من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

حقائق ووثائق/فؤاد الحاج

فلسطين كانت وستبقى ضمير البعثي الملتزم والقومي العربي الأصيل، إذ لا فرق بين البعثي الملتزم بعقيدته وبنهج البعث الوطني والقومي وبين القومي العربي الحر الشريف، لأن كل عربي قومي حر شريف هو بعثي النهج، وكل بعثي ملتزم هو قومي التفكير والأداء، لذلك نعود مجدداً اليوم لنتحدث عن جوانب رسمية خاصة وغير متداولة بشكل تفصيلي عن المنازلة الكبرى (أم المعارك) حيث نشير فيها إلى الكثير من الأدلة والحقائق التي تعين الباحث والقارىء الوطني القومي على معرفة بعض ما لم يعلن حتى الآن عن الحرب العدوانية الصهيو-أمريكية-الأطلسية-العربية الرسمية ضد عراق التاريخ والحضارات عام 1991، ولا بد من التنويه هنا إلى أن أحد أهداف العدوان غير المعلنة كانت تدمير حضارة العراق باعتبارها أول وأقدم حضارة بشرية في العالم القديم والحديث، إضافة إلى الانتقام والحقد التاريخي كما يقولون في كتب وكتابات الصهاينة، وما سرقة وحرق وتدمير المواقع الأثرية والشواهد التاريخية من قبل قوى الشر الصهيو-أمريكية على حد سواء في بابل ونينوى كما في باقي المواقع والمحافظات العراقية ونقلها إلى الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة والبعض الآخر إلى متاحف أوروبية وأمريكية إلا دليلاً على ذلك، أما الذي نقل إلى فلسطين المحتلة الغاية منه كي يقال بعد عدة سنوات أنهم اكتشفوا في مكان ما في فلسطين (رقم وشواهد تؤكد وجود "الاسرائيليين" في فلسطين المحتلة منذ آلاف السنين) وهذا ما لم ينتبه إليه أي من أبناء الأمة الشرفاء والأحرار حسب اعتقادي، أما ما نقل إلى المتاحف الأوروبية والأمريكية ليس إلا شواهد تاريخية محددة كي يقال أنهم يحافظون على تاريخ البشرية من الاندثار ليس إلا!
المهم أننا في هذه الحديث نثير أسئلة تقابلها إجابات تعين عل رؤية الأمور على حقيقتها لكل الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة وفي أماكن تواجدهم، وفي الوقت نفسه ليكون أبناء الأمة الشرفاء والأحرار عوناً وسنداً لأبطال العراق الشرفاء من المقاومة الوطنية القومية الذين يعيدون صياغة حاضر العراق من أجل إعادة الوجه العربي الأصيل لعراق الحضارات والتاريخ في مواجهة ثالوث الشر الصهيو-أمريكي-الصفوي وكل من يتحالف معهم من طائفيين ومذهبيين بكافة انتماءاتهم ومسمياتهم، وكذلك ليكون الكتّاب الأحرار والشرفاء في أماكن تواجدهم قادرين عل التأثير في قيادة الأمة على الطريق الصحيح في ظروف بلغ فيها التشويش الذي تمارسه أجهزة الدعاية الصهيو-أمريكية وأجهزة عملائها في البلاد العربية وأجهزة الخبث والدهاء الصفوي القادم عبر البوابة الشرقية للأمة العربية.
لذلك أعتقد أنه بات من الضروري تناول هذا الموضوع من جوانبه العملية الأعمق والأشمل، ومن جوانبه المادية الملموسة، لتكون هذه المعالجة عدة إضافية يستعين بها المناضلون في النفاذ إلى عقول وقلوب أبناء الأمة بما يعزز إيمان الخيرين منهم بالوطن والثورة ضد المتآمرين من عرب الجنسية واللسان وضد الغزاة، لنزيل معاً آثار الدعاية المضادة ومواجهة ما يروجه العملاء والطابور الخامس وضعاف النفوس، لأن ليس كل الشعب في مستوى واحد من الوعي والإدراك بحقيقة مجريات الأمور بسبب الحملات الشرسة التي تشنها قوى الشر من قتل وتدمير يومي ممنهج، إضافة إلى الحملات الإعلامية التي تساهم فيها الفضائيات الناطقة بالعربية، وكذلك ليتم كشف الذين تسلقوا سلم حزب البعث العربي الاشتراكي ومن ثم انقلبوا عليه، وهؤلاء كان دورهم في التخريب أكبر وأشمل من الناحية الفنية، خاصة بعد أن تم كشف عدد منهم مؤخراً، مما يجعلنا نطرح سؤال هل أن القيادة والحزب أيضاً على مستوى واحد في التفاصيل العملية والروحية؟ فنجيب بالنفي.. لأن الرئيس الشهيد صدام حسين والشهداء برزان التكريتي وعواد البندر وطه ياسين رمضان ومن سيتبعهم في تسلق سلم الشهادة إلى عليين، أثبتوا أنه ليس كل من انتمى إلى البعث على مستوى واحد في الإيمان والوعي والتضحية والصبر، "وعلى أساس هذا الوصف وقياساته الصحيحة قاد ويقود الحزب الشعب، وتقود القيادة والقيادات الحزب والشعب، وخاصة في الوعي والقدرة على تصريف الأمور ومواجهة ضغط الأحداث على المستوى السوقي والثبات في المواقف".

***
في اجتماع للقيادة القطرية لحرب البعث العربي الاشتراكي بعد عدة أشهر من العدوان الثلاثيني الصهيو-أمريكي-الأطلسي-العربي الرسمي تحدث الرئيس الشهيد صدام حسين قائلاً: تتذكرون أيها الرفاق كيف ابتدأت حملة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية وتصاعدت ضد العراق حال انتهاء قادسية صدام بالنصر الذي باركه الله في 8/8/1988، إن انتصارنا في قادسية صدام خلق حقيقة جوهرية كبيرة في المنطقة، تلك هي أنه ولأول مرة في التاريخ المعاصر، ولأول مرة في مسيرة الصراع العربي الصهيوني، ومن يقف وراء الكيان الصهيوني من قوى إمبريالية، نشأت قوة عربية عسكرية كبيرة، توازن بما تملكه من أسلحة، وخبرة، وكفاءة قتالية مدعومة بوضع سياسي قوي وإرادة وطنية وقومية واعية وصلبة، توازن القوة العسكرية للكيان الصهيوني الذي فرض تفوقاً عسكرياً نوعياً ومادياً منذ قيامه وحتى عام 1988.. وبذلك تحول التوازن كلياً لصالح الأمة العربية بعد أن كان، وخاصة بعده هزيمة حزيران وعجز حرب 1973 عن تصحيح المعادلة، لصالح ما يسمى (اسرائيل) بصورة واضحة لا لبس فيها، كما كان في نشوء هذه الحقيقة مفاجأة صارخة من زاوية أن التحالف الأميركي - الصهيوني ومعه الأوساط الغربية المتأثرة بالصهيونية وذات المصالح والأطماع الاستعمارية، كانت تتوقع حتى في حالة انتهاء الحرب مع إيران أن يخرج العراق ضعيفاً وغير قادر على أن يسهم إسهاماً مباشراً وقوياً في تصحيح المعادلة السابقة.. وكان هذا كله تحولاً ذا طبيعة جوهرية، وذا أبعاد مستقبلية كبيرة على كل المشروع الأميركي - الصهيوني في المنطقة وعلى عملائه وشركائه من الأنظمة العربية، وقد شعرت القيادة منذ بدء الحملات واسعة النطاق التي استهدفت العراق، والتي لم يكن لها مثيل في السابق، أن المؤامرة تشتد وتتصاعد وكان على القيادة أن تواجه المؤامرة بأسلوبين يكمل أحدهما الآخر..
الأول: هو الصمود وإبقاء الجذوة الوطنية والقومية متقدة وعدم الانكسار أو التراجع أمام الهجمة الظالمة..
والثاني: هو التعامل السياسي المرن والواعي من أجل إحباط ما يمكن إحباطه من عوامل المخطط الإمبريالي الصهيوني..
وقد سعت القيادة بصدق وإخلاص إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات والأوضاع العربية، ففي أثناء الحرب مع إيران لم تجد القيادة أن من المناسب أن تطرح أفكارها وبرامجها بشأن الوضع العربي بصورة علنية خشية سؤ التفسير من منطلق مغرض هو أن العراق ضعيف، وأن مثل هذه الأفكار والبرامج تنطلق من حالة ضعفه أثناء المواجهة مع إيران، ولكن بعه أن تحقق النصر الحاسم بإذن الله والذي لا لبس فيه بعد الثامن من آب 1988، أصبح ممكناً ومفهوماً أن تطرح أفكار القيادة وبرامجها..

****إعادة ترتيب الوضع العربي
كانت خلاصة ذلك إعادة ترتيب الوضع العربي على أساس تطوير التعاون بين الأنظمة وتحسين العلاقات فيما بينها وإزالة الشكوك والهواجس والعوامل التي تتخذ كذريعة أو حجة لعدم إقامة علاقات طبيعية، وترصين الوضع العربي ولو بالحد الأدنى، من أجل مواجهة الغطرسة والهيمنة الصهيونية وخلق ظروف وموازنات تفرض على الكيان الصهيوني القبول بحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وكذلك مواجهة تحديات المستقبل الاقتصادية والعلمية والبيئية وغيرها من التحديات التي يطرحها عقد التسعينات، وقد سعت القيادة إلى عقد اتفاقيات عدم تدخل في الشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة، وإنشاء مجلس التعاون العربي، وتعزيز دور الجامعة العربية ومؤسساتها، كل ذلك لتعزيز هذا المنهج العقلاني المسؤول..
وبرغم إدراكنا للتآمر ضدنا من الجانب الغربي، وخاصة من أمريكا وبريطانيا وغيرها من الأوساط الغربية لأسباب خاصة بها أو بدافع التأثير الصهيوني، فقد سعت القيادة بعد مرحلة الحرب إلى ترتيب علاقات متوازنة مع هذه الدول على أساس المصالح المشتركة، وعلى أساس احترام إرادة ومكانة الأمة العربية ومصالحها المشروعة.
فالعراق القوي الشامخ الذي خرج منتصراً من الحرب مع إيران لم يتصرف بغرور المنتصر، وإنما تصرف بمسؤولية عالية، كما عبر عن أعلى درجات التواضع في التعامل مع العرب، وتعامل مع العالم بمسؤولية واتزان وعقلانية، مع ثبات الموقف الوطني والقومي، وثبات التمسك الواعي بالحقوق والمصالح الوطنية والقومية.
وكحقيقة لا لبس فيها فأن هذه السياسة المسؤولة والمتوازنة التي اتبعتها القيادة على الصعيدين العربي والدولي قد زادت من خبث المخطط الإمبريالي الصهيوني وشراسته ضد العراق ولم تقلله كما قد يبدو في ظاهر الأمور، فأطراف هذا التحالف الخبيث أدركوا تماماً أن ما تفكر به القيادة وتعمل له ليس هو ذلك النهج الديماغوجي الصارخ في ادعاءاته والهش في نتائجه الملموسة الذي اتبعته أنظمة أو قيادات عربية في السابق ولم يغير من الموازنة على صعيد الواقع، وإنما هو منهج عقلاني جاد مثابر ومتصاعد يخلق نتائج ملموسة على صعيد الواقع، وكلما كانت القيادة تمضي في التعبير عن سياستها المسؤولة والمتوازنة كان أطراف هذا التحالف يصعدون من تآمرهم ويحقنونه بالخبث، بل وكانوا يتعمدون استفزاز القيادة لجرها إلى مواجهات علنية من أجل زعزعة هذا النهج، وتخويله إلى نهج ديماغوجي هش يمكن فيما بعد التعامل معه كما سبق لأمريكا والكيان الصهيوني والغرب أن تعاملوا مع النماذج السابقة التي أشرنا إليها.
وكان عام 1990 عاماً فاصلاً في تاريخ المنطقة، لقد بدا النصر العراقي في آب 1988 والسياسة القومية المسؤولة والثابتة يعطيان آثارهما وبدأت القومية العربية كشعار وما تنطوي عليه من أهداف الوحدة وتحرير فلسطين وتعزيز مكانة الأمة العربية تظهر مرة أخرى على ساحة العمل الجماهيري والسياسي العربي لتجدد الآمال في نهضة قومية جديدة بعد انحسار شديد وحالات من الإحباط لحساب تيارات أخرى، أو لحساب الانكسار والرضوخ للمخطط الأميركي الرجعي الذي عبرت عنه (الساداتية) والذي غذته أموال وسلوكيات أنظمة النفط العربية الغنية الفاسدة والمفسدة والمرتبطة بالامبريالية.
ووقفت الأمة العربية على مفترق طريق، إما أن تسير على طريق النهضة والتقدم وتتقبل ما ينطوي على ذلك من تضحيات، أو أن ترضخ وتستسلم لمخطط الحلف الإمبريالي الأمريكي الصهيوني كما حصل في مصر وبلدان أخرى، وكان واضحاً أن الهدف الرئيسي للمخطط هو العراق الذي قاد حملة مواجهة التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني.
ويتضح من ذلك أن هذه المنازلة بدأت هجومية من جانب العدو، ودفاعية من جانبنا من حيث الجوهر، وأن العمل الثوري لا يقبل بالدفاع شبه المستكين في خط المنازلة، وإنما يعتمد مبدأ أن الدفاع ينبغي أن يصمم على أساس المبادأة في الهجوم حيثما وجدنا أن المنازلة مع الأعداء، بل لا بد منها، وأن ترك المبادأة للأعداء ليس طريق البعث في العمل والنضال، وحتى في المنازلة العسكرية نجد العسكريين التقليديين الذين يقعون تحت وطأة الشعور بالتمسك بالدفاع شبه المستكين وترك المبادأة بيد العدو غالباً ما ينهزمون، ونجد العسكريين الذين يعتمدون أسلوب المبادأة في الهجوم كأسلوب صحيح في الدفاع ضمن ظروف وحالات بعينها، غالباً ما يضعون أعدائهم في ظروف صعبة وغالباً ما ينتصرون عليهم، وتعرفون أيها الرفاق أن حزبنا، مثلما هو شأن كل الحركات التاريخية لا يفترض دائماً، أن يكون دفاعه ناجحاً، أن يكون موضعه ومسرح عملياته مهيأين مسبقاً وتحت ظرف مناسب، ومن الطبيعي أن عدم الافتراض المسبق لتحقيق شرط الإعداد المسبق للمواضع، مما استعرنا من الاصطلاح العسكري، لا يلغي دور القيادات في سبق النظر والعمل على تهيئة ما هو ممكن على مستوى العمليات وعلى مستوى خنادق المنازلة الدفاعية، وعلى أساس ما يسمح به الظرف والإمكانات.

****تصاعد التآمر على العراق
وفي عام 1990 تصاعد التآمر على العراق في كل الميادين، فشنت ضد العراق حملة إعلامية حاقدة على نطاق واسع جداً وفتحت أجهزة الإعلام الإمبريالية والصهيونية كل الملفات القديمة بدءاً من إعدام الجواسيس في السنوات الأولى للثورة ومروراً بكل المعارك المجيدة التي خاضتها لتصفية النفوذ الاستعماري (ومنها تأميم النفط) من أجل بناء العراق الجديد.. واستغلوا إعدام الجاسوس الإيراني الأصل الذي يحمل أوراقاً بريطانية ويعمل لحساب "الموساد" المدعو بازوفت ليشنوا حملة شعواء لم تكن متناسبة مع حادث إعدامه ومع وزنه التافه، ولكن كان مفهوماً أن القصد هو تجريح العراق وتشويه صورته والنيل من قيادته، ثم فتحت المعارك المفتعلة حول التكنولوجيا التي يستوردها العراق وصورت تصويراً مغرضاً واصطنعت مؤامرات لاتخاذها ذريعة لفرض الحصار التكنولوجي على العراق، بعد أن لمسوا جديته ودأبه في استثمار أي تكنولوجيا يحصل عليها في التطور العلمي والصناعي في ميدانيه المدني والعسكري، واخترعت الدعايات المغرضة عن "المدفع العملاق" كما اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات لفرض الحصار الاقتصادي على العراق وألغت صفقات القمح التي كان يجري التعاقد عليها بصورة منتظمة منذ عدة سنوات بهدف خلق أوضاع معيشية صعبة في العراق.
وفي نيسان 1990 كان واضحا للقيادة أن المسرح السياسي والإعلامي والنفسي الدولي يهيأ لتوجيه ضربة إلى المنشآت العلمية والصناعية التي تشكل ركائز نهضة البلاد في هذه الميادين، كما كان واضحا أن قيادة البلاد باتت مستهدفة في حياتها، وكانت الأداة هي الكيان الصهيوني الذي لم يخف نواياه، وعبر المسؤولون والصحفيون والباحثون فيه أكثر من مرة وبشتى الوسائل عن نواياهم بتكرار ما فعله الكيان الصهيوني عام 1981 عندما ضرب المفاعل النووي العراقي، ولكن على نطاق أوسع وأخطر هذه المرة، وضمن إطار مؤامرة أكبر وأوسع في أهدافها الإقليمية والدولية.
وكان التحالف الإمبريالي الصهيوني في عام 1990 قد بلغ مرحلة من الشراسة لم نشهدها من قبل، فبعد ما أصاب الاتحاد السوفياتي من ضعف وانشغاله بمشاكله الداخلية المتفاقمة وانهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية الواحد بعد الآخر كانفراط حبات المسبحة، وجدت الإمبريالية الأميركية والغرب أن الوقت قد حان لفرض إرادتها الكاملة على المنطقة بسبب ما تحتويه من ثروات بترولية هائلة تشكل السيطرة عليها مفتاح السيطرة المستقبلية على الاقتصاد العالمي وبالتالي على السياسة الدولية، كما كان هدفها تصفية كل مكاسب حركة التحرر والتقدم العربية التي حققتها عبر سنوات الكفاح المرير، ومن ذلك تصفية نظام الحزب في العراق، كما نجحوا في أوروبا الشرقية، واستخدموا بشكل عام نفس الوسائل التي استخدموها لزعزعة دول أوروبا الشرقية، الإعلام المضلل، ورقة حقوق الإنسان، التخريب الاقتصادي والحصار".
ومن أجل مواجهة تهديد الكيان الصهيوني، أطلقت القيادة تحذيرها في شهر نيسان 1990 بأنه (لو استخدم الكيان الصهيوني أسلحته النووية في قصف العراق فأن العراق سيرد باستخدام السلاح الكيمياوي المزدوج الذي سيحرق نصف "اسرائيل") وهذا هو السبب الأساسي الذي دعا إدارة الشر الأمريكية بأن يطلب من الكيان الصهيوني أن لا يتدخل بشكل مباشر في العدوان الثلاثيني على العراق.
وبعد هذا التحذير ازدادت الحملة شراسة ضد العراق، وكانت مليئة بالمغالطات والأكاذيب وحجب حقيقة أن العراق إنما كان يحذر ويؤكد أنه سيرد على العدوان إذا جاء من الطرف الآخر.. وبرغم كل ما قدمته القيادة من شرح، وخاصة ما جرى في لقاء الرئيس الشهيد القائد صدام حسين مع وفد الكونغرس الأميركي في 12 نيسان 1990، وتأكيد العراق رغبته الحقيقية في إقامة سلام شامل وعادل في المنطقة، (وقد حيث أكد الرئيس الشهيد صدام حسين في 12 آب 1990 "تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي بحسب تسلسل صدورها فيما يخص البلاد العربية وفي مقدمها قضية فلسطين) فأن الحملة لم تقف وتصاعدت بشكل مغرض ومدبر.
وفي هذه المؤامرة كان هناك دور رئيسي وخاص لعملاء أميركا من الحكام العرب وخاصة حكام بلاد نجد والحجاز المسماة "السعودية" وقارون "الكويت".
لقد وجدت أميركا وقاعدتها المتقدمة في قلب بلاد العرب الكيان الصهيوني أن قيام "اسرائيل" بالعدوان العسكري على العراق لضرب عوامل قوته العسكرية ونهضته العلمية والصناعية سيقابل برد عراقي حازم وبرد فعل على صعيد المنطقة، ومن أجل تمهيد السبيل لهذا العدوان وتقليل خسائر حلف الشر المعادي أوعزوا إلى عملائهم فهد وقارون وغيرهم لاستخدام قدرتهم الاقتصادية والمالية الكبيرة لزعزعة الاقتصاد العراقي الذي كان يعاني من المصاعب بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا العظيم في المعركة ضد إيران.

****دور العملاء
إن دور هؤلاء العملاء كان في إغراق سوق النفط بالفائض كي يتدهور سعر النفط، فإذا حصل ذلك تدهورت مداخيل العراق، وهو في ظرف اقتصادي صعب نتيجة الحرب مع إيران مما يؤدي إلى إفقار شعب العراق بهذه الطريقة وبطرق أخرى رديفة، وشل قدرة الدولة على مواصلة التنمية وتأمين الرفاهية للجماهير. لقد كان مخططاً خبيثاً ماكراً، وقد اكشفته القيادة، ومع ذلك، ومن أجل أن تدفع القيادة العراقية الأمور (بالتي هي أحسن) فقد دعا العراق إلى عقد قمة بغداد، وبالتعاون مع الخيرين من الأشقاء العرب، عقدت (القمة العربية الاستثنائية) بتاريخ 28 – 30/5/1990، لقد أرادت القيادة العراقية من عقد هذه القمة العربية أن تحاول محاولة أخيرة لصيانة نهج التضامن والعلاقات الطبيعية بين الأنظمة العربية، وهو ما عملت له في السنوات السابقة، وخاصة بعد انتهاء الحرب مع إيران كما ذكرنا، وكذلك أرادت القيادة أن تواجه المخطط الإمبريالي الأميركي - الصهيوني الذي يستهدف العراق وبالتالي الأمة العربية وخاصة القضية الفلسطينية بموقف عربي موحد ولو بحدود الدنيا، وفي هذا المؤتمر أثار الرئيس الشهيد القائد صدام حسين مسألة سياسة النفط وما تشكله من تهديد خطير للعراق وقال بالحرف "إن هذه السياسة تعني شن الحرب على العراق، ومن كان لا يرغب في من الحرب على العراق فعليه أن يوقف هذه السياسة"، وقبل المؤتمر وبعده سعت القيادة إلى معالجة هذه المسألة عن طريق الحوار، وقد تحدث الرئيس الشهيد مع فهد "السعودية" بشأنها أثناء زيارته في نيسان 1990، وقبل ذلك أرسل مبعوثين عنه إلى عدد من الملوك والرؤساء العرب وكذلك فعل بعد قمة بغداد لينبه ويحذر عسى ولعل أن يغير هؤلاء نهجهم.
ولكن هذا النهج استمر وفي إطار سياسة خبيثة محبوكة كشفتها مكالمة فهد الشهيرة مع أحد شيوخ الخليج والتي أذيعت ونشرت في حينه.
ومن أهم ما جاء في كلمة الرئيس الشهيد صدام حسين في (مؤتمر القمة العربي الاستثنائي) "منذ عام 1986 كنا نواجه آنذاك في الحرب (مع إيران) ظروفاً كانت صعوبتها قريبة من صعوبات القتال، وخصوصاً عندما ترتبط بالاقتصاد وبموردنا الأساسي الذي هو البترول، ذلك لأن نوعاً من الإرباك ساد السوق النفطي وحصل فيه نوع من عدم الالتزام في قرارات الأوبك، صحيح نحن لسنا في مؤتمر الأوبك، (...) إن سبب هذا الارتباك هو عدم التزام بعض أشقائنا العرب بالذات في مقررات الأوبك، عندما أغرق السوق النفطي بما هو فائض عن الحاجة أو على الأقل يعطي مرونة للمشترين بما يجعله على حساب السعر، وقد تدنت الأسعار حتى وصلت أحياناً إلى سبعة دولارات، فيما يتعلق بالعراق وهو ليس أكبر إنتاجاً وليس أكبر حصة في الأوبك، فأن كل انخفاض في سعر البرميل الواحد بقدر دولار واحد، فأن خسارة العراق تبلغ مليار دولار في السنة، من هنا نتبين كم هي خسارة الأمة العربية جميعها من كل إنتاجها البترولي في السنة. (...) إذاً هذا النزف الهائل في اقتصادنا سببه عدم انتظام الرؤية أو عدم النظر إلى الشأن الذي نتعامل به محلياً وفق رؤية قومية، (...) لنقل أن الحرب تحصل أحياناً بالجنود ويحصل الإيذاء بالتفجيرات وبالقتل وبمحاولات الانقلاب وأحياناً أخرى يحصل بالاقتصاد.
لذا نرجو من إخواننا الذين لا يقصدون الحرب، أعود لأتكلم هذه المرة فقط ضمن حقوق الكلام في إطار السيادة عن العراق، فأقول الذين لا يقصدون شن الحرب على العراق أقول أن هذه نوع من الحرب على العراق".
هذا ما أعلنه الرئيس الشهيد صدام حسين ولا أعتقد أن البعثيين الملتزمين نجحوا في نشر نص أو مفهوم هذا الحديث..
من هنا أقول أنه منذ خروج العراق منتصراً في حربه ضد حكم الملالي في إيران في الثامن من آب 1988، انتصاراً عسكرياً بجيش قوامه مليون مقاتل وبصناعة عسكرية جبارة ومنها تصنيع الصواريخ على الرغم من سقوط الشهداء والجرحى والمعوقين وغير ذلك من نتائج وهو أمر طبيعي في أي حرب لأي بلد كان، خاصة إذا طالت لثماني سنوات كما في الحرب الإيرانية-العراقية التي أثرت على وضع العراق الاقتصادي، لذلك أقول أن قوى الشر العالمية كانت تتربص بالعراق.

ا****لمطلوب سحق العراق
هكذا اتضح المخطط، حيث تولى عملاء أمريكا، ومنهم قارون الكويت، زعزعة اقتصاد العراق، وانكسار شعبه وتجريد الدولة من الموارد التي تمكنها من تحقيق التنمية والتقدم والرفاهية، وما ينطوي على ذلك من زعزعة سياسية وإضعاف للقدرات العسكرية للعراق، وتقويض الإنجاز القومي التاريخي الكبير الذي حقق لأول مرة في التاريخ المعاصر ألا وهو التوازن مع تهديد الكيان الصهيوني.
وهكذا ابتدأ الإعداد للحرب العدوانية عام 1991 ومن ثم الحصار الظالم الذي استمر لأكثر من اثني عشرة سنة وبعد ذلك الانقضاض العسكري على العراق كما كان مخططاً بالأصل وكما حصل في التاسع عشر من آذار/مارس 2003.
وفي عودة إلى التاريخ القريب أقول أنه في كراس خاص صدر عن اجتماع للقيادة القطرية لحرب البعث العربي الاشتراكي في نهاية شهر آذار/مارس 1991 جاء فيه "إن البعض يروج بأن العراق هو الذي اختار أن يفتح النار وأن يبدأ بإثارة المشاكل كما يزعمون، من أجل إثارة الشكوك في صواب إجراءات القيادة، وأن الحقيقة التاريخية المؤكدة هي أن العراق المؤمن بالوطن والأمة والمخلص للقضية القومية وخاصة القضية الفلسطينية وهو التزام ثابت لشعب العراق ولحزب الثورة العربية والقيادة، لم يتعامل مع هذه المسألة بأسلوب من يريد الانسياق إلى المعارك أو جر الآخرين إليها.. بل أدارها بأسلوب مسؤول وفي إطار قومي وضمن منهج قومي يضمن الحقوق من ناحية، كما يضمن مرتكزات التقدم العربية ورفاهية شعب العراق والجماهير العربية من ناحية أخرى، ولكن هذا النهج لم يكن مسموحاً به من جانب التحالف الإمبريالي – الصهيوني".
فقد كان المطلوب هو سحق العراق كقوة موازنة للكيان الصهيوني وإفقار شعبه وإعادته إلى عصر ما قبل الصناعة كما صرح سيء الصيت جيمس بيكر بعد لقائه بالأستاذ طارق عزيز قبيل العدوان الثلاثيني الغادر على الرغم من موارد العراق الذاتية وتحويله إلى حالة شبيهة بما يحصل في العديد من البلاد العربية.. ضعف، وفقر، وفساد، ووضع سياسي مهلهل، ورضوخ للمخطط الامبريالي، فبعد غياب الدور السوفياتي الموازن لم تعد أمريكا المتغطرسة ومعها الكيان الصهيوني وأوروبا التي استيقظت غرائزها الاستعمارية التي كانت قد اختفت ظاهرياً عن المسرح لفترة من الزمن، ولم تعد تقبل بأقل من الهيمنة الكاملة على منطقة الخليج العربي وعلى البلاد العربية ومن خلال هذه السيطرة يحكمون سيطرتهم على العالم كله.

*********أمين عام الأمم المتحدة يتسلم شيكاً بمبلغ مائة وستين مليون دولار
ولا بد من التنويه هنا إلى أن إذاعة "صوت أمريكا" بثت خبراً جاء فيه كما نقله موقع حركة التحرر الوطني الفلسطيني – فتح - بتاريخ 30/11/1990 "لقد سمع صوت أمريكا، وهو يذيع قرار استخدام القوة الصادر عن مجلس الأمن، خبر تسليم وزير الخارجية الأمريكي بيكر شيكا بمبلغ مائة وستين مليون دولار للسيد بيريس ديكويلار الأمين العام للأمم المتحدة، لقد جاءت صيغة الخبر تحمل إهانة للأمم المتحدة ولأمينها العام، وكإعلان سافر عن مدى (البجاحة) التي تتعامل فيها أمريكا مع العالم.
ومن المؤسف، أن صوت أمريكا، أذاع أيضا خبرا أكثر استفزازية وتأكيدا لمبدأ هيمنتها المطلقة، حيث أذاع أن طائرة ألمانية محملة بالأغذية، وصلت اليوم 30/11/1990 إلى موسكو، مساعدة للاتحاد السوفيتي الذي يعاني من نقص في المواد الغذائية، وأن المواد التموينية ستوزع على ملاجىء العجزة والأيتام.. هذا ما وصل إليه حال القطب العالمي الآخر، الذي طالما كان حليفا استراتيجيا لشعبنا وللشعوب المناضلة، لقد وصلت حالة التهالك، تحت شعار السلام والخوف من الحرب، إلى درجة عصفت بواقع الاتحاد السوفيتي داخليا وخارجيا".
ملاحظة: لمن يريد النص المذكور أعلاه أن يبحث في أرشيف موقع (حركة التحرر الوطني الفلسطيني – فتح) - بتاريخ 30/11/1990
http://www.fateh.net/editor/90/30-11-90.htm
مما تقدم يستدل على أن شراء الذمم والتلاعب بمصير الشعوب إنما هو ديدن السياسة الأمريكية.

**********اتضاح طبيعة المعركة وطبيعة أطرافها
وفي حديث الرئيس الشهيد صدام حسين في اجتماع القيادة القطرية للحزب بعد أشهر قلائل من العدوان الثلاثيني الغادر ضد العراق قال:
"أيها الرفاق..
إن السؤال الذي يجب أن يطرح بشكل قوي، هل كان مفترضاً في العراق بكل ماله من عمق حضاري وإشعاع وعنفوان سجله تاريخ ستة آلاف سنة؟ وهل كان مفترضاً في حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب النضال الوطني والقومي والتحرري، حزب النهضة والوحدة، والاشتراكية، هل كان مفترضاً أن يقبل بالمساومة ويتحول إلى حزب يشبه الحزب الحاكم في مصر؟!.. وهل كان مفترضاً في القيادة التي قادت نضال الحزب والشعب طيلة اثنين وعشرين عاماً على طريق الوطنية والقومية والعزة والإرادة المستقلة وعلى طريق النهضة والبناء أن تقبل بأن تتحول إلى نظام يرى ما يخطط للأمة كلها ولمستقبلها ويسكت ويكتفي بالعيش الرغيد في ظل السلطة؟! إن الضمير العراقي الصافي، والضمير البعثي الصافي له إجابة واضحة، لا لبس فيها، وهي لا، وكان لا بد من المنازلة، وفي المراحل التاريخية المعقدة والتحولات الكبرى لا يختار المرء دائماً طبيعة المنازلة ولا توقيتها، وقد لا تكون كل مستلزماتها مهيأة كما ترسم خريطة الرمل في العلم العسكري، ولكن مع ذلك عندما تصبح المنازلة حتمية لا يمكن إلا قبولها، حتى ولو كان في ذلك احتمال الخسارة المادية، فالخسارة المادية في إطار قرار المنازلة أقل ضرراً في النتائج المباشرة واللاحقة من التراجع، حالاً وتأريخياً.
وأمامنا تجربة مصر، لقد شنت الساداتية حملة شعواء على العهد الناصري واتهمته بأنه يتحمل مسؤولية تجويع الجماهير المصرية وإفقار اقتصاد البلاد وتعريضها للهزائم العسكرية، لأنه اختار طريق القومية والوحدة وتحرير فلسطين ومقارعة الاستعمار، ووعدت الساداتية في عملية خداع واسعة النطاق، وعدت الجماهير المصرية المضللة بأن النهج الساداتي الذي يساوم أمريكا ويتخلى عن الالتزام بالقضية الفلسطينية سيوفر للشعب ما لقيه من حرمان في عهد عبد الناصر، ولكن ما الذي حصل؟!.
النتيجة الواضحة الملموسة التي لا شك فيها بعد عشرين عاماً من الساداتية التي أكملها مبارك، هي أن مصر فقدت استقلالها كشعب وكدولة، وفقدت دورها العربي الطليعي، وفقدت عزتها كشعب عريق، وفي نفس الوقت فقدت فرصة العيش الكريم وتحولت إلى بلد فقير تطحنه الضائقة الاقتصادية بدون أمل في المستقبل وتعبث فيه عصابات الغش والاحتيال وسرقة قوت الشعب وينزلق الرجال والنساء فيه إلى الرذيلة لتأمين متطلبات العيش كما يعبث فيه الجواسيس والأوغاد والسفلة من أتباع أنظمة "السعودية" والخليج!!.
وأن أية مقارنة منصفة وموضوعية وعلمية وبالأرقام تؤكد أن أوضاع مصر الاقتصادية والسياسية حتى بعد نكسة حزيران 1967، كانت أفضل من أوضاع مصر عشرين عاماً من الساداتية.
إن العراق كبلد عزيز عريق، وحزب البعث كحزب مناضل، والقيادة لا يمكن أن يختاروا مثل هذا الخيار مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات، ومن هنا، يمكن فهم تدابير القيادة فيما يخص مسألة "الكويت".
إن لمسألة الكويت جانبين متداخلين لا يمكن الفصل بينهما، أولهما أن النظام القاروني استخدم كأداة رئيسية في المؤامرة ضد العراق، فالأنظمة الرجعية المرتبطة بالمخطط الإمبريالي والمنفذة له، وعلى رأسها "السعودية"، اختارت هي والإمبريالية الأميركية النظام القاروني لتحقيق مؤامرة زعزعة الاقتصاد العراقي وبالتالي إضعاف قوته العسكرية وزعزعة نظامه السياسي والاجتماعي، في حين بقي نظام فهد يتظاهر بخبث بأنه غير مشارك في هذا المخطط حتى كشف دوره بالدليل الملموس في المكالمة الهاتفية الشهيرة.
وكان التصدي للمؤامرة من قاعدة أن أفضل وسائل الدفاع هي الهجوم يتطلب ضرب النظام القاروني ومعاقبته على تآمره القذر ضد العراق، وفي عملية الضربة هذه كان لا بد، وبسبب الخلفيات التاريخية لعلاقة "الكويت" بالعراق، أن تستحضر هذه الخلفية التأريخية وأن يؤكد العراق حقه الطبيعي في استعادة الجزء الذي اقتطعه منه الاستعمار البريطاني في ظروف الهيمنة الاستعمارية على البلاد والمنطقة، لذلك اتخذت المنازلة أسلوباً مزدوجاً هو ضرب النظام القاروني واستعادة "الكويت".
ولم تفاجأ القيادة كثيراً برد الفعل على هذا العمل ذي الطبيعة التأريخية الحاسمة، عدا تفاصيل هنا أو هناك مما لا يمكن أن يحدث في أي عملية تقويم للوضع الدولي المعقد، فقد كان رد فعل الولايات المتحدة قوياً وعنيفاً منذ البداية واستغلت الولايات المتحدة ظروف اختلال التوازن الدولي لصالحها لتتولى قيادة المواجهة السياسية ومن ثم العسكرية ضد العراق، وهي نفسها التي كانت تقود، إلى جانب الصهيونية عملية المواجهة والمؤامرة ضد العراق قبل الثاني من آب/أغسطس (1990)، إن الفرق بين ما سبق آب/أغسطس وما تلاه هو أن دور الكيان الصهيوني الذي كان مباشراً وعلنياً قبل الثاني من آب/أغسطس أصبح وبتدبير أميركي - صهيوني غير مباشر وحل مكانه دور الأنظمة العميلة مثل نظام حسني في مصر، وبقية الأنظمة المعروفة.
وكما كان عليه الحال قبل الثاني من آب/أغسطس اتضحت طبيعة المعركة وطبيعة أطرافها على الجانبين، فالمعركة، منذ البداية، وبرغم ما ظهر على السطح من ادعاء استخدام غطاء القانون الدولي - أي الجانب القانوني الصرف في مسألة "الكويت" - ظهرت على أنها معركة حرية الأمة العربية ونهضتها ومعركة تحرير فلسطين في جانب ورغبة الإمبريالية والصهيونية في فرض أطماعها في الهيمنة على ثروات المنطقة ومقدراتها وبالتالي على العالم في جانب آخر، كما كان للمعركة بعدها العالمي أيضاً، إذ أن نجاح العراق والأمة العربية في المعركة كان سيؤدي إلى تغيير جدي في موازين القوى لصالح قوى التحرر والتقدم والاستقلال في العالم ضد الهيمنة الإمبريالية وسيطرة أميركا المنفردة عليه، ومن جانب آخر كان للمعركة بعدها الاجتماعي العميق.
ففي عقد السبعينات وبعده انقسم المجتمع العربي فعلياً وبشكل صارخ إلى قسمين، قسم متخم بالأموال ينفقها في الفساد والإفساد ونشر عوامل الضعف والتحلل في المنطقة وفي مؤسساتها السياسية والفكرية والثقافية، وقسم يعاني من الفقر والحاجة وتنسد أمامه أبواب المستقبل مما أدى إلى نتائج اجتماعية وسياسية خطيرة جداً، لهذا كان مفهوماً تماماً لماذا وقف إلى جانب العراق من وقف، ولماذا وقف إلى جانب الطرف الآخر من وقف، لقد وقفت إلى جانب العراق على الفور، وفي خضم المعركة، جماهير الشعب العربي الفلسطيني وخاصة في الأرض المحتلة التي عرفت بغريزتها الصافية، فخطوة العراق في 2 آب إنما هي ضربة لحلقة أساسية في المخطط الإمبريالي - الصهيوني الذي يتآمر على فلسطين وقضية الشعب العربي الفلسطيني، كما وقفت إلى جانب العراق، جماهير الأمة العربية، والقوى الوطنية الشريفة والقوى الإسلامية الواعية وخاصة غير الشعوبية منها، وفهم موقفنا كل الشرفاء والخيرين في العالم، وفي الجانب الآخر كانت هناك أميركا الإمبريالية والكيان الصهيوني والدول الأوروبية التي ذرت قرنها غرائزها الاستعمارية وأطماعها في ثروات المنطقة بعد تدهور موقف الاتحاد السوفياتي، كما كانت الأنظمة العميلة في "السعودية" والخليج ونظام حسني الذي كشف عن حقيقته بصورة سافرة كنظام عميل أوكلت إليه الإمبريالية دور مخططها في المنطقة، وبالطبع هناك نظام "حافظ" الخائن والانتهازي والحاقد على العراق".
وانسجاماً مع طبيعة المعركة وطبيعة أطرافها فقد أعلن الرئيس الشهيد صدام حسين مبادرته في 12 آب/ أغسطس التي ربطت جميع القضايا في المنطقة بعضها ببعض، لتحقيق الحل العادل، والانتقال عبرها من شاطىء الحرب الدموي اللانساني، إلى شاطىء السلام والسلامة للبشرية جمعاء. (نص المبادرة الكامل تجدونه في نهاية الصفحة).
لقد كانت مبادرة 12 آب هي البرنامج الوطني، القومي الإنساني لمعالجة قضايا المنطقة في مواجهة المخطط الإمبريالي الصهيوني الرجعي، وفي الوقت الذي وجدت مبادرة 12 آب من حيث جوهرها تأييداً قوياً وواسع النطاق من جانب الجماهير العربية وقواها الواعية والأنظمة العربية الوطنية ومن أوساط عالمية عديدة تفتش بإخلاص عن حلول مناسبة لقضايا المنطقة المستعصية، حقوق الشعب العربي الفلسطيني، الأمن والاستقرار، التنمية الاقتصادية المتوازنة، حل قضية أسلحة الدمار الشامل.. الخ.. وقفت الإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني ومن تأثر بهما في الغرب موقفاً عنيفاً ضد نهج مبادرة 12 آب وقاومته بكل وسائل الإرهاب والضغط والابتزاز والتضليل، وساعدتها بالطبع الأنظمة العميلة في المنطقة التي فضح موقف العراق المبدئي الصلب تخاذلها وارتباطها الفعلي بالمخطط الإمبريالي.

******** تقسيم العراق خطة سعودية-إيرانية
وفي جانب آخر، سعت القيادة العراقية إلى إيجاد حل عربي لهذه المسألة وتجاوبت بجدية مع المحاولات والمبادرات التي قام بها بعض رؤساء الدول العربية وشخصيات وقوى عربية وإسلامية عديدة بدءاً من الاجتماع الذي كان مقرراً عقده في جدة في 5 آب/أغسطس 1990 بين العراق و"السعودية" والأردن ومصر واليمن، ومروراً بكل المبادرات المعلنة وغير المعلنة، وأهمها مبادرة الملك حسين التي تحدث عنها بالتفصيل (الكتاب الأبيض – الأردن وأزمة الخليج) الذي صدر في العاصمة الأردنية عمان 1991، كما تحدث عن تفاصيلها الملك حسين شخصياً في لقاء مع كبار الصحفيين الأردنيين في آب/أغسطس 1990، وشرح فيها دور نظام حسني وفهد وقارون، ويذكر المرحوم الملك حسين في لقائه مع كبار الصحفيين الأردنيين "ولقد قلت للرئيس يوش لماذا تدافعون هن هذا الشيخ أو ذاك، فهم ليسوا ديمقراطيين، بل متخلفين ودائماً كنتم تهاجمونهم. فقال بوش هل نترك النفط بيد صدام، إن 20% من احتياط العالم بيده وهذا سيؤثر على مستوى معيشتنا وصناعتنا مربوطة بالنفط". ويضيف الملك حسين "إن الزيارة كانت بطلب مني للبحث في إمكانية حل أزمة الخليج سلمياً فنحن والعراق في خندق واحد، والأردن يحتفظ بالمناورة حتى لا يكون عبئاً على العراق، فمن ناحيتنا لن نلتزم بقرار مجلس الأمن ولكننا سنناور ومهما حدث في نهاية المطاف ومهما حصل من تطورات لا ندينها فعلينا أن نردد صرخة جدي فيصل الأول من دمشق "طاب الموت يا عرب". وعندما احتلت إيران جزر مجنون علمت من مصادري الخاصة أن هناك اتصالات سعودية إيرانية لتقسيم العراق فذهبت إلى الملك وقلت له أية عروبة هذه وأي إسلام هذا، فقال الملك فهد: هل علم أبو عدي بالموضوع؟ فقلت له لا، فقال الملك فهد إنس الموضوع، وستوقف الخطة"، غير أن الولايات المتحدة أحبطت وقمعت كل تلك المحاولات والمبادرات وهددت القائمين بها وفرضت منذ البداية منطق العدوان العسكري، ورفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون كل المحاولات المخلصة والجادة التي بذلها العراق لفتح حوار معها من أجل الوصول إلى حلول متوازنة لمشاكل المنطقة تحفظ حقوق العراق والحقوق العربية المشروعة وترتب الأوضاع في المنطقة على أساس متوازن وكريم مع الاستعداد لتفهم المصالح والاعتبارات المشروعة لهذه الدول في إطار علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والمتوازن في المصالح.

**********الاستعمار الغربي يكشف عن أنيابه
إن الولايات المتحدة ومعها حليفاتها "الغربيات" التي كشفت عن أنيابها الاستعمارية الصفراء، لم تكن تقبل من المنطقة بأقل من الاستسلام لمخططها في الهيمنة ما دام الاتحاد السوفياتي قد أصيب بالضعف وقل تأثيره في المنطقة.
"وهذه حقيقة جوهرية في الموقف ترد على التخرصات والتكهنات الخاطئة التي تصور العراق وكأنه هو الذي بحث عن المواجهة العسكرية وأرادها، ومن جانب آخر كانت المؤسسة الصناعية - العسكرية الأميركية والغربية التي سيطرت على المسرح السياسي في مرحلة الحرب الباردة، والتي وجدت نفسها تخسر بعض مواقعها وأرباحها بعد دخول العلاقات الأميركية - السوفيتية مرحلة جديدة وانهيار "حلف وارشو"، وجدت فرصتها الذهبية في اللجوء إلى العمل العسكري في المنطقة في سبيل الإبقاء على ميزانيات التسلح الضخمة والحفاظ على سيطرتها على القرار السياسي في أميركا وأوروبا الغربية، وهكذا وقعت المنازلة، وفرضت علينا".
ويضيف بيان القيادة القطرية العراقية رداً على تساؤلات الربح والخسارة "يتساءل البعض، إذا لم نخرج من "الكويت" قبل وقوع العدوان، أو في هذا التأريخ أو ذاك بعد العدوان ما دمنا قد قبلنا بعد ذلك بالخروج منها..؟
إن الاستنتاج الصحيح مما سبق عرضه هو أن التحالف الإمبريالي الأميركي-الأطلسي-الصهيوني، هو الذي أعاق كما بينا كل محاولات الحل السياسي قبل العدوان وبعده.. ولو أن العراق اتخذ قراراً بالانسحاب قبل بدء العدوان لما كان لهذا القرار أي معنى أو نتائج جدية من جانب، ولما كانت هناك ضمانة بأن العدوان لن يقع من جانب آخر.. فما دام الهدف هو ضرب العراق، وهو هدف كان قائما قبل الثاني من آب، فأن خطوة كهذه لم تكن لتوصل، كما يتوهم البعض، إلى شاطىء الأمان!!.
إن الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع المبادرة السوفيتية تؤكد ذلك، فقبل بدء العدوان البري، توصلنا إلى اتفاق مع الاتحاد السوفيتي على الانسحاب الكامل من "الكويت" ضمن مهلة زمنية قصيرة (21 يوما) وعلى أساس قرارات مجلس الأمن، غير أن الولايات المتحدة رفضت هذا الاتفاق وأسرعت بشن العدوان على البر استباقاً لنجاح هذه المبادرة وحصولها على تأييد دولي واسع.
أما عن ميزان الربح والخسائر ومفهوم النصر والهزيمة، فأن أحداً لم يفترض من الناحية الفنية، بأن العراق سيهزم (عسكرياً) الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والعدد الكبير الآخر من الدول التي تشكل منها "الحلف".
إن معنى النصر في مواجهات كهذه، هو معنى (سياسي)، والمقصود منه هو الصمود في وجه العدوان ومنعه من تحقيق أهدافه السياسية، ولو أخذنا تجربة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 لوجدنا أن مصر هزمت عسكرياً في ذلك العدوان ولكنها انتصرت سياسياً وجنت حركة التحرر العربية بعد العدوان الكثير من الانتصارات، لذلك فأن معارك من هذا الطراز لا يمكن أن تقوم بنتائجها المباشرة الآنية والفنية.
لقد وصفنا طبيعة المواجهة، من وقف إلى جانب العراق ومن وقف ضد، والآن علينا أن نحسب برؤية تاريخية هل سيكون العراق والقوى التي وقفت معه في هذه المعركة أقوى في المرحلة المقبلة.. أم أضعف.. وهل ستكون أطراف الحلف المعادي أقوى أم اضعف في المرحلة المقبلة؟!..
إن قرار التحدي في حد ذاته يكتسب أهمية تاريخية كبيرة، فعندما تشعر بأنك على حق وعندما تكون متيقناً بأن الطرف الآخر عل باطل، فأن قرار التحدي نفسه حق ولو لم يأت بنتائج مباشرة، وحتى ولو أدت المنازلة إلى خسارة هو، كما أكد التاريخ، بداية النصر، هكذا كانت مسيرة الرسالة الإسلامية، وهكذا انتصرت الثورات الكبرى، وهكذا تحققت التحولات الكبرى في التاريخ، كما أثبتت تجارب التاريخ إن عدم خوض التحدي أو الخشية منه هو الطريق إلى الهزيمة والانسحاق أمام الأعداء"..
مما تقدم نجد أن الظاهر الآن على السطح بعد غزو العراق واحتلاله أن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ومعها دول الغرب الاستعمارية والأنظمة العميلة المرتبطة بها والكيان الصهيوني قد حققت أهدافها (العسكرية) ضد العراق، الذي تحمل فيه العراق، تضحيات جسام سواء في الجانب العسكري، أو في الخسائر المادية التي أصابت البنى التحتية والجوانب الأخرى المعروفة، ولكن المعركة السياسية والمبدئية هل انتهت؟ نجيب بالنفي لأنها فعلاً لم تنته، لأن المعركة السياسية كشفت حتى الآن عن نتائج جوهرية ظهرت بوضوح تام ولم تعد بحاجة إلى تحليلات أو محللين عسكريين واستراتيجيين ففي ميدان الصراع العربي - الصهيوني الذي كان ولا يزال جوهر الأزمة والصراع في المنطقة، لم يصب الجانب العربي بنكسة، كما تحاول أطراف الحلف المعادي للوطن وللأمة أن تصور من خلال أزلامها وكتابها وآلتها الإعلامية، وخاصة محاولتها بعد أن تم عزل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الوطنية حيث تم اغتيال عدد من قادتها في بعض عواصم المدن العربية الذين وقفوا إلى جانب العراق.

ا**********لولايات الأمريكية المتحدة ولعبة القانون الدولي
بات من المعروف أنه ليس فقط الولايات الأمريكية المتحدة تتلاعب بما يسمونه القانون الدولي بل هناك حليفاتها الغربيات أيضاً التي بدأت تلعب لعبة "القانون الدولي" و"قرارات مجلس الأمن" عند تعاملها مع القضايا العربية بشكل عام وآخرها موضوع لبنان كما كان موضوع "الكويت"، والآن تواجه هذه الدول الاستحقاق في هذه اللعبة فيما يخص القضية الفلسطينية والقرارات الدولية التي صدرت عنها، وسيكون من الصعب جداً عليها في المرحلة المقبلة أن تمارس النهج المزدوج الذي مارسته في التعامل مع مسألة "الكويت" بالمقارنة مع القضية الفلسطينية، كما أن كل مراقب يلمس أن القضية الفلسطينية لم تطرح منذ سنوات عديدة بالقوة السياسية التي تطرح بها الآن، وهذا مكسب مهم وجدي في إطار الصراع العربي - الصهيوني.

**********الحركة الشعبية العربية تستعيد مواقعها
وفي جانب آخر من موضوع الصراع العربي - الصهيوني، تعرضت "اسرائيل" ولأول مرة في تاريخ هذا الصرع إلى ضربات في العمق كبدتها خسائر جدية وكبيرة أشعرت السكان الصهاينة بحقيقة الخطر وهو ما لم يجربه الكيان الصهيوني من قبل، والذي كان دائماً ينقل المعركة العسكرية إلى خارج الكيان، فتبقى معركة عسكرية صرف، لقد دخلت المعركة في قلب الكيان الصهيوني وزعزعت نظرية "الأمن الاسرائيلية" التي حافظت المؤسسة العسكرية والسياسية "الاسرائيلية" عليها فترة طويلة من الزمن وهذا ينعكس بصورة إيجابية على مستقبل الصراع، والحقوق الفلسطينية التاريخية، من هنا نعرف معنى أهمية ما أعلنه بوش الصغير من على ظهر حاملة الطائرات (ابراهام لينكولن) التي شاركت في توجيه الآلاف من الضربات الجوية ضد العراق في بداية شهر أيار/مايو بعد غزو العراق واحتلاله حيث أعلن "الانتصار" وقال "الآن حققنا أمن اسرائيل والسيطرة على النفط وسنعيد رسم خارطة المنطقة"!، للعلم لقد فتشت كثيراً في شبكة الانترنيت كي أجد النص الكامل لكلمة بوش الصغير مع أنني سمعتها من فضائية "الجزيرة" عندما كنت في أحد الأقطار العربية بعد عودتي من بغداد آنذاك، ولكن لم أجدها إذ يبدو أنه تم سحبها. على أية حال لقد أدت المنازلة منذ بدايتها وخلال المعركة العسكرية إلى فضح شامل وعميق الجذور والنتائج للأنظمة العميلة المرتبطة بالإمبريالية، سواء في "السعودية" أو الخليج العربي أو مصر وغيرهم، كما فضحت تدعي أنها عربية بصورة لم يسبق لها مثيل، وكذلك فضحت أنظمة أخرى مثل إيران وتركيا التي تدعي أنها إسلامية، حيث استطاعت هذه الأنظمة أن تلعب أدواراً تخريبية خطيرة في الساحة العربية في السابق، وكان كل منها يغطي دوره التخريبي بأغطية خاصة، بعضها يستخدم الإسلام والآخر (لغة اليسارية) كما حاول النظام المصري أن يتسلل إلى الساحة العربية مدعياً شيئاً من الوطنية غير أن هذه المنازلة كشفتهم جميعاً، لذلك لم تعد تؤمن الجماهير الوطنية والقوى الحية التي خدعت بتلك الأنظمة كما لم تعد تؤمن بما يصدر عنها من أقوال ومواقف وفي مقدمها ما يسمى الجامعة العربية، لأن هذه الأنظمة لم تعد قادرة على أن تعمل وتتصرف دون الغطاء الأمريكي الغربي المكشوف، وبذلك تكون صفحة مهمة جداً قد بدأت في الساحة العربية تعيد إلى الأذهان الفرز الذي كان قائماً في الخمسينات وكيف انتهى إلى انهيارات متتالية في الأنظمة التي ارتبطت بالاستعمار، ولتحقق حركة التحرر العربي مكاسب متتالية بعدها.
وفي الجانب الآخر فأن الحركة الشعبية العربية، سواء بصفاتها الوطنية أو القومية أو الإسلامية، أثبتت وجوداً في الشارع السياسي لم يبق له مثيل منذ عدة عقود، وقد تألق الموقف القومي العربي في البلاد العربية، وصار للحركة الجماهيرية حضور قوي، في كل الساحات العربية حيث ارتفعت عالياً شعارات التحرر، والوحدة العربية، ومقاومة الاستعمار، وتحرير فلسطين، والعدالة الاجتماعية، وفضح الأنظمة العميلة.
وبذلك نجد أن الحركة الشعبية العربية قد استعادت الكثير من مواقعها التي فقدتها في فترات الضياع، وهذه الحركة الجماهيرية في كل الوطن العربي تنظر اليوم إلى العراق ومقاومته الوطنية والقومية كمركز للصمود والإشعاع وتضع ثقتها فيه في قيادة مرحلة المستقبل، كما أن مسألة الفوارق الكبيرة بين الغنى والفقر التي كانت شعاراً أساسياً في المعركة ستبقى تثار بقوة، وستكون إحدى المسائل الرئيسية في المستقبل، وفي ضوء الموقف منها ستتحدد الكثير من النتائج، لا بالنسبة للأنظمة المتخمة فحسب، وإنما في داخل تلك الأنظمة التي تحالفت مع أمريكا في حملتها العدوانية ضد العراق، وخاصة في مصر، التي ستتعمق فيها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب الدور الخياني الذي قام به النظام المصري من دون أن يضمن مكاسب اقتصادية يغطي بها ذلك الدور المخزي، كما أن هذه المسألة اكتسبت بعداً عالمياً أثناء المعركة، وهذا البعد لن ينحسر، بل سيأخذ طريقه في التأثير خلال المرحلة المقبلة.
وعلى الصعيد الدولي انكشفت بشكل لا مثيل له في السابق، نزعة أميركا الاستبدادية، لا في التعامل مع بلدان المنطقة العربية فحسب، وإنما مع حلفائها الأوروبيين ومع الاتحاد السوفياتي، وبرغم أن أمريكا ستبقى تحتفظ لفترة من الزمن بمكانتها كقوة مسيطرة وحيدة في العالم، إلا أن انكشاف هذه النزعة بدأ يثير القلق والمخاوف في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الغربية وفي مناطق كثيرة أخرى في العالم، ولا بد من أن يتبلور هذا الشعور بالقلق والمخاوف إلى سياسات جديدة، وفي الوقت الذي ستبدأ فيه أمريكا بمواجهة مشاكلها الداخلية المستعصية - وهي مشاكل سعت الإدارة الأميركية إلى التغطية عليها أثناء المعركة وتغليفها بحمى النزعة الحربية - سيكون ممكناً تطوير هذا الشعور لدى عدد كبير من بلدان العالم إلى نهج يزيد من نزعة الامتعاض من سياسة الهيمنة الأمريكية، وبالتالي مقاومة هذه السياسة بهذا الشكل أو ذاك مما يعزز نهج الاستقلال والإرادة الحرة في المنطقة وفي العالم.
ومع انقشاع الحملة الإعلامية المضللة ستنكشف الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة خاصة وحليفاتها أثناء العدوان على العراق بقتلها المتعمد للمدنيين، وضربها المتعمد للبنى التحتية والممتلكات الاقتصادية والخدمية والثقافية والدينية، وسيتضح أن "النصر" الذي يتبجح به بوش الصغير ليس سوى عمل إجرامي كبير كانت عدته الأمامية هي "التفوق التكنولوجي"!

*********دور الإعلام العربي
ومن هذه النتائج الأولية التي أشرنا إليها، ومن متابعة مسيرة المعركة منذ بدايتها، يتضح لنا أن هذه المواجهة التي عشناها ونعيش فصولها يومياً ستبقى واحدة من أخطر وأعمق المواجهات في التاريخ المعاصر، لا بالنسبة للعراق فحسب، بل للأمة العربية كلها، كما كانت ذات بعد عالمي وإنساني مهم جداً، ومع أن العراق تحمل في هذه المواجهة العبء الأكبر من التضحيات فأن الحقيقة الموضوعية هي أن العراق هو الذي قاد هذه المواجهة ضد التحالف الأميركي الأطلسي الصهيوني الرجعي العميل، وكما أن للدور القيادي للمقاومة الوطنية القومية العراقية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي المناضل سيكتسب الدور القيادي المعنوي والمادي أيضاً، في الحاضر وفي المستقبل.
وأن آلة الدعاية الأمريكية ومعها توابعها في المنطقة التي تحاول الآن التركيز على الخسائر المادية التي لحقت بالعراق لتصور الأمر وكأنه هزيمة له، ولتشيع حالة من الإحباط بين صفوف المقاومة الوطنية العراقية وفي صفوف القوى والجماهير العربية الوطنية التي التفت حول العراق وقيادته من خلال ما تبثه الفضائيات ووسائل الإعلام التابعة من صور تفجيرات للأماكن الدينية والسكنية والتركيز على ما يسمونه الحرب الطائفية أو المذهبية وعدم نشر وبث بيانات المقاومة الوطنية العراقية بينما يتم بث ونشر صور ومقابلات لجماعات طائفية التي تكن العداء للعروبة والقومية العربية، غير أن استحقاق الدور القيادي المجاهد للعراق وقيادته الوطنية المقاومة الذي ناله بحق وعن جدارة لا يمكن لأي قوة أن تغيبها لفترة طويلة وأنه هذه الحقيقة الموضوعية من عير الممكن تجاهلها مهما طال الزمن، وستكون لها آثارها ومكاسبها المعنوية والمادية أيضاً بعد أن تزول عاصفة التضليل الراهنة.
وفي هذا الصدد قال الرئيس الشهيد "إن ثقتنا بالمستقبل عميقة وقوية، وأن خسائرنا المادية لن تزعزع هذه الثقة، وأن حزبنا كان دائماً حزب البناء والمهمات الصعبة، وأن حزب البناء والمهمات الصعبة قادر على تعويض الخسائر المادية، إن المهم هو الحفاظ على الروح البعثية الأصيلة، والتمسك بالإيمان بالأهداف الوطنية والقومية وتعزيز الثقة بالمستقبل، بهذا يكمن جوهر النصر، وعندما تترسخ هذه القيم وتتألق فأن الخسائر المادية التي تعرضنا إليها في المعركة ستعوض، كما ستتعزز وتزداد الإيجابيات التي أسفرت عنها المعركة مع مرور الزمن وسيجني شعبنا وأمتنا العربية ثمارها المعنوية والمدية".

مبادرة الرئيس صدام حسين التي أذاعها راديو بغداد في الساعة السابعة مساء الأحد 12 آب/أغسطس 1990
بسم الله الرحمن الرحيم
مساهمة منّا في خلق أجواء سلام في المنطقة، وتسهيلاً لوضع المنطقة في حالة استقرار، وكشفاً لزيف أمريكا، وحليفتها المسخ "إسرائيل"، وفضحاً لعملائها الصغار وجرائمهم ضد الأمة، وتوكيداً للحق، من موقع الاقتدار المؤمن بالله والشعب والأمة، قررنا أن نتقدم بالمبادرة التالية:
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، أن تغطي على تحركاتها المعادية للإنسانية وشعوب المنطقة، بدعوى أن قرارات المقاطعة الاقتصادية للعراق، هي احتجاج على مساعدة العراق لأهل الكويت، الذين أنقذوا أنفسهم من حكم آل الصباح، ثم طار صوابها يوم قرر الكويتيون والعراقيون إعادة وصل ما قطعه الاستعمار الإنكليزي بين العراق والكويت، بعد أن كانت الكويت جزءاً من العراق حتى الحرب العالمية الأولى،.
ولم يعترف العراق بما أقدم عليه الاستعمار من جريمة، حتى الوقت الحاضر، ثم راحت أمريكا تحشد الأساطيل الحربية، وأسراب الطائرات، وتدق طبول الحرب ضد العراق، بدعوى مواجهة التهديد العراقي للسعودية.
ولأن شرارة الحرب، إنْ هي ابتدأت، ستحرق الكثيرين، وتسبب لمن يكون في ميدانها ويلات كبيرة، وبغية وضع الحقائق كما هي، في مواجهة الرأي العام العالمي والغربي منه بوجه خاص، وكشف زيف ادعاءات أمريكا في أنها تناصر قضايا وحقوق الشعوب وتسعى للمحافظة على الأمن ومصالح الغرب فحسب، فإنني أطرح أن تحل كل قضايا الاحتلال، أو القضايا التي صورت بأنها احتلال في المنطقة كلها، وفق أُسُس ومبادئ واحدة ومنطلقات يضعها مجلس الأمن، وكما يلي:

أولاً: إعداد ترتيبات انسحاب وفق مبادئ واحدة، لانسحاب "إسرائيل" فوراً وبلا شروط، من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان.
وانسحاب سورية من لبنان، والانسحاب بين العراق وإيران، ووضع ترتيبات لحالة الكويت، وأن تنسحب الترتيبات العسكرية في توقيتاتها وكل ما يتصل بها من ترتيبات سياسية على كل الحالات، ووفق نفس الأُسُس والمبادئ والمنطلقات المعتمدة، آخذين بنظر الاعتبار الحقوق التاريخية للعراق في أرضه، واختيار شعب الكويت، وأن تكون البداية في تطبيق البرنامج بما هو أسبق للاحتلال، أو ما سُمي احتلالاً، مبتدئين بتطبيق كل ما صدر من قرارات لمجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة لكل الحالات، وهكذا وصولاً إلى أقرب حالة فيها، وأن تطبق نفس الإجراءات، التي اتخذها مجلس الأمن حيال العراق، تجاه من لا يلتزم بهذا الترتيب أو يتجاوب معه.

ثانياً: بقصد إظهار الأمور على حقيقتها أمام الرأي العام العالمي، ليحكم وفق شروط موضوعية، بعيداً عن الرغبة، والضغط الأمريكيَّين، نرى أن تنسحب فوراً من السعودية القوات الأمريكية والقوات الأخرى، التي استجابت لمؤامراتها، وأن تحل محلها قوات عربية يحدد حجمها وجنسيتها وواجباتها وأماكن تواجدها، مجلس الأمن يعاونه الأمين العام للأمم المتحدة وبالاتفاق على جنسيات القوات العسكرية بين العراق والسعودية، وألا يكون من بينها قوات من حكومة مصر التي اتخذت منها أمريكا متكأ لها في مؤامرتها ضد الأمة العربية.

ثالثاً: أن تتجمد فوراً، كل قرارات المقاطعة والحصار ضد العراق، وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي في التعامل الاقتصادي والسياسي والعلمي بين العراق ودول العالم، ولا تعود تلك القرارات إلى البحث والتطبيق، إلا على من تنطبق عليه في حالة خرقه لما ورد ذكره في أولاً وثانياً وثالثا أعلاه.
وفي كل الأحوال، وعندما لا تتجاوب أمريكا هي وحلفاؤها والصغار من عملائها مع مبادرتنا هذه، فأننا سنقاوم بقوة، نحن والخيرون من أبناء الأمة العربية وشعب العراق العظيم نزعاتها الشريرة ومخططاتها العدوانية.
وسننتصر بعون الله وسيندم الأشرار على فعلهم، بعد أن يخرجوا مدحورين ملعونين من المنطقة، يجرون أذيال الخزي والعار.
والله أكبر.. وليخسأ الخاسئون..
صدام حسين
الثاني عشر من آب عام 1990م
الحادي والعشرين من محرم 1411 هـ
--

0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن