من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

ماذا جرى في حلبجة عام 1988؟/د. محمد العبيدي


17-08-2010

سمعنا أبان احتلال القوات العراقية للكويت عام 1990 بقضية حاضنات الأطفال حين إدعى كويتيون أن نظام صدام قد سرق تلك الحاضنات من المستشفيات عند إحتلاله للكويت مما أدى لوفاة الأطفال الرضع الذين كانوا يعالجون بها، ثم تتبين أن الفتاة التي صرحت بتلك المعلومات في مؤتمر صحفي والتي قلبت الدنيا ولم تقعدها لم تكن إلا إبنة السفير الكويتي في واشنطن والتي لم تكن في الكويت حينذاك على الإطلاق.


كما ثبت بعدئذ أن هذه التمثيلية كانت من نسج خيال شركة علاقات عامة أمريكية دفع لها الكويتيون المال الكثير من أجل تأليب المجتمع الدولي، والأمريكي بالذات، على نظام صدام. تلك الحادثة تراودني كلما فكرت بتداعيات أحداث حلبجة عام 1988 وما جرى فيها من قتل لأبنائها والتي أصبحت فيما بعد، وخصوصاً بعد ماسمي بحرب تحرير الكويت، عنواناً إستخدمه ويستخدمه القادة السياسيون الأكراد لتنفيذ مآربهم في الإنفصال عن العراق.


فقد أصبح واضحاً الآن وبما لا يقبل الشك أن القادة الأكراد ومن خلال شبكة واسعة في أوربا وأمريكا وبمساعدة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي قد وظفوا أيضا شركات متخصصة بالعلاقات العامة لتضخيم وتحريف حقيقة ما جرى في حلبجة ذلك العام.


قبل أكثر من ثلاثة أعوام سألني صديق أمريكي إسمه "جود وانسكي" عن حقيقة ما جرى في حلبجة عام 1988، وذلك نظراً لما كان الرجل يقرأه من أنباء متضاربة عن حقيقة ما جرى هناك والتي كانت تنشرها ولحد الآن أجهزة الإعلام الغربية والأمريكية منها بوجه خاص. والسبب في سؤاله ذلك هو أنه كان من كبار رجال الإعلام الأمريكان، حيث كان يشغل منصب مساعد رئيس تحرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الشهيرة، وعمل بعدها مستشاراً إقتصادياً للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان. بعد ذلك، ولحد الآن، ترأس شركة إستشارات إقتصادية/سياسية خاصة تتمتع بموقع متميز وذلك لما له من خبرة إقتصادية وسياسية جعلته متفوقاً على الكثيرين من أقرانه العاملين في هذا المجال. ولكون "وانسكي" إستمر بالكتابة عن قضايا الساعة الساخنة، فقد كانت إهتماماته بما كتب ويكتب عن حلبجة تؤرقه لما في الموضوع من فجوات لم يجد الإجابة عليها في ذلك الحين رغم كل ما إطلع عليه مما نشر حول الموضوع. وفي ذلك الوقت كانت أسئلته التي وجهها لي عن هذا الموضوع تجعلني في حيرة من أمري لأني لم أكن أيضاً ملما بالكثير من المعلومات عن هذه القضية ، خصوصاً وأني مقيم في إحدى الدول الأوربية وبعيد عن موقع الأحداث في العراق، ولم أستطع في حينه أن أزوده بمعلومات قاطعة عن حقيقة أشياء كثيرة تخص هذا الموضوع كنت أجهلها انذاك .


وكانت هذه مناسبه بدأت معها رحلتي مع هذا الإعلامي والسياسي البارز في سبر أغوار كل ما نشر عن قضية حلبجة، ولم يفتنا في ذلك حتى الإطلاع على أبسط الأخبار والمعلومات سواء التي نشرت حول الموضوع في وسائل الإعلام الغربية، الأمريكية منها والأوربية، أو لدراستنا المعمقة لآلاف الوثائق التي حصلنا عليها من هنا وهناك. كما وإستطعت شخصياً الإتصال بأصدقاء وأقارب لي في العراق كانوا ضباطاً في الجيش العراقي طيلة الحرب العراقية الإيرانية، ومنهم ضباط كانوا على معرفة وثيقة بما جرى في تلك الفتره في حلبجة لقربهم من مواقع الحدث.


وطيلة حوالي ثلاثة أعوام من البحث والتمحيص إستخدم "وانسكي" المعلومات التي توصلنا إليها في كتابة عدة مقالات أدهشت محتوياتها كل الساسة ورجال الإعلام الأمريكان وحتى مسؤولي البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، ذلك لأن المعلومات الموثقة التي نشرها "وانسكي" لا يمكن لأحد إلا أن يعترف بصدقيتها وحقيقة وقوعها. وسألخص في هذه المقالة ما توصلنا إليه من حقائق وفقاً لما نشره الرجل من معلومات.


ولكن قبل ذلك، لا بد لي من أن أضع النقاط على الحروف حول الكيفية التي عمل فيها الأكراد على تحريف حقيقة ما حدث في حلبجة عام 1988 وكيف سوقوا لها في الإعلام الغربي والأمريكي بالذات.


البداية


في عام 1993 تأسست في تل أبيب منظمة صهيونية بإسم "جامعة الصداقة الكردية الإسرائيلية" التي يرأسها الصهيوني اليهودي الكردي (أصلاً من مدينة زاخو العراقية) "موتي زاكن"، والذي عمل ولا زال يعمل مع اللوبي الصهيوني الأمريكي. إنتهى الأمر في عام 1996 إلى تشكيل مؤسسة في واشنطن تحمل إسم "معهد واشنطن للأكراد" والذي أسسه، بمساعدة مالية وإشراف من الموساد، الصهيوني المعروف "موريس أميتاي". والصهيوني "أميتاي" هذا هو مشرّع قديم في الكونجرس الأمريكي و عضو اللوبي للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية المؤثرة ومستشار لمركز "فرانك جافني" للسياسة الأمنية و نائب الرئيس السابق للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (مؤسسة صهيونية في الولايات المتحدة تتولى الدفاع عن حزب الليكود وتتخصص في التعاون المشترك بين كبار ضباط الجيش الأمريكي ونظراءهم في القوات المسلحة الإسرائيلية). ومن أعضاء المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي المعروفين هم كل من ديك تشيني (نائب الرئيس الأمريكي حالياً)، جون بولتون، دوغلاس فيث و ريتشارد بيرل. كما أن "أميتاي" أيضًا عضو مهم في الجناح المؤيد لنزعة المحافظين الجدد الذين يدافعون عن التدخل الأمريكي الواسع والمباشر في الشرق الأوسط. ويشرف على "معهد واشنطن للأكراد" مجموعة من الأكراد المعروفين بإتصالاتهم وولاءهم للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية أمثال د. نجم الدين كريم (رئيس المعهد الحالي)، عمر حلمت، د. عثمان بابان، د. أسعد خيلاني، د. كندال نيزان، د. إسفنديار شكري و د. محمد خوشناو.


هل قام صدام حسين بإستعمال الغازات السامة ضد الأكراد أثناء ارتكابه لجريمة "الإبادة الجماعية" للأكراد العراقيين؛ والتي هي الصورة السائدة في أمريكا عن العراق ؟


إن منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) تلك المنظمة الأمريكية غير الحكومية قد ناصرت تلك الادعاءات. ووفقاً لتقاريرها "فقد قتل 50.000، وربما 100.000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال بعد أن فلت زمام الأمور في الفترة ما بين فبراير/شباط و سبتمبر/أيلول 1988، وأن الضحايا كانوا من الأكراد العراقيين الذين قتلوا بطريقة منظمة حيث إستهدف القتل أعداداً كبيرة بناء على أوامر الحكومة المركزية في بغداد".


وزعمت المنظمة أن العراق قد إستخدم الأسلحة الكيمياوية في أربعين محاولة لشن هجوم على الأهداف الكردية خلال حملة وصفتها منظمة مراقبة حقوق الإنسان بأنها إبادة جماعية. ويعد أهم هجوم ذكر في تلك التقارير هو هجوم بالسلاح الكيمياوي الفتاك الذي وقع في مارس/آذار 1988 والذي راح ضحيته، وفقا لدراسة أعدتها منظمة مراقبة حقوق الإنسان أكثر من 3.200 شخص أو ربما يصل عدد الضحايا إلى 5.000 شخص أو حتى إلى 7.000 شخص.


حقا إنها مزاعم مخيفة، ولكن هل هي حقيقة ؟ تلك هي المسألة.


نحن نعلم جيداً باستخدام كل من العراق وإيران للأسلحة الكيمياوية ضد بعضهما البعض في الحرب الضروس التي إستمرت بينهما طوال ثماني سنوات والتي إنتهت في 20 أغسطس/آب عام 1988 حيث تم إعلان وقف إطلاق النار. فمعظم الهجمات العراقية المزعومة على الأكراد حدثت بينما كانت تلك الحرب مشتعلة بالرغم من أن منظمة مراقبة حقوق الإنسان إدعت أن الهجمات إمتدت حتى شهر سبتمبر/أيلول. ولقد أقر النظام العراقي باستخدامه غاز الخردل ضد الجيش الإيراني ولكنه أنكر الإستخدام المستمر والمتعمد للأسلحة الكيمياوية ضد المدنين.


ولكن ماذا حدث في حلبجة ؟


إن أهم أحداث قتل للمدنيين الأكراد من جراء إستخدام الأسلحة الكيمياوية قد وقعت في حلبجة التي هي قرية عراقية تقع بالقرب من الحدود الإيرانية حيث قتل عدة مئات من الأفراد إثر تعرضهم للغازات السامة في منتصف مارس/آذار 1988. ولقد علمنا أن إيران إكتسحت القرية بما فيها من أعداد قليلة من أفراد القوات المسلحة العراقية؛ ولكن نشب الخلاف حول من هو المسئول فعلياً عن الضحايا : إيران أم العراق ، وكم عدد القتلى.


إن أفضل دليل كان ذلك التقرير الذي صدر عام 1990 عن معهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد خلص التقرير إلى أن إيران وليس العراق هي التي إرتكبت جرائم حلبجة !


أما "ستيفن بلتير" الذي كان كبير المحللين السياسيين في وكالة الاستخبارات المركزية ومسؤولاً فيها عن مكتب العراق أثناء الحرب العراقية-الإيرانية قد وصف النتائج التي توصل إليها فريق العمل لما حدث في العراق خلال الحرب العراقية-الإيرانية كما يلي:


"إن الغالبية العظمى للضحايا - كما رأى المقررون والمراقبون الآخرون الذين شهدوا على الأحداث – قد مُثل بهم وإرتكبت ضدهم فظائع وقتلوا بواسطة سلاح فتاك، ربما بواسطة غاز كلوريد السيانوجين أو هيدروجين السيانيد ولكن العراق لم يكن يستخدم تلك الأسلحة الكيمياوية من قبل بل كان تنقصه القدرة على إنتاج تلك الأسلحة الكيمياوية في حين أنها كانت في حوزة الإيرانيين، وهكذا يكون الإيرانيون هم قتلة الأكراد.


ذكر "بلتير" أن عدد القتلى كان بالمئات وليس بالآلاف كما زعمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان والإدارة الأمريكية وإلى يومنا هذا تتفق وكالة الاستخبارات المركزية مع هذا الرأي.


بينما يقر تقرير كلية الحرب بان العراق إستخدم غاز الخردل خلال الهجوم على حلبجة. كما ذكر التقرير أن ذلك الغاز يصيب المصاب بالضعف، ولكنه ليس فتاكاً، أما معدل الوفيات من جراء إستخدامه فيصل فقط إلى 2% وبذلك لا يمكن أن يكون قد تسبب في مصرع آلاف القتلى وهذا عكس ما ذكرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان.


بينما أقر تقرير كلية الحرب الذي إستهدف إعادة صياغة الأحداث أن إيران هي التي بدأت بالهجوم وإستولت على المدينة، وقام العراقيون بهجوم مضاد باستخدامهم لغاز الخردل ثم هجم الإيرانيون ثانية، وفي هذه المرة إستخدموا عنصراً فتاكاً ألا وهو كلوريد السيانوجين أو هيدروجين السيانيد. وإستولوا ثانية على المدينة وأحكمت إيران قبضتها عليها لعدة أشهر.


وبعد أن سيطروا على القرية وأصبح عدد القتلى كبيراً ألقت إيران باللوم على العراقيين وتأصلت الادعاءات الخاصة بالإبادة الجماعية (التي إرتكبها العراقيون) من خلال الصحافة العالمية، والأمريكية منها بشكل خاص. وبعد ذلك بفترة وجيزة، تم وضع تلك المزاعم في إطار ساخر من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الشيوخ الأمريكي وذلك لدواعي سياسية.


وصف "بلتير" مستنداته في آخر عدد من النيويورك تايمز - الذي أصبح عرضة للبحث - قائلا: "إنني في وضع يجعلني أعلم بكل صغيرة وكبيرة لأننى كبير المحللين السياسيين في الشؤون العراقية في وكالة الاستخبارات المركزية خلال الحرب الإيرانية – العراقية وكأستاذ في كلية الحرب منذ عام 988 إلى عام 2000. كما كنت مهتماً بالاطلاع على الكثير من المعلومات المحظور نشرها والتي تسربت من واشنطن وكانت كلها معنية بحرب الخليج".


"بالإضافة إلى ذلك كنت رئيساً لتحقيقات الجيش في عام 1991 فيما يتعلق بكيفية دخول العراق في حرب ضد الولايات المتحدة، ولقد تم سرد تفصيلات كثيرة تخص موضوع حلبجة في النسخة المحظور الاطلاع عليها".


هل كانت هناك حقاً حملة للإبادة الجماعية ؟


رفض "بلتير" أيضا الإدعاء المؤكد بأن – بالرغم مما حدث في حلبجة – صدام حسين قد تورط في شن حملة طوال أشهر عديدة من الإبادة الجماعية ضد الأكراد العراقيين وقتل فيها 50.000 أو 100.000 شخص أو أكثر. ووصف ذلك بأنه خدعة تفتقد إلى الوقائع ؛ وجاء شرحه كالآتي :


يمثل هذا الموضوع معضلة لعدم وجود أي ضحايا للغازات السامة. أما الواقعة الوحيدة التي تثبت أن الغاز قد استخدم فهي شهادات شهود عيان من الأكراد الذين هربوا إلى تركيا جمعها موظفي مجلس الشيوخ الأمريكي. ولقد أرينا تلك الشهادات لخبراء عسكريين ذكروا لنا أنها لا تحمل أي قيمة. أما الأعراض التي وصفها الأكراد فلا تتفق مع أي سلاح كيمياوي أو مجموعة من الأسلحة الكيمياوية. ذكر "بلتير" أيضا أن منظمات الإغاثة الدولية التي فحصت حالات اللاجئين الأكراد في تركيا قد فشلت في إكتشاف وجود أية غازات سامة.


ويعد "ميلتون فيورست" مفكراً مشككاً آخر، وهو مراسل الشرق الأوسط لمجلة نيويوركر ومؤلف لعدد كبير من الكتب، حيث أنه قد زار مناطق الأكراد في العراق عندما ظهرت على السطح إدعاءات إستخدام الغازات السامة في عام 1988 وأقر بالآتي:


"مما رأيته ومن واقع مشاهداتي، استنتجت أن الغاز الفتاك إذا تم استخدامه فإنه لا يستخدم في الإبادة الجماعية فالأكراد يمثلون خمس السكان العراقيين وهم جماعة مترابطة للغاية. وإذا كانت هناك عملية قتل واسعة النطاق كانوا سيعلمون بها ويشهدوا للعالم كله على ذلك. ولكنني أو أي شخص غربي آخر لم نسمع بمثل تلك الإدعاءات !".


وفي صميم الموضوع، ذكر فيورست أن "الصحفيين الذين زاروا مواقع الأكراد رأوا اللاجئين بقرح في الجلد ونظراتهم زائغة. وكما يبدو فهي أعراض تدل على تعرضهم للغازات السامة. وذكر أنها قد تكون أعراضا ناجمة عن غازات مسيلة للدموع قوية ولكنها ليست فتاكة."


وفي كتابه "قلاع الرمال" الذي صدر عام 1994 أضاف فيورست لتقريره:


"عندما عدت للمنزل تحدثت مع خبراء أكاديميين لم يستبعدوا بشكل قاطع إستخدام الغاز ولكن كان أصوب شيء الاعتماد على رأيهم لأنهم كانوا متشككين. وحدها واشنطن وخاصة الكونجرس هم المتأكدون بالرغم من أن السفارة الأمريكية في بغداد (والتي كانت في أفضل موقع لمعرفة أهم الأحداث والاطلاع عليها) قد أصرت على القصة الأصلية وحيّر هذا الإصرار العراقيين أنفسهم.


وفي الكتاب المذكور نفسه وصف فيورست برنامج إعادة الإستيطان الخاص بالأكراد العراقيين فأوضح "أن صدام قد أرسل - بعد وقف إطلاق النيران – جيوشه لقمع عصيان الأكراد نهائياً، وأمر جيوشه بالوصول إلى الحدود الإيرانية وإخراج السكان الأكراد من الإقليم إلى بعد ثمانية أو عشرة أميال في العمق مع تحييد منطقة كان يستخدمها اللاجئون كملاذ."


"كانت أهداف صدام مفهومة ولكن الأهداف التكتيكية كانت وحشية. وقام الجيش بنسف عشرات القرى بالديناميت حتى تركوها أنقاضاً ونقل آلاف السكان من بيوت أجدادهم إلى قرى إعادة الاستيطان في داخل المنطقة الكردية."


في هذه العملية قام 60.000 كردي بعبور الحدود مع تركيا حيث ذكروا للصحفيين أنهم يهربون من الهجوم بالغازات، وأنكر العراقيين بغضب هذا الاتهام ولكن وزير الخارجية الأمريكي "شولتس" إدعى بأنها صحيحة، وأن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وبدون إجراء أية تحقيقات إقترحت مشروع قانون لفرض عقوبات مشددة على العراق. وأجج اللوبي الموالي لإسرائيل نيران الصراع وتمت الموافقة على القانون وتمريره. ولكن في معسكرات اللاجئين الأتراك كانت فرق الأطباء الدولية أكثر تشككاً بادعاءات اللاجئين وذكروا أن الفحوصات لم تؤكد إستخدام الغاز على الإطلاق.


واجه كل من "بلتير" و "فيورست" الادعاءات الخاصة بإطلاق العراقيين للغازات السامة على الأكراد كونه كان المحور الرئيسي لإدعاءات الإبادة الجماعية. فقد تحولت تلك الادعاءات إلى مزاعم بأن طرق قتل العراقيين تضمنت إستخدام الغازات والنسف بالقنابل وإعدام أعداد كبيرة من الأكراد.


وهناك صوت معارض لذلك غريب جداً وهو خاص بوكالة الاستخبارات المركزية في ملف أكتوبر/تشرين الأول 2002 عن "برنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص بالعراق". حدد هذا الملف عشرة حالات فقط لإستخدام العراق للأسلحة الكيمياوية، ولم يتم إستعمال أياً منها ضد الأكراد وبشكل خاص خلال الحرب الإيرانية – العراقية. تمت الإشارة إلى سبعة هجومات إستخدمت ضد الإيرانيين وثلاثة فقط كان ضحاياها من الإيرانيين والأكراد بما فيها حلبجة، ودعم هذا إدعاء العراق بأنه إستخدم غاز الخردل فقط في العمليات الحربية ضد إيران.


والأهم من ذلك زعمت وكالة الاستخبارات المركزية إصابة 20.000 شخص ما بين قتيل وجريح في الحملة العراقية المزعومة ضد الأكراد، بعكس تأكيد منظمة حقوق الإنسان على وفاة 50.000 أو 100.000 شخص. إن تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية يجب أن يتم تفسيرها كأرقام قصوى ممكنة.


تحليل تقارير عن الإبادة الجماعية :


أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان عدة تقارير تشكل العمود الفقري لموضوع الغازات السامة وادعاءات الإبادة الجماعية ، وأن تقريرها الرئيسي كان عن "الإبادة الجماعية في العراق"، إضافة إلى تقرير عنوانه "حملة الأنفال ضد الأكراد" لمنظمة أطباء لحقوق الإنسان وهي منظمة أطباء ملحقة بمنظمة مراقبة حقوق الإنسان وتتعاون معها ولكن تقريرها ليس على أساس من البراهين وإنما واهي بشكل كبير ويتكون من لقاءات مع 350 من الأكراد في كردستان في عامي 1992 و 1993 بعد أربع وخمس سنوات من وقوع الأحداث ونبش للقبور في ثلاث قرى وفحص وثائق حصل عليها المتمردون الأكراد من موظفي الحكومة العراقية الذين تم إعتقالهم.


إن البيئة السياسية التي تم في إطارها إجراء اللقاءات تتمثل كونها أجريت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وهى بالطبع دولة تدعم بقوة حركة الأكراد وتتعاون مع ممثلي وزارة الخارجية الأمريكية ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وهذا ما يضعف من مصداقية كل ما تم ذكره عن اللاجئين. كان لدى الذين أجروا هذه اللقاءات الدوافع الكاملة لإرضاء منظمة مراقبة حقوق الإنسان التي كانت في وضع يتطلب منها مساعدة الأكراد ولم تجد للقيام بذلك سوى نشر تقارير عن تلك الجرائم الوحشية.


وما لا يصدقه عقل هو تأكيد تلك المنظمة على وقوع عمليات إبادة جماعية بالرغم من الصعوبة الشديدة في العثور على دليل مادي. ومن خلال نبش ثلاث مقابر تم إخراج 26 جثة لرجال وفتيان تم إعدامهم. بالفعل كان هذا عملاُ وحشيا ولكنهم تركوا 99.974 جثة لم يتم التعرف على ظروف وفاتها. كما أن هناك مقبرتان، وجد بهما جثث لعدة أفراد تم دفنهم على حدة وتوفوا لأسباب غير معروفة، الأمر الذي لم يقدم أي دليل يدعم المزاعم الخاصة بالإبادة الجماعية.


إن قول منظمة مراقبة حقوق الإنسان بأن حوالي مائة ألف شخص (99.974) تم نقلهم إلى مناطق بعيدة وإعدامهم رميا بالرصاص في مقابر جماعية، هذا القول ليس هناك ما يدعمه من أدلة. كما ادعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان بأن القوات الإيرانية في حلبجة قد تمكنت من دفن 3.000 ضحية تحت طبقة رقيقة من الرمال في 16 مارس/آذار في مقابر جماعية في مجمع عنب، وبعد أربع سنوات كانت الجثث لا تزال هناك وقد بدأت في تلويث المياه الجوفية.


كيف علموا بذلك ؟ إننا لا ندري، كما أنه لا توجد أية أدلة تثبت تلك الادعاءات .


وننتقل إلى سؤال المحلل السياسي الأقدم لوكالة الاستخبارات المركزية "ستيفين بلتير" حين قال، "إذا كان قد تم قتل 100.000 شخص فأين جثثهم ؟"


هناك عدة أسباب أخرى للتشكيك في دقة تقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان:


1. ثمة آخرون حققوا في الموقف ولم يصلوا إلى نتائج مماثلة عدا جماعتين أمريكيتين فقط هما (منظمة مراقبة حقوق الإنسان وأطباء تابعون لها) وهؤلاء يعملون مع أعداء صدام حسين الذين هم المعارضة الكردية والحكومة الأمريكية.


2. بالرغم من أن تقرير كلية الحرب الذي يقع في تسعين صفحة هو في متناول عامة الشعب طوال ثلاث سنوات عندما نشرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان تقريرها المعنون "الإبادة الجماعية في العراق" عام 1993 إلا أن التقييم الأول لم يذكر عنه شيء. ولم يهتم أحد بملاحظات "ميلتون فيورست" المتزامنة والمباشرة. كما لا يوجد تقييم جاد لأي تساؤل عن الأدلة المضادة للإبادة الجماعية.


3. إن التقارير والكيفية التي تناولتها بها منظمة مراقبة حقوق الإنسان تظهر تحيزاً سياسياً مقصوداً لصالح حركة الأكراد في العراق. يصور تقرير "الإبادة الجماعية في العراق" الحكومة العراقية وسيادة الدولة العراقية التي يعترف بها العالم "كإدارة دمى". بينما عملت منظمة مراقبة حقوق الإنسان بقرب مع الاتحاد الوطني الكردستاني وهو أحد الجماعات المعارضة الأساسية.


4. وبكل بساطة لا يوجد دليل على إستخدام أي عنصر من المواد الكيمياوية كالغازات المسيلة للدموع وهى العناصر المحرم إستخدامها قانونا أو حتى عنصر غير كيماوي يؤدي إلى حدوث أعراض من التي تم وصفها في تقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان. أما أفظع ما ذكره التقرير فهو أن الإصابات التي تم نقل وصفها عن الأكراد كانت تتماشى مع تعرضهم لغاز الخردل. وهذا ما يثبت الفشل التام في إدراك أية أسباب أخرى ممكنة. علاوة على ذلك، نحن نعلم وعلى حد قول "ستيفين بلتير" بأن غاز الخردل لا يقتل أعدادا كبيرة من الأفراد. وفي كل الأحوال كانت إيران أيضا قد إستخدمت غاز الخردل.


وكمثل للاستنتاجات التي تم التوصل إليها بدون دليل مقنع – أو أي دليل مادي – هو ما يخص سبب أوردته منظمة مراقبة حقوق الإنسان في تقريرها "تدمير كوريم خلال حملة الأنفال". هذا التقرير يشرح عملية نبش القبور وإخراج جثتين زعموا أنهم قد قتلوا خلال هجوم بالأسلحة الكيمياوية في القرية الكردية برجيني.ومع ذلك تذكر المنظمة أن الفحص الهيكلي لعظام الجثتين اقتصر على تحديد ما إذا كانت هناك إصابة أو آثار تحيط بظروف الوفاة يمكن أن تتناقض مع ما قاله أهل القرية بأن المتوفيان قد تعرضا لأسلحة كيماوية. ولم توجد أية شواهد تدل على وفاتهما بسبب الأسلحة الكيمياوية، وفي الواقع لا توجد هناك أي علامة عن كيفية وفاة هذين الشخصين. ومن المحال إستخدام هذا كدليل قاطع على شن هجوم بالأسلحة الكيمياوية.


5. تظهر قرارات منظمة مراقبة حقوق الإنسان -المبالغة في إطلاق المزاعم- الميل للتأكيد على أن هناك أعدادا أكبر من الضحايا. وحدث تغير جذري في طبيعة هذا الإدعاء في تقرير عام 1993 تحت عنوان "الإبادة الجماعية في العراق" إدعت فيه المنظمة أن عدد الضحايا كان على الأقل 50.000 وقد يصل إلى 100.000 شخص. وفي عام 2003 إرتفع العدد فجأة إلى 100.000 شخص بشكل مؤكد. كما وحدث تغير في وصف الإصابة لجنس دون الآخر. مثلا في عام 1993 كان الكثير من الضحايا نساء وأطفال، أما في عام 2003 كان كل المائة ألف ضحية من الرجال والفتيان. وربما في عام 2003 أيضا تم نقل الرجال والفتيان إلى مناطق بعيدة وتم قتلهم رميا بالرصاص، ثم نقلت جثثهم إلى مقابر جماعية. ولم تذكر لنا منظمة مراقبة حقوق الإنسان اطلاقا لماذا لم تكن هناك جثث، سواء أكانت لذكور أم إناث لإثبات تلك المزاعم.


6. في عدة مواقف، دعت تقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان بوضوح إلى أنه كانت هناك محرقة تماثل محرقة النازيين، وأن النظام العراقي أخفى أفعاله وسط إستخدام العبارات الرقيقة وكان هناك توازي بين المحرقة والحملة المزعومة ضد الأكراد. إن اللجوء إلى هذا البئر العميق من المشاعر ضروري فقط عندما تكون الحقائق غير كافية للإقناع.


7. إعتمدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان على وثائق الحكومة العراقية التي إستولت عليها المعارضة الكردية. وتم حفظ هذه الوثائق داخل مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد. إن هذا المشروع - الذي يمثل تعاون المنظمة مع وزارة الخارجية الأمريكية- قد وضع عدداً من الوثائق في موقعه على الإنترنت، بعد إضافة عبارات مستفزة لتلك الوثائق مثل "الإعدام البيروقراطي" و "المغتصب المحترف" وذكروا في ذلك الموقع الإلكتروني بعض الادعاءات الوحشية وأهمية بعضها. ولكن ماذا لو تأملنا الوثيقة المعنونة : "الإعتراف بإستخدام السلاح الكيمياوي" والتي يذكر فيها ما يلي:


"من أمن شقلاوة، العدد 2034، التأريخ 10/5/1987 "علمنا ما يلي:


1. قام العدو الإيراني بتزويد عائلات المخربين في القرى والأرياف الحدودية بعقاقير طبية وخاصة أدوية ضد المواد الكيمياوية ويتدربون على زرق الإبر التي تستعمل لهذا الغرض وكذلك التدريب على كيفية إرتداء أقنعة الوقاية في الرأس.


2. يوجد هناك حوالي مائة مخرب من مختلف زمر التخريب في منطقة "ورته" التابعة لقضاء "الصِدّيق" على طريق "خانقاوه" وذلك لصدّ القوة التي ترافق ترحيل القرى، علماً بأن أغلب العوائل في تلك المنطقة قد غادروها إلى إيران.


يرجى تدقيق صحة المعلومات وإعلامنا خلال 24 ساعة لطفاً.


توقيع: رائد الأمن، مدير أمن شقلاوه."


وقد تم تفسير هذه الوثيقة كما يلي: "إن الوثيقة هامة للغاية لأنها تفسد أي ادعاء من قبل حكومة صدام حسين بأنها لم تستخدم الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب الكردي. أما التاريخ ومصدر ونص الوثيقة فكانوا إثباتا لا يقبل الشك عن حملة الإبادة الجماعية التي يقوم بها النظام العراقي؛ والمعروفة "بالأنفال" ضد الأكراد. إن موضوع استخدام النظام العراقي للأسلحة الكيمياوية كجزء من حملة الأنفال قد إنتشر للغاية، وكان لزاماً على الإيرانيين تزويد الأكراد بمواد تحميهم وتقيهم من المواد الكيمياوية.


بينما كان ذلك هو التفسير الممكن، يمكن أن تكون الوثيقة إما : (1) تقريراً للواقع أو (2) تحذيراً من أن الإيرانيين إستخدموا أيضا تلك الغازات (مواد مميتة أو غاز الخردل) وقد أنتجوا مواد طبية وثياباً واقية لكل من يساندهم، ويمكن أن يعدوا أنفسهم لشن هجوم كيماوي. إننا لا ندري حقاً ومن السخف أن نقدس هذه الوثيقة الهينة عن "الموافقة على استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل العراق".


ادعاءات عن استخدام غازات الأعصاب :


إن الأطباء التابعين لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان والذين تعاونوا مع منظمتهم قد أصدروا عدداً من التقارير كانت معظم إدعاءاتهم فيها مماثلة للتقارير الصادرة عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان وهى خاضعة لنفس الاعتراضات.


أحد هذه التقارير هام للغاية ويتطلب فحصاً مشخصاً وهو بعنوان "غازات الأعصاب المستخدمة في شمالي العراق ضد الأكراد" وصدر في 29 إبريل/مايس 1993.


ووفقا لهذا التقرير "قام فريق من الأطباء التابعين لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان بجمع عينات من التربة في 10 يونيو/حزيران 1992 من فجوات حدثت بسبب انفجار قنابل بالقرب من قرية برجيني الكردية شمالي العراق إدعى فيه أن الجيش العراقي قام بإلقاء قنابل على برجيني في 25 أغسطس/آب 1988. وتم تحليل تلك العينات بواسطة مختبر بريطاني والذي أقر بوجود دليل قاطع لبقايا من حوامض ميثايل فوسفونك و آيزوبروبايل ميثايل فوسفونك ومنتجات مشتقة من غاز الخردل. فحامض ميثايل فوسفونك هو ناتج عن التفاعل مع الماء وليس من الغازات أو المواد المؤثرة على الأعصاب، أما حامض آيزوبروبايل ميثايل فوسفونك (والذي أطلق عليه التقرير بشكل خاطئ إسم حامض آيزي بروبايل ميثايل فوسفونك) هو مادة ناتجة عن تفاعل الماء مع السارين."


إذا اعتبرنا أن العينات صحيحة والظروف المناسبة (فى حالة وجودها) للتفاعل بالماء كانت متاحة، تكون هذه النتيجة هامة. حيث يمكن للسارين أن يكون عاملا فى وقوع وفيات لأربعة أفراد من قرية برجيني وقد أعلن ذلك فى نفس اليوم.


ومع ذلك فإن السارين ليس له رائحة، ووفقا لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان، ذكر سكان القرية أنهم قد شمّوا روائح مختلفة ومحددة بعد القصف بالقنابل. قالوا: كانت الرائحة طيبة فى البداية مثل رائحة التفاح أو شيء حلو المذاق، ثم تحولت إلى رائحة تشبه رائحة مبيد الحشرات فى الحقول، ثم أصبحت كريهه للغاية. وللموافقة على هذا التقرير يكون من الممكن القول أن العراق قد خلط السارين وغاز الخردل معاً أو مع عنصر ثالث، كما ذكر كاتبوا التقرير وجود ثلاث موجات لأربع قنابل، وكلها كانت تبدو متطابقة.


وتدعي مصادر أخرى أن العراق قد إستخدم غاز الأعصاب. فتقول وكالة الاستخبارات المركزية أن العراق إستخدمه ست مرات: خمس مرات ضد القوات الإيرانية والمرة السادسة فى حلبجة ضد الإيرانيين والأكراد. وتتضمن ست مرات أو أربع منها على الأقل إستخدام غاز التابون الخام وليس السارين، وزعموا أن تلك العناصر التي إستخدمت في الحالتين الأخيرتين لم يتم تحديدهما. ذكر "ريك فرانكونا"، وهو ضابط أمريكي متقاعد باستخبارات القوات الجوية وعمل كضابط إتصال حول الجيش العراقي، بأن تلك الوقائع قد حدثت أربع مرات فى عام 1988.


مساندون آخرون لادعاءات وقوع عمليات إبادة جماعية:


هناك آخرون تبنوا إدعاءات ومزاعم وقوع عمليات إبادة جماعية، على رأسهم "جيفرى جولدبرج" الذي كتب قصة فى 18 ألف كلمة أسماها : "الرعب الأكبر" فى 25 مارس/آذار 2002 ، وصدرت عن مجلة نيويوركر، ووضعت على الموقع الإليكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية عن عمليات الإبادة الجماعية المزعومة. فقصة "جولدبرج" مليئة بالأحداث المثيرة حيث ذكر من خلالها على سبيل المثال، أن إمرأة تدعى "حميدة محمود" ماتت وهى ترضع طفلتها ابنة العامين، ثم ذكر قول منظمة مراقبة حقوق الإنسان "إن حملات الهجوم التي شنها صدام حسين على مواطنيه تؤكد أن هذا هو الزمن الوحيد منذ محرقة النازيين الذي إستخدم فيه الغاز السام لإفناء النساء والأطفال".


ولم يذكر "جولدبرج" لقرائه، أنه مزدوج الجنسية ويحمل جنسيته الإسرائيلية بجانب الجنسية الأمريكية، وكان يعمل فى قوات الدفاع الإسرائيلية قبل ذلك بعدة سنوات أو أنه تجاهل عن عمد تقرير كلية الحرب والذي بالطبع طرح نتائج أخرى لم تكن على هواه.


وبتفصيلات غريبة إتبع "جولدبرج" ما ذكرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان عن حلبجة وأكد أن العراقيين قد أسقطوا وابلاً من قنابل الغاز على المدينة الكردية بعد أن سيطر عليها الجيش الإيراني بالرغم من أن الإيرانيين لم يذكروا أي إصابات بالغاز.


كما أن هناك جزء مهما من سرد "جولدبرج" لم يكن مناسباً على الإطلاق له ولكل من ساند الإدعاء بقيام العراقيين بارتكاب عمليات إبادة جماعية ضد الأكراد، وهو أن الأكراد فى رواياتهم ذكروا أنهم أصيبوا بقرح جلدية وفى بعض الأحيان سقط منهم قتلى على الفور بسبب غاز الخردل على الرغم من أن غاز الخردل لا يظهر أعراضاً فورية.


ووفقا لمذكرة واقعية صدرت فى ديسمبر/كانون الأول 2002 من وزارة الصحة البريطانية "إن غاز الخردل عادة لا يسبب ألماً وقت التعرض له، وقد يتأخر ظهور الأعراض لأربع أو ست ساعات، وفى بعض الأحيان تظهر على الفور أعراض مثل : الغثيان ، الدوار ، القيء وألم بالعين". وبالمثل ذكرت مراكز الولايات المتحدة للسيطرة على الأمراض أن "غاز الخردل يحرق الجلد ويسبب قرحاً خلال أيام قليلة". وقد وافقت مصادر أخرى على ذلك.


وعلى نحو مثير، تم زج قصة "جولدبرج" على الفور فى حملة إدارة بوش ووضعت مقالته في قسم "الحقائق" فى مجلة نيويوركر. ويمكن تفسيرها كجزء من الحملة الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة ضد صدام حسين حيث يدعم "جولدبرج" بحماس شديد فكرة الإطاحة بصدام.


أما "كرستين جوسدن" وهي أستاذه فى علم الوراثة الطبية فى جامعة ليفربول البريطانية، فكانت مدافعة عن تلك الإدعاءات رغم أنها قد بدأت تهتم بذلك فقط بعد زيارتها لحلبجة عام 1998. إنها مؤمنة حقا بالوضع السائد هناك فى تلك السنوات العليلة وحولت نفسها إلى خبيرة فى الإرهاب وأيدت ذلك أمام الكونجرس. ثم شاركت فى تأليف عمل ظهر مؤخراً (وهو شديد الإثارة) مع الصهيوني المعروف "موريس أميتاي" المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للأكراد.


لم تقم "جوسدن" بإضافة أي دليل لفهمنا للوقائع سوى أنها رفعت عدد إجمالي الوفيات إلى 200 قتيل علاوة على أنها أضافت إستخدام أسلحة بيولوجية وإشعاعية لقائمة العناصر التي يزعمون أنها قد إستخدمت بواسطة النظام العراقي ضد الأكراد.


هناك خبير إنتقد بشدة إدعاءات "جوسدن" هو "د. جوردون براثر" وهو عالم بالفيزياء النووية كان سكرتيراً مساعداً للجيش الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا فى فترة رئاسة الرئيس الأمريكي ريجان والذي أدلى به بنفسه عن المواد الكيمياوية حينئذ لما كان يضطلع به من مسئوليات وبصيرة نفاذة فى ذلك العالم، وأكد "براثر" في تعليقه التالي على إدعاءات الإبادة الجماعية كرد منه على مزاعم الدكتورة "جوسدن":


[إن تأكيد الدكتورة "جوسدن" بأن 280 قرية قد قصفت بالغازات السامة ما هي إلا مزحة وكان لزاماً عليكم أن تعرفوها دون مراجعة الحقائق. لقد كانت هناك مئات القرى على الحدود العراقية قد أزالتها بغداد ولكن المقيمين فيها تم نقلهم لقرى جديدة تم بناؤها خصيصاً لهم فى الداخل (داخل البلاد في المنطقة الكردية). وتمت دعوة الصحفيين الغربيين لتلك الأماكن ليشاهدوا عن كثب تلك العملية، بما فيهم "كارين اليوت هاوس" التى تعمل في "وول ستريت جورنال" وهي الآن رئيسة لمجلة "دو جونز" الدولية].


كما وأن هناك "جوين روبرتس" وهو مراسل التليفزيون البريطاني الذي زار معسكرات اللاجئين الأكراد فى عام 1988. لقد دخل "روبرتس" أيضا الإقليم العراقي وأخذ معه بقايا قنابل وجد بها المختبر البريطاني أجزاء من غاز الخردل. ولكن "روبرتس" لم يحدد على الإطلاق من أين أحضر تلك البقايا، ومن المعروف أن إيران والعراق لديهما غاز الخردل.


لقد كان أغرب تقرير قدمه "روبرتس" عما أسماه بالمذبحة فى شمال العراق فى 29 أغسطس/آب 1988، وراح ضحيتها كما هو مفترض من 1.500 إلى 4.000 قتيل معظمهم من النساء والأطفال قتلوا جميعاً بواسطة مزيج من غازات الأعصاب المختلفة. ولقد تم تفسير عدم وجود الجثث بأن الجنود العراقيين قد أحرقوها بينما هم كانوا يرتدون أقنعة واقية على وجوههم.


ونعود مرة أخرى إلى "ستيفن بلتير"، محلل وكالة الاستخبارات المركزية، حيث يقول أن الجيش الأمريكي قد درس بدقة تلك التقارير ووجد أنها تفتقد إلى المصداقية والأساس السليم.


ويضيف "ستيفن بلتير" في تعليقه على تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية بأنه مرعب جداً. كما وأضاف يقول، "هناك إيمان راسخ كما أنا أؤمن به اليوم من أن ما حدث في حلبجة لم يحدث بالطريقة التي وصفها تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية، وأن هذه المسألة حساسة جداً حالياً". وأضاف يقول، "نحن نقول بأن صدام وحشي ومهووس لأنه قتل أبناء شعبه بالغازات السامة وأن العالم يجب أن لا يتحمله، ولكن السؤال هو لماذا؟ والجواب هو لأن ذلك هو الجدل الأخير الذي تستخدمه الولايات المتحدة لشن الحرب على العراق."


كما يقول تقرير المخابرات المركزية الأمريكية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية والذي نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2002 أن هناك فقط دليل على أن المئات قد قتلوا في حلبجة في مارس/آذار 1988، وأن غاز الخردل وغاز الأعصاب فقط قد إستخدما من قبل العراقيين. يبدو من ذلك أن المخابرات المركزية الأمريكية تساند الآن ما جاء بتقرير كلية الحرب الأمريكية الذي أصدرته في إبريل/نيسان 1990 من أن عنصراً في الدم يعتمد على السيانيد وليس غاز الخردل أو غاز أعصاب هو ما قتل الأكراد في حلبجة. كما أنه لا يوجد هناك في تقرير المخابرات المركزية الأمريكية ما يشير إلى أنه كان هناك هجوم بالأسلحة الكيمياوية على 40 قرية عراقية كردية كما يشير تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية وادعاءات الجماعات الكردية.


وفي 3 مايو/مايس 1990، أشارت صحيفة الواشنطن بوست إلى دراسة أخرى تقول فيها أنه في عملية إحياء وتقييم للمراحل النهائية للحرب العراقية الإيرانية أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية أجمع فيها المحللون من أن المعلومات المخابراتية الحاسمة تؤكد أن ما حدث في حلبجة هو أحد أسوأ المذابح المدنية في الحرب العراقية الإيرانية، والتي كان سببها إستعمال القذائف الكيمياوية من كلا الجانبين المتحاربين.


هذا وكتب "روجر تريلينغ" في صحيفة Village Voice الأسبوعية بعددها الصادر في 1-7/5/2002 معلقاً على التقرير الذي نشرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية في الفصل الخاص بالأسلحة الكيمياوية من أن ذلك الفصل كان مخصصاً للتكتيكات العسكرية العراقية، بإستثناء جملة واحدة تسترعي الإنتباه تقول: " أن عنصرا خاصا بالدم [ كلوريد السيانوجين ] كان مسئولاً ظاهرياً عن غالبية الإستعمال سيئ السمعة للمواد الكيمياوية في الحرب، ألا وهو قتل الأكراد في حلبجة . وبما أنه ليس لدى العراقيين أي تأريخ عن إستخدام هذه المادة، في حين كان للإيرانيين ذلك، فإننا نستنتج أن الإيرانيين هم من إرتكبوا ذلك الهجوم ."


والنتائج أعلاه التي توصلت إليها وزارة الدفاع الأمريكية تفرض الآن سؤالاً ملحاً عن أسباب المبالغة التي أدت بمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية والجماعات الكردية إلى تحميل العراق مسئولية وفاة المئات من الأكراد العراقيين نساء وأطفال وعجائز ممن يقال انهم قضوا نحبهم في حلبجة.


هل هناك دليل قوي على ذلك ؟


تم العثور في المنطقة على مقبرة بها 26 (أو 27) جثة لأفراد أطلق عليهم النار، ولم يصابوا بأي مادة كيماوية؛ وبقايا نوعين من الغاز فى موقع واحد به أربعة أفراد متوفين. هذا كل ما فى الأمر. لا يمكن إلا لشخص يسهل خداعه فقط أن يجد فى هذا دليل كاف للإبادة الجماعية.


ورغم تشكيكات الخبراء الواردة أعلاه، وبعد سنوات من حملة قادتها لحساب القيادات الكردية شركات العلاقات العامة بالتعاون والتنسيق مع المخابرات الصهيونية تم تسويق موضوع "الإبادة الجماعية" للأكراد على المجتمع الدولي.


د. محمد العبيدي


أستاذ جامعي مقيم في بريطانيا


17-08-2010

مفارقات الزمن الاسود/المشهد الخامس والعشرين: حوار صحفي مع السيد نوري المالكي


انه رجل ليس كالرجال. بطل الظلام. وساحر الملايين. عشقوه لأنه يفعل الحق ويقول الحق ويعشقه. تقي ومؤمن بما انزل الله. إن أسأت إليه شكرك وان أحسنت صمت وان تكلمت غاص في خفايا مقولك كمن يمسك بمصدر ما يوحى.مشى على الأشواك حتى أدمت قدماه وبكى في غربته كمن يستأنس بالبكاء حيث لاصدى يجيب ولا طائر يغرد. أخضع بوش وأباطرة العالم فركعوا أمام نعليه وأملى : هاأنا هنا..انصرفوا . فانصرفوا إلى مهمات تمليها أقداره. انه جواد نوري المالكي رئيس وزراء العراق المنتخب ..ضيفنا اليوم في صفحة : مشاهير السياسة.

- سيدي الوزير مرحبا بكم وشكرا على قبول الدعوة لإجراء هذه المقابلة
- شكرا لكم وأهلا بأهل تونس
س : سيدي الزير ، بماذا يقدم السيد نوري المالكي نفسه للقارئ التونسي ؟
ج :ههههه..طبعا الوزير وليس الزير..الزير هو آنية فخارية كان أجدادنا يخبؤون فيها المؤن من طبيعة السوائل كالعسل والزيت.. أما الوزير فهو موقع وظيفي سياسي وسيادي يتم ملؤه بالانتخاب المباشر ..وان كنت أثق في كون الوصف ورد في شكل زلة لسان إلا أني تعمدت التوضيح حتى لايعتقد القراء أني هيكل فخاري بالفعل في ظل التعتيم على وزارتنا في العراق وخارجه.
س : المعذرة سيدي...لم يكن الوصف زلّة لسان وإنما تشخيص قصدنا منه الإشارة إلى حلاوتكم باعتبار أن الزير آنية لحفظ العسل كما أشرتم. ألا يروق لكم ذلك سيدي ؟
ج : أشكركم ولكن كان عليكم أن توضحوا بان الزير يحمل نقشا كسراويا متميزا وذو قيمة جمالية وتراثية عالية ، هذا قبل أن يأخذ العرب تقنيات هذه الصناعة وينسبونها لأنفسهم.
س : يبدو أنكم سيدي على ثقافة عميقة بالتاريخ الفارسي والعربي..لنواصل الحوار ونعود إلى السؤال : قراؤنا يريدون أن يتعرفوا عليكم عن قرب. فماذا تقولون عن أنفسكم ؟
ج : لي في الحقيقة الكثير من الأسماء وهذا طبيعي خصوصا في مرحلة مقارعة الديكتاتورية وقيادة الشعب العراقي إلى الحرية لكن اذكر اسمين لكم أن تختاروا احدهما : جواد الطوبرجاوي ، ونوري المالكي..لكن...
س : عفوا..المعذرة على المقاطعة.. الأمر لايتعلق باسمكم سيدي فنحن نعرف مقدما انه سيثير الكثير من اللبس حول عراقيتكم ولا نريد فتح الموضوع ..هدفنا الأساس هو تقديم تجربتكم النضالية الرائدة كي يستفيد منها العرب وكل القوى المناضلة من اجل الديمقراطية والحرية..فكيف تعرفون أنفسكم في ضوء هذه التجربة..؟
ج: جيّد..أنا مناضل ضد الديكتاتورية...ألا يبدو هذا كافيا..؟!..ثم مناضل ضد البعث الديكتاتوري ، بالإضافة إلى كوني مناضل ضد البعثية الديكتاتورية وضد صدام الديكتاتور ، اخيرا ضد رغد ابنة الديكتاتور..لاشيء أهم في حياة الإنسان من أن يشترك في تخريب مشروع صدام وأحلامه في القوة والتوسع..عندنا جيران مسالمون لكنه كان يطمع في إخضاعهم ..معلوماتنا سنة 1989 كانت تشير إلى نواياه في احتلال المغرب الأقصى ثم يمر إلى كازاخستان و بوليفيا وانه نشر صواريخ ارض ارض في محيط العاصمة اليمنية صنعاء كما أرسل فرقة من الحرس الجمهوري لاقتلاع برج ايفيل والعودة به إلى بغداد ولا ننسى زلزال الهند وإيران وحرائق فلوريدا واغتيال بطرس الثالث سنة 1762م...فقد حصل كل هذا ، وغيره كثير ، بفعل جهاز مخابراته كما يعلم الجميع.
س :..ولكن سيدي..عذرا على المقاطعة.. هذه معلومات لم تطرح سابقا ونخشى أن تكون مجرد اتهامات.. هل لديكم مايؤيدها..؟
ج : نعم لدينا...المخابرات الأمريكية نقلتها إلينا والى كل القوى الوطنية الحليفة في ذلك الوقت. كما قدمت لنا المخابرات الإيرانية طائفة أخرى من الفظائع كثيرها لم يكن مقنعا وبالتالي لامجال لذكرها.
س : هل بإمكانكم أن توافونا ببعضها على الأقل؟
ج : اذكر مثلا أنها أعلمتنا بان الإرهابي صدام كان كافرا إذ لايؤمن بالإمامة ويسقّط آل البيت عليهم السلام ويسخر من اللطم.. وهذا كنا نعرفه من قبل..كما كشفت عن مخططه لشراء اسود من إفريقيا وإطلاقها على الشعب العراقي..وقد تم بعون الله إحباط هذا الأمر في الوقت المناسب.
س : كيف أحبطتم هذا ؟
ج :كنت فردا من المجموعة الفدائية التي نفذت المهمة البطولية..تسللنا إلى نقطة تجميع الأسود قبل ترحيلها إلى بغداد وبعد أن تم تسديد ثمنها وتجويعها..قرانا تعويذة خمينية مباركة..فإذا بأنيابها ومخالبها تتساقط وتتفكك عن أجسادها..وقد علمنا بعدها أن الأوامر صدرت من بغداد بإعدامها ...وفشل المخطط الإجرامي.
س : هذا شيء اغرب من الخيال سيادة الوزير..هل تتمتعون ببركات الإمام الخميني ؟ واعذروني إن كان السؤال شخصيا بعض الشيء.
ج : بالطبع..لقد قبلني الإمام (ق.س) من شفتي اياما قليلة قبل وفاته ثم بصق في فمي..وقال : اذهب انك من المبشرين بالحشر معي ثم أجلسني في حضنه و أجهش بالبكاء. وكان هذا مؤشرا على تمتعي ببركاته. وللعلم فقد بلغ الأمر إلى أصدقائنا الأمريكيين فأرسل لي بوش الأب آنذاك تهانيه الحارة وقد كرر ابنه وسلفه جورج دابليو بوش التهنئة في أول زيارة له إلى بغداد بعد التحرير العظيم...وللحقيقة فاني نادرا ما أتحدث عن هذا.
س :هل لكم سيدي الوزير أن تكشفوا لنا عن ظروف استلامكم للوزارة أول مرة وقبل إجراء العملية الانتخابية ؟
ج :لقد اتصل بي أصدقاؤنا من أمريكا والجمهورية الإسلامية ومن اربيل عبر الأستاذ جلال بان اضطلع بمهمة قيادة العراق المحرر ولكني رفضت لأني رجل مقاومة وتحرير فقط وان مهمتي حسب تقديري انتهت بسقوط تمثال أبو جعفر المنصور والطاغية وتركيز الديمقراطية بالبلد...لكن تتالت علينا الوفود من شعبنا العراقي بكافة طوائفه ومذاهبه ومن الخارج...إلى أن زارني الصديق بوش..ولما اعتذرت له..أجهش بالبكاء واشار لباربرا بالارتماء في حضني..فكان موقفا مؤثرا وصعبا...قادني إلى قبول رجائه والاستجابة لتوسلاته...فكسر الخاطر ليس من شيم الوطنيين الشرفاء.
س: نعم هذا صحيح وقد أشار إليه بريمر في مذكراته كما ذكره السيد خامنائي في إحدى خطبه وهو أمر يحسب لكم سيدي..لكن هل لكم أن تحصوا بعض انجازاتكم..؟
ج : لاتحصى ولا تعد.
س: بعضها على الأقل..
ج: الأفعال الخيّرة تذكر كلها أو تترك كلها. وبما أني غير قادر على ذكرها كلها فأولى بي أن اتركها كلها.
س: إن ذكر بعضها من شانه أن يقوي موقفكم أمام خصومكم...وهذه فرصة لاتفوتوها..ألا تتفقون معي في هذا ؟
ج : صحيح..نعم..لقد فاتني هذا الأمر..خذ مثلا : إطلاق قناة الفيحاء ، قناة الغدير ، قناة الرضيع ، قناة الفتاوى الوردية للأمور النارية ،قناة يارغد ياابنة الديكتاتور ، قناة الاضحى المبارك ، قناة ياالبرتقالة ، إذاعة كاتم الصوت ، إذاعة المثقب الكهربائي ، إذاعة سلخ الجمجمة ، صحيفة فيلق القدس ، صحيفة السيد نوري المالكي ، صحيفة إسراء المالكي ، قناة أبو غريب ، صحيفة دمروا الفلوجة ..كما أسندنا تأشيرات للكثير من القوى الوطنية للعمل السياسي والمدني مثل حزب الشياطين الحمر، حزب البصرة لنا ، حزب الأئمة الاثني عشرية ، حزب اسرق واهرب ، حزب أزنى واتخبى ،تجمع المبشرين بالجنة . وسمحنا لبعض الأحزاب الأجنبية بتأسيس فروع لها في العراق مثل الحزب الجمهوري وحزب الليكود ومنظمة الموساد للتجارة والتسويق... وليس لعاقل أن ينكر دور هذا الانفتاح في دمقرطة العراق الجديد ولا أن يقر بوجوده في زمن الديكتاتورية.
س : ولكن سيدي..ماهي انجازاتكم على مستوى الأمن ؟
ج:كل من عليه شبهة التمرد نرمي به في دار الضيافة..عسى أن تهذب الزهور والأنوار والمظاهر الفاخرة سلوكه ويصبح مواطنا صالحا..أما المجرمون فيعدمون ثم نقوم بمحاكمتهم محاكمة عادلة وشفافة لنثبت للعالم أننا عادلون حتى في القتل. وفي العموم نلاحظ أن البلد آمن والحياة فيه رائقة وطيبة والكل سعيد بالتحرير بل أن البعض من شعبنا لايزال في غمرة الاحتفال بما أنجز يوم 9 مارس 2003 وفي كثير من الأحيان لما أقوم بجولة في شوارع بغداد مع عائلتي للتسوق أو للنزهة استمع إلى الزغاريد التي تنطلق من هنا وهناك بل واجد نفسي مضطرا لطي لحاف على رقبتي حتى احميها من أوساخ بعض الأيادي التي تعانقني.
س: يتردد في الإعلام أن الجيش العراقي محروم من بعض الأسلحة الضرورية التي تخول له حفظ حدود العراق..مارايكم ؟
ج : تقصد جيشنا بالطبع..لان قائده في الدستور هو السيد رئيس الوزراء النوري المالكي..طيب..بالنسبة للسلاح عندنا أكداس من الرصاص والبنادق والمواد المتفجرة والمثاقيب والأسلحة الكاتمة للصوت والسكاكين والسيوف..وهي مانقوم بها بحفظ الأمن وقد ثبتت نجاعتها..أما عن الحدود فنحن آمنون.. حدودنا الشرقية تحميها الجمهورية الإسلامية..الشمالية والشرقية والجنوبية يحميها أصدقاؤنا الأمريكان والمدن تحميها بلاك ووتر وفرقنا التي اكتسبت خبرة منذ أيام النضال ضد الديكتاتورية..أما مايتداول في الإعلام فيتعلق بأسلحة الدمار الشامل ونحن نرفض أن نزود بها جيشنا.
س: نتطرق الآن لملف العملية السياسية...ماهو موقفكم من السيد علاوي؟
ج : هذا عميل..وأنا أؤكد لكم ذلك..قبل التحرير تم إرسالي إلى جهة دولية ضمن مهمة تنسيقية فوجدته قد سبقني إليها...وسبقني أيضا في مد جسر تواصل مع الولايات المتحدة ومع الجمهورية الإسلامية ومع المملكة المتحدة وجيهات عربية مجاورة للعراق..هذا عميل والقضاء العراقي الوطني والمستقل يستعد لمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى.
س:عفوا سيدي الوزير..لقد سبق أن شغل منصب رئيس وزراء العراق بعد التحرير..وكنتم في شراكة سياسية معه...أليس كذلك ؟
ج: نعم..ولكن تلك كانت رغبة أمريكا...اوتتصورون أن أمريكا يمكن أن تسلم الوزارة لرجل لايكون عميلا لها..؟؟!!..خصوصا في بلد لايزال مسرحا لعمليات جيشها العسكرية وتحت مسؤوليتها القانونية.. أنا لااومن إلا بالشراكة مع الوطنيين المخلصين لمذهبهم ولتاريخهم الوطني ولآل البيت عليهم السلام.. فالعراق اليوم صار لهم وسيظل كذلك..
س : لننهي هذا اللقاء..بقي سؤال وحيد..ماهي سيدي الوزير مشاريعكم المستقبلية ؟
ج :بيع أم قصر لدولة الكويت ، إهداء الناصرية والبصرة والنجف للجمهورية الإسلامية ، كراء كركوك للكرد ،نقل الفلوجة إلى الالسكا واستيراد قطعة ارض أجنبية لتحل محلها ،إلغاء الحروف التالية من اللغة العربية : ص/د/أ/م ، تقنين استهلاك المخدرات والزنى والسرقة حتى تبدو هذه الحريات الجديدة مهذبة ، تنظيم متحف لجماجم البعثيين ونصب تذكاري لشهداء الجيش الأمريكي في العراق ،استبدال الجامعات بالحسينيات...وفي الحقيقة هي أهداف طموحة نبشر بها الشعب العراقي ونسال الله أن يوفقنا في تحقيقها.
س: ماهو السؤال الذي لم نطرحه عليكم ؟
ج: ماهي اسعد لحظات حياتي..؟
س: تحرير العراق بالطبع ، أليس كذلك ؟
ج : لا...لا أبدا..انه إعدام الطاغية..ليس ثمة احلي ولا أروع من ذاك المشهد الذي طالما تمنيناه وحلمنا به..وقد نجحت في تحييد أستاذ جلال الذي كان يتظاهر بالتردد على إمضاء القرار لان القضية كانت قضيتي الشخصية وقضية حزب الدعوة الإسلامية وشركائنا في النضال. تصور أن سعادتي بهذا فاقت سعادتي باستلام الوزارة..وباستقبال نجاد في بغداد حتى!.
س: كلمة أخيرة للشعب التونسي.
ج:اكيد أن شعبكم كغيره من الشعوب الأخرى يحسدنا على ما تحقق في بلدنا....نتطلع إلى إفادته بخبرتنا في تحقيق الأمن وتوفير الخدمات وتحقيق الديمقراطية... تحياتي القلبية له.



شكرا سيدي الوزير



بغداد في:20 شوال 1431 الموافق ل29 سبتمبر2010
(منقول عن صحيفة خنافس وخفافيش )
Whamed6@gmail.com

مفارقات الزمن الاسود/المشهد الرابع والعشرين: مشاهد فضيعة ومقرفة/الهادي حامد-تونس


المشهد الأول:

*عباس يطمح إلى تجميد مؤقت للاستيطان (حتى وإن ألغى بانتهاء المفاوضات)...وهذا يعني أن الاستيطان :


-حق صهيوني مبدئي


- خطورة هذا الحق ليس قظم أراضينا وتهجير شعبنا وحيازة خيراتنا والتقدم في توطين شعب بلا ارض في ارض بلا شعب والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني وعلى أهداف حركة التحرر العربي والدوس على المسلمات الحقوقية فلسطينية وعربية وإنسانية...ليست خطورة الاستيطان هي هذه..وإنما إرباك العملية التفاوضية وإحراج عباس أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي وأنصار قضيتنا عبر العالم.


-أن عباس هو البديل الفعلي لاغتيال الشهيد ياسر عرفات وهو المعول عليه في إنهاء الصراع على قاعدة تنفيذ الأهداف الصهيونية وتشريعها فلسطينيا على الأقل. وربما يعني أيضا أن هذا البديل متورط في عملية الاغتيال.


- أن أمريكا ، الراعي المحايد والنزيه ،يشجعه على تحقيق هذا الهدف ويزينه له على انه هدف حقيقي وليس وهميا بحكم أن عباس لايطمح إلى شيء بصفة علنية إلا إذا كانت أمريكا أعطته الضوء الأخضر، وكلما يتغير الضوء يتغير الموقف التفاوضي أو " النضالي ".


-أن المسيرة " النضالية " للقيادة الفلسطينية الجميلة والحذقة والمؤدبة تسير في اتجاه معاكس لسير الأحداث عالميا ولوضع أمريكا إقليميا وعالميا .حكمة عباس تقول انه كلما كانت أمريكا في حالة ضعف يجب أن يكون وفريقه الدايتوني أكثر ضعفا حتى تبدو أمام هذا الفريق العاشق لكل ماهو أمريكي في وضع معنوي أفضل.


*اوباما يطمح إلى دولة فلسطينية " قابلة للحياة " . هذا المفهوم جديد في الأدب السياسي والحقوقي وقد احل محل/ أو أضيف إلى مفهوم كثيرا ما تم تداوله وهو " جنب إلى جنب " (دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل ) ، لكن المحتوى الايروسي تدعم بهذا الوصف الجديد إذ لايمكن أن تحيا الدولة الفلسطينية إلا إذا كانت تستمد أسباب حياتها من جنب دولة إسرائيل وهما بالطبع تنامان على فراش واحد ،لحاف الغطاء أمريكي وألوانه زاهية كدماء الضحايا.


هنا أيضا يمكن أن نرصد بعض المعاني وهي :


- أن المفهوم العلمي للدولة لم يعد يقتصر على الأرض والشعب والسيادة بل أضيف لهذه المقومات القابلية للحياة..والقابلية هذه تختلف عن الضرورة..والمسافة بين الضرورة والإمكان هي مسرح المناورة الصهيونية والأمريكية ومسرح الخيانة الفلسطينية.


- قد يأتي زمن على الأطراف المجانبة لبعضها يزعم فيها احدها أن هذه الدولة يجب أن تسلك هذه السياسة أو تلك ، أن تسلم هذا الإرهابي أو ذاك ، أن تستشير وتتلقى التعليمات...وذلك حتى يمكنها الحياة لفترة أطول أو حتى لاتنهار...أقسى وأقصى مايخشاه عباس وفريقه الدايتوني أن تختفي الدولة فيفقد لقب السيد الرئيس ومعه يفقد من يفقد لقب وزير ولقب مدير ولقب مستشار ولقب رئيس الديوان ووو...وتلك الطامة الكبرى.


- ترسيخ المنطق المغلوط والغبي أو المخادع الذي يشيع جهرا أو سرا بان فلسطين محتاجة إلى دولة وليس إلى تحرير ، محتاجة إلى ألقاب ومسؤوليات فخرية وشكلية وليس إلى مقاومين ، محتاجة إلى مكاتب وإدارات وليس إلى معسكرات أو ساحات تدريب ، محتاجة إلى اجتماعات ومؤتمرات ومداولات وليس إلى خنادق وميادين قتال، محتاجة إلى عطور ومعلبات وليس إلى رصاص وبنادق.


- أن اوباما ، مثل أسلافه المجرمين والحاقدين على كل ماهو عربي ، حريص كل الحرص على حل القضية الفلسطينية ومتعاطف كل التعاطف مع الحق الفلسطيني والعربي...خصوصا انه عائد من أفغانستان والعراق بخفي حنين وقميص حنين وأشياء من مزبلته.


ماذا يسمى هذا...؟؟..وهل يمكن استيعابه والتكيف معه...؟؟..اويتكيف الجائع مع القيء فيلتهمه..؟؟؟..هل أننا أحمرة وبغال حتى يلعب علينا اللاعبون ويلامسون مواطن عفتنا..؟؟..أليس المساس بأهداف حركة التحرر العربي مساس بمواطن العفة أو أقسى...؟؟..قد تقولون لي عن أي حركة تحرر تتحدث..ولكني أقول : إذا كنتم عاجزين لاتفرطوا على الأقل..فعدم التفريط بالحقوق هو الكسب الأدنى إلى أن يفعل الله أمرا كان مفعولا.

المشهد الثاني :

القائمة العراقية تصرح بأننا لن نشارك في حكومة يرأسها المالكي..وهنا أقول :


انتم من يرأسكم...؟؟..وماذا فعل رئيسكم حين استلم الوزارة..؟؟ فضح الاحتلال الفارسي...؟؟ طرح على المحتل الأمريكي التفاوض من اجل مغادرة البلد..؟؟..أطلق الأسرى والمعتقلين من السجون أو توقفت أجهزته عن ملاحقتهم..؟؟..ماذا فعل حين زار الكونغرس وماذا قال في خطابه ولأي غرض سافر أصلا ؟؟؟..ولم كان يسافر إلى طهران وماذا كان يطلب..؟؟..


قبل أن يدخل إلى العراق مع من كان يتعامل..؟؟..لم كان يتواصل مع مايناهز 20 جهاز مخابراتي عالمي بينما كان العراق يئن تحت وطأة حصار لم يعرف له التاريخ مثيلا ومعرضا لرجعات طيران الأعداء الذي لايرحم..؟؟..في المحصلة : هل كان علاوي أكثر وطنية من المالكي؟؟..اجزم بان محرار قياس الفرق في الوطنية بين العميلين سيضطرب ولن يستقر على تحديد.


كلاهما عميل لقوى الاحتلال. عميل لأجهزة المخابرات المعادية . طماع وسمسار ومختل في تكوين شخصيته وفي عقيدته..وبصراحة أفضل المالكي المجرم البيّن على علاوي المجرم المتخفي. وهو تفضيل افتراضي وغائي لأني لااتمنى أن يحكم شعب العراق مجرمين كهؤلاء.


ثم..القائمة العراقية غارقة في العملية السياسية المخابراتية (صنعتها أجهزة مخابرات الأعداء) إلى الذيل. ولاهثة خلف المواقع والمناصب / خلف فتات الذل والعار.وهي وغيرها من القوائم في موالاة الأعداء وخدمتهم سواء.


وليس من بديل أمام الخلّص إلا المقاومة...لكن عليهم أن يؤمنوا بالثمن ويقبلوه عن طيب خاطر..وهذا صعب على الذين تربوا في أقبية المخابرات ورضعوا من ضرع الشياطين.

المشهد الثالث :

وثائق تكشف بان هدف بوش من الحرب هو الإطاحة بصدام..وأضيف :


-اغتيال صدام ورفاقه في القيادة وفي الشعب


-تحطيم المشروع الوطني العراقي الذي لايشك في وطنيته وفي مشروعيته إلا مختل عقليا أو عميل


-ضرب نسيج المجتمع العراقي وتحويله إلى مجتمع طوائف ومذاهب


-ضرب الوحدة الترابية للعراق( تقسيم العراق)


- ضرب عقيدة الشعب العراقي وقيمه وسوقه نحو التورط في الفردية والمنفعية والوصولية ونحو القبول بإسرائيل كبلد جار والتملص من الانتماء العربي والإسلامي.


في اعتقاد المجرم بوش : أن هذه الأهداف ستتحقق بطبيعتها بمجرد الإطاحة بصدام. ولم يكن يتوقع أن شعب صدام سيقاتل لأنه شعب صدام ، ولان صدام لم يكن حالة طارئة على الشعب وإنما هو فرد من الشعب متميز في انتمائه إلى شعبه والى أمته وعقيدته ومؤمن إلى حد التصوف بهذه الدوائر كلها.


ولست ادري : كيف تجيّش الجيوش وتعبر المحيطات وتخاطر برجالها وأموالها إن لم يكن الهدف عظيما...؟؟؟..والهدف العظيم هو صدام...من منظور صهيوني بالطبع...ولا يكون منظور الحقد بهذا الحجم إلا منظورا صهيونيا. وبالتالي : كان المجرم بوش جنديا في الحسابات الإستراتيجية الصهيونية ، وكانت دولة بوش أداتها التنفيذية الهائلة.


وليس انهيار أمريكا خسارة أمريكية فحسب. إنما خسارة صهيونية سيكون وقعها على الصهاينة أكثر بكثير من وقعها على الأمريكيين. وربما يكون فاتحة تفكك هذا الكيان المسخ فيما لو أتقنت قوى حركة التحرر العربي والإسلامي التصرف مع الظرف بما يقتضيه.

المشهد الرابع :

ورد في مقال د. أبا الحكم المنشور بشبكة البصرة يوم 26/09/2010 يتعرض فيه إلى محاضرة معن بشور التي ألقاها في المركز الثقافي في إدلب بتاريخ 21/09/2010 التالي :


(إن مؤتمر بيروت الذي عقد لنصرة المقاومات العربيات الثلاث يمنع فيه ممثل المقاومة الوطنية العراقية من إلقاء كلمته وهو مدعو إليه رسمياً، دون سبب أو تفسير مقنع؟!)


وهنا لن اهتم إلا بما اقتبسته من المقال.


إذا كنتم ، منظمي المؤتمر ، ترفضون كلمة ممثل مقاومة شعب العراق ، وقد قمتم باستدعائه ، فلماذا استدعيتموه أصلا...؟؟؟..ليغني لكم على البرتقالة...؟؟؟..أو ليمتدح حسن نصر الله ويعود إلى مكانه..؟؟..شو العبث...؟؟..هذا لعب أطفال وليس نضال. كان عليكم تخصيص نصف وقت الحصة له وانتم تنصتون دون أن يغادر احد القاعة حتى للتبول لو كان عندكم ضمير وتقدرون تضحيات الناس ودمائهم...وبقطع النظر عن الاستحقاقات الموضوعية التي تجعله مبجلا ، فالرجل ضيف عندكم...ولا يليق بكم أولا أن تهضموا حقه في الكلام..والحقيقة أنا عندي تحفظ أو شكوك في مايسمى بالمؤتمر القومي العربي وهياكل أو اتحادات كثيرة ومتنوعة باعتبارها تشغل مناصب وتتقاضى منحا وأجورا ليس للنضال وإنما لتمييعه والكشف عن المناضلين والدفع بالحراك أو الأنفاس الثورية نحو ثنايا ملتوية تؤدي بأصحابها إلى الاستقالة والملل واليأس.


لانلوم الأنظمة العربية حين تحاصر مقاومة شعب العراق..فذلك ينسجم مع طبيعتها. ولكننا نلوم من يزعمون نصرتها ويتباهون..وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.

Whamed6@gmail.com





همس في آذان المقاومة العراقية/علي الصراف

علي الصراف 25/09/2010

همس في أذن المقاومة العراقية


ثمة درسٌ ها نحن نتعلمه: قد يمكنك أن تهزم أعتى قوة في العالم، إلا أنك لن تكسب المعركة إلا عندما تنتصر على نفسك. فإن لم تفعل، عادت دواليب الهزيمة لتدور بدوائرها عليك.
لقد حققت المقاومة العراقية ما مرّغ بالوحل أنف أعتى قوة في العالم. فمنذ عامين على الأقل، كان لا شيء أجلى من أننا دفعنا الولايات المتحدة لتقف على حافة انتحار اقتصادي شامل.
هذا البعبع الجبار ظل يستطيع أن يقتل ويدمر ويعذب ويغتصب إلا أنه كان ينزف. دمه الأخضر اللزج كان ينضح من مكان: من بنوكه التي تعلن إفلاسها، الى شركاته العملاقة التي تنهار، الى عشرات الآلاف من جنوده الذين خرجوا من أرض المعركة قتلى أو معاقين أو مجانين.
وعلى الرغم من مئات المليارات التي ما يزال يطبعها (من دون رصيد) لإنقاذ اقتصاده المتهاوي، فان الكارثة ما تزال قائمة. وما يزال هذا الوحش ينزف. وما يزال من الممكن إتمامُ دفعه الى الهاوية. وهو يبدو في الطريق اليها إن لم يكن بقوةٍ من عزائمنا، فبقوةٍ من عند ذي العزم المكين.
معركتنا لم تكن تدور في شوارع بغداد أو البصرة أو الموصل أو الديوانية أو الرمادي وحدها. لقد كانت تدور في نيويورك أيضا. وسواء قرأ المقاومون ما تفعل مقاومتهم في حسابات بنك الاحتياط الفيدرالي أم لم يقرأوا، فإن جبل الديون الذي اخترق السقف بأكثر من 12 تريليون دولار والعجز التجاري الجاري الذي شق زيق بن برنانكي بأكثر من 1200 مليار دولار في العام الماضي وحده، كان يقول إن الهزيمة التي أعدتها المقاومة، ثأرت لمئات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا على أرض المعركة، ومرغت أنف الغزاة بالوحل.
فآثروا الإنسحاب، تخفيفا للخسائر.
إلا أننا لم ننتصر.
بقيت مقاومتنا، بدورها، تنزف.
معركةٌ شرسةٌ كهذه التي نخوضها، دخلت كل بيت. أبكت الكثير وأسفرت عن ملايين الأيتام والأرامل والمشردين الذين لم يبق لهم إلا الله ليسألوه النصر والرحمة.
امهاتنا مازلن يبكين، وأخواتنا يُنتهكن، وشبابنا يتعرضون للملاحقة والتصفيات، وهناك عشرات الآلاف منهم في السجون يتعرضون لأبشع أعمال التعذيب.
والوحش الذي لم يعد بحاجة الى أبوغريب لكي يغتصب أو يُعذب فيه، صنع في أقبية مليشياته الطائفية ألف أبو غريب آخر.
واليوم، فحيثما تفرض الأحزاب الطائفية حضورها، بالقهر والفساد وشراء الضمائر، فانها أصبحت جزءا من المُتداول والمألوف، حتى لكأنها حقيقة من حقائق الواقع.
لقد هزمنا أعتى قوة في التاريخ، وأوقفناها على حافة إنهيار شامل، وجعلناها تنزف على إمتداد المسافة من الفلوجة الى نيويورك، إلا أننا لم ننتصر.
تلك حقيقة تستحق الاعتراف بها اليوم، لأنها من أقدس المسؤوليات الوطنية، ولأنها من أكبر امتحانات صفاء الضمير.
لم ننتصر، حتى ونحن ندفع الضحية تلو الضحية، والدمعة تلو الدمعة، والصرخة تتلو الآخرى، لأننا لم نضع، بعد، استراتيجية نصر.
وضعنا للغزاة استراتيجية هزيمة. صنعناها من بسالة مئات الآلاف من أبطالنا المقاومين، ومن دموع أمهاتنا اللواتي بقين يودعن الشهيد تلو الشهيد. إلا أننا لم نضع استراتيجية تحرير، تحدد ملامح وقواعد ومستلزمات الفصل الأخير.
لم نقل، في المسافة بين مقاومٍ وآخر، ماذا نريد للعراق أن يكون.
ولم نسأل، في المسافة بين فصيل وآخر، كيف يجوز للدم، الذي ينزف موحدا من أجل الحرية، أن يضع حاجزاً بين الجرح والجرح؟
في لحظةٍ من لحظات الموت الكثيف كان النصرُ بادياً. وفي غمرة الفوضى والخراب والنزف الشديد، كان يبدو وكأن أي جبهة من جبهات مقاومتنا قادرة على أن تٌمسك بالعشبة؛ عشبة الحرية.
ولكن قَدَراً من أقدار التراجيديا الأبدية بدا وكأنه يأخذنا الى الوقوف على حافة النصر قبل أن يصل الثعبان اليه.
فلم نسأل، في المسافة بين إمرأةٍ تُغتصب وطفلٍ يتيم، كم من الضحايا سنظل ندفع يا رب العالمين قبل أن يعي قادةُ مقاومتنا أنهم يضعون بين الجرح والجرح سكينا من صغائر الخلاف على ماضٍ، وعلى تفاصيل، حتى وهم أنفسهم ينزفون.
نعترف لهم أنهم أبطال تاريخيون. ولسوف يُشرفني أن أنزل الى قدمي كل واحدٍ منهم لأقبّلَ ما مشت على طريق الحرية، ولكني يا رب لم أعد قادرا على التضحية بأكثر من خمسة ملايين مشرد وأكثر خمسة ملايين يتيم وأكثر من 12 مليون فقير، وأكثر من مليون أرملة.
من أين أجيب شعبا، لكي نبدأ الفصل الأخير، فيكون الأخير فعلا؟
قولوا لي، من أين؟
قولوا لي، أو قولوا لله رب العالمين، إن كان يرضى بأمهات أخرى تُغتصب، قبل أن تعثروا فيما بينكم على طريق يوحدكم، فتكتبوا على صفحة الهزيمة مشروعا للنصر.
من أين لي، يا مَنْ تُعفّرُ وجهك بتراب الحرية، أن أجيب أطفالا يبكون أكثر، قبل أن تعرف أنك تُطلق النار على نفسك عندما لا تعرف كيف تضع إطاراً جامعاً لمقاومةٍ وطنيةٍ موحدة؟
وهل بقيتْ في المآقي دموع، قبل أن يفهم مَنْ يجب أن يفهم، انه إن لم يكن جزءا من الحل، كان جزءا من الكارثة؛ إن لم يكن جزءا من مشروع النصر، كان جزءا من مشروع الهزيمة؟
لقد دفعنا من الثمن أبهظه من أجل أن نهزم أعتى قوة في التاريخ. وكنا نرى ونعرف كم كان يعني خيار المقاومة من الموت.
لا أحد يستطيع القول انه لم يكن يعرف حجم الثمن. فلقد ألقى الغزاة من القنابل والصواريخ ما كان يكفي لنرى أنهم جاءوا من أجل دمارٍ شاملٍ، وسحقٍ إنسانيٍ شامل.
ورأينا، بأم العين، من أي قرون وسطى جاء الطائفيون. ورأينا، بأم أم العين الى أي سفالة، في الحياة وفي السياسة، ينتمون.
وقررنا أن نقاوم. لا ثأرا لدم يُهدر في المسافة بين حزب وآخر، وإنما ثأراً لشرفٍ يُنتهك، ولحريةٍ تُستباح، ولوطنٍ يُذبح من الوريد الى الوريد.
لم نسأل، عندما اندلعت مقاومتنا، مَنْ فينا البعثي أو الإسلامي أو العلماني أو الوطني الذي لا حزب له، لأن الرابط فيما بيننا كان هو العراق؛ هو هذه البلاد التي من طينها خُلقنا، ومن مائها جرت عروقنا، ومن تاريخها نشأت ثقافتنا.
ووجدنا، بحكم الطبيعة، أن وطنيتنا تناهض طائفيتهم، شرفنا يسخر من عمالتهم، وإخلاصنا، ولو بالفقر والجوع، يتحدى تواطؤهم،.. فوضعنا فوق الموت دماً، وقررنا أن نقاوم.
لم نسأل عن تفاصيل.
فأمام العراق لم يكن هناك فرقٌ بين مَنْ يقاوم ومَنْ يقاوم. وكل بندقية ظلت مقدسةً، وكل شهيدٍ كان عرسا.
حتى هزمناهم. وحتى أوقفناهم على باب الهاوية. وحتى رددنا لهم الموت بالموت، والضياع بالضياع، و"الفوضى الخلافة" بالفوضى في وول ستريت.
ولكن السؤال الذي أجّلناه من أجل هزيمتهم، صار مما يمكن تنقلب مفاعيله علينا. وإذا بهم يدركون، انهم يمكن أن يبقوا كجزء من العادة والمألوف، وإن احتلالهم يستطيع أن يستمر بعملية سياسية يجري تطبيعها في اللغة اليومية وفي المشاغل. كما يستطيعون أن يبدلوا وجوها قبيحة بوجوه قبيحة، ويقولوا أنها ستكون حلا ومخرجا.
حل، ولكن لأي مشكلة؟ مخرج، ولكن لأي موضوع؟
العراق يتراجع اليوم، لصالح حكومة (ولو عميلة) تجلب الماء والكهرباء!
والوريد يظل مقطوعا، لصالح تحالفات، يُوزع فيها أصحاب الكعكة شيئا من فتاتها لقاعدة أخرى من المنتفعين.
والمشردون والأيتام يظلون مشردين وأيتاما، لأن هناك من يثرد "الأمل" في صحن "حكومة شراكة وطنية" لم تعرف من الشراكة إلا الشراهة ومن الوطنية إلا العمالة، ومن العمالة إلا أقذرها.
فهل رأيت ما يضيع؟
هل تنبهت حقا الى ما يتسرب من بين الأصابع؟
العراق هو ما يخرج من الموضوع. رباطك هو الذي يتفكك في تلك المشاغل والتفاصيل.
فمن أين لي، يا ربي، بأكثر مما دفعت من آلام ونحيب، قبل يفهم المقاومون أنهم يخسرون إذا لم ينتصروا على المسافة التي تفصل فيما بينهم، ليبقى الرباطُ رابطاً؟
لقد قاتلنا، بوحي من ضمائر حرة. ولكن ليس من أجل أن نبكي المزيد، وإنما من أجل نعيد الى العراق حريته وسيادته واستقلاله.
هل كنا نبحث عن شيء آخر؟
لقد قدمنا من التضحيات ما لم تقدمه مقاومة من قبلنا، وكنا نعرف كم هو وحشيٌ هذا العدو، ولكن ليس من أجل أن نضيف الى قائمة الضحايا ضحايا جدداً، إنما من أجل أن نعيد صنع هذا العراق ليكون على مقاس العدل والحرية والمساواة والخير.
من العذاب، ومن المرارة، ومن الثأر، ومن نوازع الحرية، ولكن بالكثير من الدموع، صنعنا هزيمتهم، ودفعناهم الى طلب الرحيل لكي يخفضوا قيمة الفاتورة، حتى وجدتَ "نهايةَ التاريخ" تقفُ على حافة الخروج من التاريخ.
فهل لم يفهم مقاتلونا وقادتهم أن بسالتهم لا تكفي لكي تأتي بالنصر إذا لم يكن العراق الجامع هو الموضوع؟
فهل لم يفهم مقاتلونا وقادتهم أن هزيمة الغزاة شيءٌ، وهزيمة عملائهم شيءٌ آخر؟
وهل لم يفهم مقاتلونا وقادتهم أن جلب الموت فوق الموت ممكنٌ، إلا انه لا يصنع آخر الطريق، من دون دستور تحرير؟
هل لم نفهم إن المقاومة كعمل ميداني لا تكفي، وأن النصر لا يأتي ما لم تكن هناك استراتيجية نصر جامعة تعقبُ صنع الهزيمة؟
هل لم نفهم إن شعبك لا يمشي وراءك كل الطريق ما لم تأخذه (بتعدديته وفسيفسائه) بالحسبان، وما لم تقل له الى أين تريد أن تأخذ به؟
هل لم نفهم، إن الغزاة إذا كسبوا بقاءهم بحكم العادة والمألوف، فان كل فصيل يخسر عندما يخسر الفصيل الآخر وإن الجميع ينتحرون؟
أم هل لم نفهم أن أعراضنا ما تزال تنتهك، وأنها ستظل تنتهك الى أبد الآبدين، ما بقي الاحتلال يبدلُ وجوهاً قبيحة بوجوه قبيحة من أجل حكومة تتقاسمُ العراقَ فيما بينها وتوزعه حصصا؟
ما لم تضع المقاومةُ نهايةً لهذا الفصل الحزين، وما لم ترفع الجدران فيما بينها، وما لم تضع إستراتيجية تحرير مشتركة، وما لم تجعل العراقَ نُصب العين، فلن يبقى لنا إلا العذاب والخسارة والدموع.
ولن يبقى، لمن آمنوا بالحرية، طريق.
سنضيع، واحداً بعد الآخر.
وسيذهب بعضنا أذلاء الى كعكة "الشراهة الوطنية" بحثا عن حصةٍ، ولو متأخرةٍ، في العملية السياحية التي ساحت بكل هذا النزيف.
وسيرفع الباقون منا أيديهم، لا بالدعاء، وانما بالشكوى فوق بحر من الدماء: لماذا يا رب العالمين؟ من أين يا رب العالمين سنأتي بشعب آخر نحارب به، ثم لا نعرف كيف نحرره، يا أرحم الراحمين؟
أنت قل لي، يا سيدي، من أين؟ وهل بقي لديك بعد الخمسة ملايين ممن وُضعوا في الجحيم، المزيد من الجحيم؟
هل تقترح، بعد سبع من الإحتلال، سبعاً أخرى من البحث عن طريق؟
أيُّ وعدٍ شريرٍ سيكون هذا؟
من دون رؤية وطنية مشتركة، مَنْ سيبقى، وبمن سنحارب؟ وما الذي سنقوله لهذا اليتيم، وتلك التي ثكلت، وذاك الشهيد؟
قل لي، بالله، ماذا سنقول؟ وبأي وجه سنواجه الباقين إذا تفكك الرباط، وإذا قلبنا لهم النصر الوشيك هزيمة؟
كيف ستنجو الرابطةُ إذا غرقت السفينة وآل خرابُها للطائفيين؟
قل لي، كيف؟
ثم قل لي: وين أروح؟
ولمن أشكي؟
وعلى من أذرف الدموع؟









البعث لايساوم../ا.د.كاظم عبد حسين عباس

البعث لا يساوم .. لن نرتمي في حضن الخيانة


الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس


أكاديمي عراقي

(العربات الفارغة عالية الضجيج, والسواقي الصغيرة لا ترو ظمأ أمة)

كان بوسع القائد الخالد صدام حسين ورفاقه الشهداء طه ياسين رمضان وعلي حسن المجيد وبرزان التكريتي وعواد البندر أن يستجيبوا لإغراءات إدارة الشر الامريكية ويعتقوا رقابهم من حبال المشانق بمجرد القبول بمساومة الاحتلال على حساب موقفهم الوطني والقومي الشريف .... و دم هؤلاء القادة الشهداء ومن سيتبعهم على درب الشهادة والمجد المؤثل من القادة الاسرى ومن رفاق البعث المقاوم البطل ومن أبناء شعبنا العظيم خط أحمر لمن يريد ويحاول أن يحمل اسم البعث منافقا دجالا ليكون ستارا يرتمي من خلفه في أحضان العمالة والخيانة عبر البحث عن طريق ذليل ينتهي به الى موقع ذليل في العملية السياسية الاحتلالية الامريكية الصهيونية الفارسية المجرمة وليكون أداة ذميمة ملعونة منبوذة من أدوات تشويه صورة البعث المجاهد المقاوم الذي لن ينحني لعاديات الزمن حتى لو قدر الله سبحانه أن يُفنى كل رجاله في العراق.


الارتماء في حضن العملية السياسية من قبل بعض أدعياء البعثية هو حلقة أخرى من حلقات الخيانة ليس للبعث ومبادئه وعقيدته القومية التحررية فقط، بل هو اهانة لرقاب ودماء قرابة 180 ألف شهيد بعثي قتلهم الاحتلال والفرس وخونة العراق والأمة. وهو خطوة مرتعشة للادعياء والخونة والمتساقطين على أبواب مخابرات أطراف اقليمية ودولية نعرفها ونعرفهم ممن لم يكن لهم في يوم من الايام من هدف ولا غاية سوى المقامرة والمغامرة لهاثا وراء الكراسي وما يترتب عليها من, وما يأتي عبرها من مكاسب رخيصة زائلة كزوال ترهات الدنيا الزائلة.


مئات الآلاف من أسرانا من قيادات البعث وقواعده ومعهم دماء الملايين من أبناء شعبنا الشهداء وأوجاع الملايين من الاسرى والمعتقلين والمهجرين والمقصيين والارامل والايتام والجياع تستصرخ ضمير كل انسان عراقي وعربي ومسلم ومَن ينتمون الى الانسانية الحرة الشريفة في حقها المهضوم من قبل الاحتلال وعملاءه وأزلامه أحزابا وميليشيات وأفراد، ومَن يتجاسر على هذا الحق ليس بعثيا حقيقيا حتى لو أدعى انه بعثي فلا أسهل من الادعاء في هذا الزمن الردئ، ولا يمتلك حق حمل شرف الانتماء لعقيدة الامة العربية المسلمة المجاهدة، بل هو فرد تاهت به الخطوات وتداعت بصيرته أمام عمى ألوان متعدد الاسباب والمبررات. انّ مَن يدّعي البعثية والانتماء لعقيدة البعث ويتجاسر على موقف الحزب المبدئي الثابت الواضح الصريح المقاوم للاحتلال وكل افرازاته ونتائجه وكل ما ترتب ونتج عنه على وطننا وشعبنا هو في الواقع شخص فرد بذاته المتهالكة ولا يمثل سوى ذاته أو ضمن عدد من المتساقطين الذين أعياهم االسير في درب الايمان وأتعبهم الانتماء الى الثبات على شرف المبادئ والرجولة واستهواهم النوم في ظلال وأفياء المخابرات المشتغلة باجتهاد لدول الجوار والاقليم ولدولة الاحتلال وشركاءها لانهاء أو اضعاف الموقف البعثي المجاهد المقاوم للاحتلال وللعمالة والخيانة ولاكمال صفحات الاجتثاث المجرم.


نعلنها واضحة صريحة لكل العالم ولابناء العراق العظيم والامة العربية المجيدة بأن حزبنا المقاوم المجاهد حزب البعث العربي الاشتراكي براء وبرئ من أي شخص من الذين كانوا أعضاءا سابقين في صفوف البعث، ثم تركوا التنظيم لهذا السبب أو ذاك أو فُصلوا منه، وبغض النظر عن العناوين التي يعطونها لأنفسهم الآن أو العناوين التي كانوا عليها قبل خروجهم من صفوف الحزب, وهو براء من أية مجموعة معزولة لا وزن ولا حجم ولا قيمة لها من الذين ارتضوا لأنفسهم أن يبحثوا في الدهاليز المظلمة عن دور في العملية السياسية الاحتلالية الخائبة ونؤكد بانهم لا يمثلون بعثنا الرافض للاحتلال ولعدوان الغزاة على نظامنا الوطني الشرعي وما نتج عنه من تدمير شامل للبنى التحتية والارتكازية والفوقية التي جاهد العراقيون عقودا من الزمن لتأسيسها واعلاء بناءها وقدموا من أجل حاضرتها الغالي والنفيس, وعلى وحدة العراق أرضا وشعبا وعلى عروبته ووحدة أبناءه بشتى إنتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية.


هذا من جانب .. ومن جانب آخر نؤكد من جديد على ان حزبنا المجاهد حزب البعث العربي الاشتراكي لم يكن يوما من الايام هو البادئ أو المبادر الى مهاجمة أي فرد أو طرف من الذين يصح عليهم الوصف بأنهم أطراف وطنية وقومية واسلامية، بل على العكس فلقد كان البعث وما يزال منفتحا ومتطلعا ومؤمنا بالحوار مع هؤلاء أفرادا وتنظيمات. وان موقفنا الثابت والواضح هو مهاجمة العملاء والخونة بكل أسماءهم وعناوينهم المعروفة لشعبنا العراقي العظيم ولأمتنا العربية المجيدة. كما اننا كمناضلين ثابتين على المبادئ والعقيدة وعلى عهدنا لأبناء العراق والأمة في السير الحثيث والدائم في دروب تحقيق أهدافنا البعثية في التحرر والحرية وفي الوحدة ولم الشمل وتحقيق العدل الاجتماعي وفرص الحياة الحرة الكريمة لكل أبناء أمتنا العظيمة. والمؤكد أيضا وما نعيد التأكيد عليه الآن هو ان صدورنا وعقولنا وارادتنا الحرة النزيهة الشريفة مفتوحة لأية نيّة صادقة للتوحد أو التفاهم على خط سير مشترك يفضي الى وحدة الفعل الوطني والمقاوم ولأي اتفاق جاد مع أي جهة وطنية مخلصة ترى في الاتفاق معنا رؤية صائبة تعبر عن قناعات أصيلة بتوجهات وأهداف العمل المشترك لتحرير العراق وطرد الغزاة والعملاء والخونة وإعادة احياء الارادة الوطنية الحرة الشريفة لأبناء شعبنا بغض النظر عن التعريف السياسي لهم سواءا كانوا من رجال البعث السابقين من غير المس بشرعية ودستورية العمل البعثي المعروفة الذين يستطيعون اعادة ترتيب أوضاعهم وتجاوز عقد الماضي وآثاره أو القوى اليسارية الوطنية أو الاسلامية الوطنية المؤمنة بالعراق الواحد البعيدة عن التوجهات الطائفية المفتتة والمجزئة لشعبنا أو القوى الوطنية والقومية التي تؤمن معنا برفض الاحتلال كفعل باطل وترى في كل ما أنجبه وفرّخه الاحتلال على انه فعل باطل ايضا.


نحن نتحدث بأسلوب الاشارة العامة عن مؤامرة قذرة تحاك من قبل أطراف دولية تستخدم أسماءا معروفة لنا كأشخاص أو تستخدم مجاميع مما وصفناه أعلاه لتلويث أسم حزبنا المقاوم من خلال الدخول في العملية السياسية الامريكية الصهيونية الفارسية وليدة الاحتلال البغيض والغزو المجرم ولكننا سنعلن بالتفصيل عن هذه الاسماء والمجاميع في اللحظة التي يتوجب فيها الاعلان، ولن نجامل أحدا ممن حاولنا أن نمنحهم فرصة إصلاح حالهم لأسباب موضوعية وذاتية ارتأيناها بعد أن تعرضنا لما تعرضنا له من شيطنة وتبشيع وتشويه لا يرضاه الله ولا عباده ولا يقبل به الاّ الجاحدين الظالمين ممن لا يعرفون الله ولا الحق ولا نزاهة وشرف الموقف. وسوف نعلن على شعبنا وقواه الحرّة الشريفة أيضا كل من عاند نفسه وكابر وتجبر في رفض وحدة فصائل المقاومة الباسلة والتي نرى فيها طريقا أمثل لتحقيق النصر الناجز في التحرير واستعادة حق الوطن والمواطن بأقصر وقت ممكن لأننا قد منحنا الفرصة الكاملة وخاطبنا سرا وعلنا وطلبنا بالحاح المؤمن بوحدة الفصائل المجاهدة دون أن نحصل على رد شاف أو موقف صادق يبتعد عن التكفير والتخوين والتجريم والتهميش والاقصاء لذلك قررنا أن نخلي عهدتنا أمام الله وأمام شعبنا ونوضح للجميع بصدق وشرف وأمانة من قاوموا وحدة الفصائل تحت ذرائع مرفوضة منها ما هو طائفي ومنها ما هو نفعي يعبر عن قناعة طرف دولي أو جهة حزبية او فئوية أو ما شاكل ذلك متجاهلين مصلحة العراق وشعبه بقصد مسبق أو بدونه.


ان واجبات تصعيد الفعل الجهادي المقاوم البعثي والوطني والقومي والاسلامي البطولي وصولا الى الثورة الشعبية العارمة التي تحرر العراق وتعيده الى عروبته واسلامه واستقلاله الحقيقي والى حرية شعبه وإرادته الوطنية والى مسارات البناء والاعمار تتطلب أن نفضح كل حلقات التآمر على البعث سواءا ما كان يهدف منها الى زج أفراد أو مجموعات خائبة ممن يحملون اسم الحزب زورا وبهتانا, في عملية الاحتلال السياسة الفاشلة أو تلك التي تعرقل وحدة البندقية المقاتلة التي نؤمن بثبات ورسوخ بأنها هي طريق التحرير الحقيقي الذي لابديل عنه, وعلى كل من يسير في هذين الخطين من عناصر بعثية سابقة أو سواها من الجماعات والاتجاهات أن يتوقف فورا لأننا لا نريد أن نخسر أحدا ممن لا زلنا الى اللحظة نأمل أن يعيدوا حساباتهم بموضوعية وعقلانية في كل ما أشرنا اليه غير اننا لن نرحم من يصر على الاضرار بحزب البعث العربي الاشتراكي وبشعبنا ووطننا وعلى الجميع أن يدرك ان البعث المجاهد وتنظيماته المدنية والعسكرية بقيادة الرفيق المجاهد عزة الدوري قادرة على السير بعملية التحرير ونحر الفعل العدواني يناصرها ويعاونها ويساند فعلها شركاءها وحلفاءها الوطنيين والقوميين والاسلاميين المنظوين تحت لواء جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني وان رجال البعث وتنظيماته تمتلك مفاتيحا مهمة عبر قدراتها الميدانية الكفؤة في الفكر والثقافة والاعلام والادارة تسندها ارادة شعبنا العظيم التي فعلت فعلها في وأد الطائفية ونوايا الاحتلال وأهدافه الاجرامية غير اننا نأمل بصدق واخلاص أن يلتحق بنا ومعنا كل من يحمل روح المواطنة الحقة ويرفض الاحتلال وما جره على شعبنا ووطننا من كوارث ولا يجزء الاحتلال والغزو جزافا ,وبناءا على هوى نفس أو لاغراض عدائية ظاهرة وأخرى باطنة الى شق مقبول وشق مرفوض لان من يفعل هكذا تجزيئ لوحدة الحقيقة التامة في كون الاحتلال عدوان وباطل إن هو الاّ منافق ويسير في درب الانبطاح وسيخسر الدنيا والآخرة والله غالب على أمره. الله اكبر والنصر لمقاومتنا البطلة ولشعبنا العظيم.






aarabnation@yahoo.com

فيصل بن عبد العزيز..الاضواء والظلال/عمرو صابح /مصر

فيصل بن عبد العزيز .. الاضواء والظلال


Posted by alsa7wa على 27 يونيو 2010

الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود هو ثالث ملوك المملكة العربية السعودية تولى الحكم من سنة 1964 إلى سنة 1975


والصورة الذهنية لدى قطاعات عديدة من الشعوب العربية و الإسلامية عن شخصية الملك الراحل وسياساته تصوره كزعيم عربى و إسلامى مهموم بقضايا أمته شديد الورع والتدين ، كما أنه لعب دور كبير فى دعم انتصار العرب فى حرب أكتوبر 1973 بقراره بخفض إنتاج البترول ثم الحظر البترولى الشامل على الولايات المتحدة الأمريكية


كما يعتقد الكثيرون ان اغتياله على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد تم بتدبير المخابرات المركزية الأمريكية انتقاما منه لإستخدامه سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 ، فى هذه الدراسة وعبر إعادة قراءة لمجموعة من الوثائق سنراجع دور الملك فيصل منذ توليه الحكم وحتى اغتياله ، لنرى هل الصورة الشائعة عن الملك بكل أضواءها الساطعة هى كل الحقيقة أم أن هناك ظلال مظلمة لا تبين وسط كل هذه المساحة من الضوء التى يعتقد فيها الكثيرون










توترت العلاقات المصرية السعودية منذ عقد الرئيس عبد الناصر لصفقة الأسلحة التشيكية عام 1955 ، التى رأى فيها الملك سعود تعاون مع الشيوعيين الملحدين ، واستفزازا للغرب ، ثم جاء قرار تأميم الرئيس عبد الناصر لشركة قناة السويس فى 26 يوليو 1956 دون إخطار الملك سعود بن عبد العزيز ، الذى أيد القرار وان أغضبه إخفاء الرئيس عبد الناصر لنواياه عنه ،كما أقلق الملك سعود التحالف مع زعيم راديكالى يعادى الغرب بهذه الطريقة التى أعتبرها الملك سعود متهورة ، وعمل الأمريكيون على زيادة الجفوة المصرية السعودية عبر خطتهم الرامية إلى جعل الملك سعود منافسا للرئيس عبد الناصر على استقطاب حب الشعوب العربية حتى يقف أمام النفوذ المتصاعد للرئيس عبد الناصر وأفكاره وسياساته فى العالم العربى ، ولكن هذه الخطة فشلت باعتراف الرئيس الأمريكى إيزنهاور فى مذكراته ، وفى ربيع عام 1957 أحبطت أجهزة الأمن المصرية محاولة انقلاب دبرها الملك سعود مع بعض ضباط الجيش المصرى، مما سبب المزيد من سوء العلاقات بين البلدين ، وجاءت الوحدة المصرية السورية فى فبراير 1958 لتسبب أزمة أكثر حدة فى العلاقات المصرية السعودية فقد أبدى الملك رفضا قاطعا للوحدة ورأى فيها تعاظما لنفوذ مصر الإقليمى والدولى ، وحاول إفشالها بكل الطرق قبل أن تتم رسميا عبر محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر مرتين ، الأولى جاءت عبر تقديم رشوة إلى عبد الحميد السراج مدير المكتب الثانى فى سوريا بلغت 12 مليون جنيه إسترلينى ، والذى جارى المتآمرين وحصل منهم على شيكات من المبلغ المرصود للمؤامرة ثم أبلغ الرئيس عبد الناصر بكل تفاصيل المؤامرة التى أذاعها الرئيس فى خطاب علنى من شرفة قصر الضيافة فى دمشق لشعب الجمهورية العربية المتحدة ، والثانية عبر محاولة تفجير طائرة الرئيس عبد الناصر فى الجو يوم قدومه إلى دمشق لأول مرة كرئيس للجمهورية العربية المتحدة ، عقب الكشف عن تلك المؤامرات حدثت تداعيات داخل المملكة العربية السعودية فقد خول الملك سعود معظم صلاحياته لشقيقه و ولى عهده الأمير فيصل ، وظلت الأوضاع متوترة بين الشقيقين حتى ديسمبر 1960 عندما أستطاع الملك سعود استعادة بعض صلاحيات منصبه وشكل وزارة جديدة فى 22 ديسمبر 1960 ، وإن ظل الصراع مكتوما بين سعود وفيصل على السلطة خاصة أن الأمير فيصل هو الذى أمسك بملف العلاقات السعودية مع الغرب ومع شركات البترول وهو أهم ملفات الحكم فى السعودية


، ثم جاءت مؤامرة الانفصال فى 28 سبتمبر 1961 والتى مولها الملك سعود بتخطيط أمريكى ومساعدة من الملك الأردنى حسين لتشكل ضربة جديدة وقاتلة للعلاقات المصرية السعودية لحقها فى شهر يوليو 1962 محاولة جديدة مولها الملك سعود بمشاركة مجموعة من المصريين لنسف المنصة التى كان مقررا أن يلقى الرئيس عبد الناصر منها خطابه فى العيد العاشر للثورة بميدان عابدين وقد تم اكتشاف العملية واكتشف سلاحها وهو قنبلة موقوتة قبل ساعات من موعد بدء الخطاب ، وفى 26 سبتمبر 1962 تندلع الثورة اليمنية ورغم النزاعات الدموية التاريخية و الخلافات الحدودية بين أسرة حميد الدين فى اليمن و الأسرة الحاكمة السعودية ، فقد وقفت السعودية بضراوة ضد الثورة اليمنية وعملت على إجهاضها وتبنت الأمير البدر باعتباره إمام اليمن كما قامت بتمويل القبائل اليمنية بالكميات اللازمة من السلاح والذهب وبالفعل يسقط العقيد على عبد المغنى أحد أهم قادة الثورة اليمنية وهو يدافع عن مدينة صعده اليمنية ضد هجوم قبلى سعودى يمنى ، وتتحالف السعودية مع بريطانيا التى كانت تحتل جنوب اليمن ويقابل الأمير فيصل بن عبد العزيز ( ولى العهد والحاكم الفعلى للسعودية ) السير دوغلاس رايت رئيس جهاز المخابرات البريطانى الذى يقول للأمير ( إن نجاح الكولونيل ناصر فى الحصول على موطئ قدم لمشروعاته الانقلابية فى الجزيرة العربية ، وهى أهم مصادر البترول واحتياطاته فى العالم ، هو نذير شؤم يجب أن تتعاون الأطراف كلها ، ممن لهم مصلحة فى ذلك على مقاومته ودحضه)










وبالفعل يبدأ تعاون سعودى أردنى رغم الحساسيات السعودية الهاشمية بالاشتراك مع بريطانيا التى أقلقها ما اعتبرته مشروعات ناصر المستمرة لطردها من أخر معاقلها شرق السويس ، وتكاد الثورة تجهض لولا طلبها المساعدة من القاهرة وبالفعل بدأ وصول القوات المصرية إلى اليمن للدفاع عن الثورة اليمنية وينجح عبد الناصر فى الحصول على اعتراف الولايات المتحدة بحكومة الثورة فى اليمن فى 19 ديسمبر 1962 مقابل أن يتم سحب كل القوات المساندة للثورة والمساندة للإمام من اليمن وتقدم الحكومة الأمريكية معونات للحكومة الجديدة فى اليمن ، رفضت السعودية الاتفاق وواصلت دعمها للقبائل الموالية لحكم الإمام ، وتعرض الرئيس كنيدى لضغوط شديدة متعددة من شركات البترول والبنوك الأمريكية إلى جانب الحكومة البريطانية بسبب اعترافه بالنظام الجديد فى اليمن لخطورة ذلك على أوضاع النظام الحاكم فى السعودية وبالفعل تم عمل خطة سميت ( السطح الصلب ) تتعهد فيها الولايات المتحدة بضمان أمن وسلامة النظام السعودى والأراضى السعودية ،وبالأموال السعودية ومع مساندة بريطانية ومن شركات البترول الأمريكية تم تشكيل تحالف دولى لتجنيد مرتزقة من كل أنحاء العالم وشراء أسلحة للقتال فى اليمن ضد القوات المصرية التى تدافع عن الثورة كما دخلت المخابرات الأمريكية بثقلها إلى ساحة المعركة المحتدمة فى اليمن وأصبحت الحدود السعودية اليمنية مناطق حشد لنقل السلاح والذخيرة والمقاتلين المرتزقة إلى اليمن وتحولت الحرب إلى عملية استنزاف طويلة بين الجانبين المتصارعين ، ظل الصراع على السلطة محتدما بين سعود و فيصل حتى تم حسم الأمر فى 29 مارس 1964عندما أصدر العلماء والأمراء السعوديون قرار موحداً حول تسليم السلطة بأكملها للأمير فيصل بن عبد العزيز على أن يبقى سعود ملكاً بالاسم فقط ، بينما يتولى فيصل تصريف أمور العرش والمملكة بالفعل ، وأستمر هذا الوضع حتى يوم 2 نوفمبر 1964 عندما تم عزل الملك سعود عن العرش ، وتنصيب فيصل بن عبد العزيز ملكا للمملكة العربية السعودية






نعرض الأن أول وثيقة تخص موضوعنا هذه الوثيقة منشورة فى كتاب المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل – الجزء الثانى – للأستاذ محمد حسنين هيكل


سجل السفير الأمريكى فى جدة ( باركر هارت ) فى برقية إلى وزارة الخارجية الأمريكية ( وثيقة رقم 36651/43 بتاريخ 19 أغسطس 1964 ) محضر مقابلة جرت بينه و بين الملك ( فيصل بن عبد العزيز )






يقول السفير الأمريكى :






اتصل بى البروتوكول صباح أمس لإبلاغى أننى مطلوب فى الطائف فى الساعة 4:15 ولم يعطنى البروتوكول أى إيضاحات فيما عدا أن هناك طائرة سوف تحملنى إلى الطائف بعد الظهر استقبلنى الملك فيصل فى قصر الشبرة فى الساعة التاسعة مساء فى حضور السقاف و فرعون ، و قال الملك إن هناك شيئا حدث وهو يريد إخطارى به بنفسه كصديق شخصى لى و كممثل لبلد صديق له و لأسرته ، ثم قال الملك إنه خلال يومين سابقين ( يومى 13 و 14 أغسطس ) قامت ثلاث طائرات مصرية بإختراق المجال الجوى السعودى جنوب شرق جيزان فوق مناطق قبائل الحارث و أبو عريش ، وإن هذه الطائرات قامت بعدة دورات على ارتفاعات منخفضة فى محاولة ظاهرة للاستفزاز ، كما أن لديه معلومات من داخل اليمن تؤكد أن هناك قوات مصرية تتحرك صوب الحدود السعودية ، وقد حاولت أن أسأل الملك بإلحاح عن تفاصيل أكثر بشأن هذه المعلومات ، ولم يكن لديه شئ لا عن حجم هذه القوات و لا عن تسليحها و لا عن مواقعها ، و قد قال الملك إن هذه التطورات تثير فى ذاكرته ما سبق أن سمعه عن مؤامرة بين مصر و العراق و الأردن ( ! ) لغزو و تقسيم بلاده على النحو التالى : حسين يأخذ الحجاز ، والعراق تأخذ المقاطعة الشرقية ، واليمن تأخذ الجنوب ، و باقى المملكة يدخل تحت سيطرة ناصر


قال لى الملك أيضا إن ناصر أوحى إلى صديقه الصحفى هيكل بأن ينشر خطة عن منظمة عربية للبترول ، ثم أضاف إن السعودية محاصرة ، وقد لا تكون السعودية دولة كبيرة أو قوية ، ولكنها دولة تريد أن تحتفظ بأراضيها و شرفها ، و إذا كان ناصر كما هو واضح يريد أن يضع يده على المملكة متصورا أن ( فيصل ) سوف يقف ساكتا فى انتظار أن يخنق ، فهو مخطئ فى ذلك ، وأشار الملك إلى أنه سوف يقاوم عسكريا ، و هو قد أتخذ عدة قرارات يريد أن يبلغنى بها الأن :


1 – قرر أن يدخل أسلحة إلى المنطقة المنزوعة السلاح على حدود اليمن وقد أصدر أمرا فعلا بذلك






2 – إنه أعطى أوامر بالفعل إلى قواته أيضا بأن تحتشد على حدود اليمن لتكون فى وضع يسمح لها بأن تدافع عن السعودية






3 – وهو الأن لا يعتبر نفسه مرتبطا باتفاق فصل القوات فى اليمن ، وسوف يساند الملكيين بأى طريقة يراها مناسبة






إننى أبديت دهشتى للملك ، كما أبديت له إستغرابى لكل ما قاله عن الاتفاق الثلاثى بين مصر و العراق و الأردن






، ثم أطلعنى الملك على تقرير مخابرات سعودى يحوى معلومات عن أن ضباطا من الجيش المصرى رتبوا عملية لقتل ناصر يوم 26 يوليو ، وأضاف الملك ( أن ناصر مريض جدا ) ، ثم أمر بإخلاء القاعة من كل الحاضرين عداه و عداى ، وانتهزت الفرصة ورجوت الملك ألا يبعث بقوات إلى حدود اليمن ، وأن يحتفظ بما يشاء من قوات فى أوضاع تأهب فى أى مكان يراه بعيدا عن الحدود ، فتدخل الملك بحدة قائلا ( أخرجوا القوات المصرية من اليمن و سوف ينهار هذا النظام الذى يدعون بمساعدته فى شهر أو اثنين على أكثر تقدير


ثم استجمع الملك حيويته ليقول لى ( إنكم يجب أن تبذلوا أقصى جهد للخلاص من هذا الرجل الذى يفتح الطريق للتسلل الشيوعى ) ، وكان يعنى ( ناصر ) ثم قال لماذا تصبرون عليه ؟ ألا ترون أنه لا يكف عن مهاجمتكم يوميا ، مرة بسبب فيتنام ، ومرة بسبب كوبا ، ومرة بسبب الكونجو ؟ ما الذى يخصه فى الكونجو ؟ إن مقترحاته بشأن نزع السلاح فى جنيف جاءته مباشرة من فى شكل تعليمات من موسكو ، و أبديت تحفظى ولكن الملك كان لا يزال يصر على أن ( ناصر ) يعادينا و يخدعنا ، وإننا مازلنا نحاول استرضاؤه ، وذكرته أننا عطلنا توريد القمح إلى مصر طبقا للقانون 480 عقابا لناصر على سياسته ، وعقب الملك أوقفوا عنه الطعام تماما وسوف ترون ما يحدث
يقول الأستاذ هيكل ان هذه المقابلة كانت غريبة وفاقدة للمصداقية فضلا عن طلب الملك ( تجويع المصريين ) ، لأن الأردن كان حليفا للسعودية فى حرب اليمن ، ويضيف ان إسرائيل أيضا كانت تشجع التحالف المساند للملكيين فى اليمن ولعبت دور فى العمليات العسكرية أطلق عليه الاسم الكودى ( مانجو ) حيث اشتدت حاجة قوات المرتزقة فى اليمن إلى مؤن و ذخائر تلقى على مواقعهم من الطائرات بالباراشوت وقد قام الطيران الإسرائيلى بهذا الدور ، وإثر رصد المخابرات المصرية لتطور الأوضاع فى ساحة الحرب اليمنية ومدى تشابك المصالح والقوى الدولية التى تلعب على وتر إطالة الحرب فى اليمن من أجل استنزاف القوات المصرية هناك واستنزاف الأموال السعودية ، قرر الرئيس عبد الناصر أن يزور السعودية فى أغسطس 1965 لأداء العمرة ومقابلة الملك فيصل للوصول إلى حل فى اليمن وفى 22 أغسطس 1965 وصل الرئيس عبد الناصر إلى جدة وحاول إقناع الملك إن مصر لا تريد قلب النظام فى السعودية ولا تهدف لفرض سياستها على السعودية ، كما قدم له وثائق عن تجنيد المرتزقة وتجارة السلاح وتجار الحروب الذين وجدوا فى حرب اليمن سوق لكسب الأموال وإهدار القوة العربية ، وتوصل الزعيمان يوم 24 أغسطس إلى ما عرف بعد ذلك باسم اتفاقية جدة التى قررت أن يتم عمل استفتاء للشعب اليمنى يقرر فيه نظام الحكم الذى يرتضيه فى موعد أقصاه 23 نوفمبر 1966 وتعتبر الفترة الباقية حتى موعد الاستفتاء فترة انتقالية للإعداد له ، لم يتم تنفيذ بنود الاتفاقية بسبب تراجع الملك فيصل عن الإلتزام بها ، ويصرح الرئيس عبد الناصر ( بأنه لا فائدة ترجى من اللقاء مع الرجعيين ، بعد كل ما رآه وسمعه فى السياسات السلمية السابقة التى مارسها إزاءهم فى اللقاءات والمؤتمرات ) ، وفى 21 يونيو 1966 وصل الملك فيصل فى زيارة إلى الولايات المتحدة وسبقته مجموعة المقدمة السعودية التى أوضحت للمسئولين الأمريكيين ان المشكلة بالنسبة للسعودية ليست إسرائيل ، وأن الخطر الحقيقى هو حركة القومية العربية كما تمثلها القاهرة ، وأن السعودية ماضية فى تنفيذ فكرة المؤتمر الإسلامى كبديل للجامعة العربية ، خلال الزيارة التقى الملك فيصل بالرئيس الأمريكى جونسون لمدة نصف ساعة فى اجتماع منفرد لم يحضره معهما إلا مترجم من المخابرات الأمريكية وليس وزارة الخارجية كما جرت العادة ، وقد أذيع تصريح بعد الاجتماع المنفرد جاء فيه ( إن تدهور الأوضاع فى اليمن بعد تعثر اتفاق جده وفشله قد جرى بحثه بين الرئيس والملك ، وأن الرئيس قدم للملك تعهد الولايات المتحدة بأن السعودية تستطيع الاعتماد على صداقة أمريكا مهما كانت تطورات الأمور فى اليمن)


نصل الأن إلى الوثيقة الثانية وهى رسالة منشورة فى كتاب ( عقود من الخيبات ) للكاتب حمدان حمدان الطبعة الأولى 1995 عن دار بيسان على الصفحات من 489 – 491


أرسلها الملك فيصل إلى الرئيس جونسون ( وهى وثيقة حملت تاريخ 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386 ، كما حملت رقم 342 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودى ) وفيها يقول الملك العربى ما يلى: -


من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس ، ومما عرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هى العدو الأكبر لنا جميعا ، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء عسكريا وإعلاميا ، فلن يأتى عام 1970 – كما قال الخبير فى إدارتكم السيد كيرميت روزفلت – وعرشنا ومصالحنا فى الوجود


لذلك فأننى أبارك ، ما سبق للخبراء الأمريكان فى مملكتنا ، أن اقترحوه ، لأتقدم بالاقتراحات التالية : -


- أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية فى مصر، لتضطرها بذلك ، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط ، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أى مصرى رأسه خلف القناة ، ليحاول إعادة مطامع محمد على وعبد الناصر فى وحدة عربية


بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا فى مملكتنا فحسب ، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها ، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول ( أرحموا شرير قوم ذل ) وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام


- سوريا هى الثانية التى لا يجب ألا تسلم من هذا الهجوم ، مع اقتطاع جزء من أراضيها ، كيلا تتفرغ هى الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر


- لا بد أيضا من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة ، كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك ، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين ، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة ، كما يسهل توطين الباقى فى الدول العربية






- نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البرازانى شمال العراق ، بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أى حكم فى بغداد يريد أن ينادى بالوحدة العربية شمال مملكتنا فى أرض العراق سواء فى الحاضر أو المستقبل،


علما بأننا بدأنا منذ العام الماضى (1965) بإمداد البرازانى بالمال و السلاح من داخل العراق ، أو عن طريق تركيا و إيران


يا فخامة الرئيس


إنكم ونحن متضامين جميعا سنضمن لمصالحنا المشتركة و لمصيرنا المعلق ، بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها ، دوام البقاء أو عدمه


أخيرا


أنتهز هذه الفرصة لأجدد الإعراب لفخامتكم عما أرجوه لكم من عزة ، و للولايات المتحدة من نصر وسؤدد ولمستقبل علاقتنا ببعض من نمو و ارتباط أوثق و ازدهار


المخلص : فيصل بن عبد العزيز


ملك المملكة العربية السعودية


عندما نشرت مقالى عن ( غياب عبد الناصر هل كان صدفة ؟) نشرت تلك الوثيقة ضمن المقال الذى كان يبحث لغز وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1970 ، ونشر الأستاذ محمد الشرقاوى محرر موقع الفكر القومى العربى المقال على موقع الفكر القومى العربى ، ثم أرسلت الوثيقة فقط إلى الأستاذ محمد الشرقاوى تحت عنوان ( وثائق فى الطريق إلى 5 يونيو 1967 ) فنشرها على موقع الفكر القومى العربى وموقع منتديات الفكر القومى العربى ، وعندما قرأها السيد ( سامى شرف ) سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات ووزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق قام بكتابة هذا التعليق عليها وهو تعليق منشور فى موقع منتديات الفكر القومى العربى :


( كنت فى زيارة لإحدى البلدان العربية الشقيقة سنة 1995 وفى مقابلة تمت مع رئيس هذه الدولة تناقشنا فى الأوضاع فى المنطقة وكيف أنها لا تسير فى الخط السليم بالنسبة للأمن القومى وحماية مصالح هذه الأمة واتفقنا على انه قد حدث ذلك منذ ان سارت القيادة السياسية المصرية بدفع من المملكة النفطية الوهابية والولايات المتحدة الأمريكية على طريق الاستسلام وشطب ثابت المقاومة من أبجديات السياسة فى مجابهة الصراع العربى الصهيونى ، ولما وصلنا لهذه النقطة قام الرئيس العربى إلى مكتبه وناولنى وثيقة وقال لى يا أبوهشام أريدك ان تطلع على هذه الوثيقة وهى أصلية وقد حصلنا عليها من مصدرها الأصلى فى قصر الملك فيصل ولما طلبت منه صورة قال لى يمكنك أن تنسخها فقط الآن على الأقل وقمت بنسخها ولعلم الأخوة أعضاء المنتدى فهى تطابق نص الوثيقة المنشورة فى هذا المكان وقد راجعت النص الموجود لدى بما هو منشور أعلاه فوجدتهما متطابقين ،أردت بهذا التعليق أن أؤكد رؤية مفادها ان عدوان 1967 كان مؤامرة مدبرة وشارك فيها للأسف بعض القادة العرب وقد يكون هناك ما زال بعد خفيا عنا مما ستكشفه الأيام القادمة )






(انتهى تعليق السيد سامى شرف على الرسالة / الوثيقة)






وبقراءة دقيقة للوثيقة يمكننا ملاحظة التالى :






- الخطة التى يقترحها الملك السعودى للعمل ضد الدول العربية تكاد تكون هى خطة الحرب الإسرائيلية فى يونيو 1967م


- زوال العرش السعودى عام 1970م إذا استمرت خطط جمال عبد الناصر واستمرت قواته فى اليمن ، والجدير بالملاحظة أن عبد الناصر هُزم عسكريًا عام 1967 م وتوفى عام 1970م.






- فى الوثائق الإسرائيلية الخاصة بحرب يونيو 1967 والتى قام بترجمتها ونشرها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه ( عام من الأزمات ) ، أن الرئيس الأمريكى ليندون جونسون فى مايو 1967 وبعد أن تم تجهيز كل الخطط لضرب مصر ، أراد أن يستوثق من احتمالات غضب الشارع العربى على العروش العربية فى حالة شن إسرائيل الحرب على مصر وقد أستقر رأيه بعد التشاور مع مساعديه على التوجه بالسؤال مباشرة إلى ملكين فى المنطقة تعتبر الولايات المتحدة عرشهما مسألة هامة لأمنها القومى ، الملك حسين بن طلال فى الأردن ، و الملك فيصل بن عبد العزيز ، وبالفعل قابل روبرت كومار مساعد الرئيس جونسون الملك حسين فى عمان يوم 28 مايو 1967 ، كما توجه ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمقابلة الملك فيصل بن عبد العزيز فى نفس اليوم فى لندن التى كان الملك فيصل فى زيارة رسمية لها من أجل تخيير الحكومة البريطانية بين حلين :


1 – تأجيل تنفيذ سياسة الانسحاب من شرق السويس ، واستمرار بقاء القوات البريطانية فى المنطقة لسنة كاملة على الأقل حتى يتمكن الجميع من ترتيب أوضاعهم ، وإلا فإن إتمام الانسحاب البريطانى فى المواعيد المعلنة ( عام 1968 كما أعلن رسميا من مجلس العموم البريطانى ) سوف يخلق فراغا يملؤه الجيش المصرى و يدخل إلى عدن ذاتها .


2 – أن تبذل الحكومة البريطانية مساعيها لإقامة تجمع يضم كل دول شبه الجزيرة العربية و الخليج لكى يكون للمنطقة تجمع إقليمى تتمايز به عن الجامعة العربية ، ويكون للسعودية فيه دور مؤثر يوازى الدور المصرى فى جامعة الدول العربية التى يوجد مقرها فى القاهرة .






- تمت المقابلة بين الملك فيصل و ريتشارد هيلمز يوم 29 مايو 1967 فى جناح الملك فى فندق دورشستر وحضر المقابلة بين الملك وهيلمز السيد كمال أدهم مستشار الملك الخاص ومدير المخابرات السعودية وشقيق زوجته الملكة ( عفت ) ، أستمر الاجتماع من العاشرة مساء وحتى الثانية صباحا وقد تم تأمين مكان الاجتماع بواسطة خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وعاد هيلمز عقب الاجتماع إلى واشنطن لإخطار الرئيس الأمريكى بما دار مع الملك


- يقول الأستاذ هيكل فى كتابه ( عام من الأزمات ) أنه فى ربيع عام 1985 تقابل مع السيد كمال أدهم فى بيته فى لندن وسأله عن لقاء الملك فيصل بريتشارد هيلمز يوم 29 مايو 1967 ، وهل كان الملك يعرف بالتدابير الأمريكية والإسرائيلية لمصر و لجمال عبد الناصر ؟ ورد عليه السيد كمال أدهم قائلا ( أسمع لست سياسيا مثل الآخرين أقول أى كلام و السلام ، ما سألتنى فيه لن أرد عليه ، ولكنى أريدك أن تعلم ، و أنا أقولها لك بمنتهى الصراحة ، صديقك الرئيس جمال كان فى مواجهة مفتوحة و عنيفة ضد المملكة ، والمعركة كانت سياسية و نفسية وأخيرا أصبحت عسكرية فى اليمن ، والملك فيصل مسئول عن مملكته ، مسئول أمام أسرته ، مسئول أمام أخوته و أبنائه يسلم لهم الأمانة كاملة كما استلمها ، واجبه واضح أمام العرش و الأسرة ، و عليه أن يتصرف بما يحقق ( المصلحة ) وهذا هو كل شئ وليس هناك شئ أخر، لا تستطيع أن تسائل الملك فيصل إلا فيما هو مسئول عنه ( العرش و الأسرة ) ، وهل نجح فى حمايتهما طوال حكمه أم لم ينجح ؟ و هل كانت المملكة أقل أو أكثر استقرارا عندما تركها عما كانت عليه عندما تسلمها ؟هذا هو المحك ، كان الخطر الأكبر علينا أيام ملكه هو صديقك الرئيس جمال وبالنسبة لنا فى المملكة فإن فيصل أنتصر فى التهديد الذى مثله علينا الرئيس جمال ، ونحن لا نتعب رؤوسنا بكثرة الأسئلة و لا بالخوض فى الحكايات و التواريخ ) ويتابع الأستاذ هيكل روايته لتفاصيل اللقاء ( وسكت السيد كمال أدهم وهو يشعر أننى أتابعه بتركيز شديد ثم قال : كنت صريحا معك لم أتكلم كلام سياسيين و لم أتكلم كلام رجل غامض كلمتك بصراحة و أنت حر فيما تفهمه مما قلت !)


- بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا فى مملكتنا فحسب ، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها ، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول ( أرحموا شرير قوم ذل) وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام






هذه الجملة الواردة فى الرسالة / الوثيقة هى ما تم فعلا بعد الهزيمة فى 1967 عقب الهزيمة العربية فى حرب 5 يونيو 1967 ، تم عقد مؤتمر القمة العربى فى الخرطوم فى أغسطس 1967 وفيه تعهدت الدول العربية البترولية) السعودية ، الكويت ، ليبيا ) بتقديم مساعدات مالية إلى دول المواجهة مع إسرائيل لكى تستطيع مواصلة الحرب والعمل على محو أثار الهزيمة ، كما أتفق الرئيس عبد الناصر مع الملك فيصل على حل لمشكلة اليمن تضمن عودة فرقتين مصريتين كانتا هناك إلى مصر






- فى عام 1969 نشر ضابط المخابرات الأمريكية ( مايلز كوبلاند ) كتابه الشهير ( لعبة الأمم ) والذى أوحى فيه بصلة الثورة المصرية وعبد الناصر بالولايات المتحدة الأمريكية و وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وقد أصبح هذا الكتاب المرجع الرئيسى لكل أعداء عبد الناصر وثورته ، وفى عام 1988 نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه ( سنوات الغليان ) الذى أورد فيه مجموعة من الوثائق والرسائل التى تثبت أن كوبلاند نصاب و أفاق وأنه نشر كتابه بأوامر أمريكية فى إطار الحرب الأمريكية المستمرة على عبد الناصر والتى تهدف لتشويه سمعته ومن أجل اغتيال شخصيته معنويا فى أعين الجماهير العربية بعد الهزيمة ، وهاج كوبلاند وهدد الأستاذ هيكل برفع قضايا ضده وحتى الأن بعد مرور كل تلك السنوات على صدور كتاب ( سنوات الغليان ) لم يفعل كوبلاند شئ ما هدد به ، وفى سلسلة حوارات للأستاذ هيكل لمجلة روز اليوسف فى منتصف التسعينيات صرح أن كتاب مايلز كوبلاند ( لعبة الأمم) مولته المملكة العربية السعودية عام 1969 فى إطار سعى الملك فيصل الدؤوب للقضاء على شعبية جمال عبد الناصر بين الشعوب العربية ، وهو السعى الذى وافق هوى المخابرات المركزية الأمريكية ورجلها مايلز كوبلاند ، وأشار هيكل إلى أن أى كتاب يصدره أحد ضباط المخابرات المركزية الأمريكية لابد أن يحصل على موافقة من المخابرات المركزية الأمريكية ، وتتم عملية مراجعة دقيقة لما يحتويه لمعرفة مدى خدمته لمصالح وغايات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأهداف السياسة الأمريكية وهو ما خضع له بالطبع كتاب ( لعبة الأمم)






فى 18 مارس 1968 يطلب اللواء عامر خماش رئيس أركان الجيش الأردنى مقابلة ياسر عرفات ، وفى اللقاء يحذره من معلومات استخباراتية مؤكدة وصلت للأردن عن نية إسرائيل تحطيم قواعد المقاومة الفلسطينية فى الأردن عبر هجوم إسرائيلى موسع على الحدود الأردنية ، وطلب اللواء خماش منه أن يقى نفسه ورجاله من الهجوم ، رفض عرفات الهروب من المواجهة ، وقال للواء خماش ( ما رأيكم سيدى ، لو أخلينا الساحة مرة أخرى أمام الإسرائيليين ، ألا يكفى ما حدث فى 1967 ، أليس علينا كفدائيين أن نعطى الأمثولة مرة واحدة ، وأن نبرهن أن فى العرب عرقا ينبض)






بعد تحذير اللواء خماش بثلاثة أيام فقط فى 21 مارس 1968 ، شن الإسرائيليون هجومهم بقوات ضخمة بعرض 80 كم على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة ، ولكن مركز الهجوم الرئيسى كان قرية الكرامة ، تحولت المعركة إلى جحيم ، وخاض الفدائيون الفلسطينيون والفرقة الأردنية الأولى معركة رهيبة امتدت حتى مغيب الشمس ، انسحبت بعدها القوات الإسرائيلية مهزومة على أعقابها ، وتحقق للفدائيين الفلسطينيين أول نصر فى مواجهة برية مع العدو الإسرائيلى بعد حرب 1967 ، كانت مصر قد حققت معركتين ناجحتين من قبل الكرامة فى رأس العش فى 1 يوليو 1967 عندما تصدى 30 مقاتل مصرى من قوات الصاعقة لقوة مدرعة إسرائيلية تحاول احتلال مدينة بور فؤاد وكانت المنطقة الوحيدة في سيناء التي لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو 1967 ،وفشلت القوة المدرعة الإسرائيلية أمام 30 مقاتل مصرى ، وفى عملية تدمير المدمرة الإسرائيلية ( إيلات ) فى 21 أكتوبر 1967 ، ولكن صدى معركة الكرامة كان مدويا ، لأن المقاومة الفلسطينية واجهت الجيش الإسرائيلى وانتصرت عليه للمرة الأولى ، وانسحبت القوات الإسرائيلية مهزومة أمام صمود المقاوم الفلسطينى


فى كتاب ( سيرة وصفى التل السياسية ) الصادر عن دار الأزمنة للنشر فى صفحة 115 نقرأ التالى : ( منذ الكرامة ، فقد أدرك الملك حسين ، الخطر الكامن فى استمرار العمل الفدائى لكنه فضل التساهل على أمل إيجاد فرصة مناسبة للتوصل إلى تسوية مع الفدائيين ، فقد تلقى تهديدات إسرائيلية متكررة ، و نصائح عربية لا تقل خطورة ، ومع ذلك فقد آثر الروية ، لأسباب أقلها أن أكثر من نصف شعبه هو من الفلسطينيين أيضا )






وعلى ذكر النصائح العربية الخطيرة التى تلقاها الملك حسين بخصوص المقاومة نصل إلى الوثيقة الثالثة فى حديثنا


وهذه الوثيقة عبارة عن رسالة منشورة فى كتاب ( عقود من الخيبات ) للكاتب حمدان حمدان الطبعة الأولى 1995 عن دار بيسان على الصفحات من 535 – 537


أرسلها الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الملك الأردنى الحسين بن طلال


تقول الرسالة ( وهى وثيقة بتاريخ 3 كانون الثانى (يناير) 1969 م الموافق 14 شوال 1388 ه وحملت الوثيقة الرقم 421 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودى) ما يلى : -






صاحب الجلالة الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية ، حفظه الله


يا صاحب الجلالة


سبق لى أن تحدثت لجلالتكم – كشقيق يسره ما يسركم ويضره ما يضركم – عن الحالة التى وصل إليها الأردن الشقيق ، بوجود ما يسمى ( المقاومة الفلسطينية ) ، وأفصحت لجلالتكم عن يقينى القاطع أن هذه ( المقاومة ) سوف تستغل ضدكم وتتحول من اسمها الظاهرى ( مقاومة فلسطينية ) إلى ( مقاومة ) ضدكم وضد شعبكم إن أنتم تهاونتم بترك حبالها على الغوارب والآن وبعد أن أتضح لجلالتكم أمرها جليا، فإنه لا يسعنى إلا أن أكرر نصحى للاستفادة من هذا الوقت السانح لجلالتكم بمبادرة القضاء المبرم على هذه ( المقاومة ) فبادروا أيها الأخ العظيم قبل أن يحدث ما نتوقعه بين يوم و أخر ، وما نخشى عقباه باستبدال حكمكم لا قدر الله ، بحكم هذه ( المقاومة الفلسطينية) ، ومن ثم يأتى دورنا نحن ، حين يتحول الأردن من دولة شقيقة إلى وبال ثورة علينا ، فننشغل بمحاربة ثورتين شيوعيتين ، واحدة فى جنوب مملكتنا والأخرى فى شمالها ، حيث يصبح الأردن الشقيق كالجنوب المسمى باليمن الديمقراطى ، والذى لم نزل نتعاون و إياكم فى مكافحة من أفسدوه


فإن لم يصبح الأردن دولة شيوعية بانتصار ( المقاومة لا قدر الله ) ، فإنه سيصبح بالتأكيد ولا محالة دولة ناصرية أو بعثية أو قومية ، وكل هذه التسميات وإن اختلفت مجاريها ، فإنها تصب فى قعر بؤرة واحدة ، هى بؤرة الهدم ضدنا ، وضد أصدقائنا الأمريكان والإنكليز وأنصار النظام الغربى


لذلك فإننى أعرض مجددا على جلالتكم – كشقيق لكم – رأينا النهائى ورغبتنا الملحة ، بالقضاء على كل هذه الزمر المفسدة المجتمعة فى الأردن باسم ( مقاومة إسرائيل ) ، بينما – يشهد الله – (أن شر إسرائيل لا وجود له ، أمام شرور تلك الزمر المفسدة)


وبهذه الرسالة ، ما أردنا إلا تكرار عرض خدماتنا لجلالتكم بتحمل كافة المصروفات ، وما ستتكلفونه من مال وسلاح وذخيرة فى سبيل مقاومة ( المقاومة)


وإلا فإننى وأسرتى الصديقة التى ترى فى هذا الرأى ، وتقره كما تعلمون ، سننضم جميعا ضدكم ، لنشكل الطرف الأخر لمقاومتكم ومقاومة هذه ( المقاومة ) غير الشريفة لأننا بذلك لا ندافع عن كيانكم فقط ، بل عن كياننا أيضا


وبانتظار الرد من جلالتكم ، أدعو الله أن يحميكم من كل مكروه وأن يأخذ بيدنا لإحباط كل ما يحيط بنا من أخطار المفسدين الملحدين


أخوكم المخلص : فيصل بن عبد العزيز آل سعود


ملك المملكة العربية السعودية






فى 23 يوليو 1970 أعلن الرئيس عبد الناصر قبول مصر لمبادرة وزير الخارجية الأمريكى ويليام روجرز والتى نصت على إيقاف القتال لمدة 90 يوم وفتح المجال لحل الصراع على أساس انسحاب إسرائيل من أراضى احتلتها فى حرب يونيو 1967 ، وفقا لقرار مجلس الأمن 242 ، أنضم الملك حسين إلى الرئيس عبد الناصر فى قبول مبادرة روجرز ، مما أثار غضب الفصائل الفلسطينية المسلحة التى خشيت أن يكون قبول المبادرة مقدمة إلى حل سلمى للصراع العربى الإسرائيلى ، فى أغسطس 1970 سافر وفد من قادة الفصائل الفلسطينية إلى الإسكندرية للقاء الرئيس عبد الناصر ضم ياسر عرفات ، فاروق القدومى ، صلاح خلف ، هايل عبد الحميد عن منظمة ( فتح ) ، وضافى جمعان عن ( الصاعقة) ، وإبراهيم بكر عن ( المستقلين ) .


فى الاجتماع قال لهم الرئيس عبد الناصر :


( لا أفهم كيف تهاجموننى دون أن تقفوا على حقيقة بواعثى لقبول مبادرة روجرز ، أننى موقن أن حظ المشروع من النجاح هو واحد بالألف ، فإسرائيل لن تنسحب من كامل الأراضى العربية وأنا لن أقبل بأقل من ذلك ، بقبولى لمبادرة روجرز أكسب وقت لكى ننصب حائط الصواريخ على حافة قناة السويس لكى أقضى على غارات الطيران الإسرائيلى ولشن معركة تحرير أراضينا المحتلة والتى أعدكم أنها لن تتأخر عن ربيع عام 1971 )






وأضاف الرئيس عبد الناصر أنه حذر الملك حسين من دخول معركة ضد المنظمات الفلسطينية فى الأردن ، ورغم تحذيرات الرئيس عبد الناصر للجميع من أجل تلافى وقوع حرب أهلية فى الأردن لن تستفيد منها سوى إسرائيل ، أستمر توتر الأوضاع وفى 16 سبتمبر 1970 يشكل الملك حسين وزارة عسكرية بدأت الهجوم الشامل على المنظمات الفلسطينية ، وعلى إثر احتدام المعارك وتحول العملية العسكرية إلى عملية إبادة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية ، دعا الرئيس عبد الناصر إلى مؤتمر قمة عربى فى القاهرة أستطاع خلاله إيقاف القتال الضارى فى الأردن وإقناع الملك حسين بالحضور إلى القاهرة وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ، ووافق الملك مرغما بعد نجاح المخابرات المصرية فى تهريب ياسر عرفات من موقعه المحاصر فى الأشرفية ، وعقب نهاية المؤتمر توفى الرئيس عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 ، وفى يوليو 1971 إثر تجدد القتال بين الجيش الأردنى والفصائل الفلسطينية تم خروج الفصائل من الأردن إلى لبنان ، وتحققت نصيحة الملك فيصل إلى الملك حسين






فى مذكرات هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق نقرأ التالى أنه شعر بالسعادة البالغة لنبأ وفاة الرئيس عبد الناصر لأن وجوده بسياسته الراديكالية المعادية للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط كان يمثل أكبر عائق لتنفيذ الأهداف الأمريكية فى المنطقة الأهم للولايات المتحدة فى العالم ، ويحلل كيسنجر أوضاع المنطقة عقب وفاة عبد الناصر ، ويصل أن الوقت أصبح مناسب للوصول لحل سلمى للصراع بين مصر و إسرائيل بشرط أن يكون هذا الحل أمريكى ، وأن يتضمن ثلاثة شروط :


1 – طرد النفوذ السوفيتى من المنطقة كلها.


2 – يترك مصر ضعيفة غير قادرة على التأثير بأى نفوذ على الإطلاق فى العالم العربى .


3 – أن تظهر التجربة الثورية التى قادها عبد الناصر فى مظهر التجربة الفاشلة .


عقب وفاة الرئيس عبد الناصر المفاجئة خلفه نائبه أنور السادات فى الرئاسة ، تبدو العلاقات بين الرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل غامضة ، فالسادات فى مذكراته يشير إلى صداقته بالملك فيصل منذ كان الأخير وليا لعهد المملكة العربية السعودية وكان السادات يعمل سكرتير للمؤتمر الإسلامى ويقول السادات أنه ظل صديقا للملك فيصل برغم حرب اليمن التى كانت مصر و السعودية خلالها فى معسكرين متصارعين ، وكان السادات هو المسئول السياسى من الجانب المصرى عن الثورة اليمنية ، كما ربطت صداقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم مستشار الملك فيصل ومدير المخابرات السعودية وهمزة الوصل بين المخابرات السعودية والمخابرات المركزية الأمريكية وتوثقت هذه الصداقات خلال حرب اليمن


وهو أمر يثير الشكوك خاصة بعد أن نشرت جريدة ( الواشنطن بوست ) فى عددها الصادر فى 24 فبراير 1977 وعلى صدر صفحتها الأولى خبر يقول ( أن كمال أدهم كان طوال الستينات يمد السادات بدخل ثابت ) ، ولم يصدر عن الرئيس الراحل السادات أى تكذيب لهذا الخبر ، فى 20 ديسمبر 1969 أصدر الرئيس عبد الناصر قراره بتعيين السادات نائبا له ، عقب زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز لمصر، وبعد 3 شهور من إصابته بالنوبة القلبية الأولى فى سبتمبر 1969 ، حتى الأن يبدو سر هذا القرار بتصعيد السادات غير مفهوم على الإطلاق ، فهل كان للملك فيصل دور فى قرار الرئيس عبد الناصر ؟ !


بمراجعة مذكرات الرئيس السادات نجد أن السادات يقول أنه عرف ان الملك فيصل قال ( إذا أراد الله بمصر خيرا يحكمها السادات ) ، بالطبع كان الملك فيصل يقصد الخير لمصر ولكن من وجهة نظر أل سعود ومصالحهم ، فى نوفمبر 1970 يزور كمال أدهم مصر ويلتقى الرئيس السادات وينقل له نصائح الملك فيصل بضرورة خروج السوفيت من الصراع فى الشرق الأوسط لكى يدخل الأمريكيون ويجدوا حل للمشكلة القائمة ، ويصارحه السادات باستعداده لطرد السوفيت إذا ساعدته الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مرحلة أولى من الانسحاب ، عقب انقلاب مايو 1971 والذى أطاح فيه الرئيس السادات بكل شركائه فى الحكم من رجال عبد الناصر ، و ألقى بهم فى السجون ،ولتخفيف شكوك السوفيت فى نواياه خاصة بعد تخلصه من كل القيادات الناصرية فى السلطة ، عقد الرئيس السادات معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفيتى ، أثناء ذلك كان الملك فيصل فى زيارة للولايات المتحدة أخبر الملك فيصل المسئولين الأمريكيين أن المعاهدة مجرد مناورة لجأ لها السادات و لاتعنى شيئا ، كما قرر الملك أثناء عودته من الولايات المتحدة زيارة مصر ولقاء الرئيس السادات وفى اللقاء ركز الملك على نفس النقطة عزوف الأمريكيين عن التدخل وحل القضية طالما بقى السوفيت فى مصر ، كما طلب الملك من الرئيس السادات أن يفتح صفحة جديدة مع جماعة الإخوان المسلمين ويقابل وفد من قادتها الذين كانوا يعيشون فى السعودية عقب صراعهم مع الرئيس عبد الناصر ، و أن ينسق معهم سياسيا و إعلاميا لتصفية الاتجاهات والأفكار الناصرية و اليسارية على الساحة السياسية المصرية ، وفى شهر يونيو 1972 زار وزير الدفاع السعودى الأمير سلطان بن عبد العزيز ، ومعه السيد كمال أدهم القاهرة ، وأثاروا مع الرئيس السادات من جديد موضوع الخبراء السوفيت الذى يعيق الأمريكيين عن التدخل لحل القضية ، وطلب السعوديون من السادات أن يخبرهم بقراره بخصوص السوفيت قبل اتخاذه لكى يستطيعوا مساومة الأمريكان به ، ولكن السادات منفردا وبدون التشاور مع أحد غير الفريق صادق وزير الحربية المصرى وقتها ، أتخذ قراره بالاستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت فى مصر ، ولحرص الرئيس السادات على سرية قراره و رغبته فى إحداث أكبر تأثير فأنه فاجأ الجميع بالقرار ، وهو يتصور أن الأمريكيين سوف يكونوا سعداء ، إلى درجة تدفعهم إلى الاستجابة لأى شئ يطلبه ، ولكن هذا لم يحدث ، كان تعليق الزعيم السوفيتى ليونيد بريجنيف على قرار السادات ( لقد أعطى السادات للأمريكيين أقصى ما يحلمون به ، ولكن للأسف دون ثمن مقابل ) ، ويقول هنرى كيسنجر فى مذكراته ( لماذا لم يقل لنا السادات ما كان ينوى فعله ؟ ربما لو أبلغنا مسبقا لكنا قدمنا له شيئا فى المقابل ؟ فى السياسة كما فى كل شئ أخر ، فأن لا أحد مستعد لدفع ثمن لشئ حصل عليه بالفعل ) ، الغريب أن الدكتور محمود فوزى وزير خارجية مصر ورئيس وزرائها الأسبق يروى فى مذكراته أنه كان هناك عرض قدمه الأمريكيون للرئيس عبد الناصر يتضمن انسحاب إسرائيل من سيناء وتوقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل تضمن حياد مصر مقابل قيام الرئيس عبد الناصر بطرد الخبراء السوفيت ، ولكن عبد الناصر رفض لإصراره على تحرير كافة الأراضى العربية التى احتلت فى حرب يونيو 1967، استجاب الرئيس السادات لنصيحة الملك فيصل وطرد الخبراء السوفيت ولكنه لم يحصل على المقابل الذى توقعه لإصراره على فردية قراره ورغبته فى الحصول على السبق الإعلامى


بعد قرار الرئيس السادات قام الملك فيصل بإصدار العديد من التصريحات وإرسال الرسائل إلى الإدارة الأمريكية وشركات البترول الأمريكية للبحث عن حل سلمى لعودة الأراضى العربية المحتلة عام 1967 ، ولكن دون جدوى ، وواصل الملك فيصل دعمه للسادات ولم يكن وحده الداعم بل شاركه معظم الزعماء العرب ( الرئيس معمرالقذافى ، و الرئيس هوارى بومدين ، والرئيس أحمد حسن البكر) حيث دعموا مصر و قواتها المسلحة اقتصاديا وعسكريا بعدما أدرك الجميع ان الحرب هى السبيل الوحيد للبحث عن حل للصراع العربى الإسرائيلى ، وأخيرا بعد طول انتظار ، أتخذ الرئيس السادات قرار الحرب ، وفى ظهيرة يوم السبت 6 أكتوبر 1973 ، بدأت الحرب الخامسة بين العرب و إسرائيل ، و استطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية تحقيق انتصارات واضحة على جبهتى القتال ، وبالذات على الجبهة المصرية التى شهدت عملية العبور العظيم ، ولكن بعد قرار السادات بالوقفة التعبوية الذى أتاح لإسرائيل فرصة الإنفراد بالجبهة السورية ، ثم قراره المتأخر بتطوير الهجوم نحو المضايق وحدوث ثغرة الدرفسوار ،بدأت الأمور تتأزم على الجبهات العربية و استعادت إسرائيل زمام المبادأة خاصة مع الدعم العسكرى الأمريكى لنجدتها من كارثة الأيام الأولى للمعركة ، فى يوم 17 أكتوبر وعقب طلب الرئيس السادات من الملك فيصل أن يستخدم سلاح البترول فى المعركة ، أجتمع وزراء البترول العرب ( الأوابك ) فى الكويت وقرروا التالى : 1- تقرر تخفيض الإنتاج الكلى العربى بنسبة 5 % فورا ، 2 – تقرر تخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967


ثم قررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70 % ، و قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التى يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة ، كما أستدعى الملك فيصل السفير الأمريكى فى السعودية وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط:-


1 – إذا استمرت الولايات المتحدة فى مساندة إسرائيل فإن العلاقات السعودية الأمريكية قد تتعرض للمشاكل .


2- أن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10 % وليس فقط 5 % كما قرر وزراء البترول العرب .


3 – ألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودى إلى الولايات المتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة .
أعتبر كيسنجر هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم ، كما أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق فى استخدام البترول كسلاح ، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يعكس نزعتهم إلى محاولة السيطرة على الغرب ، ولأن منتجى البترول و لأول مرة فى التاريخ أعطوا أنفسهم حق تحديد سعر البترول ، وفى يوم 20 أكتوبر أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و 100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة ، وفى نفس اليوم أعلنت الدول العربية حظر تصدير بترولى كامل على الولايات المتحدة الأمريكية ، هذه هى وجهة النظر السائدة لقرار استخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 ، ولكن هناك وجهة نظر أخرى تم التعتيم عليها بخصوص استخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المستفيد الأكبر من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول ، حيث تخبرنا الأرقام ان نصيب العرب مجتمعون من فوائض البترول عام 1974 وعقب قرارات الخفض الانتاجى ورفع الأسعار بلغت 60 مليار دولار ، أما شركات البترول ومعظمها أمريكية فبالإضافة إلى أرباحها من ارتفاع الأسعار لخام البترول ، حصلت من عملياتها البترولية الأخرى ( التكرير و التسويق ) على 7 دولارات صافى ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول ، أنعشت قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول الاقتصاد الأمريكى عبر الودائع والاستثمارات العربية الهائلة فى البنوك والشركات الأمريكية ، فقبل حرب أكتوبر 1973 كانت الولايات المتحدة تواجه عجز فى ميزان مدفوعاتها ، الذى تحسن ابتداء من عام 1974 بفضل الارتفاع الصاروخى لأسعار البترول ، كانت أوروبا واليابان أكثر المتضررين من قرارات خفض الإنتاج و رفع أسعار البترول ، تم التخفيض والحظر البترولى متأخرا جدا بعد 11 يوم من بدء المعركة وعقب تأزم الموقف على جبهات القتال العربية ، لم يميز قرار خفض الإنتاج بين الدول العدوة والدول الصديقة للعرب ، ركز الرئيس السادات متعمدا على دور الملك فيصل فى دعم مصر ، وتجاهل أدوار أخرى لا تقل أهمية عن دوره إن لم تزيد كدور الاتحاد السوفيتى وهو أهم دور فبدون مساندته ودعمه وأسلحته ما حارب العرب من الأساس ، كما تم تشويه دور الرئيس الليبى معمر القذافى لكراهية السادات غير المبررة له ، والتقليل من دور الرئيس الجزائرى الشهيد هوارى بومدين ، والرئيس العراقى أحمد حسن البكر ونائبه وقتها صدام حسين ، رغم ان هناك قوات مسلحة من الجزائر والعراق شاركتا فى الحرب نفسها ، بخلاف دعمهما المالى لدول المواجهة ، تجاهل السادات كل هؤلاء وركز على دور الملك فيصل فقط ، صرح الملك فيصل عندما تم اتخاذ قرار الحظر البترولى الشامل على الولايات المتحدة أن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية التى احتلت عام 1967 ، وهو مالم يحدث حيث تم رفع الحظر عقب اتفاق فك الاشتباك الأول




فى عام 1965 قتلت قوات الأمن السعودية الأمير خالد بن مساعد بن عبد العزيز الذى كانت له مواقف دينية متشددة , أخذت تتبلور ليست كأفكار, بل تحولت إلى تجاوزات سلوكية رافضة لخطط عمه الملك فيصل لتطوير المملكة العربية السعودية والاستفادة من فوائض النفط فى تحديث المملكة خاصة وقد أصبح هذا التحديث ضرورة تحت وطأة ضغط الوجود المصرى فى اليمن ، وقد دفعت تجاوزات الأمير خالد بن مساعد الملك فيصل إلى توجيه أمره إلى الأمير فهد بن عبد العزيز وزير الداخلية آنذاك باعتقال الأمير خالد بن مساعد. إلا أن الأخير أبى أن يسلم نفسه لرجال الأمن ، وأطلق النار على رجال الأمن . في أثناء ذلك صدرت أوامر الملك فيصل إلى وزير داخليته بإحضاره حيَّاً أو ميتاً ، وقتل الأمير خالد بن مساعد أثناء تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن السعودية




فى صباح يوم الثلاثاء 13 مارس 1975 كان الملك فيصل يستقبل زواره بمقر رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزير النفط الكويتي الكاظمي، ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني ، ووصل في هذه الأثناء الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز (اخو الأمير خالد بن مساعد)، ابن شقيق الملك فيصل، طالبا الدخول للسلام على عمه. وعندما هم الوزيرين بالدخول على الملك فيصل دخل معهما ابن أخيه الامير فيصل بن مساعد. وعندما هم الملك فيصل بالوقوف له لاستقباله، كعادته مع الداخلين عليه للسلام، أخرج الأمير مسدساً كان يخفيه في ثيابه، وأطلق منه ثلاث رصاصات، أصابت الملك في مقتل في رأسه. ونقل الملك فيصل على وجه السرعه إلى المستشفى المركزي بالرياض، ولكنه توفي من ساعته ، وفى يوم الأربعاء 18 يونيو 1975 تم تنفيذ حكم الإعدام بالسيف فى الأمير القاتل ، وحتى الأن لم يعرف أحد دوافع الأمير فيصل بن مساعد هل كان يثأر لمقتل أخيه الأمير خالد بأوامر الملك فيصل عام 1965، أم أنه قد تم استخدامه فى لعبة أمريكية خاصة أنه كان يعيش مع فتاة أمريكية بالولايات المتحدة الأمريكية قبل عودته للسعودية ، مما أثار الشكوك فى احتمال ان تكون المخابرات المركزية الأمريكية قد جندته للتخلص من عمه الملك فيصل بعد أن أستخدم سلاح البترول فى حرب 1973 ، وبعد أن أصر على عودة القدس وصرح مرارا فى سنوات عمره الأخيرة أنه يريد أن يصلى فى القدس
فى هذه الدراسة وعبر قراءة جديدة فى الجوانب المسكوت عنها فى تاريخ الملك فيصل بن عبد العزيز ، حاولنا تبيان مواقع الظلال وما أكثرها فى تاريخ الملك الراحل بالوثائق والأدلة
………………………………………………….
بقلم : عمرو صابح


كاتب وباحث عربى من مصر


………………………………………………….




الارشيف

المتواجدون الآن