من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

سلسلة اعرف عدوك/الجزء الثاني/فاضل الربيعي

المهدي وبدر: حروب آيات الله الجدد في العراق

الجزء الثاني

فاضل الربيعي

فيلق بدر يلتهم المؤسسة الأمنيةيشير كتاب موجه إلي قيادة القوات المشتركة حول موضوع ضباط بدر (إلي أن وزارة الدفاع وافقت علي دمج 5500 عضو كجنود برتب مختلفة ضمن تشكيلات الجيش الجديد). لقد أحدثت هذه السياسة خللاً بنيوياً خطيراً لا في المؤسسة وحسب؛ بل في الثقافة الوطنية التاريخية للعراقيين؛ وهذا ما عبرت عنه صيحات الجنود في ساحات التدريب (يا علي. يا علي). ويبدو أن قادة الميليشيات الذين يشاركون الأمريكيين في إعادة دمج العناصر الإجرامية في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، كانوا يشرفون بأنفسهم علي تمجيد الروح الطائفية من خلال هذه الصيحات.أرست هذه التدريبات وبالروح الطائفية التي تغلغلت فيها، مفاهيم وقواعد ثقافة طائفية لا سابق لها في التاريخ الاجتماعي السياسي للعراق الحديث، ذلك أن المنتسبين الجدد إلي المؤسسة العسكرية نقلوا معهم ولاءهم القديم لمنظماتهم، وتشبعوا بروح التثقيف بأنهم ينتسبون إلي جيش خاص بطائفتهم منفصل ومعزول عن أي جامع وطني. إن قراءة متأنية في أسماء هؤلاء المنتسبين والتعرّف إلي ألقابهم (والعشائر التي ينتسبون إليها) سوف تبيّن بوضوح المنحي الطائفي الذي اتخذته عمليات الدمج هذه، ذلك أن معظم الذين حصلوا علي رتب كبيرة في الجيش والشرطة، هم من أبناء الطائفة الشيعية، بينما هناك نسبة قليلة (أقل من 3%) من أبناء السنة.ومما يدعم هذا الاستنتاج بقوة، أن منظمة بدر أصدرت قبل نحو شهرين من الغزو الأمريكي للعراق (1/4/2003) توجيهاً يتضمن دعوة كافة فروع المنظمة إلي القيام بعمليات اغتيال لضباط الجيش العراقي من أهل السنّة عند وقوع الغزو، وهو ما حدث تالياً وعلي نطاق واسع. وهناك معلومات موثقة عن آلاف الضحايا الذين قتلوا علي أيدي الميليشيات، ففي مدينة الثورة (الصدر) وحدها مثلاً، سقط ما يزيد عن 1800 بعثي من بينهم عدد كبير من منتسبي الجيش السابق، بينما شهدت مدن الجنوب سقوط أعداد أكبر. وذلك ما يؤكد أن عمليات اختراق المؤسسة العسكرية الجديدة من جانب الميليشيات، أصبحت متلازمة مع عمليات تصفية جسدية مبرمجة لمنتسبي المؤسسة العسكرية السابقة.كل هؤلاء الضحايا سقطوا، وفي أماكن مختلفة من مدن العراق، علي أيدي رجال منظمة بدر وجيش المهدي وفرق الموت. ويدعو نص كتاب رسمي موجه إلي كافة فروع منظمة بدر ـ العدد : 956 إلي تحويل هذه السياسة إلي سياسة ثابتة هدفها ضرب أجهزة الشرطة والجيش لكي لا يتم إنشاء هيكلية دولة سنية كما جاء في نص الكتاب الصادر من قيادة منظمة بدر، وإلي قتل ضباط الجيش من السنة وخصوصاً كبار الرتب والقادة . كما ورد حرفياً في التوجيه نفسه، فضلاً عن دعوته الصريحة إلي قتل السنة تحت مسميات اجتثاث البعث والتكفيريين والصداميين والإرهابيين والوهابية . في ما يأتي جدول (نموذج) يبيّن توزيع المنتسبين الجدد علي أساس عشائري:جدول رقم 3العدد الرتبة العشيرة/ اللقب 2 لواء الشرع، النوري1 عميد الشهواني10 عمداء الصغير، الجابري، الوحيلي، آل خليفة18 عقيد الموسوي، الفرطوسي، اللامي4 عقداء العبيدي، الجبوري، الفهداوي.70 مقدما الخزاعي، الكعبي، المالكي، البهادلي، الشحماني، 2 مقدم العبيدي، المشاهدي 60 رائدا الدراجي، الموسوي، العبادي، الكعبي، الساعدييكشف هذا النموذج عن جملة من الحقائق المفزعة؛ فالجيش الجديد تمّ إغراقه كلياً بعناصر تنتمي إلي لون طائفي بعينه، وبحيث يصبح هو نفسه أكثر شبهاً بـ ميليشيا كبيرة هي نتاج دمج ميليشيات صغيرة هنا وهناك. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة الصراعات المتفجرّة بين أعضاء هذه الميليشيات؛ فإن لمن المنطقي أن يصبح الجيش الجديد نفسه ساحة لتصفية الحسابات.بدر والمهدي: من النزاع إلي العمل المشتركاتسمت العلاقة بين البدريين والمهديين (أي الذين ينتسبون إلي منظمة بدر وجيش المهدي) بطابع التعاون غير المباشر والتصادم المباشر في الآن ذاته. وهذا وضع شاذ وغريب، فهم من جهة يشتركون في أعمال ذات طابع عنيف ضد جماعات وفئات سياسية ومذهبية، ولكنهم غالباً ما يصطدمون مع بعضهم البعض خلال أعمال من نوع آخر. بيد أن التحوّل الأهم الذي طرأ علي هذه العلاقة الملتبسة (المزدوجة) يمكن أن يفسره وعلي أكمل وجه، التباس ترسخ في أذهان العراقيين حين راحوا ينسبون بعض أعمال القتل الطائفي تارة إلي فيلق بدر (منظمة بدر) وتارة أخري إلي جيش المهدي. إن الغموض الذي أحاط بالفاعلين الحقيقيين ـ في سلسلة طويلة من أعمال القتل وترويع مناطق سكانية بأكملها طوال السنوات الماضية ـ ناجم عن تماثل الأهداف التي تطرحها كلا المنظمتين بدر والمهدي.وثمة مؤشرات عميقة الدلالة تؤكد أن الزيارة التي قام بها مقتدي الصدر إلي طهران في 28/2/2006 واللقاء بالقيادة الإيرانية، وبشكل أخص مع وزير الدفاع الإيراني، قد أسهمت في خفض التوتر التقليدي بين المنظمتين المتنافستين، وفي إنشاء مقاربة جديدة علي أسس متينة هذه المرة، سوف تسمح كما بينت الأحداث، بنشوء نمط من التعاون الأمني والعسكري. ويبدو من مضمون كتاب سربته منظمة بدر عن نتائج هذه الزيارة أن الإيرانيين تمكنوا من نقل الصراع بين بدر والمهدي إلي ميدان التعاون المباشر علي قاعدة الولاء للطائفة والتستر بالمؤسسة العسكرية للتغطية علي الأعمال الإجرامية. إليكم نص كتاب صادر عن منظمة بدر الذي يبيّن طبيعة هذا التعاون:العدد /212التاريخ 28/2/2006باسمه تعاليإلي/ كافة فروع منظمة بدر الكبريالموضوع/ توجيهاتحصلت موافقة الأمين العام لمنظمة بدر الكبري بتعميم التوجيهات التالية وبعد موافقة السيد وزير الدفاع لجمهورية إيران الإسلامية بعد مقابلة سرية بينه وبين سماحة السيد مقتدي الصدر في طهران بتاريخ 28/2/2006 بشمول جيش المهدي بالدعم الكامل وعلي الشكل الآتي:ـ إيفاد جماعات منتخبة للتدريب في معسكرات إيرانية علي اختصاصات مختلفة.ـ إيصال المواد الشديدة الانفجار إلي مختلف الجماعات المسلحة وتدريبها علي صنع العبوات الناسفة التي تحوي مادة السي 4.ـ فتح قنوات اتصال مباشر بالتنسيق مع أجهزة الداخلية لتسهيل حركة الميليشيات ولعب الدور المساند لها.ـ إيجاد عوائل متبرعة لإيواء عناصر الاستخبارات الإيرانية تحت مسمي الأقارب ودعم العوائل بالمبالغ المادية الضخمة لتخزين الأسلحة.المال الإيراني والخبرة الأمريكيةكشفت هذه الحقائق عن تطور مذهل في العلاقات الميدانية السرية بين الإيرانيين والأمريكيين، فبينما كان الإيرانيون يقدمون المال لجيش المهدي ومنظمة بدر، كان الأمريكيون يقدمون تسهيلات غير مسبوقة لدمج هذه الميليشيات في المؤسسة العسكرية ويشرفون علي إعادة تأهيلهم . وتبين أن الإيرانيين نجحوا بالفعل في رسم إطار مغاير للتعاون بين المنظمتين؛ إذ شمل الإيرانيون برعايتهم المالية جيش المهدي بعد أن كان الأمر يقتصر علي منظمات أكثر ولاء لطهران، فقد حصل الصدر أثناء زيارته علي دعم جيد شمل إيفاد جماعات منتخبة للتدريب في معسكرات إيرانية (وفي مختلف الاختصاصات) . كما تلقي وعداً بإرسال عناصر استخبارات إيرانية إلي العراق لتولي تدريب وحتي قيادة جيش المهدي، وإعادة تنظــيم السرايا العــسكرية التي تشكلت عشوائياً. وقد لاحظت مؤسسة كرايسز كروب من خلال سلسلة من المقابلات أجرتها مع أعضاء في جيش المهدي، أن الصدريين كانوا حتي وقت قريب يشعرون بالحرج والحساسية الشديدة من أي ربط بين نشاطهم وإيران، ولكنهم بعد الزيارة أصبحوا أكثر ميلاً إلي تطوير التعاون مع بدر. ويُلاحظ في هذا الإطار، أن التمويل الإيراني الكامل لجيش المهدي والحرص علي لعب ورقته ـ بعدما اتضح لهم أن المجلس الأعلي لم ينجح في توطيد نفوذه في الشارع ـ شجع مقتدي الصدر منذ وقت مبكر من هذه الأحداث علي تقديم نفسه لبعض زعماء المنطقة كقوة مؤهلة للعب دور سياسي أكبر. وفي هذا السياق جاءت زيارة الصدر إلي سورية في نيسان (إبريل) 2006. لكن الزيارة أثارت، وعلي العكس من توقعات الصدريين ـ شكوكاً قوية في طبيعة هذا الدور. ومع ذلك ما فتئ الصدر في دمشق يكرر علي أسماع السوريين شكوكه الشخصية في قدرة المجلس الأعلي (الحكيم) علي تمثيل شيعة العراق. ويبدو أن السوريين الذين سمعوا من الصدر كلاماً عن موقف عروبي؟ معارض للاحتلال فوجئوا بالزائر وهو يطلب من الرئيس بشار الأسد، عند استقباله له تسليمه الصداميين والبعثيين المتواجدين في سورية . أثار الطلب غضب وانزعاج السوريين الذين كانوا يرغبون في التعرّف مباشرة علي حقيقة نوايا التيار الصدري وسياساته، ففي هذا النوع من المطالب كان يمكن للسوريين أن يشمّوا رائحة طائفية بغيضة تصدر عن زائر رغبوا في التعرّف علي وجهة نظره مباشرة. والباحث يستطيع أن يؤكد، استناداً إلي رواية مصادر موثوق بها حضرت لقاء الرئيس الأسد/ الصدر، أن الأخير بدأ حديثه عن (النواصب) أي أهل السنة، قبل أن يطلب بوقاحة تسليم عدد من القيادات البعثية العراقية المقيمة في سورية. وفي هذا اللقاء أبدي الرئيس الأسد انزعاجاً واضحاً من وقاحة الطلب وأنهي اللقاء قبل الوقت المخصص له. يروي أحد أعضاء جيش المهدي لكرايسز كروب (مقابلة بتاريخ كانون الثاني ـ يناير 2006) كيف أن شقيقه المقرّب من مقتدي الصدر أُخضع للاستجواب مرات عدّة من جانب قادته المباشرين عند عودته من زيارة لإيران، للتأكد من أنه لم يقم أي علاقة بالمخابرات الإيرانية.إن حساسية الصدريين هذه سرعان ما تلاشت وأخلت مكانها لنوع فاتر من الاهتمام بخطورة هذا العامل في الصراع، ولكنهم مضوا خطوة أبعد بعد ذلك حين تقبلوا الدعم المباشر من إيران وارتضوا الخضوع لإرادة الإيرانيين. ففي توجيه صادر عن منظمة بدر بتاريخ 11/7/2006 يكشف عن طبيعة المخاوف التي تجمع الميليشيات أو توحدها في المواجهة ضد المقاومة (وليس ضد الاحتلال) وأبعاد التحوّل الذي طرأ علي العلاقة بين البدريين والمهديين؛ دعت المنظمة سائر أعضائها (النقطة رقم 10 من التوجيهات) وفي حال بدء معركة بغداد إلي (التعاون مع الصدريين وأن علي جميع أبناء شيعة الإمام علي ـ عليه السلام ـ وكذلك منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية الالتحاق بسرايا قوات بدر وجيش المهدي وتشكيلات حزب الدعوة واستصحاب وسرقة الأسلحة والذخائر والآليات والتجهيزات لرفد المعركة).هذا التطور اللافت في مستوي وطبيعة التناغم بين الخصمين التاريخيين، وتلاقي قيادة المنظمتين علي محاربة (النواصب التكفيريين والبعثيين) يؤكد أن العامل الإيراني لعب بقوة علي صعيد حشد الميليشيات حول أهداف مشتركة، بعد أن ظلت هذه الأهداف موضوعاً صراعياً طوال أكثر من سنتين من الاحتلال. مثلاً، كان التيار الصدري (وجيش المهدي بطبيعة الحال) يضع مسألة طرد الاحتلال الأمريكي أو التصدي له (وليس مقاومته) كهدف استراتيجي، مواز لهدف مطاردة وتصفية البعثيين، بينما كانت منظمة بدر تسقط كلياً مسألة التصدي للاحتلال من برنامج عملها، ويقتصر نشاطاها علي تصفية البعثيين وأهل السنة (النواصب). بيد أن هذا التقارب علي مستوي الأهداف بين الميليشيات بفضل العامل الإيراني، كان مصحوباً بنوع من التناغم علي صعيد هدف آخر، لم يكن حتي وقت قريب من بين أهداف الصدريين المعلنة (علي الأقل في العام الأول من الاحتلال) نعني تصفية النواصب (أهل السنة). وبالفعل؛ فإن تصفية أهل السنة لم يكن من بين أهداف الصدريين خلال العام الأول من الاحتلال. ويبدو أن الإيرانيين كانوا راغبين بقوة في توحيد جهود المنظمتين علي مستوي ميداني، وتحويله إلي جهد مشترك يصبّ في خدمة هذا الهدف. وذلك ما يفسر سبب انخراط المنظمتين في أعمال مشتركة ضد أهل السنة في الجنوب (في البصرة حيث توجد كتلة سكانية كبيرة تنتمي لمذهب أهل السنة والجماعة). وفي هذا النطاق داهمت قوة مشتركة دنمركية ـ بريطانية منطقة الهارثة شمال البصرة مساء يوم 5/12/2006 من أجل اعتقال عدد من أفراد جيش المهدي، متهمين بأعمال مقاومة ضد قوات الاحتلال كما زعم الناطق الرسمي باسم القوات البريطانية في البصرة. بيد أن الهجوم البريطاني ـ الدنماركي المشترك ضد جيش المهدي، لم يكن يتصل بردع أي أعمال مقاومة بل للتغطية علي مهمة جيش المهدي الحقيقية هناك. كان الصدريون يعملون كتفاً لكتف مع البدريين لتصفية أهل السنة، سواء أكانوا بعثيين أم عسكريين أم مقاومين إسلاميين . وقد وجد البريطانيون أن تدخلهم ضد جيش المهدي في عملية محدودة من هذا النوع، يمكن أن يقدم الغطاء الضروري لاستمرار هذه العصابات في تصفية وتهجير أهل السنة من الجنوب وتحويل البصرة نهائياً إلي محافظة شيعية صافية، وبما يساهم في فصلها عن العراق. وبينما كانت القوات البريطانية تقوم بالقصف العنيف علي مواقع مزعومة لجيش المهدي، كانت القوات الدنماركية تتقدم بواسطة القوارب المطاطية. لكن البريطانيين والدنماركيين امتنعوا كلياً عن مواجهة أعمال التهجير والقتل التي قام بها جيش المهدي ضد أهل السنة في البصرة وتغاضوا عنها كلياً. ومما يعزز من طبيعة الهدف المشترك الذي بات يجمع بدر والمهدي، أن الحوار الدائر في ما يعرف بـ (اللجنة السباعية وهي لجنة سرية تتألف من قادة الائتلاف الشيعي الحاكم برئاسة عبد العزيز الحكيم( بعضوية كل من (د. مؤيد العبيدي، هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر محمد الحيدري، محمد إسماعيل، سيد بهاء الأعرجي، جواد المالكي رئيس الوزراء د. قصي عبد الوهاب، حسن الشمري، د. حسين الشهرستاني، الحاج فالح الفيّاض، د. خضير الخزاعي) انصب علي كيفية تهميش أهل السنة. ارتأت اللجنة في محضر اجتماع بتاريخ 19/1/2006 وبلسان المالكي نفسه أن يتم تهميش السنة بكل الوسائل. قال المالكي: (جلسنا مع برهم صالح وجلال، إنهم قريبون من فهمنا، وهو أن نعمل بالاستحقاق الانتخابي مع إشراك سطحي للسنة، لأننا سيطرنا علي جميع مقدرات البلاد السياسية). وحين انتهي المالكي من حديثه عقب عبد العزيز الحكيم قائلاً: (علي السنة أن يعطونا شيء مقابل إشراكهم). لكن المالكي عاد وقال معقباً علي حديث الحكيم (حول وزارة الدفاع والداخلية لا بد من الآن وأثناء المباحثات مع الأكراد أن يتم الاتفاق علي الموازنة في هاتين الوزارتين وتحديد المقاعد لكل وزارة وتحديد حصة كل طرف وتثبيت ذلك في الأوراق التي سيتم التوقيع عليها، ونأتي برجل من السنة ضعيف لوزارة الدفاع للسيطرة الكاملة عليها وجعلها مثل الداخلية مطلقة لنا).وأثناء مناقشة صيغة تشكيل الحكومة، انصبّ الحديث علي كيفية فرض السيطرة الكاملة علي الوزارات و تهميش أي دور للسنة . وهذا التعبير مأخوذ حرفياً من محضر اجتماع اللجنة السباعية وهو يتكرر علي نحو مفضوح.إيران واستنساخ النموذج الإسرائيلي في البصرةإن لوحة توّزع الميليشيات وأدوارها وظروف تكوينها وأهدافها المتنوعة والمتناقضة، والقيادات التي تشرف علي توجيه نشاطها، تجعل منها أكثر شبهاً بأوراق اللعب (الكوتشينة) التي تمّ تجميعها من علب مختلفة. إن تعدد ألوان المنظمات القتالية (الميليشيات) وحتي تماثلها وتشابهها من حيث المنطلقات الفقهية المذهبية والسياسية، والأدوار المكررّة التي تقوم بلعبها في الساحة العراقية في الجنوب والوسط وبغداد وحتي في كركوك، ليبدو أكثر شبهاً بتماثل ألوان وعلامات أوراق الكوتشينة هذه؛ بينما يبدو اللاعب الإيراني كما لو أنه يلعب اللعبة ذاتها، وذلك في كل مرة يدفع فيها بورقة من هذه الأوراق إلي الطاولة وسط حيرة الآخرين.لقد دخل العامل الإيراني بفضل هذا النوع من أوراق اللعب المكررة، كعنصر مقرر في لعبة قمار سياسي وعسكري. وكانت بوابة دعم الميليشيات وتطويرها كقوة مسلحة مبعثرة، تنشر علي بقعة جغرافية واسعة، تكتيكاً إيرانياً جديداً تمّ تجريبه بنجاح في حقل نموذجي. ولكن، لئن بدا الإيرانيون وكأنهم طوال سنوات الاحتلال الماضية، يلعبون دور الشريك الغامض في الغزو؛ فإن قواعد اللعب سرعان ما أرغمتهم، من خلال المواقف السياسية المساندة لمجلس الحكم المؤقت الذي قاده السفير بول بريمر(الحاكم المدني الأمريكي منذ من نيسان ـ إبريل 2003) ثم من خلال سلسلة من التحركات والمناورات، علي كشف الكثير من أوراقهم الملوّنة والمكررة التي جمعت من علب مختلفة. وسريعاً اتضح أن تغلغل الميليشيات المسلحة في أجهزة الدولة هو في حقيقته تغلغل إيراني بالنيابة، وأن طهران أضحت لا مجرد طرف مساند للاعبين ثانويين أو أساسيين؛ بل هي محرّك قطع الشطرنج وأن الميليشيات أصبحت أداتها المفضلة للتغطية علي نمط التدخل وحدوده. وبذلك تكون إيران قد تمكنت من التحول إلي لاعب ماهر يمسك بمعظم أوراق اللعب المتناقضة في عالم الميليشيات، ولكن من دون أن يتمكن من التغطية علي نوع الغش الذي يمارسه أثناء اللعب.يروي جواد... وهو عضو بارز في جيش المهدي (منطقة في جنوب العراق في مقابلة خاصة ـ أجراه الباحث في 2/11/2006) كيف أن المخابرات الإيرانية (جهاز إطلاعات) بات يشرف بشكل كامل وتام، علي عمليات تهجير أهل السنة من المناطق التي يقيم فيها هؤلاء تاريخياً . وقال جواد: رداً علي سؤال وجهه الباحث عمّا إذا كان جيش المهدي ضالعاً بالفعل في أعمال التهجير والقتل هناك (إن الإيرانيين أبلغونا خلال اجتماع رسمي معهم بأنهم لا يفهمون سبب البطء في عمليات التهجير التي يقوم بها جيش المهدي والنتائج المحدودة لحملته، وأنهم لهذا السبب يوجهون اللوم لقياداته الميدانية في الجنوب).وكانت أنباء سابقة أشارت إلي وقوع أربع حملات تهجير كبري في البصرة أشرفت عليها ونفذتها مجموعات من جيش المهدي، وتمّ خلالها اغتيال عدد كبير من الممتنعين عن قبول أوامر التهجير. وفي الواقع، وبحسب ما أبلغني هذا العضو البارز (السابق) في جيش المهدي؛ فإن الإيرانيين كانوا يتطلعون إلي رفع وتيرة العمل بأسلوب التهجير عن طريق تكثيف عمليات الاغتيال، من أجل التسريع بوضع مخطط إقليم الجنوب (الفيدرالية) موضع التطبيق الفعلي. بيد أن الفشل في تحقيق مستوي تهجير أكبر، وهو أمر يرتبط بعوامل معقدة (عشائرية بالدرجة الأولي) أحبط آمال الإيرانيين منذ المرحلة الأولي. وثمة مؤشرات علي أن المرحلة التالية سوف تشهد اعتماد أساليب جديدة، من بينها أسلوب إبراز وثائق ملكية مزيفة وإرغام المالك الأصلي علي تقديم أوراق ثبوتية مضادة، يستحيل عليه امتلاكها نظراً لسيطرة بدر علي الدوائر الرسمية.ويبدو أن مصادرة أملاك المواطنين في البصرة (من أهل السنة) بهذه الطريقة التي لا شبيه لها إلا في الأراضي المحتلة في فلسطين، كما يقول العضو السابق في جيش المهدي، سوف تفاقم من درجة النزاعات العشائرية والطائفية. ومما يضاعف من خطورة الأوضاع هناك، أن الإيرانيين زجوا ببعض المراجع الدينية من أصول إيرانية أقامت للتو في الجنوب، كطرف محكّم في هذا النوع من المنازعات. علي أن جواد... يحذر وهو يقول بألم إن دوافعه للانخراط في جيش المهدي كانت صادقة (من أن الإيرانيين يستعدون لمرحلة أخطر هي نسف البيوت التي يرفض أصحابها التخلي عنها لصالح مستوطنين من أصول إيرانية). ولدي سؤاله عن أكثر الفئات أو الطوائف تعرضاً لعمليات الترهيب في البصرة أجاب جواد (انهم الطائفة الشيخية). إن تعاظم السخط الشعبي علي ممارسات جيش المهدي، سينعكس بالضرورة علي الإيرانيين هذا ما لم يتحّسبوا له جيداً. لقد سلطوا علينا الرواديد ـ مفردها رادود ـ وهو الشخص الذي يردد الأشعار التي تصدح بها مواكب العزاء الحسينية في عاشوراء . يقول جواد ويضيف: الإيرانيون ليسوا أذكياء كما تتصورون . لكن إسماعيل وهو رسام من الجنوب، ومن أصول شيعية فرّ مؤخراً من العراق بعد تهديدات من جيش المهدي (من مقابلة أجراها الباحث في 5/11/2006) يقول أن غباء الإيرانيين ـ حسب وصفه ـ يتمثل في إصرارهم علي تسليط الرواديد علي المتعلمين. فهؤلاء يمكن أن ينقلبوا علي إيران في المستقبل أو أن يصبحوا عبئاً عليها . ويبدو من سلسلة متصلة من الشهادات التي حصل عليها الباحث عن سلوك الصدريين في بغداد والجنوب وفي كربلاء والنجف أن كلمة (رادود ) هذه صارت ملازمة لوصف الصدريين والبدريين.شبكات العلاّسةالعلاّسة (من الفعل العامي علس بالعامية مضغ، وضع شيئاً في الفم) هو التعبير الأكثر شيوعاً اليوم في العراق. والعراقيون يستخدمونه في نطاق توصيف المخبرين. إنهم يعلسون ـ يمضغون ضحاياهم. والمخبر ـ في المخيال الشعبي ـ وطبقاً لوظيفة الوصف، يقوم أثناء وشايته بشخص آخر؛ بعمل شبيه بعملية مضغ الضحية (رمزياً قتله). يقول أبو محمد وهو تاجر صغير، أنه لم يكن يسمع بهذا التعبير حتي وقع الاحتلال وظهر جيش المهدي. (ذهبت لجمع إيجارات البيوت التي تركها المرحوم لنا. وحين صعدت إلي السيارة وفي يدي كيس من الورق مليء بالنقود، صرخ بي ابني الصغير محمد؟ أبي كيف تفعل هذا؟ ماذا لو شاهدك احد العلاّسة؟ ـ من حديث مع الباحث بتاريخ 1/11/2006).وفي الواقع يعتمد جيش المهدي ومنظمة بدر علي شبكة معقدة من العلاّسة (المخبرين) الذين يقومون بتقديم معلومات عشوائية في الغالب لقاء مبالغ من المال. وهؤلاء المخبرون، كما تشير الكلمة القبيحة التي صارت لقباً تحقيرياً شائعاً ودالاً علي أنهم يقومون رمزياً بقضم الضحايا الأبرياء عن طريق تقديمهم لقمة سائغة لمن سيتولي تصفيتهم جسدياً وبلا رحمة؛ ينتشرون اليوم في كل مكان في العراق. في البداية كان عمل العلاّسة يقتصر علي تقديم معلومات عن البعثيين، وكان جيش المهدي في مدينة الصدر يتلقي ويجمع هذه المعلومات، ثم يتولي تصفية الضحايا. صباح التاسع من نيسان (أبريل) 2003 ولد أول علاّس عراقي، عندما ترددت أنباء عن مطاردات قام بها مواطنون هائجون، وتمكنوا خلالها من إلقاء القبض علي ما سمي بالمتطوعين العرب، وهؤلاء سوف يعرفون تالياً في وسائل الإعلام بـ (الإرهابيين الإسلاميين) ثم بـ المتسللين . ويبدو ان نشاط العلاّسة شهد تطوراً في اتجاهات جديدة مع انتشار مكاتب الشهيد الصدر في عدد من كبريات المدن العراقية. وبالفعل، فقد لعبت جملة من العوامل لصالح تنظيم نشاط هذه المجموعات، من بينها حاجة جيش المهدي إلي مادة تنافسية مع منظمة بدر التي تتفوق عليه في مجالات مختلفة. وكانت المعلومات وأشكال الحصول عليها هي هذه المادة التنافسية. وقد أنكر أحد القادة الميدانيين في جيش المهدي خلال حديث مع مؤسسة كرايسز كروب (تقرير رقم 55 حول الشرق الأوسط 11 تموز ـ يوليو 2006) أن يكون فيلق بدر أكثر نشاطاً في هذا المجال من جيش المهدي (أنظر: كرايسز كروب، ص 16) الأمر الذي يؤكد حقيقة أن التنافس بين البدريين والمهديين، كان عاملاً هاماً من عوامل تطوير نشاط وعمل العلاّسة. اليوم، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات علي ظهور هذا الجيل الجديد من المخبرين، لم يعد العلاّس مختصاً بالبعثيين وحدهم، أو بالعرب المتطوعين كما كان الحال في 9 نيسان (أبريل)؛ بل أصبح يقدم لعصابات إجرامية أخري تقوم بالخطف لقاء الفدية، معلومات مفيدة عن التجار وأصحاب الأموال.أثار نشاط العلاّسة فزع الكثير من المواطنين. إنه نوع فريد من النشاط كافٍ لإثارة الذعر الجماعي، فالضحايا لا يعلمون عادة أنهم أصبحوا مادة للرصد من جانب وحوش مستعدة لافتراسهم أو بيعهم لآخرين لقاء المال. ومما ضاعف من درجة تحطم الثقة بين الأفراد في المجتمع العراقي، أن هؤلاء ينسجون غالباً علاقات طيبة مع الآخرين ويعيشون وسطهم ولا يكتفون برصدهم.الحوزة والميليشياتيرتبط صعود الدور السياسي للمرجعية الدينية (الشيعية) في النجف، وتحوّل أقطابها اليوم إلي لاعبين فاعلين علي مستوي صنع القرار، بجملة من التطورات والأسباب والعوامل المحلية والإقليمية والدولية، دفعت المدينة المقدسة إلي واجهة الأحداث العنيفة خلال وقت قصير فقط من الغزو الأمريكي للعراق. من بين أكثر هذه الأسباب والعوامل التي جعلت الحوزة في مركز الصدارة والأضواء أهمية، تفكّك الدولة وتلاشي مؤسساتها وأدواتها، وتدفق أعداد كبيرة من قيادات الأحزاب الشيعية المنفيّة التي انتقل تعاونها المكشوف مع الأمريكيين إلي مرحلة جديدة وغير مسبوقة من التنسيق. ولا يزال حاضراً بقوة في ذاكرة العراقيين ذلك المشهد المثير الذي تلازم مع المراحل الأولي من الغزو، عندما قطع بعض الشبان الطريق علي الدبابات الأمريكية، لحظة دخولها مدينة النجف وهم يصرخون في وجوه الجنود بلغة إنكليزية رديئة:City? yes. imam ali , no (المدينة؟ نعم. ولكن ضريح الإمام علي، كلا).وكان ذلك يعني بوضوح أن جمهوراً من أبناء المدينة المقدسة كان مستعداً، لأسباب براغماتية (ربما لضمان بقاء المراقد المقدسة بعيداً عن المخاطر الجمة، مثلاً) للقبول بفكرة دخول الأمريكيين، شرط أن لا يقتربوا من مرقد الإمام علي (ع) .لكن هذه الموافقة البريئة بدت في أنظار كثيرين، كما لو أنها صدي لنوع من الترحيب أو القبول الضمني بالواقع الجديد. ويبدو أن منظر الجنود الأمريكيين في شوارع النجف، لم يكن وحده المنظر الذي أثار حنق وسخط الشبان الشيعة. لقد كان هناك منظر آخر أكثر إثارة؛ فهم شاهدوا أحد أبناء المراجع الدينية الكبار يلوّح بيده من داخل دبابة أبرامز. وكان المشهد، بكل ما يتضمنه من دلالات وفي أتم المعاني، صادماً للوجدان الشعبي للسكان المذعورين من مرأي الدبابات العملاقة.وخلال وقت قصير، وبالرغم من المخاوف من اقتحام المدينة المقدسة والنتائج المترتبة علي ذلك، تحوّل ضريح الإمام علي نفسه إلي مسرح دامٍ لحادثة قتل مروّعة، ذهب ضحيتها الزائر المعمّم الذي كان يلوّح بيديه.لم يكن ذلك الزائر المبتهج ويا للعجب، سوي الابن البكر للمرجع الشيعي الأعلي الراحل أبو القاسم الخوئي. لقد وصل إلي المدينة مع الدفعة الأولي من القوات التي اخترقت تحصينات الجيش العراقي في النجف. وحين توجه صوب الضريح راجلاً؛ فإن أحداً لم يكن ليتوقع حدوث جريمة قتله.حادث قتل عند الضريحكان عبد المجيد الخوئي قادماً من لندن حيث يعيش ويدير هناك منذ سنوات، واحدة من أكبر المؤسسات المالية الشيعية (مؤسسة آل البيت) التي لعبت دوراً خطيراً في إدارة سلسلة من الاتصالات السرية مع الأمريكيين طوال حقبة التسعينات من القرن الماضي. كما ساهمت في تمويل عدد من النشاطات السياسية للجماعات المناهضة للحكم في الخارج، وثمة تقوّلات عن مشاركة فاعلة من نوع ما في الاتصالات المحمومة داخل لندن وخارجها، وبحثت فيها خلال مراحل مختلفة، طبيعة مشاركة الأحزاب والجماعات الشيعية في خطة غزو العراق.كانت حادثة قتل الخوئي الابن عند ضريح الإمام علي (ع) مرّوعة بالفعل، وانطوت علي دلالات لا حصر لها، أخلاقية ودينية وسياسية؛ إذ هاجمه شبان غاضبون سوف يُعرف عنهم تالياً أنهم ينتمون إلي التيار الصدري ، وليسقط الزائر مضرجاً بدمه. ولكن القتلة لم يكتفوا بذلك؛ بل قطعوه بواسطة السكاكين والسيوف إرباً إربا. ولأن الحادث وقع علي خلفية اتهامات شنيعة بالفساد المالي وسرقة ملايين الدولارات من أموال الحوزة، وهي اتهامات لطالما ثارت في الوسط الشيعي وكانت مادة من مواد الصراع والتنافس بين المراجع الكبار، فقد أُضيفت دلالة جديدة ربما طغت علي الحادث برمته. لم يأت الخوئي الابن كزائر أو منفيٍ يعود بعد سنوات إلي مدينته؛ بل بدا في أنظار قتلته والساخطين عليه كما لو كان فاتحاً أسكرته نشوة النصر. وذلك ما وضع مسألة الفساد المالي في الحوزة داخل إطار جديد ومختلف تماماً، أعاد ربط التلاعب بالأموال في سياق التدخل الأجنبي؛ ولنقل أعاد وضع المسألة برمتها داخل إطار العلاقة الجديدة والمثيرة للحيرة بين الأحزاب الشيعية والأمريكيين. يلخص مشهد قتل الخوئي الابن، لا الطريقة التي أصبحت فيها النجف في قلب الحدث؛ وإنما كذلك مغزي التشابك بين الفساد المالي، وبين ما يدعي ـ في بعض الأدبيات السياسية الشيعية الناقدة ـ دور الأصابع الخارجية في التلاعب بمواقف رجال الدين الكبار، وبالتالي علاقة هؤلاء بما يطلق عليه نقّاد الحوزة الاستبداد الديني في المؤسسة التقليدية . كانت النجف علي امتداد التاريخ السياسي للحوزة تقوم بأدوار مقررة علي مستوي الأحداث الوطنية الكبري، قلما عرف العالم العربي/ الإسلامي شبيهاً لها، فلا الأزهر الشريف في القاهرة ولا جامع الزيتونة في تونس عرف أي منهما دوراً مماثلاً، من حيث القوة والنفوذ الروحي وكمية المال كالذي امتلكته الحوزة في النجف. حتي أن السلطان عبد الحميد اضطر في مطالع القرن الماضي، إلي خطب ود المراجع الدينية في النجف بإصدار سلسلة من الفرمانات الإدارية الهادفة إلي تهدئة الخواطر، وتوسيع الفرص أمام المجتهدين الشيعة لتطوير المدارس الدينية ونشر التعليم وفقاً للمذهب الجعفري، فانتشرت إذ ذاك المكتبات ودور النشر وراحت الكتب والمجلات تتدفق علي النجف من مصر ولبنان. كل ذلك كان بأمل تحييد الحوزة علي الأقل، ومن ثم الشيعة بوجه العموم، وإعاقة تحولهم إلي قوة مناوئة للسلطنة العثمانية، أثناء الصراع ضد الخطر الأوروبي. وفي التاريخ السياسي الحديث للعراق لعبت الحوزة أدواراً هامة للغاية علي صعيد بلورة موقف الطائفة الشيعية من الدولة، وهو موقف ظل محكوماً بالكثير من الالتباس بفعل التنافر الذي طبع العلاقة بين الشيعية السياسية والدولة. ومن المعلوم أن المراجع الدينية توّجت موقفها من الدولة منذ العشرينات، بفتوي تحريم دخول أبناء الطائفة في السلك الوظيفي أو التعلم في المدارس الحكومية.اليوم، وبعد مضي أكثر من أربع سنوات علي الاحتلال الأمريكي للعراق، يبدو أن الحوزة الدينية عادت بقوة إلي واجهة الأحداث العاصفة في العراق الجديد مع تنامي وتصاعد أدوارها المقررة، حتي علي صعيد التنافس السياسي ومسار الانتخابات وتشكيل الحكومة.إن الإطار المقترح الذي يسمح برؤية هذا الدور علي حقيقته من حيث الحجم والظروف والإمكانيات الواقعية، يمكن أن يُرسم من خلال ثلاثة محاور ذات مضمون تاريخي، شكلت بمجموعها المادة الرئيسية في الصراع والتنافس من أجل السيطرة علي المؤسسة الدينية، وهي محاور تحكمت بدور النجف وتطور حوزتها الدينية حتي اللحظة ويمكن تصنيفها علي النحو التالي:1: الاستبداد الديني ويقصد به الظروف والعوامل التي أدّت إلي تكريس الروح التقليدية والجمود الفكري في التعليم الديني، وتفاقم العداء ـ في نظم التدريس المعتمدة ـ لكل وأي محاولة للتجديد في الفقه الشيعي، وإلي منع وإعاقة نمو تيار حداثي يعيد الحوزة إلي اللحظة التاريخية التي شهدت ولادتها، أي يعيدها إلي لحظة تطوير فكرة الاجتهاد التي ميّزت المذهب الجعفري عن بقية المذاهب الإسلامية. وكان ذلك بمثابة خطر داهم واجهته الحوزة ورجالها بمزيد من التشدد والاستبداد.2: الفساد الماليويُقصد به انعدام أي شكل من أشكال الرقابة علي طرق صرف المال الشرعي، أو أوجه توزيعه وشيوع حالات فساد واسعة النطاق. إن مشكلة الفساد المالي مشكلة قديمة وعويصة لا تزال نتائجها تثير الكثير من الجدل.3: الأصابع الخارجيةويُقصد بها ـ بالترابط مع هذين العاملين ـ وجود دور سياسي خفي للقوي الخارجية. لقد كان هناك علي الدوام عامل تنامي الدور الإيراني في الحياة الداخلية للحوزة؛ ولنقل أن الأمر يتعلق بالدرجة الأولي بالنفوذ الخفيّ للإيرانيين علي المراجع الدينية، وبالتالي تفاقم أشكال التدخل الخارجي، البريطاني ـ الإيراني منذ ولاية داود باشا 1830 حتي عهدي الشاه رضا خان ثم ابنه محمد رضا، وصولاً إلي التدخل الأمريكي في شؤون الحوزة، وتواتر الأنباء عن تنسيق وضحت معالمه أثناء الغزو الأمريكي. ليست هذه العوامل مجتمعة مجرد ظاهرات عابرة، أو ثانوية غير ذات قيمة فاعلة في تاريخ المؤسسة الدينية. وعلي العكس من ذ

0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن