك، يقظة مجنونة، وإلّا ما كان لحكاية صوفي أن تكون أصْلاً، إذْ هي كأنّما قَدْ دُسَّت له، ومنذ طفولته الهشّة بين لحمه وعظامه، فكانت حقّاً قصّة تلعثم عاطفيّ:"ببداية مَنْ لا ينتهي" مع "حكاية صوفي" بقلم شاعر نبيل مسكون بما يمكن لي تسميته هوس المسافات، مردّداً معه بالفرنسية وبلكنة سورية مع بودلير:"وا أسفاه، وحده الموت الذي يعزّي ووحده الذي يحيينا".VII. إن نديم الوزة الشاعر العاشق الشبقي المالينخولي النبيل يرتِّب فوضويته الحبرية وفوضاه العشقية المحببة للقفز في الفراغ العاطفي، أو في لا حيث ولا أين.فقلم نديم الوزة في (حكاية صوفي) امتداد لجسده وفْق عبارة شاعر الأشياء فرنسيس بونج، مداده سليل دمه، والطموح الأرقى الذي يسعى إليه مكتوبه الشعري إنّما هو رصد وتدوين تلك القشعريرة الآسرة التي تقترن فيها اللّذة بالألم والمعرفة بالحزن اقتران الشفاه بالشفاه.الحزن!أعني ذلك الحزن الذي يسكن النسيج الحكائي في (حكاية صوفي) بكلّ منعطفاته السردية، بنقاطه وتفاصيله وفواصله وارتجافه وتلعثمه العشقي، وتهجّيه لأبجديّة سقوطه ونهوضه.. فكان اختيار نديم الصعود بالحدث الشعري من الحسّي إلى المجرّد في مقام الاضطرار.فكأنّما فكرة الشيء أجمل من الشيء. لتسقط إذن الأشياء، أشياء العيان.. ولتحيَ الأهواء كلّ الأهواء، في عالم الأذهان.والآن، الآن، وقد توغَّل الليل في بَعْضه، وقد أسْقَطتُ عَمْداً بَعْضَ تفاصيل (حكاية صوفي) انبعث صوت الشاعر:"لا أريد أن أقتلني بهاأجل وحديأحببتهاوأجَّلْتُ الكلمةلحظة لا جدالولا تفكيربقلب يرقصليس كالوردةبل الوردة ذاتها"هذا ما يقوله الشاعر عند تختام "حكاية صوفي"، وأقول معه ما قاله إمبرتو إيكو في آخر سطر من رواية "اسم الوردة":"لقد كانت الوردة اسماً ونحن لا نملك غير الأسماء"!


كـتب فـي تـونـس19/9/2005

• فؤاد رفقة في كتابه الجديد لياسين رفاعية

• العودة إلى المسرح لتشارلز سبنس

• قرأ الكتاب عبد السلام لصيلع

• الموسيقى كان مصوبا حجرا على الجنود لزهرة مرعي

• أنا مع الثور لجمانة حداد

• تقديم مصطفى الكيلاني

• يسألونك عن الذاكرة لعبد السلام فزازي

• زهرة الجبال العارية لفرات إسبر

• هل ظلم العرب صموئيل هنتنغتون؟ لمحمد علي صالح

• قرأ الكتاب نديم الوزه

• الرقابة الدينية والنفاق للطاهر بن جلون

• ماذا سنفعل بكلّ هذه الكتب؟ لحسن داوود

• التاريخ والحضارة والسير إلى الوراء لصقر أبو فخر

• روسيا و الأزمة العالمية و الأدب الكلاسيكي ليان شِنكمان

• ‏ لا خوف علي مستقبل الشعر

• أوسم عشرة أدباء في العالم لرشا عامر




0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن