من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

سلسلة اعرف عدوك/حروب آيات الله الجدد في العراق: المهدي وبدر/الجزء१/فاضل الربيعي

سلسلة إعرف عدوّك
حروب آيات الله الجدد في العراق : المهدي وبدر
الجزء الأول
إطار عام :
يقصد بـ الميليشيات) في هذه الدراسة سائر المجموعات المسلحة التي ظهرت علي المسرح السياسي العراقي بعد التاسع من نيسان (إبريل) 2003 وهي علي التوالي:أولاً:فيلق بدر: وهي منظمة شبه عسكرية تابعة للمجلس الإسلامي الأعلي (سابقاً المجلس الأعلي للثورة الإسلامية) بقيادة عبد العزيز الحكيم. أمينها العام الحالي هادي العامري. كان العامري خريج كلية العلوم في بغداد في الثمانينات من القرن الماضي، عضواً في حزب البعث العربي الاشتراكي ( الحاكم) بدرجة عضو شعبة. التحق بالجيش العراقي كمجند برتبة نقيب وعمل كضابط استخبارات في الفرقة 17. خلال السنوات الأولي للحرب مع إيران هرب العامري إلي إيران والتحق بالمجلس الأعلي (للثورة الإسلامية الذي أصبح اسمه اليوم المجلس الإسلامي الأعلي) وأصبح قيادياً في فيلق بدر. تأسس الفيلق (المنظمة اليوم) من بقايا حزب الدعوة الفارين إلي منطقة الأهواز جنوب العراق عام 1979 ـ 1980 ومن الجنود العراقيين (التوّابين) أي الذي أعلنوا براءتهم من البعث وتقبلّوا الانخراط بالقوة أو التضليل، العمل مع القوات الإيرانية. في هذا الوقت ظهر أول معسكر للفارين علي الحدود وتخرجت أول دفعة من الفيلق بإشراف إيراني كامل، حيث تم تشكيل قوات الشهيد الصدر (الأول مؤسس الحزب) ثم أعقبها تشكيل فوج موسي الكاظم وفوج بهشتي وفوج دستغيب ـ كلمة إيرانية . في منتصف عام 1985 انضم عدد كبير من الأسري العراقيين من الجيش أثناء الحرب العراقيةـ الإيرانية إلي الألوية المشكلة، وجري خلال الدورة الأولي تسجيل أسماء نحو 165 مقاتلاً بقيادة الحاج أحمد الزيدي. وخلال معارك 1980 ـ 1988 بين العراقيين والإيرانيين، شارك فيلق بدر في سلسلة هجمات ضد القوات العراقية وبلغ تعداده قبيل الغزو نحو 10 آلاف مقاتل. ثانياً: جيش المهدي: أعلن عن تشكيل جيش المهدي كمنظمة شبه عسكرية مطلع عام 2004 في أعقاب صدام وقع بين قوة أمريكية صغيرة، وأفراد ينتمون إلي التيار الصدري في مدينة الثورة، وذلك علي خلفية قيام أحد الأشخاص بتعليق ما يُدعي راية المهدي علي عامود كهرباء في المدينة، حيث قامت القوة الأمريكية بإنزاله. الجيش مؤلف من جماعات غير منضبطة تنتمي في الغالب إلي التيار الصدري الموالي للشيخ مقتدي الصدر.ثالثاً: فرق الموت: الاسم غير الرسمي الذي ُيطلق عادة علي مجموعات إعدام تجوب العراق، تقوم بخطف وقتل المواطنين الشيعة والسنة علي حدّ سواء. ظهرت أولي المجموعات مباشرة بعد احتلال بغداد. وهناك تقارير متواترة عن قيام الأمريكيين بتدريب مجموعات من العراقيين المعارضين، وبشكل أخص من المنتمين إلي المجلس الأعلي وحزب أحمد الجلبي (المؤتمر الوطني العراقي) والحزبين الكرديين في معسكرات خاصة في هنغاريا وبولندا، وذلك قبل الغزو بأشهر قليلة. شكلت هذه المجموعات الأساس لنشوء ما بات يُعرف اليوم بفرق الموت . رابعاً: مجموعات صغيرة أخري أقل شأناً مثل: ثأر الله، حزب الله العراقي، وبقية الله ـ يرسم الاسم حسب طريقة الكتابة الفارسية ـ ومجموعات موازية سوف يرد الكلام عنها تفصيلاً في سياق الدراسة.خارج القفص: تدريب على الجريمةإن التطور الأهم في أدوار هذه الميليشيات، والأكثر تجسيداً وتعبيراً عن المدي الذي بلغته من تغلغل في أجهزة الدولة والمرافق والمؤسسات الرسمية وفي الحياة العامة، يكاد يتحدد في نقطة مركزية واحدة وهي: أن الميليشيات غدت السلاح الذي تملكه الأحزاب الممسكة بالسلطة مثل الائتلاف الشيعي والتحالف الكردستاني، للدفاع عن وجودها السياسي ولم تعُد، بفضل هذا التطور الجديد، مجرد جماعات تابعة للأحزاب. وبكلام آخر أصبحت هي السلطة. ومن هنا يكتسب التعبير الرائج في العراق والقائل (أن حكومة المالكي مثل سابقتها حكومة الجعفري هي حكومة ميليشيات) مصداقية خاصة علي مستوي وعي المجتمع ودرجة إحساسه بالخطر، وبالمدي المريع الذي وصل إليه تغلغل الجماعات الإجرامية وتنامي نفوذها في الحياة العامة. وذلك ما يفسر مقدار ونوع الصعوبة التي ستواجهها أي استراتيجية تفكيك محتملة لهذه الجماعات الإجرامية.إن سياسة تفكيك الميليشيات التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، كمدخل للحل الأمني تبدو سياسة مرائية ومنافقة بأدق المعايير. وفي الواقع لم تفضِ السياسة الخرقاء وغير المتبصرة التي ُعرفت بسياسة دمج الميليشيات بالمؤسسة العسكرية والأمنية ، وانتهجتها حكومتان سابقتان علي الأقل هما حكومة علاوي والجعفري، مع ما صاحب هذا التغاضي سواء من جانب الدولة أم من جانب الأمريكيين، وحتي لا مبالاة الإدارة الأمريكية حيال النشاطات الإجرامية للمجموعات المسلحة؛ إلا إلي تفاقم أوضاع البلاد سوءاً وبدرجة غير مسبوقة. وكان مستوي تغلغل الميليشيات وتزايد فرص، وإمكانيات تسربها إلي أكثر مفاصل الدولة الهشة حساسية، وتعاظم قدرتها علي التدخل في كل صغيرة وكبيرة، ينبئ بحدوث تحول دراماتيكي في أدوارها. وقد تكون واحدة من أكثر علامات هذا التحول دلالة أن الميليشيات، ومع دخول الصراع ضد قوات الاحتلال منعطفاً جديداً وحاسماً، أصبحت وبصورة شبه مباشرة أداة في يد الحكومة وأحزابها.ولأن هذه المجموعات تنتمي ـ في الغالب الأعم ـ لأحزاب سياسية وقوي اجتماعية ودينية ظهرت حديثاً في المسرح السياسي العراقي، وتحديداً بعد 9 نيسان (أبريل) 2003، فإنها من الناحية التاريخية لم تكن قائمة بشكل مستقل كمنظمات سياسية أو شبه عسكرية، طوال السنوات السابقة علي الغزو. لقد كانت جزءا من بنية الحزب الذي ترتبط به. وعلي سبيل المثال فقد كانت الميليشيات الكردية وفيلق بدر جزء من جماعات حزبية معروفة، ولم تلعب أي دور مستقل أو بمعزل عن ارتباطها الإداري (البيروقراطي) بالقادة الحزبيين المباشرين لها، أو أنها نشأت بمعزل عن التيارات الإيديولوجية التي تعبّر عنها هذه الأحزاب والقوي الاجتماعية والدينية. ولذلك؛ فإن تصنيفها لأغراض دراسية سوف يتطلب تفكيكاً للترابط بين المشتركات المذهبية الفقهية التي تجمعها بعضها إلي بعض. وبوجه الإجمال فقد جري تدريب شاق علي أيدي الأمريكيين لتحويل هذه المجموعات إلي وحوش يمكن إطلاقها من القفص في أي وقت. الخداع سياسة رسميةوبالتوازي مع هذا النوع من العمل، هناك حاجة إلي تفكيك المشتركات السياسية التي جعلت من هذه الجماعات المسلحة أكثر شبهاً بكتلة كبيرة تعرضت للانقسام، وبحيث طفت فوق السطح في صورة أجسام صغيرة مبعثرة ومتناثرة. ومن هنا منشأ الصعوبة في تصنيفها علي أسس مذهبية. علي سبيل المثال لا يمكن توصيف كل الميليشيات بأنها تنتسب إلي تيار مذهبي واحد (الشيعي). إن بعضها، كما هو الحال مع المجموعات الكردية، سوف ُيصنف بسهولة وتلقائياً علي أنه ميليشيات (سنية). ولكن هذا التصنيف سوف يخلق مشكلة موازية، لأن هذه المجموعات وإنْ بدت بالفعل ومن حيث الانتساب المذهبي سنية؛ فإنها وبسبب كونها كردية ُتعامل من جانب المواطنين العراقيين علي أنها كردية وحسب. وقد يجد العراقيون من منظور آخر، صعوبة في توصيفها علي أنها مليشيات سنية بهذا المعني الضيق، لأن الكثير من أفرادها هم من الشيعة الأكراد الفيليّة ؟والأمر ذاته ينطبق علي فرق الموت المؤلفة من أعضاء من فيلق بدر (الشيعية) ومن المجموعات الكردية (السنية) ومن جماعات تنتسب إلي التيار الليبرالي (جماعة أحرار العراق التي يقودها أحمد الجلبي). هناك معلومات متواترة عن دور رئيس لهذه الجماعة ضمن فرق الموت. أما حركة الوفاق الوطني التي يقودها أياد علاوي (رئيس الوزراء الأسبق) فقد لعبت دوراً محدوداً كاد ينحصر كلياً في الجانب الأمني، عبر تقديم معلومات أمنية للقوات الأمريكية. يرتبط الجلبي (من أم لبنانية) مع علاوي بقرابة دم (ابن خالته) ولكن التنافس السياسي أوصل الرجلين إلي نوع من الخصومة. ولذلك يبدو من الملائم تجنب التصنيف علي أسس مذهبية، حتي وأنْ كان واقع الحال يفرض علي الدارس اللجوء إلي التوصيفات الشائعة (سني، شيعي ). ومن الملائم أكثر، قصر هذا النوع من التصنيف علي أغراض تحليلية. وهذا ما سنقوم به ومن دون أن يُقصد منه القبول به كبديل.أولاً: علي الرغم من أن الطابع الطائفي والعرقي يغلب بالفعل، علي التركيبة شبه العسكرية للمجموعات المسلحة، إلا أن الأحزاب التي تقف وراء تشكيلها لا تكاد تعترف بأنها ميليشيات . وبالتالي فهي تتحايل علي طابعها شبه العسكري، وتسعي في المقابل إلي تصويرها وتسويقها كأداة في نشر الأمن والاستقرار. علي سبيل المثال يصّر الحزبان الكرديان الرئيسيان (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني) علي أن البيشمركة (كلمة كردية تعني الفدائيين يعود تأسيس هذه الميليشيات إلي الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما بلغت درجة جيدة من التنظيم مكنت بارزاني الأب من قيادة هجمات منظمة ضد الحكومة المركزية في بغداد) ليست ميليشيا وأن مهمتها هي حفظ الأمن في كردستان، وأنها أصبحت جزءا من الشرطة العسكرية هناك. هذا النفي من جانب الأكراد يقابله نفي من الجانب الشيعي، فالمجلس الأعلي بقيادة الحكيم، ينفي هو الآخر أن تكون منظمة بدر (فيلق بدر الذي تحول إلي منظمة بدر بعد احتلال بغداد. واتخذت المنظمة سلسلة من المقرات والمراكز والمكاتب، كما اعتمدت شارات يضعها الأعضاء علي صدورهم لتمييزهم كمنظمة شبه عسكرية. أصبح الأمين العام للمنظمة هادي العامري عضواً في مجلس النواب في الانتخابات الأخيرة) ميليشيا تابعة للمجلس ويصرّ علي استقلاليتها التي يري فيها آخرون أنها زائفة. لكن الجميع يعلم برغم من النفي، أن المجلس ولمتطلبات أمنية صرفة، أعاد تسمية الفيلق بـ (منظمة بدر) وحصل لها علي تصريح غير رسمي، يشبه اعترافاً حكومياً بفعل الأمر الواقع؛ وبالتالي فقد تمّ الاعتراف رسمياً بوجود منظمة مسلحة تحمل الاسم نفسه. إن نفي المجلس والحكومة أن تكون منظمة بدر، هي ذاتها فيلق بدر الذي تنسب إليه سلسلة من الجرائم، لا يغير من الحقيقة شيئاً. تشكل ميليشيات طالباني نحو 43 فرقة من فرق الموت التي تجوب العراق طولاً وعرضاً من أصل 44 فرقة كردية خالصة (هناك فرقة واحدة من فرق الموت معظم أفرادها من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني ـ من لقاء أجراه الباحث في أيار (مايو) 2005 مع موظف كبير سابق في وزارة الدفاع) بينما يؤلف تنظيم أحرار العراق (المؤتمر الوطني العراقي وأفراد من فيلق بدر) ما يقرب من 24 فرقة من فرق الموت. وثمة تأكيد قاطع من أوساط مختلفة بوجود 67 فرقة موت هي مجموع القوي المذكورة.علي الضد من نموذجي البيشمركة وبدر، تبدو الميليشيا التابعة لمقتدي الصدر (بحسب موقع الصدر www.muqtadq.com فإنه ولد عام 1974 من سلالة شريفة تمتد إلي شجرة النبي ـ ص ـ). والمعروفة باسم جيش المهدي، وكأنها تعني تيار مقتدي الصدر، أي أن صورة المنظمة شبه العسكرية (الميليشيا) اختلطت بصورة التيار الذي تمثله. لقد أصبح اسم جيش المهدي دّالاً علي التيار والعكس صحيح، وهذه حالة فريدة في نوعها لا يعرفها التاريخ الاجتماعي والسياسي في العراق الحديث. ولذلك تبدو مسألة تفكيك الميليشيات وخصوصاً جيش المهدي، مثلما يطالب الرئيس الأمريكي جورج بوش، وكأن المقصود بها تفكيك التيار الديني المسمي تيار الصدر.ومن هنا مصدر الصعوبة التي تواجهها حكومة المالكي التي لا تجرؤ ـ في الواقع ـ علي التصادم مع الصدريين. وفي حال طرحت ـ أي حكومة حالية أو مقبلة ـ مشروعاً لتفكيكها؛ فإن من المتوقع حدوث معارك واسعة النطاق، قد تمتد إلي كل مناطق الجنوب حيث ينتشر أنصار الصدر. فضلاً عن أن هناك مشكلة عويصة أخري ذات طابع عسكري وميداني، تحول دون تمكن أي قوة حكومية أو عسكرية بما فيها قوة الاحتلال الأمريكي نفسه، من إحراز أي تقدم علي صعيد معالجة مسألة الميليشيات من دون مقاربة سياسية جديدة وشاملة للأوضاع في العراق.إن المصادر الأساسية لمصاعب المعالجة الأمنية، تكمن في حقيقة أن الميليشيات أصبحت أكثر قوة من الدولة والمجتمع علي حد سواء. وقد اشتكي وزير الداخلية السابق باقر جبر صولاغ (في حديث مع محطات فضائية ووكالات أنباء ـ تشرين الثاني (أكتوبر) 2005) من وجود جماعات مسلحة خارج سيطرة وزارته، وقال (إنها لا تخضع لإشراف وزارته وأنها تملك أسلحة كثيرة). اعتبرت هذه التصريحات أول إشارة رسمية إلي وجود فرق الموت كفرق مستقلة.وإلي هذا كله؛ فإن انتساب المالكي إلي حزب الدعوة، سوف يشكل بحد ذاته مصدراً لمعضلة أخري غير قابلة للحل سياسياً وأخلاقياً، فالمالكي استمد أكثر عناصر قوته للترشيح إلي منصب رئيس الوزراء، لا من حزبه (الدعوة) وإنما من دعم الصدريين له، في إطار مواجهة سياسية وشخصية مع مرشح المجلس الأعلي (الخصم التاريخي للصدريين). وعند هذه النقطة، سوف تبدو الميليشيات أكثر قدرة علي المناورة، فهي تستطيع التذّرع بكونها منظمات سياسية مثل بدر، أو بكونها جزءا من بنية سياسية قتالية وذات جذور تاريخية مثلما هو الحال مع البيشمركة الكردية، أو بوصفها تياراً دينياً مثلما هو الحال مع تيار مقتدي الصدر؟ثانياً: لقد دار لغط كثير في معظم الأوساط الحكومية والسياسية في العراق والعالم العربي، حول الحقيقة وراء أعمال القتل اليومي التي ارتفعت معدلاتها بشكل مخيف خلال عامي 2005 ـ 2006. إن الكثير من التقوّلات حول علاقة المقاومة الوطنية بأعمال تفخيخ السيارات، أو الخطف أو الاعتداء علي المساجد، لم تعد ذات مصداقية مع تكشّف الحقائق حول فرق الموت هذه. وفي الواقع تدار فرق الموت مباشرة من جانب الأمريكيين. وهناك معلومات موثوق بها عن جنرالين بارزين، لهما خبرة واسعة في الأعمال القذرة تم استلهامها بالكامل من فترة خدمتهما في أمريكا اللاتينية، يقومان بالإشراف التام والكامل علي هذه الفرق وهما، ستيفن كاستيل وجيمس سيتل عميلا السي. آي. إيه (رسمياً، يحتل الجنرالان منصبي مستشار في وزارتي الداخلية والدفاع في العراق الجديد. ومن الواضح أن هذا المنصب هو لتوفير غطاء من أجل العمل القذر. انظر: مقال ماكس فولر حول التضليل الإعلامي علي شبكة الانترنت موقع global research، وكذلك روبرت درايفوسour monsters in iraq : وحوشنا في العراق ـ موقع tompain.com).مصدر الإثارة في لغز فرق الموت أن القتل يطاول أبناء المذهبين اللــــذين ينتسب إليهما هؤلاء؟ بما يدعم حقيقة أن القتل الطائفي ليـــــس تماماً لأسباب أو أغراض طائفية؛ بل لأهداف ودوافـــع سياسية واستراتيـــجية أبــــعد بكثير حتي من تطلعات هؤلاء. تعمل فرق الموت بسرية تامة كمنظمة عسكرية شديدة الانضباط، وهي تتخفي جيداً من خلال تغلغلها في أجهزة الشرطة والأمن (الداخلية) أو ما يدعي الحرس الوطني، وذلك ما يفسر قدرة هذه المجموعات علي الإفلات من أي رقابة أو تجريم، فهي تستخدم سيارات وملابس الداخلية والدفاع. إن حل فرق الموت لن يكون في الوقت الراهن قراراً عراقياً، ومن المحتمل أن تسوية أوضاعها مستقبلاً سوف تشكل معضلة أخلاقية أمام أي حكومة مقبلة حتي بعد التحرير، وقد يصبح الحل الوحيد، إما مغادرتها العراق مع قوات الاحتلال ـ في حال فرارها ـ أو مثول أفرادها أمام القضاء في حال أُلقي القبض عليهم.ثالثاً: إلي جانب سائر هذه المجموعات (بدر، المهدي، البشمركة الكردية، فرق الموت) هناك ميليشيات صغيرة أسسّها الإيرانيون في الجنوب مثل (منظمة ثأر الله، ومنظمة بقيت الله ، وحزب الله العراقي، والمجموعات المسلحة المرتبطة ببعض الأحزاب مثل حزب الفضيلة). تسيطر هذه الميليشيات فعلياً علي مناطق محدودة في أقصي الجنوب (البصرة) وهي لا تملك أي نفوذ في بغداد. المُلاحظ أن واحدة من أكبر هذه المجموعات (وهي تابعة لحزب الفضيلة) تكاد تسيطر وعلي نطاق واسع علي بعض موانئ تصدير النفط، وتفرض ـ من خلال عمال يرتبطون سياسياً بها ـ سيطرة شبه مطلقة علي قرار تصدير النفط أو تعطيله.العنف ومصادر التمويلنمت الميليشيات وترعرعت بفضل ما يمكن تسميته بـ (باستراتيجيات وضع اليد علي الكنز). وبدرجة رئيسة وغير مسبوقة في التاريخ العراقي، اعتمدت الميليشيات في تسليح أفرادها وتمويل عملياتها علي نهب منظم شمل الدوائر والمؤسسات وبشكل أخص البنوك، وحتي المستشفيات حيث جري بيع المسروقات (أجهزة حاسوب، مولدات كهرباء، ماكينات ومعدات طبية، أدوية منهوبة من المخازن، وkhk lk أسياخ حديد نهبت من مخازن عملاقة للجيش ووزارة الإسكان وتقدر قيمتها بعض المصادر بمئات الملايين من الدولارات). كما أن ضلوع بعض هذه المجموعات مباشرة بعد الاحتلال، في أعمال تهريب وترويج للمخدرات، ومن خلال وسطاء هم في كثير من الحالات ضباط في أجهزة الاستخبارات الإيرانية، يشكل مصدراً مالياً إضافياً. لكن المنهوبات من ممتلكات الدولة دخلت، كلياً في جيوب قادة العصابات الإجرامية، وتقدر بعض المصادر أن مبالغ قليلة فقط هي التي تســــربت إلي الأعوان والمناصرين.كان من نتائج هذا النهب، نمو أولي المجموعات المسلحة مثل جيش المهدي. بيد أن النهب الذي سوف يتخذ طابعاً مختلفاً، عمّا شاهده وألفه العراقيون والعالم في الأيام الأولي لاحتلال بغداد، أخلي مكانه لنمط جديد من النهب المنظم المصحوب بصراع دامٍ حول كنز آخر هو الثروة النفطية؛ إذ فرضت ميليشيات فيلق بدر وحزب الفضيلة سيطرتهما كلياً علي أجزاء واسعة من قطاع التصدير في الجنوب. وفي الشمال تولت الميليشيات الكردية نهب نفط كركوك من خلال الإشراف كلياً منذ الأيام الأولي للاحتلال علي عمليات تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، حيث جري وضع اليد علي ثروات هائلة. لقد انتـــقلت الميليشــــيات بفضل استراتيجية وضع اليد علي الكنز عملياً؛ من استراتيجية المنهوبات الصغـــيرة مثل عمليات السطو علي البنوك بتشجيع من الجنود الأمريكيين إلي نهب البنك النفطي نفسه. أي الاستيلاء بالقوة علي بعض الموانئ وقيادة عمليات تصدير وتهريب النفط إلي إيران والكويت وبكميات خيالية.وحتي اللحظة؛ فإن النفط العراقي المصدّر إلي الخارج، هو النفط الوحيد في العالم الذي تجري فيه عمليات الضخ من دون عدادات، الأمر الذي يسهل علي الأمريكيين والميليشيات عمليات النهب من دون خوف أو مساءلة قانونية في المستقبل. بيد أن جزءا هاماً من تمويل الميليشيات بات اليوم، وبعد ثلاث سنوات من تدمير الدولة والفوضي، يأتي عبر تنظيم تجارة المخدرات التي تشرف عليها أجهزة الاستخبارات الإيرانية. وهذه طريقة غير مباشرة لتمويل الجماعات المسلحة، وإعادة ربطها كلياً بالسياسة الإيرانية في العراق والتحكم بمستقبلها. إن أي محاولة لتفكيك الميليشيات ستكون عديمة الجدوي من دون تجفيف موارد النهب هذه. وتتجلي أكثر المفارقات سخرية في السياسة الأمريكية علي صعيد ما يدعي معالجة الملف الأمني ، أن مدير المخابرات الوطنية الأمريكية نغروبونتي الذي عمل سفيراً في بغداد لفترة قصيرة، وكان مهندس فرق الموت وقائدها الفعلي بلا منازع (واشتهر بعمله القذر في السلفادور وهندوراس حيث أشرف هناك علي تنظيم مذابح مرّوعة) ارتأي أن الميليشيات باتت تعتمد بالفعل علي التمويل الذاتي، وأن عنفها آخذ بالانتشار (تصريح يوم 1/12/2006 وكالات أنباء وصحف). لقد بينت سنوات الغزو، أن الدولة القوية التي تمّ محوها في التاسع من نيسان (إبريل) 2003 وتفكيك ركائزها ومؤسساتها لاحقاً، بما فيها المؤسسات الاجتماعية والخدمية التي تستفيد منها غالبية السكان، كانت بالفعل هي الحارس القديم للوحدة الوطنية التقليدية. لم تكن الدولة الوطنية القوية، ومهما أختلف السياسيون والمفكرون حول دورها ووظيفتها، سوي خلاصة أو نتاج عقد اجتماعي لم يُبرم قط بأي صورة من الصور، ولكن العراقيين توافقوا علي أساس الاعتراف بوجوده، وعلي تسليم مهمة أمن المجتمع إلي جهاز الدولة وقبول رقابتها الصارمة عليه، وذلك من اجل رعاية تناقضات المجتمع سلمياً. لقد ارتكزت الدولة طوال أكثر من ثلاثين عاماً متواصلة علي قوة أجهزتها العسكرية، وفي الطليعة منها الجيش. وبصرف النظر عن الموقف من النظام السياسي السابق؛ فإن العراقيين لا يترددون ـ خصوصاً في ظل التدهور المريع في حياتهم اليومية ـ عن التأكيد علي أن الدولة القوية وحدها، هي الطرف الوحيد القادر علي ضبط إيقاع المجتمع وإعاقة انزلاقه في الفوضي. إن خصوصية الدور الذي لعبته الدولة في العراق التاريخي والحديث، يؤكد حقيقة أن العنف الممُارس من جانبها لم يكن علي الدوام عنفاً عشوائياً، وانه كان في منزلة المادة الصمغية التي ضمنت وحدة الكيان الجغرافي والسكاني. إنه علي نحو ما، عنف مصمم بالدرجة الرئيسة لأجل ضمان تماسك سائر المجموعات الثقافية التي افتقدت إلي عقد اجتماعي، يضمن حقوقها ونظراتها تجاه بعضها البعض. وبالتالي؛ فإن عنف الدولة ضد خصومها السياسيين، وبرغم نتائجه المأساوية هنا وهناك وبقطع النظر عن وجهة نظرنا به رفضاً أو قبولاً، كان في منزلة المادة اللاصقة (الصمغية) التي مكنت المجتمع من الحصول علي فرصة تماسكه الداخلي. وبذلك يكون عنف الدولة ـ من منظور تاريخي وليس من منظور سياسي ـ قد ساهم فعلياً وفي ظل افتقاد المجتمع إلي عقد اجتماعي ديمقراطي، في صهر المجموعات الثقافية المحلية ووفر لها أرضية تأسيسها لكيان مجتمعي متماسك. وإذا كانت الدولة الهشة التي بناها الأمريكيون علي أنقاض الدولة القديمة (العقائدية، الإيديولوجية) هي الأضعف مقارنة بقوة ونفوذ الميليشيات؛ وإذا كان المجتمع العراقي الراهن المنقسم علي نفسه والممزق وجدانياً وسياسياً وحني مذهبياً، هو الأضعف في مواجهة الدولة والميليشيات علي حد سواء أو كلاً علي انفراد؛ وأخيراً، إذا كانت الدولة والميليشيات معاً، هما الأضعف في مواجهة المقاومة الوطنية؛ فهذا يعني أن المجتمع الذي بات ضعيفاً وممزقاً ـ حتي في وجدانه الوطني ـ سوف يتقبل بسهولة وبترحيب شديد احتمال عودة القوة القديمة التي ظلت تحرس وحدته أكثر من ثلاثين عاماً، أي سيتقبل ويرحب بحرارة إعادة الجيش العراقي السابق إلي الخدمة.إن إعادة بناء الجيش العراقي السابق، وتجهيزه بكل مستلزمات واحتياجات العمل الميداني المباشر، قد يكون مفتاحاً سحرياً لمعضلة الفوضي الراهنة التي تبدو دون نهاية. ولعل ذاكرة العراقيين لا تزال تحتفظ بصور بطولية ذات تأثير عاطفي خاص عن دور القوات المسلحة الوطنية، من حيث نوع وطبيعة ودرجة الاحتراف في عملها وبشكل أخص لرجال الحرس الجمهوري، لا في حماية النظام السياسي، وإنما في حماية المجتمع نفسه. إن ظهور وانتشار الجيش السابق بملابسه التاريخية سيكون ذا تأثير سيكولوجي علي مستوي إعادة بناء هيبة الدولة في أذهان الجمهور العام. وذلك هو مغزي الشائعات التي تنتشر اليوم في العراق عن عودة محتملة للجيش.وفي هذا السياق، هناك ثلاث خطوات رئيسة يجب اعتمادها علي طريق تفكيك الميليشيات:أ: تقديم مقاربة سياسية جديدة تسمح بالتفاوض علي الجلاء التام والشامل وغير المشروط لكل القوات الأجنبية (ما يدعي قوات التحالف) وعلي قاعدة الاعتراف بالمقاومة كممثل شرعي للشعب العراقي. إن مثل هذه المقاربة هي التي سوف تمكن العراقيين من رؤية حكومة وطنية قوية ونزيهة، وقادرة في الآن ذاته علي طرح برنامج شعبي يحقق الوحدة الوطنية.ب: عودة الجيش العراقي السابق إلي الخدمة ومساعدته علي ضبط الحدود مع إيران.ج: تجريد الميليشيات من أي إمكانية للتمويل الذاتي، وذلك عن طريق شن هجمات محسوبة علي المراكز والمنافذ التي تسيطر عليها وبما يؤدي إلي تجفيف ينابيع المال والسلاح.بُنيات التنظيم والوظائف وأشكال التغلغل(السلطة كنتاج للعنف) إذا جاز للمرء توصيف شكل العنف الراهن في العراق وتشبيهه بكائنٍ حي؛ فإن أكثر الصور ملاءمة له هي صورة العنكبوت.إن أكثر ما يميز العنكبوت تعدد أذرعه وأطرافه. بيد أن أسلوبه الفريد في نسج شبكة معقدة من الخيوط المتداخلة والمتشابكة، يجعل منه كائناً فريداً بين الحشرات. وبطبيعة الحال؛ فإن العنف في العراق الجديد يتميز، وبالضد من سائر الأمثلة الشائعة عن الحروب وأشكال تفجرّ النزاعات التي عرفتها المنطقة(مثلاً: الحرب الأهلية اللبنانية 1975، الصراع الدامي بين شمال وجنوب اليمن، وسقوط حكم سياد بري في الصومال نهاية الثمانينات من القرن الماضي ثم نشوب الحرب القبلية وتلاشي الصومال نفسه، الخ) إنما هو تعدد أطرافه وأذرعه وفي الآن ذاته أسلوبه الفريد في نسج خيوطه داخل كل بقعة من أرض العراق.علي نحو ما، يبدو العنف الراهن ضرباً من أكثر الأعمال جنونية ووحشية، وهو إلي حد بعيد مثير الحيرة والتساؤل حول أهدافه ومصادره الحقيقية. لقد اختلطت أعمال العنف التي تصدر عن شبكة منظمة من القوي المتناقضة بعضها مع بعض، وبحيث أصبح من المتعذر علي المواطن العادي أو المراقب السياسي أن يدرك بشكل دقيق وصحيح، مصدرها الفعلي أو الأهداف المنشودة منها؟ إن حيرة العراقي إزاء العنف المنتشر في البلاد، تعود بدرجة رئيسة إلي تعدّد مصادر إنتاجه والأغراض السياسية منه. وعلي سبيل المثال، فغالباً ما يجري الخلط بين الجرائم التي ترتكبها ميليشيا فيلق بدر، وبين تلك التي تقوم بها فرق الموت ؛ أو بين الهجمات الوحشية التي يقوم بها جيش المهدي وتلك التي يدبرها فيلق بدر.لقد بيّنت سلسلة من الهجمات المنظمة والمُمنهجة ضد المساجد في المناطق السنيّة (مثلاً) أن الاتهام كان يوجه نحو فيلق بدر أو جيش المهدي؛ بينما تؤكد سلسلة موازية من الأدلة أن هذه الأعمال هي من تدبير فرق الموت التي أصبح أفراد من جيش المهدي جزءاً منها. ومما يفاقم من شدة الغموض حول العلاقة بين الإرهاب والمقاومة، أن وسائل الإعلام الرسمية في العراق التي يشرف عليها الأمريكيون بشكل غير مباشر من خلال شبكة الإعلام التي تم تشكيل هيئتها قبل الغزو، تروج لصورة نمطية واحدة للعنف تنسبه كلياً إلي الإرهابيين . لكن أحداً لم يعد يعرف علي وجه التحديد ما المقصود من هذه الكلمة، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية تعلن، عقب كل حادث عن إلقاء القبض علي مرتكبي جرائم الإرهاب . ولكن من دون أن يطلع الرأي العام المحلي علي نتائج التحقيق بشأن هذه المزاعم. وممّا يضاعف من شدّة الغموض في صورة العنف ودور الميليشيات، أن الخلط المتعمد للحقائق والذي تمارسه الحكومة ومعها الطبقة السياسية ووسائل الإعلام الرسمية، مثل تلفزيون العراقية وجريدة الصباح وعشرات المحطات الفضائية التي تديرها جماعات دينية؛ وبالتلازم مع ما تنشره مكاتب الإعلام والتضليل في البنتاغون، يؤدي غالباً إلي تركيز الأنظار علي أعداء وهميين. إنه ببساطة خلط مصمم بصورة نهائية لخداع وتضليل الرأي العام حول حقيقة ما يجري؛ بل وتصوير العنف وكأنه يصدر عن جماعات مسلحة مقاومة للاحتلال الأمريكي، بينما يجري التغاضي عن المصدر الحقيقي والتغطية عليه. وبالنسبة للمواطنين الذين يسقطون ضحايا في كل لحظة وبأعداد مرّوعة؛ فإن سلوك أفراد الميليشيات وسطوتهم المتعاظمة في المجتمع، هو الذي يفضي تلقائياً إلي تفجرّ هذه الأعمال.ومع ذلك، فهناك عدد قليل من المواطنين ممن تقبلّوا هذا الخلط، أو راحوا ينسبون إلي المقاومة كل أعمال العنف حتي من دون معرفة التفاصيل الضرورية أو الأدلة السياسية الكافية.أولاً: هل تحوّل مقتدي الصدر إلي أداة في يد الإيرانيين؟منذ ثلاث سنوات يثير الدور الذي يلعبه مقتدي الصدر وتياره، الكثير من اللغط والأسئلة حول حقيقة موقفه من الاحتلال، وحقيقة ارتباطه بإيران وتحوّله إلي أداة في يد جهاز اطلاعات الإيراني، وما إذا كانت سياسته في هذا الجانب مرائية ومخادعة، وانه في النهاية ليس سوي تيار جماعات منفلتة وإجرامية؟ كما أن سمعة منظمته شبه العسكرية (جيش المهدي) أضحت اليوم في الحضيض.إن نموذج تحوّل التيار الشَعْبويّ من موجة جماهيرية، ذات مطالب وشعارات ولها تطلعات سياسية محددة وتعتمد علي جماهير، هي في النهاية مواد اجتماعية متحللّة من طبقات وفئات مختلفة قد تبدو متناقضة في المصالح والثقافة، إلي مجرد جماعة مسلحة متوحشة وإجرامية (حيث معظم الشبان الذين سارعوا إلي الالتحاق بالتيار الصدري ينتمون إلي فئات محرومة، بينما التحق بالتيارات المنافسة لهم شبان علي مستوي جيد من التعليم) لتنمو وتتطور تالياً إلي ميليشيا تقوم بترويع السكان؛ ليبدو نموذجاً فريداً هو الآخر في إطار الحالة العراقية الراهنة. هناك لحظة لا ينبغي إسقاطها من التاريخ في تطور تيار الصدرييّن (بخلاف ميليشياته المسلحة) من جماعة سياسية في الشارع إلي جماعة تحترف القتل العشوائي وتقوم بترويع المدنيين حتي في المناطق الشيعية، تدلل علي الكيفية التي يصبح فيها أي تطور سياسي أو فكري في تيار من هذا النوع، مجرد تطور عرضي وربما مجرد شاذ واستثنائي قد لا يستحسن الرهان عليه. لقد جسد ظهور تيار الصدر في الميدان السياسي العراقي منذ الأيام الأولي للاحتلال، الطبيعة المتناقضة والمتنافرة لبني الشيعية السياسية؛ كما كشف عن هشاشة الخطاب التقليدي، ودرجة تزييفه للواقع واستغراقه السقيم في المسائل غير الجوهرية. ولكنه من جانبٍ موازٍ، فضح طرق تفكير وسلوك مختلف الحركات والقوي والجماعات، وبشكلٍ أخص تكتيكاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية، وذلك مع انهيار المحرّمات (كالعلاقة مع الاحتلال الأجنبي) عند بعض الأحزاب الشيعية التاريخية، وبحيث غدا التعاون مع الاحتلال علي لسان أغلب السياسيين الشيعة وكأنه دليل الحنكة أو المهارة؛ مقابل التمسك بالثوابت الوطنية عند الصدريين- علي الأقل لفظياً-. ويمكن للمرء في هذا السياق، تقديم وصف مقتضب لمغزي التطور الذي شهدته الشيعية السياسية في العراق مع ظهور تيار الصدر وحدوده وآفاقه وعناصره علي النحو التالي:إن التيار الصدري (وبقطع النظر عن رأينا به اليوم لأننا نتحدث عن لحظة تاريخية عابرة كان فيها في مواجهة الاحتلال ولم يسلك أفراده في البداية سلوكاً وحشياً كما يفعلون اليوم) هو التطور الأكثر أهمية في تاريخ الشيعية السياسية في العراق؛ لأنه وضعها كلياً ومن دون أي تردد أمام منعطف خطير.آيات الله الجدد : مزيفون أم حقيقيون؟عندما ظهر تيار الصدر كتيار شيعي معارض للغزو الأمريكي، ويقود في الشارع قتالاً سياسياً من أجل منع تبديل العلم العراقي، كان الشطر الأكبر من الشيعية السياسية قد أصبح فعلياً جزءا من بنية الاحتلال. بيد إن الصدر أخفق في تعميق أو دفع هذا التحول نحو آفاق جديدة، كما أخفق في الإمساك باللحظة التاريخية التي يمكن أن تجعل منه طرفاً وطنياً في المعادلة. وبينما كانت قوي اجتماعية وسياسية شيعية أخري، تنتقل من مرحلة الترويج للحملة العسكرية الأمريكية علي العراق وتبريرها، إلي مرحلة العمل في خدمتها كأداة طيعة بصورة مكشوفة، كان نشاط التيار يتركز أكثر فأكثر علي معارضة الاحتلال. لقد تلازم تطور التيار في هذه اللحظة ميدانيا وشيئاً فشيئاً، مع حقيقة أن جزءا من الشيعة أصبح خارج سيطرة الأحزاب الدينية التقليدية، فيما أصبح جزء آخر وتدريجاً في مهب رياح عاتية تتقاذفه فيها سياسات ومواقف ومشاعر متناقضة ممُزقة للوجدان: ضد الاحتلال ومعه؛ ضد المقاومة المسلحة ومع مقاومة سلمية شريفة- بحسب التعبير الرائج في بعض أوساط الشيعة . في هذه اللحظة العصيبة من التاريخ، جاء ظهور التيار الصدًري ليضع الشيعيّة السياسية برمتها، وبعد عقود طويلة من الخمول الفكري و التقليدية في أساليب العمل السياسي وهيمنة الحوزة في النجف؛ أمام خيارات جديدة تبدو أكثر انسجاماً مع التاريخ الوطني والنضالي.لقد شعر غالبية الشيعة بالحرج من مواقف الأحزاب والقوي والجماعات المتواطئة مع الاحتلال. وكان أمراً منطقياً أن يجدوا فيه نوعاً من العزاء. ولذا يصحً القول أن ظهور التيار الصدًري، ربما يكون أعطي الانطباع بإمكانية تعجيل التمايز والاستقطاب، ومفاقمته داخل هذه الجماعات، وحتي في تحديد تخوم التحول داخل الشيعيّة السياسية ككل.إن أهم سمة مميزة يمكن ملاحظتها في سياق هذا التطور، تتمثّل في انقسام الشيعيّة السياسية (الحزبية) إلي مجموعتين أو كتلتين كبيرتين :الأولي: سياسة (حزبية) ارتبطت بالاحتلال، ولكنها ـ وفي سياق الحرج من الارتباط بالأمريكيين ـ اشترطت لتغيير موقفها أو تعديله حدوث معجزة تجمع كل العراقيين دون استثناء في خندق واحد. وهذا أمر يقارب التعجيز غرضه التنصل من أي التزام. وفي هذا النطاق تذرعت الحوزة والجماعات الحزبية أن المقاومة لن تصبح وطنية إلا إذا أجمع عليها كل العراقيين. وكان ذلك ذروة النفاق السياسي، لأن هؤلاء كانوا قد أصبحوا جزءا من بنية الاحتلال ورهنوا مصيرهم بمصيره. وفي غالب الأحيان ناهضت هذه الكتلة علناً أي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال، يمكن أو يجب أن يبرز في صفوف الشيعة أنفسهم ـ وهذا هو الائتلاف الشيعي بكل فصائله. الثانية: كتلة شعبية نمت وترعرعت خارج عالم السياسة، ولكنها وجدت نفسها بعد الاحتلال في قلب السياسة وفي قلب الصراع مع المؤسسة الدينية (الحوزة) في الآن ذاته. 4وهذه هي الجماعات الشبابية مثل تيار الفضيلة والصدر. هاتان الكتلتان عبّرتا بقوة عن نمط غير مألوف من الاصطفاف داخل الشيعية السياسية، إذ لم يسبق في أي وقت آخر، أن وجد الشيعة أنفسهم مثلما حدث مع احتلال العراق، في قلب تجاذب هائل تحرسه البنادق لا الأفكار، والمصالح لا المبادئ. إن تحوّل تيار مقتدي الصدر من تيار جماعة دينية (مذهبية) تخوض صراعاً ضد مؤسسة دينية تقليدية، إلي جماعة مسلحة مبعثرة ومنتشرة فوق بقعة جغرافية واسعة، تمتد من بغداد حتي أقصي الجنوب؛ ومن ثم ليتطور جزء منها وبسرعة إلي جيش شبه نظامي يتمركز في المدن الكبيرة، هو الذي يعطي لهذا النموذج أهميته الدراسية.لقد واجه تيار مقتدي الصدر من الداخل ومنذ اللحظة الأولي لانطلاقته، ثلاثة تيارات منافسة متفاوتة القوة والحجم والتأثير

0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن