من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

تعليق على مقال الامين بوعزيزي/الهادي حامد

تعليقي على مقال للمين البوعزيزي يسب فيه مصطفى بكري دون توضيح للسياق حتى يفهم القارئ سبب السب او التجريح : اسمح لي بتثبيت الملاحظات التالية في سياق التفاعل مع ماكتبت :1_ رائحة الانحياز الى القطر الجزائري في حمّى التخندق الجارية هذه الأيام واضحة في مقالك..ولست محاربا لها على الاطلاق...في الوقت الذي كان عليك ان تعتبر بانه لايجب ان يفرقنا اللعب ، طالما ان الجد يفرقنا...وهذا السلوك يتغافل عن الروحية التي يجب ان يتحلى بها القومي التقدمي في اعماق اعماقه..2_ الاستاذ الاعلامي والمناضل مصطفى بكري ، لايتوانى لحظة في الدفاع عن قضايانا القومية ورجم الاعداء وليس دجالا كما تزعم او مرتشي كما يعتقد اعداء العراق ونظامه الوطني بالاساس..احذر ايها الصبي...كن على بينة مما تقول...فمعناه انك تتحرك في فضاء دعائي معادي للامة وحاقد على رموزها كافة وزعمائها...واعلم ايضا ان الناصري لايكون ناصريا دون ان يتبنى الجهبذ صدام حتى وان فرط فيه البعثيون او لعنه عبد الناصر كما لايكون البعثي بعثيا حقا دون ان يتبنى جمال عبد الناصر حتى وان فرّط فيه الناصريون...كيف لا تتلاحم القوى القومية وتتقارب فكريا وسياسيا والحال انها مطالبة بايقاف الاشتباك الفكري مع القوى الوطنية الاسلامية التقليدية التي لها معها ثراثا خصاميا..؟؟..يجب ان تتوقف الامة عن جلد كتابها ومناضليها ومثقفوها..بالامس قرأت لاحد الاخوة من العراق يتطاول على عبد الباري عطوان واليون اقرأ لاحد الصبيان يتطاول على مصطفى بكري..لمن نقرأ ياترى وفي من نثق..؟؟..اما المناضل مصطفى بكري فانه يعمد احيانا الى مجاملة الرئيس حسني مبارك والى تجنب رجمه لاسباب لها علاقة بتامين نشاطه وعطائه..وهذا مفهوم ومبرر ولا يخل بمبدأ الثقة في عقيدته القومية العميقة والصلبة..كلمة اخيرة : انتم من خرّب العمل القومي في تونس وشتت صفوف القوميين وحولهم الى ايتام ومتسولون على اعتاب صناديق الحكومة وديمقراطيتها..انتم من باع وبرع في البيع وصار يعلمه...جعلتم في كل مدينة حركة ناصرية وفي كل قرية حزبا ناصريا وفي كل حي تجمع ناصري والكل يسب الكل ويلعن الكل ويترصد الكل...كلصوص الخرفان في ايامنا.الهادي حامد/تونس
بتاريخ 22 نوفمبر, 2009 12:25 ص، جاء من نداء الحرية

دوار في رأسي/ الهادي حامد


لماكانت أمريكا تستعد لغزو العراق قالت لنا أنها ستحرر البلد من الغزاة وتعيده لأهله التاريخيين، ستعلم أطفاله القراءة والكتابة وتوفر لهم جميع المستلزمات الدراسية، ستفتح آفاقا رحبة أمام طلابه وكفاءاته لإكتساب خبرة أكاديمية ومخبريه عالمية، ستعلم شبابه الرقص على الطريقة الأمريكانية، تسريحة الشعر المتوحشة والملابس المرقّعة والقليلة والتي تبقي على القسم الأكبر من الجسد عاريا। أمريكا وعدت أن يتمتع شعب العراق بثروته النفطية أي أن يتمّ تأميم النفط وتؤسس للغرض شركة وطنيّة عملاقة وتخضع السياسة النفطية إلى تخطيط مركزي، أنها ستعزز التفاعل الاجتماعي بين العراقيين انفسهم، بينهم والفرس والاسرائليين من خلال الرحلات والبعثات الديبلوماسية وأشكال التنسيق المتبادل وأيضا عولمة اللطم وتحويله إلى خصوصية شرق أوسطية، كما وعدت بان تغير الصورة المتطرفة للإسلام بان تسمح ببعث جيل جديد من الفقهاء يشرعون إلى تفخيذ الرضيعة والى الزواج لمدة ساعتين أو أكثر أو اقل من باب المتعة، المتعة التي يجب أن تتحول إلى طقس تقوي والى شكل من أشكال العبادة، يشرعون إلى استقبال المحتلين في غرف نومهم وتمكينهم من شتى أشكال الراحة والاستمتاع। بحيث يتحول المقاوم إلى إرهابي متطرف جاهل بالإسلام المعتدل ويجب أن تشترك كافة الأجهزة الأمنية في المنطقة بإشراف من المخابرات الأمريكية في ملاحقته والتنكيل به وقتله. ووعدت بان تفتح حديقة الحيوان في بغداد والمنتزهات وفضاءات السهر الليلي الماجن وبان تقلص أعداد اليتامى والثكالى والمشردين والمهجرين الذين فقدوا طعم الحياة في ظل نظام الاحتلال البعثي. وقد وعدت أن تمكن كل مواطن عراقي من صورة لبوش كل سنة وفق المقاس الذي يريد وان تسمح له بتسمية أولاده الذكور إما بوش أو رامي فولسيد أو الديك اويل تشيك وبناته إما بربارا أو كوندا أو اولبراوط... ان تعيد تاسيس الجيش العراقي على مقوّمات وطنية بحيث يسقط الجندي امام خفقة جناحي حمامة، فضلا عن تمكين الجنود البواسل في العراق الموعود من النظارات الشمسية الامريكية الشواطئية ومن مضغ العلكة والمشي على الايقاع اللولبي المثير، وليس عيبا ان يتم استدعائهم للمشاركة في دورات تدريبية في اسرائيل لتنمية ثقافتهم في الجغرافيا وياكلوا من تفاح الجولان. كما وعدت أمريكا بان تتحرر فلسطين من العرفاتيين والإرهابيين من أهلها وان يعم الأمن والأمان فيها تحت السيادة الإسرائيلية، إضافة إلى تخريب بيوت عائلات الإرهابيين التي كانت تحصل على مساعدة مالية من الوافد المريخي على العراق صدام حسين. ونذكر أيضا أنها وعدت بمحاكمة لرموز النظام الاستعماري البعثي تفضي بالضرورة إلى قطع رقابهم وفق إجراءات قانونية مثالية تنسجم مع القانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان. المنظومة التي يجب أن تسمح للأمريكان بقطع رؤوس أسرى الحرب العراقيين لأنهم غزاة للعراق مثل صدام.حصل الغزو॥وتحققت جلّ هذه الوعود الوردية. التي من أهمها : أن العراق صار حرا.ماالذي اسمعه اليوم إذا॥؟؟..اوباما البوما سيعلن في 26/11/2009 عن استراتيجيا جديدة في العراق.هل أمريكا لاتزال في العراق منذ أن حررته في 2003..؟؟!!..من يحرر بلدا طلبا لمرضاة الله مثل أمريكا وبريطانيا والأنظمة العربية والفرس..يستوطنه..؟!!..إذا مدّ ساقيه لم يعد محررا إذا..أليس هذا منطقيا..؟!!..صار محتلا بدل المحتل الذي قام بطرده...صار محتلا جديدا..فضلا عن كون الثواب الذي كان يعتقد بنيله سيتبخّر بلا شك!!..وماذا يقول المالكي الكلب...وأعوانه من المخابرات الإيرانية...وبعض الساسة العرب من دول الجوار...بل بعض القوى العراقية التي تعتبر نفسها قوى وطنية خضراء...؟..ألا يقولون لنا صباحا مساءا أن العراق صار حرا!!...وان أمريكا بلد صديق وليس قوة احتلال..!!!...ماذا يعني إذا تعبير " استراتيجيا جديدة في العراق "..؟..وما ضمنياته..ومراميه..؟!..ألا يعني رؤية جديدة في سياسة هذا البلد..أي في حكمه وإدارة شؤونه..!..مثل استبدال الحالكي بهالكي جديد...أو تفعيل تكتيك اختراق المقاومة وشرذمتها بإغراء بعض قواها واستقطابها نحو التفاوض الانفرادي...أو استعمال بعض الأوراق الإقليمية لترويض الانفلات الفارسي والضغط عليه ليكون مؤدبا ومطيعا...أو حتى بيع كلام...الحديث عن استراتيجيا من اجل التمويه على حالة الإفلاس والفشل والعجز خصوصا بعدما آل إليه الوضع في أفغانستان (حالة حسم حقيقية للصراع لصالح المقاومة الأفغانية لكنها لم تعلن رسميا)...ماهي أوراق أمريكا الجديدة..؟..الصحوات تأكل الضرب منذ زمان ومن جميع الأطراف...وهو مشروع غادر وخياني وقد فشل فشلا نهائيا...حتى في أفغانستان لم ينجح ولو بنسبة ضئيلة بحكم بعد الساحة عن الجوار العربي الخليجي تحديدا..السعودية وجدت الحل في الهروب وغرس الرأس في الرمال من خلال الستار الالكتروني العازل..الكويت اتجهت صوب إيران طلبا لموقع مستقبلي تحت الشمس...النظام المصري في مرحلة انتقالية صعبة جدا...التسوية المسرحية في فلسطين ركدت وفقدت قدرتها على الحراك...حزب البعث عائد بقوة ويعد الميدان للتحرير الشامل وله أجندة واضحة في هذا ويتقدم على الصعد كافة وفرصته في قلب الطاولة على الصغار والكبار حقيقية ومؤكدة...ماذا أمام أمريكا إذا..؟؟..ليس أمامها إلا خيارين :- الكلام والكلام والكلام..عن استراتيجيات هوائية وخطط كاذبة..مثل الخطاب الهوائي للكذاب اوباما بوما في القاهرة والذي سبقته دعاية أمريكية منقطعة النظير لكنه الجبل الذي أنجب فارا..وفي هذه الحالة ستستمر أمريكا في تلقي الضربات من أبطالنا ورجالنا في العراق إلى أن تخور قواها ويقع الثور مغشيا عليه ويائسا..وهو السيناريو الذي أفضله...صدقوني لااريد من الناحية النظرية أن تغادر أمريكا العراق وهي تمتلك البعض من قوتها...يجب أن تبقى حتى تستنزف بالكامل...ومن حسن حظنا أنها غبية ومتهورة رغم الكلفة الكبيرة لهذا وحجم الخسائر الفادحة التي تكبدها شعبنا وهي تدمي قلوبنا. - التفاوض مع المقاومة العراقية بجدية ومبدئية والتزام..وان تغادر العراق فورا وبشكل كامل.. وتتفرغ إلى إعادة بناء ذاتها والاهتمام بوضعها الداخلي وبوباء الاكوانزا الذي يوقع يوميا آلاف الضحايا من شعوبها. وهذا الخيار هو الأكثر ربحا للوقت وللإمكانيات...لان هذا ماسيحصل في الأخير..طال الزمان أو قصر..(سيضحك الطحان المالكي من كلامي لأنه أعمى).أما الوعد الأمريكي باستراتيجيا جديدة في العراق في الأيام القليلة الماضية...فهو هلوسة أمريكية جراء حمى الفشل في اغلب الظن...ومظهر معتاد في السياسة الأمريكية القائمة على الأكاذيب والتمويه وتحريك الأوضاع بالتصريحات والوعود أو بالتهديدات...عفوا أيها القراء...لم اعد ادري : هل أن العراق صار حرا فعلا سنة2003..؟..وهل انه حر اليوم..؟ أم كان حرا قبل 2003 وقبل اليوم..؟؟...لقد أوقعت هذه الحيرة الدوار براسي وصرت لاادري..اانا هو أنا أم أنا لست الأنا الذي اعتقدته انه


مصر والعدو الامريكي/ محمد سيف الدولة


مصر والعدو الأمريكى
1967 ـ 1973

محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

مدخل :
أثار خطاب الأمريكى الطيب " باراك حسين أوباما " الكثير من الضوضاء واللغط حول أمريكا ودورها الجديد . خاصة وأنه قد جاء بعد ثمان سنوات عجاف من حكم الامريكى الشرير " جورج دبليو بوش ".
وحتى لا نضلل ولا نضل السبيل ، ومن أجل ابنائنا من الشباب الذين لم يعاصروا الحكاية من أولها ، فإنه من الأفضل أن نتتبع المسألة من جذورها .

* * *
بدأت مشكلتنا الكبرى مع امريكا ، منذ أن ورثت عن بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية مهمات قيادة الاستعمار العالمى ، ومن ضمنها تأسيس و رعاية دولة اسرائيل ، وحماية وجودها و ضمان أمنها ، والانحياز اليها على طول الخط ، ودعمها دعما كاملا بالمال والسلاح ، وضمان تفوقها العسكرى على كافة الدول العربية مجتمعة . ولذلك بدأت منذ الخمسينات تمارس علينا الضغوط السياسية والاقتصادية ، لكى نعترف بالكيان الصهيونى ونوقع معه معاهدة صلح . وعندما لم تفلح فى ذلك ، استخدمت معنا الخديعة فى حرب 1967 لتتيح لاسرائيل توجيه الضربة الاولى فى العدوان . الامر الذى أدى ، ونتيجة للخلل الكبير فى بنيتنا العسكرية ، الى احتلال سيناء بالاضافة الى الجولان والضفة الغربية وغزة .
وبعدها قامت امريكا بالدور الرئيسى لاستمرار الاحتلال الصهيونى لاراضينا المحتلة ، بالمخالفة الصريحة لميثاق الامم المتحدة ، فحالت دون صدور أى قرار دولى من مجلس الامن بالانسحاب ، الا بشرط الاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين 1948 ، وهو ما جاء بالنص فى قرار الامم المتحدة 242 لعام 1967 .
وعندما رفضنا الاستسلام ، وقررنا مواصلة النضال لتحرير الارض المحتلة وازالة آثار العدوان ، وحققنا انجازا عسكريا كبيرا فى بدايات حرب اكتوبر 1973 ، تدخلت الولايات المتحدة تدخلا عسكريا مباشرا اثناء الحرب ، لدعم العدو . و سرقت منا النصر ، ثم مارست ضغوطها على الرئيس السادات ، فانكسرت ارادته ، وانسحب من الصراع ، واصطلح مع العدو ، منفذا الشروط الامريكية التى سبق ورفضتها مصر والعرب جميعا منذ عام 1948 . و هى الحالة والوضع الذى ما زلنا نعيش فيه حتى الآن .
هذا هو ملخص حكايتنا مع أمريكا ، و نستطيع أن نتعرف على تفاصيلها من الرئيس السادات نفسه ، الذى اخترناه للشهادة ، لانه هو الذى أدخل الامريكان مصر . تطبيقا للقول المأثور " وشهد شاهد من أهلها " .

* * *

الخديعة الامريكية فى 1967 :

§ فى 12/11/1970 قال الرئيس أنور السادات فى خطابه :
" فى مايو 1967 يبعث تبليغ رسمى لنا ولإسرائيل وللمنطقة كلها أن أمريكا ضد من يطلق أى طلقة فى المنطقة .. وأن أمريكا حتكون ضد المعتدى . وبعدين اسرائيل اعتدت .. إيه اللى جرى بعد عدوان يونيو .. نسيوه ..... وجم فى مجلس الأمن ولأول مرة فى التاريخ يصدر قرار بايقاف القتال ولايذكر فيه الانسحاب وكلنا عارفين ايه اللى عمله المندوب الصهيونى الأمريكى اللى كان رئيس وفد أمريكا فى ذلك الوقت وبيفتخر بأنه صهيونى .."

§ وفى خطاب آخر للسادات قال :" ان اسرائيل لم تكن لتمضى على هذا النحو الذى مضت به ابان معارك الأيام الستة سنة 1967 إلا بإشارة ضوء أخضر من الولايات المتحدة .. بعد العدوان مباشرة كتبت الصحف الأمريكية والمجلات أن خطة العدوان عرضت على الرئيس الأمريكى جونسون .. ووافق الرئيس الأمريكى وأعطى مباركته ".

أمريكا هى العدو الأصلى :

§ فى 10 يناير 1971 قال السادات في احد خطبه : " ان امريكا تقف خلف اسرائيل بان لا تجلو من اى شبر"
§ و " الامريكان هم ا لاعداء الاصليين وليس الاسرائيليين لان اسرائيل خط الدفاع الاول لمصالح امريكا في المنطقة "
§ وفى 11 يناير قال : " امريكا تعطى السلاح وتريد أن تذل كرامتنا "..
§ وفى 11 نوفمبر 1971 قال : " اننا نعتبر الولايات المتحدة هى المسئول الاول عن اسرائيل . إن سيل الاموال الذي يتدفق في الاقتصاد الاسرائيلى والسلاح الذي تمسك به اسرائيل يجىء به كله من من الولايات المتحدة الامريكية . ان طائرات الفانتوم التى اغارت على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة امريكية ولكنها غطاء امريكى لاسرائيل. "

هدف أمريكا هو عزل مصر عن الأمة العربية :

§ وقال فى خطابه فى افتتاح الدورة الاولى لمجلس الشعب بتاريخ 11 من نوفمبر 1971 :" اوضح الاهداف الأمريكية فى المنطقة هى :عزل مصر عن الامة العربية . ونحن لانستطيع القبول تاريخيا ومصيريا بمثل ذلك لان مصر جزء من الامة العربية قدرا ومستقبلا ".
§ وقال في 2 ابريل 1972 : " نحن نعرف اين تقف امريكا وما هى سياستها واهدافها ، امريكا تدعم اسرائيل لتحافظ على استغلالها لثروة العرب "
§ وفى خطابه بالاسكندرية يوم 27 يوليو 1972 قال : " ان موقف امريكا هو عملية استدراج لكى نسلم ولكن امريكا بعساكرها ليست ربنا "..

سياسة أمريكا واحدة لا تتغير :

§ وفى 9 يناير1973 قال : " انه لا امل في أن يكون لامريكا نظرتها الموضوعية ازاء مشكلة الشرق الاوسط .."
§ وفى 23يوليو 1973 قال : " ان سياسة امريكا تنطلق من منطلق واحد وهو تجميد الموقف وفرض الامر الواقع . جونسون هو نيكسون . سياسية واحدة وتخطيط واحد وسيسير من يخلف نيكسون على نفس الخط ".

امريكا تدخل الحرب ضد مصر :

§ قال الرئيس انور السادات في 16 اكتوبر 1973 : " ان الولايات المتحدة ، بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت الى سياسة لا نستطيع ان نسكت عليها او تسكت عليها امتنا العربية ذلك انها اقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة ، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة "
§ و قال فى 16 سبتمبر 1975 : " انه في ليلة 19 من اكتوبر 1973 كان بقى لى عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها . اتخذت من العريش خلف خطوطنا مباشرة بكل وضوح قاعدة وكانت بتنزل في العريش علشان الامداد يروح للجبهة في اقل وقت ممكن . طبعا كل شىء كان في خدمة اسرائيل وبعدها عرفت انه كان القمر الصناعى الامريكى بيصور كل يوم ولما انتقلت فرقة من فرقنا المدرعة من الغرب الى الشرق كطلب سوريا لتكثييف عملنا العسكرى علشان نجدتها ، على جبهتنا احنا ..صوروا الامريكان هذا ونقلوه للاسرئيليين ووضعت عملية الثغرة من وقتها ..وكل الكلام ده قاله اليعازر( رئيس الاركان الاسرائيلى المعزول ) في مذكراته مش محتاج ان احنا نستشهد باحد عليه . ..يوم 19 اكتوبر لقيت اننى احارب امريكا عشرة ايام لوحدى في الميدان ونزلت امريكا بكل ثقلها "

أمريكا تهددنا لكى لا نقضى على الثغرة :

§ قال السادات في حديث لمجلة الحوادث اللبنانية نشرته في 8 اغسطس 1975 : "جاءنى الدكتور كيسنجر في 11 ديسمبر 1973 وكان جيب الدفرسوار موجودا ، وكان لنا حول الجيب 800 دبابة ، بخلاف خمس فرق كاملة حشدناها شرق القناة ، منها الفرقتان التابعتان للجيش الثالث . وهذه الفرق الخمس كانت بكامل اسلحتها ودباباتها ومعداتها تكون حلقة تحيط باليهود مع حائط صواريخ اروع من الحائط الذي اشتكت منه اسرائيل..و سألنى كيسنجر انت ناوى تعمل ايه ؟ فقلت : هذه اعظم فرصة لتصفية الجيب الاسرائيلى ..لقد تورطوا في دخول منطقة لاتتسع لاكثر من لواء او لوائين من الدبابات فادخلوا اربعة الوية ، على اساس انها عملية سياسية او كما سميتها من قبل معركة تليفزيونية ..فلا هم قادرون على الدخول الى الكثافة السكانية في مصر ، وليس من السهل ان ينجحوا في قطع المائة كيلومتر حتى يصلوا الى القاهرة عن طريق الصحراء . وفرقى جاهزة لتقفل الممر الذي اوجدوه بين قواتى في اقل وقت ممكن ، والخطة موضوعة وجاهزة تنتظر صدور الاوامر . وقال كيسنجر : كل ما تقوله صحيح وقد تلقيت من البنتاجون قبل ان احضر لاقابلك تقريرا كاملا بعدد الدبابات التى اعددتموها ..عندك كذا..وعدد بطارياتك وصواريخك كذا ، والقوات المحتشدة حول الجيب قادرة فعلا على تصفية الجيب ولكن لابد ان تعرف ما هو موقف امريكا ..اذا اقدمت على هذه العملية فستضرب "

* * * * *
شهادة الرئيس الامريكى نيكسون :

كانت هذه هى شهادة السادات عن الدور العدوانى الأمريكى ضد مصر ، ولقد أكد الرئيس الامريكى نيكسون هذه الحقائق فى كتابه نصر بلا حرب الصادر عام 1999 فقال : " لقد أمرت فى حرب 1973 ببناء جسر جوى ضخم للمعدات و المواد التى مكنت اسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصرعلى جبهتين "
* * *

وتفصيل ذلك انه فى 19 اكتوبر تقدم الرئيس الأمريكى نيكسون الى الكونجرس بالموافقة على إعتماد جديد لبرنامج المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل يصل فى مجموعه الى 2200 مليون دولار وذكر نيكسون فى تبريره لهذا الطلب أن نفقات تعويض اسرائيل عن خسائرها فى السلاح والعتاد عالية جدا ، وأن الحكومة الأمريكية تكلفت ماقيمته 825 مليون دولار من الأسلحة والعتاد لإسرائيل خلال الاثنتى عشر يوما الأولى فقط من بدء القتال . وقد بلغ اجمالى مانقلته الولايات المتحدة فى هذه الفترة ومن خلال 566 رحلة جوية ما يبلغ 395ر22 طن من الإمدادات والتى سبقها 500ر5 طن حملتها طائرات العال الإسرائيلية . هذا بالاضافة الى عمليات الاستطلاع التى قامت بهما طائرتا التجسس الأمريكيتين ( س : ر71) اللتان حلقتا فوق منطقة القناة ، والتى أمدت اسرائيل بالمعلومات التى مكنتها من القيام بالثغرة . بالاضافة الى مشاركة مباشرة من اعداد من الطيارين الامريكيين فى الحرب .
* * * * *

أمريكا فى حالة حرب مع مصر بموجب قواعد القانون الدولى :

§ تنص المادة 17 من الاتفاقية الخامسة من اتفاقيات لاهاى الخاصة بالحرب التى أبرمتها الدول عام 1907 وماتزال مرجعهم فى تحديد المواقف القانونية من الحرب والسلام ، تنص على أن الدولة المحايدة تصبح شريكة فى الحرب إذا قامت بأعمال عدائية نحو أحد المتحاربين . ومن بين الأعمال العدائية التى تنفى موقف الحياد كما حددتها تلك الاتفاقيات ، الاشتراك فى القتال الفعلى او تقديم المساعدات او الذخائر الحربية او الإعانات المالية او نقل المهمات الحربية .
§ وتنص المادة السادسة من الاتفاقية الثالثة عشرة صراحة على انه محرم على الدولة المحايدة أن تقدم لدولة محاربة ، مباشرة او بالواسطة أي مراكب حربية او ذخيرة او مهمات عسكرية .

* * * * *
أما بعد :
انه فى الفترة 1967ـ 1973 أعلنت الولايات المتحدة الحرب ضد مصر ، وشاركت فى العدوان علينا ، فأصبحت بموجب قواعد القانون الدولى عدوا صريحا لنا ، تماما مثل العدو الصهيونى .

* * * * * *
القاهرة فى 27 يونيو 2009

مقاربات نظرية في مفهوم السلطة وواجباتها/د.محمد عبد الرحمان يونس

قيل لأحد النبلاء: لماذا لا تبني لك داراً؟ فقال ما أصنع فيها وأنا المقيم على ظهر الجواد أو في السجن أو في القبر। «(1). و تأسيساً على هذه الرؤية يُمكن أن يُفهَم الواقع المزري لنبلاء بني البشر وشرفائهم، و عبر التاريخ الإنساني، في علاقاتهم مع سلطات بلدانهم التي تعمل فيهم تنكيلاً و تشريداً قسرياً و قد عُرِف عن السلطة، و من خلال تاريخها الطويل، احتقارها لمواطنيها، و تسخيرهم لخدمة مصالحها الشخصيّة؛ إذ رفع الحكام سيف البغي على رقاب شعوبهم، و عاثوا فيهم فساداً و تخريباً و تسلّطاً و إرهاباً، و حكموا بلدانهم حكماً دكتاتوريّاً فرديّاً، و اعتبروا أنفسهم أوصياء و أسياداً، و أصحاب سلطة مطلقة على شعوبهم. و يروى أنّ ملك فرنسا لويس الخامس عشر وقف في الثالث من آذار (مارس) 1716م أمام برلمان باريس قائلاً(2): » في شخصي وحده تجتمع السلطة، و لي وحدي تعود السلطة التشريعيّة دون منازع أو حسيب. النظام العام بمجمله، يستمدّ وجوده من وجودي، و أنا حاميه الأول. شعبي و أنا واحد. حقوق و مصالح الأمّة، التي يجرؤون على جعلها جسماً منفصلاً عن الملك، هي، بالضرورة، متّحدة بحقوقي و مصالحي أنا، و لا ترتاح إلاّ بين يدي.».و عندما يتحدّث الملك لويس الخامس عشر، معظّماً نفسه بكلّ هذه الفردية، و السطوة المطلقة، فإنّه لا يختلف كثيراً عن أيّ طاغية قديم، أو طاغية معاصر؛ لأنّ الحاكم الجائر يظنّ نفسه أنّه الإله المتوّج بالمنعة و السطوة، و ما على بني البشر إلاّ طاعته، و طاعة أولاده و نسائه و جواريه و أفراد قبيلته. و من هنا فإنّ السطوة المطلقة التي يمارسها الحاكم المستبدّ على أفراد شعبه، و قدرته السحريّة الماكرة على تطويع الناس لأن يكونوا خدماً أذلاّء تابعين له، منقادين لأوامره انقياداً مطلقاً، جعلت كثيراً من الناس في العصور القديمة يتصورون أنه لا بدّ أن يكون الحاكم من طبيعة غير طبيعة البشر، فهو من طبيعة إلهيّة، و هو إله أو ابن الإله. و هو يحكم بتفويض مباشر أو غير مباشر من الله(3).و حتّى تستطيع السلطة السياسيّة الجائرة أن تقود الناس قطيعاً وراءها، لا بدّ من أن تحصّن نفسها بمجموعة من القادة الاستبداديين، الذين يعزّزون خطاباتها الفكرية و خططها السياسيّة و العسكريّة، إذ يساعدها هذا التعزيز على أن تصبح مطلقة شاملة في جميع البنيات الإنسانيّة العامّة: السياسيّة و الاقتصاديّة و الاجتماعيّة. و بسيف هؤلاء القادة الاستبداديين تتوّج نفسها تاجاً مقدّساً فوق رؤوس العباد؛ و بالتالي تمارس عليهم قهراً، و تصنع منهم أزلاماً و خدماً، و تضعفهم و تفتتهم طوائف و قبائل، وتشكّل فيما بينهم تبايناً طبقيّاً حادّاً، يقسمهم فئتين: » فئة حاكمة تتولى السلطة السياسيّة و تصدر القرارات و الأوامر ، و فئة أخرى محكومة لا يكون لها إلاّ الطاعة و التنفيذ. و نظراً إلى ما للسلطة السياسيّة في الدولة من صفات ذاتيّة خاصّة فقد أطلق عليها الفقه الفرنسي اسم » السيادة «، و صفة السيادة مقتضاها أنّ سلطة الدولة سلطة عليا لا يسود عليها شيء و لا تخضع لأحد، و لكن تسمو فوق الجميع، و تفرض نفسها على الجميع. «(4).و حتّى تستطيع السلطة الاستبداديّة أن تسمو فوق الجميع، عليها أن تعمل ـ و بكلّ جهودها المدروسة و المنظّمة ـ على إبقاء شعوبها جاهلة، لأنّها ترى في الجهل واحداً من الشروط الأساسيّة التي تمثّل قوتها، وتعزز في هذه الشعوب فكرة قبول التقاليد الدينيّة، بحذافيرها و دون نقاش. و ليس غريباً أن تتقيّد هذه الشعوب بالتقاليد الدينيّة، لأنّها شعوب مسحوقة بعملها اليوميّ و محرومة من الترفيه و من النشاط الفكري. إذ يجد المواطن نفسه و منذ الصغر، و في مختلف ظروف حياته، محاطاً بهذه التقاليد التي يزرعها في أعماقه جمع من المسمّين الرسميّين من كلّ الأصناف الكهنوتيّة، بحيث تصبح هذه التقاليد ضرباً من العادات الذهنيّة و الأخلاقيّة الأقوى في معظم الأحيان من عقله السليم الطبيعي(5).إذا كان من المعروف أنّه يكمن وراء انتشار السلطات الاستبداديّة في جميع أنحاء العالم، أمراض محليّة متشابهة، تظهر في أمكنة متعددّة متباعدة ، وتختلف نسبة تأثيرها ، فإنّ هذا التباعد في المكان الذي تظهر فيه الأنظمة الاستبداديّة، وهذا الاختلاف في النموذج والشكل،تبعاً لاختلاف الزمان والمكان، لا يمنع من كون هذه الأنظمة جميعها متّصلة مترابطة. ففي عالم أصبح من المستحيل فيه على بلد أن يحيا منعزلاً، ومكتفياً بذاته، لا مجال للنكران بأنّ ظهور نظام استبداديّ في مكان ما يؤدّي إلى ظهوره في مكان آخر عن طريق العدوى(6)، وتبادل التأثير، و العلاقات التجاريّة و الاقتصاديّة و السياسيّة و الثقافيّة بين المكانيين. وإذا كان للسلطة جميع هذه القدرات الوبائيّة التدميريّة المتأصّلة ، فما هو تعريفها؟.تشير الموسوعة الفلسفيّة إلى أنّ السلطة (Autorité,Authority)، » مفهوم (…) يشير إلى النفوذ المعترف به كليّاً لفرد أو نسق من وجهات النظر أو لتنظيم مستمدّ من خصائص معيّنة أو خدمات معيّنة مؤدّاة. و قد تكون السلطة سياسيّة أو أخلاقيّة أو علميّة. «(7). و ينضوي تحت هذا المفهوم عدة أنواع من السلطات: 1 ـ السلطة النفسيّة: و هي ما يطلق عليها اسم السلطان الشخصي، و التي تتمثّل في قدرة الإنسان على فرض إرادته على الآخرين، نظراً لقوّة شخصيته و شجاعته، و قدراته العقليّة المتفوّقة. 2 ـ السلطة الشرعيّة: و هي السلطة المُعترف بها في القانون، كسلطة الحاكم و الوالد و القائد. 3 ـ السلطة الدينيّة: و هي مستمَدّة من الوحي الذي أنزله الله على أنبيائه، و من سنن الرسل، و قرارات المجامع الدينيّة المقدّسة، و اجتهادات الأئمة. 4 ـ سلطة الأجهزة الاجتماعيّة التي تمارس السلطة، كالسلطة السياسيّة، و التربويّة، و السلطة القضائيّة و غيرها(8).و يعرّف جان وليام لابيار السلطة قائلاً(9): » السلطة هي الوظيفة الاجتماعيّة التي تقوم على سنّ القوانين، و حفظها، و تطبيقها، و معاقبة من يخالفها، و هي التي تعمل على تغييرها و تطويرها كلّما دعت الحاجة: إنّها الوظيفة التي لا غنى عنها لوجود الجماعة ذاته، لاستمرارها، و لمتابعة نشاطها. من هنا بالذات، إنّها تلك الوظيفة القائمة على اتّخاذ المقررات التي يتوقّف عليها تحقيق الأهداف التي تتابعها الجماعة. فـ (…) التنظيم، و التقرير، و الحكم، و العقاب، هي المهامّ التي تنتظر السلطة، في أيّة جماعة كانت. «. على أنّ هذه الوظيفة الاجتماعيّة عندما تنحرف عن مسارها الأخلاقيّ و تكرّس نفسها لخدمة فئة من أصحاب النفوذ، فإنّها تصبح المنتهِكة الأولى للقوانين، و المتجاوزة و المحرِّفة لها، بحيث تصبح هذه القوانين أداة طيّعة تخدم مصالح أصحاب النفوذ، و تضرّ بمصالح الآخرين من الطبقات الأخرى، و تستعبدهم في آن. و هنا تنفصل السلطة عن الشعب، » و تدافع عن مصالح المستغلّين ـ بكسر الغين ـ و هم الأقليّة في المجتمع. و يمارسها الأشخاص الذين يصبح الحكم بالنسبة إليهم مهنة (الموظفون و الجيش و البوليس॥ الخ). [أمّا] المؤسسات الرئيسيّة الهامّة الملحقة بالسلطة العامّة [ف] هي المحاكم والسجون و غيرها من المؤسسات العقابيّة. «(10).و في ظلّ سيادة أقليّة من الناس يسود الاستغلال و الاستعباد، و تتحوّل الشرائح الاجتماعيّة العريضة إلى مجموعة من العبيد المنتجين، الذين يقدّمون طاقاتهم الإنتاجيّة إلى فئة الأقليّة، و من هنا فإنّ الدولة التي تكون على رأسها سلطة مستبدّة طاغية، ستكون دائماً » تحت تصرف تلك الطبقة من المجتمع التي لها سند قانوني في ملكية أدوات الإنتاج. و ما تصدره الدولة من قوانين، إنّما تصدره لصالح هذه الطبقة، كما أنّ حقّ الملكيّة الذي تحافظ عليه ليس إلاّ حقّ تلك الطبقة في ملكيتها و من ثمّ فإذا كان عدد الذين يملكون، في دولة من الدول، ضئيلاً فإنّ القانون سوف يتحيّز لصالح هذه القلّة. و إذا كانت الجماعة بأكملها هي التي تملك، فسوف يتحيّز القانون لصالح الجماعة كلّها ضدّ المصلحة الخاصّة لبعض الأفراد. «(11). على أنّ السلطة الاستبداديّة، و من خلال ممارساتها و أدوارها التاريخيّة، لا تفكر مطلقاً في أن يكون المجموع الإنسانيّ الذي تحكمه مالكاً، لأنّ امتلاك هذا المجموع سيدفعه إلى أن يتحرر اقتصاديّاً و بالتالي يدفعه إلى التمرّد و كسر عصا الطاعة المفروضة عليه، و هذا لا تريده السلطة الاستبداديّة، لأنّ التحرر الاقتصادي للمجموع الإنسانيّ مقدّمة للتحرر السياسي و الإنساني. و قديماً قال فقهاء السلطة الاستبداديّة: » جوّع كلبك يتبعك «(12)، فالدولة المستبدّة و المستغِلّة تطمح دائماً إلى التعالي على أفراد شعبها، » و إلى الانفصال عن المجتمع، و إلى وضع نفسها فوقه. و هي تنجح في ذلك بقدر ما يكون تعبيرها عن مصالح الطبقة [المستغِلّة] السائدة اقتصادياً. «(13).إنّ الحكّام الطغاة، و منذ أقدم العصور، اعتقدوا أنّ سعادتهم يمكن أن تتحقق بوسائل تستلزم فرض البؤس على الآخرين(14). و من أهمّ مقوّمات هذه السعادة عند هؤلاء الطغاة،جعل الآخرين عبيداً لهم، و استغلالهم، و إذلالهم، و السطو على ممتلكاتهم و اغتصاب نسائهم، و حبك المؤامرة ضدّهم تمهيداً لقتلهم. و بهذا الصدد يروي الكتاب المقدّس ـ كتاب العهد القديم ـ قصة الملك داود الذي أُعجِب بزوجة أحد جنوده، بَشْشَبَعَ بنت أليعام، الجميلة جداً، فأرسل رسلاً، و أحضروها له، ثمّ اغتصبها، و عندما أعلمته المرأة بحملها منه، سرعان ما دبّر مكيدة لزوجها الجندي أوريا الحثيّ ، و ذلك بأن أمر قائد جيشه يوآبَ بأن يجعل الجنديّ أوريا الحثيّ في وجه الحرب الشديدة. و امتثل القائد لأمر الملك، و قُتِل الجندي أوريا، و ضمّ الملك داود زوجته الجميلة بَشْشَبَع بنت أليعام إلى حظيرة ممتلكاته و نسائه(15).و نظراً لفعل السلطة الاستبداديّة، التخريبيّ، و تشويهها لمجل العلاقات الاجتماعيّة و الإنسانيّة، فقد اشترط الفلاسفة و الفقهاء ـ و درءاً لجور الحكّام و الخلفاء و فسادهم ـ مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوافر في الحاكم أو الخليفة، حتّى يستطيع أن يكون كفؤاً للمنصب السلطويّ الخطير الذي يتقلّده. فالفلاسفة السياسيّون رأوا ضرورة أن يكون الحاكم ذكيّاً و حكيماً و فاضلاً خلوقاً، و اتّفقوا عل أنّ المرء لا يمكن أن يمتلك فضيلة الذكاء الحقيقيّة دون أن يكون في الواقع حكيماً، و لا يمكن أن يكون حكيماً دون أن يكون فاضلاً خلوقاً، و على معرفة بالفنون التطبيقيّة، و لا يمكنه أن يكون حكيماً إلاّ إذا اتصف بجميع صفات الحاكم الفاضل و نزعاته. و من هنا فإنّ مثل هذا الشخص يجب أن يحكم إخوته البشر من أجل مساعدتهم و ذلك بالحثّ و الإقناع إن أمكن، أو بالإكراه و الإلزام إن لم يكن ذلك ممكناً. و من مهمّته أيضاً أن ينمي الفضائل الإنسانيّة لديهم في حدود إمكانهم(16).أمّا فقهاء المعتزلة فقد اعتبروا أنّه يجب أن تتوافر في الإمام مجموعة من الشروط، باعتباره حاكماً أعلى في الدولة، و هذه الشروط هي:1 ـ العدالة على شروطها الجامعة.2 ـ العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في الأمور المتجددة و الأحكام.3 ـ سلامة الحواسّ، من السمع و البصر و اللسان.4 ـ سلامة الأعضاء من نقصٍ يمنع عن استيفاء الحركة و سرعة النهوض.5 ـ الرأي المفضي إلى سياسة الرعيّة و تدبير المصالح.6 ـ الشجاعة و النجدة، و حماية الأمّة، و جهاد العدو.7 ـ النسب.. أي أن يكون من قريش. و من المعتزلة من لا يشترط النسب القرشيّ، و منهم من يشترطه لأسباب سياسيّة تضمن وحدة الأمّة(17).و يحدد ابن طباطبا(18)أهمّ خصال الحاكم الفاضل القادر على قيادة الأمّة، و رعاية حقوق أفرادها. و هذه الخصال هي:1 ـ العقل: و هو أصل هذه الخصال و أفضلها، و به تُساس الدول و المِلل.2 ـ العدل: و هو الذي تزداد به الأموال، و تعمر به الأعمال، و تُستصلح به الرجال.3 ـ العلم: و هو ثمرة العقل و به يستبصر الملك، و يأمن الزلل في قضاياه و أحكامه، و به يتزيّن الملك في عيون العامّة و الخاصّة، و يصير به معدوداً في خواصّ الملوك.4 ـ الخوف من الله: و هذه الخصلة هي أصل كلّ بركة، فالملك متى خاف من الله أمِنَه عباد الله.5 ـ العفو عن الذنوب و حسن الصفح عن الهفوات: و هذه أكبر خصال الخير، و بها تُستمال القلوب، و تصلح النيّات.6 ـ الكرم: و هو الأصل في استمالة القلوب و تحصيل النصائح من العالم، و استخدام الأشراف.7 ـ الهيبة: و بها يُحفظ نظام المملكة و يُحرس من أطماع الرعيّة.8 ـ السياسة و الوفاء بالعهد: و السياسة هي رأس مال الملك، و عليها التعويل في حقن الدماء و حفظ الأموال و منع الشرور و قمع الدُعّار و المفسدين. و الوفاء بالعهد يسهم في طمأنينة النفوس، و وثوق الرعيّة بالملك إذا طلب الأمان منه خائف، أو أراد المعاهدة منه مُعاهِد.9 ـ الاطلاع على غوامض أحوال المملكة، و دقائق أمور الرعيّة، و مجازاة المحسن على إحسانه و المسيء على إساءته.تشير الأدبيّات التاريخيّة و الفقهيّة الإسلاميّة إلى أنّ المسلمين ـ باختلاف فرقهم الإسلاميّة ـ لم يتفقوا على شروط واحدة تتوافر في الشخص حتّى تؤهله لأن يكون خليفةً أو حاكماً للمسلمين يرعى مصالحهم، و يدافع عن أوطانهم، و يقيم العدل، إلاّ أنّهم اتّفقوا جميعاً على أن يكون متصفاً بالعدل و الورع و العلم(19)حتّى لا يُصاب المسلمون منه بالأذى و حتى يكون قادراً على أن يعفّ عن أموالهم و ممتلكاتهم، و أعراضهم، إلاّ أنّه من المستغرب حقّاً أنّ بعض الفقهاء يجيزون أن يكون الإمام فاجراً، و يعللون ذلك، بأنّ من ينتصر بالسيف و القوة وجبت على المسلمين والرعيّة طاعته. و يُروى عن الإمام أحمد بن حنبل(20)أنّه قال(21): » و من غلب بالسيف حتّى صار خليفة و سمّي أمير المؤمنين لا يحلّ لأحد يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يبيت و لا يراه إماماً عليه، برّاً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين. «. و بقدر ما يشير رأي الإمام أحمد بن حنبل إلى الابتعاد عن تعاليم الإسلام ، و مفاهيم الرسول الكريم (ص) و صحابته الأوائل، فإنّ هذا الرأي على درجة عالية من احتقار عقول المسلمين، و طموحهم إلى إقامة العدل، و العمل بما جاء به كتاب الله و سنّة نبيّه، و هو دعوة إلى إلغاء طاقة العقل الإسلاميّ لأن يكون بنّاءً و مسهماً في بناء الحضارة الإنسانيّة، و مجدداً في روح النصوص الفقهيّة. و بهذا الصدد تشير الأحاديث النبويّة إلى أنّ النبيّ محمد (ص) كان يدعو إلى معارضة الحاكم الجائر، و عدم طاعته. و يُروى عنه أنّه قال: » أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر «، و» من مشى مع ظالم ليعينه و هو يعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام «(22)،و » إنّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه. «(23).و كان بعض أئمة المسلمين من يرى ضرورة الثورة على السلطان الظالم استناداً إلى الحديث النبويّ القائل: » لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «(24).على أن بعضهم الآخر رأى أنّ السلطان الكافر العادل خير لرعيّته من السلطان المسلم الجائر، و يروي ابن طباطبا(25) الخبر الآتي » لمّا فتح السلطان هولاكو بغداد في سنة ستّ و خمسين و ستمائة أمر أن يُستفتى العلماء أيّما أفضل: السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر؟ ثمّ جمع العلماء بالمستنصريّة لذلك، فلمّا وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب، و كان رضيّ الدين علي بن طاووس حاضراً هذا المجلس، و كان مقدّماً محترماً، فلمّا رأى إحجامهم تناول الفتيا و وضع خطّه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده. «. و هنا لا يهمّ هذا المقال أن يناقش رأي الإمام أحمد بن حنبل، و مدى صحته، لكن ما يهمّه منه هو: إلى أيّ مدى أسهم الفقهاء في الدولة الإسلاميّة في مناصرة الخلفاء و الحكّام على جورهم و فجورهم؟ و إلى أيّ مدى اعتبر بعض الخلفاء و الحكّام في الدولة الإسلاميّة هذا الرأي مبرراً ينطلقون منه لتأسيس سلطة خلافتهم على الاستبداد و القهر، و اعتبار كلّ من يخالفهم الرأي متمرّداً عليهم، و خارجاً على طاعتهم، و بالتالي خارجاً على رأي الأمّة.إذا كان معظم الفقهاء و المؤرخين اتفقوا جميعاً على أنّه يجب أن تتوافر في الحاكم، سواء أكان خليفة أم ملكاً، أم غير ذلك، صفات العدل و الورع و العلم، هذه الصفات التي تجعل من يتحلّى بها قادراً على قيادة الأمّة و سياستها، و جعل مواطنيها ينعمون بالسلام و الأمان، و في منأى عن الدكتاتوريّة و الاستبداد، فإنّ معظم الحكّام و عبر تاريخهم الطويل كانوا مستبدّين، فقد أحدثوا في مجتمعاتهم شروخاً طبقيّة واسعة، و سلّموا مقاليد دولهم لمجموعة من الوزراء الطغاة و الولاة الظلمة، و امتلكوا الثروات الكثيرة، و القصور الفاخرة المترعة باللذائذ، و ما أقاموا عدلاً في توزيع ثروات البلاد. بل غدت مدنهم مليئة بالفقراء و الجياع، و » خير ما يُستدلّ به على درجة استبداد الحكومات هو تغاليها في [بناء] و فخامة القصور و عظمة الحفلات و مراسيم التشريفات و علائم الأبّهة و نحو ذلك من التمويهات التي يسترهب بها الملوك رعاياهم عوضاً عن العقل. «(26). يُضاف إلى ذلك أنّ الكثير من هؤلاء الحكّام كانوا فسقة و جهلة، و غابت عن حياتهم مظاهر الورع و العفّة والاهتمامات العلميّة و المعرفيّة، و طغى عليها التهالك على امتلاك النساء و الجواري، و الانهماك بالملذّات من طعام و شراب، و طرب و موسيقى. ومن يقرأ ليالي ألف ليلة وليلة التي هي نتاج معرفي ومزيج حضاري للأقوام العربية والفارسية والهندية والتركية والصينية ستتراءى أمامه مزيد من ملامح هؤلاء الحكام وممارساتهم في قصورهم وبين أفراد شعوبهم المستلبة قهرا وخنوعا واستعبادا .الهوامـــــش:(1) - عن/ الكواكبي، عبد الرحمن: طبائع الاستبداد، درا الشرق العربي، بيروت/حلب، الطبعة الثالثة 1411هـ/1991م، ص 57.(2) - عن/لابيار، جان وليام: السلطة السياسيّة، ترجمة إلياس حنّا إلياس، منشورات عويدات، باريس/بيروت، الطبعة الثالثة 1983م، ص 142.(3) – عن/إمام، د. إمام عبد الفتّاح: الطاغية ـ دراسة فلسفيّة لصور من الاستبداد السياسيّ، المجلس الوطني للثقافة و الآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 183، رمضان 1414هـ/آذار (مارس)، 1994م، ص 9.(4) - عن/إمام، د.إمام عبد الفتاح: الطاغية ـ دراسة فلسفيّة لصور من الاستبداد السياسي، ص 17. و اخذ إمام عن المرجعين الآتين: ناصيف، د. عبد الله إبراهيم: السلطة السياسيّة/ضرورتها و طبيعتها، دار النهضة العربيّة، القاهرة، طبعة 1983م، ص 4. بدوي، د. ثروت: النظم السياسيّة، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1986م، ص 40.(5) – باكونين، ميخائيل: الإله و الدولة، تعريب جلال المخ، دار المعارف، سوسة/تونس، طبعة 1982م، ص 22.(6) ـ دوفرجيه، موريس: في الدكتاتوريّة، ترجمة د. هشام متولي، منشورات عويدات، باريس/بيروت، الطبعة الثانية، تشرين أول، 1977م، ص 39.(7) – لجنة من العلماء و الأكّاديميين السوفياتيين: الموسوعة الفلسفيّة،بإشراف: م. روزنتال؛ ب. يودين، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة، بيروت، الطبعة السادسة،تشرين الأول1987م،دون محقق، دار صادر، بيروت، دون تاريخ، ص 248 ـ 249.(8) – صليبا، د. جميل: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني/مكتبة المدرسة، بيروت، طبعة 1982م، الجزء الأوّل، ص 670.(9) – السلطة السياسيّة، ص 49.(10) – لجنة من العلماء و الأكاديميين السوفياتيين، ص 249.(11) – لاسكي، هارولد: الدولة في النظرية و التطبيق، ترجمة كامل زهيري و أحمد غنيم، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثانية، تشرين الثاني 1963م، ص 270.(12) - عن/الجرّ، د. خليل: المعجم العربي الحديث ـ لاروس، مكتبة لاروس، باريس، الطبعة الأولى 1973م، قسم الأمثال العربيّة، ص 1311.(13) – أوليدوف، أ. ك: الوعي الاجتماعيّ، ترجمة ميشيل كيلو، دار ابن خلدون، بيروت، الطبعة الثانية 1982م، ص 162.(14) – راسل، برتراند: السلطة و الفرد، ترجمة د. لطيفة عاشور، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، القاهرة الطبعة الأولى 1994م، ص 106.(15) – لمزيد من الاطلاع على تفاصيل هذه القصة ينُظر: الكتاب المقد‍ّس ـ كتاب العهد القديم ـ، سفر صموئيل، الأصحاح الحادي عشر.(16) – باتروورث، شارلز: الدولة و السلطة في الفكر السياسيّ العربي، ترجمة د. محمد أحمد شومان، دار الساقي، بيروت/لندن، الطبعة الأولى 1990م، ص 13 ـ 14.(17) – عن/عمارة، د. محمد: نظرية الخلافة، دار المعارف للطباعة و النشر، سوسة/تونس، طبعة 1994م، ص53. و أخذ عمارة عن/الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البغدادي (ت450هـ/1058م): الأحكام السلطانيّة، طبعة القاهرة، 1960م، ص 6.(18) – الفخري في الآداب السلطانيّة و الدول الإسلاميّة،دون محقق، دار صادر، بيروت،دون تاريخ، ص 17، 18، 19، 20، 23، 24.(19) – لمزيد من الاطلاع على التباين في صفات الخليفة أو الحاكم عند الفرق الإسلاميّة يُنظر: عمارة، د. محمد: نظرية الخلافة، من ص 53 إلى ص 56.(20) – الإمام أحمد بن حنبل: (أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، الشيباني الوائليّ، 164 ـ 241هـ/780 ـ 855م): إمام المذهب الحنبليّ، و أحد الأئمّة الأربعة. أصله من مرو، و كان أبوه والي سرخس. و ولِد ببغداد. فنشأ منكبّاً على طلب العلم و سافر في سبيله أسفاراً عديدة إلى الكوفة و البصرة و مك‍ة و المدينة و اليمن و الشام و المغرب و الجزائر و فارس و خرسان. سجنه الخليفة العباسيّ محمد المعتصم ثمانية و عشرين شهراً، و لمّا تولّى المتوكّل بن المعتصم الخلافة أكرم الإمام ابن حنبل و قدّمه و مكث مدّة لا يولّي أحداً إلاّ بمشورته، و توفي في عهد المتوكّل. الزركليّ، خير الدين: الأعلام،دار العلم للملايين،الطبعة الثانية عشرة، شباط( فبراير)، 1997م، 1/203.(21) – عن/عمارة، د. محمد: نظرية الخلافة، ص 54.(22) – عن/العلويّ، هادي: السياسة الإسلاميّة،دار صحارى ، بودابست،الطبعة الثانية 1991م، ص 87.(23) – أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم: كتاب الخراج، دار المعرفة ، بيروت/مؤسسة نشر منابع الثقافة الإسلاميّة، قم (إيران)، طبعة 1399هـ/1979م، ص10.(24) – عن/الورديّ، د. علي: منطق ابن خلدون، دار كوفان، لندن، الطبعة الثانية 1994م، ص 92.(25) – الفخري في الآداب السلطانيّة و الدول الإسلاميّة، ص 17.(26) – الكواكبي، عبد الرحمن: طبائع الاستبداد، ص 51.منشورات الطليعة العربية في تونس

مهزلة جزائرية مصرية/عبد الباري عطوان

مهزلة جزائرية مصرية
تحتل اربع دول عربية المراتب الاولى على قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، اضافة الى افغانستان، حسب منظمة الشفافية الدولية، ولكن لم يخطر في بالنا مطلقا، ان تستخدم انظمتنا الرياضة من اجل تحويل الانظار عن فسادها ودكتاتوريتها القمعية، وبذر بذور الكراهية بين ابناء الأمة الواحدة، مثلما شاهدنا في الايام العشرة السوداء الاخيرة، التي بدأت وانتهت بمباراتي فريقي مصر والجزائر، في تصفيات نهائي كأس العالم الصيف المقبل في جنوب افريقيا।هذا المخزون الكبير من الكراهية الذي انعكس في تصرفات النخب السياسية والاعلامية في البلدين جاء مفاجئا بالنسبة الينا، وربما لمعظم العرب الآخرين، بحيث يدفعنا لاعادة النظر في الكثير من المقولات حول الاخوة والروابط المشتركة، والانتماء الواحد للعرق والعقيدة.نحن امام حرب حقيقية، وعمليات تجييش اعلامي ودبلوماسي لم يسبق لها مثيل، وكل هذا من اجل الفوز في مباراة كرة قدم بين فريقي دولتين وشعبين شقيقين، من المفترض ان الفائز من بينهما سيمثل العرب جميعا في هذه المسابقة الكروية الدولية.عندما قرأت انباء عقد الرئيس حسني مبارك اجتماعا طارئا لاركان دولته، ابتداء من مجلس الوزراء ومرورا بقائد جهاز المخابرات، وانتهاء برئيس هيئة اركان الجيش المصري، تبادر الى ذهني ان مصر على ابواب مواجهة مصيرية مع اعداء الأمة والعقيدة، ولم اصدق ان هذا الاجتماع غير المسبوق منذ الاعداد لحرب العاشر من رمضان اكتوبر المجيدة عام 1973، هو لبحث كيفية الرد على العدوان الجزائري المزعوم في الخرطوم، الذي اسفر عن اصابة عشرين مشجعا مصريا.هذه ليست مصر الكبيرة العظيمة، حاضنة الامة ورافعتها، وفخر العرب جميعا بتضحياتها وابداعاتها في الميادين كافة. هذه مصر اخرى لا نعرفها، وفوجئنا بها، وبعض سلوكيات اهل الحكم فيها، وحوارييهم خاصة، في وسائل الاعلام المقروءة والمرئية.الحكومة المصرية لم تسحب سفيرها في تل ابيب عندما اعتدت اسرائيل على لبنان مرتين، الاولى عام 1982، والثانية في عام 2006، ولم تطرد السفير الاسرائيلي وتغلق سفارته في القاهرة، عندما اجتاحت قواتها قطاع غزة، واستخدمت الفوسفور الابيض لحرق اجساد الاطفال والنساء، رغم ان هذا القطاع يخضع حتى هذه اللحظة للادارة المصرية قانونيا، وثلاثة ارباع ابنائه يرتبطون بروابط الدم او النسب مع اشقائهم في مصر.ان يعتدي جزائريون على اشقائهم المصريين العاملين في عاصمة بلادهم، فهذا امر مستهجن ومدان وغير اخلاقي، وان يقذف مشجعون مصريون حافلة الفريق الجزائري وهو في طريقه من مطار القاهرة الى مقر اقامته، فهو امر معيب ايضا، ولكن لا هؤلاء، ولا اولئك يمثلون الغالبية الساحقة من ابناء الشعبين المصري والجزائري، وانما قلة منحرفة موتورة حاقدة.الشغب الكروي امر عادي يتكرر اسبوعيا في مختلف انحاء العالم، بما في ذلك اوروبا 'المتحضرة'، وهناك امثلة لا حصر لها عن اشتباكات بين مشجعين انكليز وفرنسيين او المان وروس، بل وبين مشجعي فريقين من المدينة الواحدة، يسقط فيها عشرات القتلى والجرحى، ولكن لا تتدخل الحكومات ولا تسحب سفراءها، وتترك الامور في نطاقها الكروي.في اليوم نفسه الذي كانت تدور فيه احداث الحرب الكروية المصرية الجزائرية على ارض ام درمان السودانية، تقابل منتخبا فرنسا وايرلندا، وفاز الاول بهدف من جراء لمسة يد من احد مهاجميه (تيري هنري) اظهرتها عدسات التلفزة بكل وضوح، واعيدت اللقطة مئات المرات على شاشات التلفزة العالمية، بل واعترف اللاعب نفسه انه مارس الغش ولمس الكرة متعمدا، ولكن لم نر التلفزيونات الايرلندية تستضيف الكتاب والشعراء والفنانين والرياضيين الايرلنديين لتوجيه اقذع انواع السباب الى الشعب الفرنسي او حكومته، او حتى للاتحاد الدولي لكرة القدم الذي رفض طلبا باعادة المباراة تقدم به رئيس وزراء ايرلندا.الحكومتان الجزائرية والمصرية تعمدتا صب الزيت على نار الاحقاد، وانخرطتا في عمليات تعبئة وتجييش لمشجعي شعبيهما ضد بعضهما البعض، لاسباب سياسية مريضة وغير اخلاقية.الحكومة المصرية كانت تريد فوزا يشغل الشعب المصري عن الظروف المعيشية المزرية التي يعيشها، جراء الفساد والبطالة، وبما يسهل عملية التوريث التي واجهت حملات شرسة عرقلت مسيرتها بعد دخول مدفعيات ثقيلة في المعركة ضدها، مثل السادة محمد حسنين هيكل، والدكتور محمد البرادعي، والسيد عمرو موسى.الحكومة الجزائرية ارادت تحويل انظار الشعب الجزائري عن النهب المنظم لثرواته، وتفاقم معاناته، وركوب ابنائه قوارب الموت بحثا عن لقمة عيش على الساحل الاوروبي من البحر المتوسط، بسبب استفحال البطالة في بلد يعتبر الاغنى في محيطه، لثرواته الهائلة من النفط والغاز والزراعة والصناعة.كان القاسم المشترك بين النظامين المصري والجزائري واضحا في استاد المريخ في ام درمان، حيث تصدر ابنا الرئيس مبارك جمال وعلاء منصة الشرف، جنبا الى جنب مع شقيقي الرئيس الجزائري اللذين مثلاه في المباراة. اليس هذا دليلا اضافيا على المحسوبية، والتوجه نحو التوريث، والضرب عرض الحائط بالدساتير، وتقاليد الانظمة الجمهورية المتبعة في العالم بأسره؟وما نستغربه اكثر هو حال الغضب المصري الرسمي، وربما الشعبي ايضا، تجاه السودان الشقيق، الذي ليس له في هذه الحرب ناقة او جمل، ولم يستشر فيها، وانما جرى فرضها عليه من قبل اشقائه الشماليين ايمانا منهم بوحدة وادي النيل، الذين اختاروا الخرطوم كأرض اهلها اقرب اليهم لاستضافة المعركة الحاسمة.الحكومة السودانية يجب ان تتلقى كل الشكر، لا اللوم، من قبل نظيرتها المصرية، لانها نجحت، رغم امكانياتها القليلة، في توفير اجواء امنية طيبة، وسيطرت على حوالى اربعين الف مشجع من البلدين وانصارهما، ولم تحدث اي خروقات امنية داخل الملعب او خارجه، باستثناء اشتباكات محدودة ادت الى اصابة بعض المشجعين بجروح طفيفة، عولجت في حينها، ولم يمكث اي من المصابين ساعة واحدة في المستشفى. وحتى لو اصيب عشرون مشجعا مصريا نتيجة اعتداءات مشجعين جزائريين، وسكاكينهم، فإن هذا الرقم لا يذكر بالمقارنة مع مشاعر الكراهية المتأججة في اوساط الجانبين.كان من المفترض ان تقدر الحكومتان المصرية والجزائرية الادارة المتميزة لنظيرتهما السودانية للأزمة، ونجاحها في منع مذابح حقيقية على ارضها، لا ان تقدم الحكومة المصرية على استدعاء السفير السوداني لابلاغه احتجاجا على تقصير حكومته في حماية المشجعين المصريين بالشكل الكافي.ختاما نقول إننا شعرنا بالخجل، بل والعار، كأعلاميين ونحن نتابع الإسفاف الذي انحدرت اليه وسائل اعلام في البلدين، لم نتصور مطلقا ان يهبط مستوى بعض الزملاء الى هذه المستويات الدنيا، من الردح والتحريض ضد الطرف الآخر وحكومته وشعبه.انها سابقة خطيرة، يندى لها الجبين، نعترف فيها بان نظامي البلدين صدّرا ازماتهما مع شعوبهما من نافذة مباراة كرة قدم، بايقاع اقرب شعبين الى بعضهما البعض في مصيدة الكراهية والاحقاد. لقد نجح النظامان بامتياز في مكرهما هذا، بينما يدفع الشعبان الطيبان، والامة العربية ثمنه غاليا.

كاد المالكي ان يصير زعيما..!../الهادي حامد

كاد المالكي أن يصير زعيما..! بقلم:الهادي حامد
تاريخ النشر : 2009-11-18
القراءة : 1814



أخشى من هذا العنوان أن أكون قد ألحقت ظلما بيّنا وفادحا بالرجل.فربّما نجح بعد والآخرون من ورائه في تقمص دور الزعيم وصارت الجبّة على القياس كمن خاطها خيّاط عليم بدقائق الأمور وأحجام أصحاب الفجور، فإذا به جهبذ ، قوي ، عادل ، حكيم وعميق في رؤاه وفي تمثّل فن القيادة..أقول ربّما..لأن وضعه في الميزان حصل منذ زمان ، وقد قاست الأقلام والبنادق هامته الحقيقية ، فأدركت بلا شك رقة مشاعره وإنسانيته المتدفقة من خلايا الجلد الحميري الذي يرتديه، وهو بالنسبة له وللعمامة الحاكمة باسمه ومن تحته جلد أسد.أليس من زأر في إحدى شعاب المنطقة الحمراء أو في إحدى منحدراتها ذات فجر من احد أعياد الإضحى، فبصق على جبين التاريخ الكوني وما إحتواه من مآثر نضالات الشعوب!...المالكي أيها البقايا .. بقاياه .. رمز جديد لنموذج جديد للزعامة.أحصوا مآثره لن تحصوها. وابحثوا عن شبيهه لن تجدوه..لن تجدوه في عالم البشر بالتأكيد...أيّا كان إتجاه بحثكم وعمقه في الزمان والمكان. أليس من أمضى على قتل صدام أب الرجال وأب البشر وأب أخيار العالم منذ قرون طويلة ومثلها آتيات؟!!..أليس قاتل الحكمة في بغداد الحكمة والشرف في عراق الشرف ومدنّس الإسلام في بلاد الإسلام (بلاد العرب )..؟!!..أليس المالكي أيها البقايا..بقاياه..من قطع أغصان شجرة العراق وجرّدها من كسائها الفسيفسائي ومنع عنها قطر النّدى..؟!!..أليس من قاتل مع الشياطين وقاتل أكثر مما قاتلوا ولا يزال يقاتل..؟!!..أليس من عاهد الشيطان على التمسك بتقاليد الشياطين في سياسة البشر..؟!..هل مازال في العراق تمر ولبن وحب وأشعار..؟!!..هل مازالت فيه ليالي دجلة والفرات والسهر مع سحر الأصول العربية الفائحة..؟!..هل ترك لكم رأس الحمار ما تستأنسون به في وحشة الموت وجثث الموتى والدم والدموع أم لاشيء غير الأورام والخراب واللطم وفقه الزناة والعملاء..!!!!!..
من مفارقات الراهن السياسي العربي أن الحكام العرب شكلوا طوق حماية لعصابة العمامة رغم كونهم اعتادوا الفرجة في علاقة بالمتغيرات الإقليمية والعالمية...وهي المرة الأولى التي أرادوا أن يكونوا فيها فاعلين..فصب فعلهم في غير مصلحة الشعب العراقي والعربي والإنسانية. أرسلوا سفراء سرا وجهرا وسرا ..ومن تحت الوسادة..عقدوا المؤتمرات ونسقوا المصالحات وتبرعوا بالمساعدات وتفاءلوا برحيل الطاغية صدام.بل منهم من سلم المقاومين إلى الأمريكان وساوم بهم وحقق من خلالهم مكاسب سيكشف عنا التاريخ ذات يوم...في عرف حكامنا، فروع الشجرة الشربوشية المحرّمة دينيا وقوميا ،صارت الشجاعة جبنا والإيمان كفرا والالتزام الوطني والقومي والإنساني خيانة والجهاد دفاعا عن الأرض والعرض إرهابا والرجولة تمارس في الغرف ومع الأشباح الناعمة على مقربة من مسجد الصلاة في القصر، بل صارت البرامج الدراسية تقررها وكالة المخابرات الأمريكية وموظفي البنتاغون!.حكامنا أيها السادة طراطير مطرطرة وحزمة من المؤخرات النجسة وعلب الجماجم الخاوية والبطون المتدلية ممزوجة بموسيقى الشهيق والأنين من ثقل الحراك وبطئ الفهم!!..لكن الأيادي غليظة وتحمل سياطا..!..أين هم ممن وقف أمام الحبل وابتسم ومزح وأرسل خطابه إلى الله مباشرة وأمام العالم وهو بين يديه وعبر إلى جواره راضيا مرضيا..؟!!..هل يفعلها قردا منهم..؟!.. صدام سيدهم أجمعين ، ومعلمهم لو اخلصوا لامتهم. هو هامة في التاريخ الكوني عمر الدنيا الذي قدره الله ، وهم مرمى اللعنات إلى أن يطويهم النسيان. لاينفعهم الرقص مع المجرم بوش ولا اقتناص النظر لفتحة ثوب البرايت أو قوائم كوندا رايس ، لاينفعهم التجوال به وبذل الغالي والنفيس لإمتاعه ... فستنتقم لنا منهم الديدان قبل حمم جهنم..آمين يارب العالمين..ابسطوا أياديكم أيها القراء وتهيئوا للدعاء :

اللهم مدد عذابهم قبل مماتهم واجعله بعد مماتهم إلى قيامهم يارب العالمين.اللهم اجعل أنوفهم في مخارجهم انك لقدير، وألسنتهم في حلوقهم انك لقدير،وأظافرهم في حدقات أعينهم انك لقدير. اللهم سدّ آذانهم واعم أبصارهم وازرع جلودهم قملا ودودا يخرج من تحتها ثم يعود تحتها .اللهم أبطل مفعول كل دواء واقطع عنهم الرجاء وأمل كل شفاء وحوّل خدمهم ووزراء داخليتهم ومديري أمنهم إلى أعداء والد أعداء، يامن منك الداء والدواء ويامجيب الدعاء. اللهم إغلق مخارجهم بالاسمنت المسلّح وانفخ كروشهم بدخان الحقد الذي نفثوه على شعوبهم، ودعهم يتكورون على قدّ ما تكور الأبرياء في سجونهم ومعتقلاتهم. اللهم أصبهم بالجرب في ايورهم وفي أجفان عيونهم واجعل القيح يجري قدر مايجري اسمك العزيز على السنة المؤمنين ياقاهر الجبارين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هذا أيها السادة...لكونهم ساهموا في صناعة صاحب رأس الحمار..وأصحاب صاحب رأس الحمار... وكل من له شبه بالحمار في عراق الحكمة والفن والكرامة. فصار الفرس ينظّرون لقبلة جديدة ، ويشرعون فقها حياتيا جديدا ويخططون ليصبح خليج العرب مسبح أمرائهم وائمتهم وآياتهم العظمى!!..إضافة بالطبع إلى حماية الصهاينة حتى من الإحراج أمام الرأي العام العالمي!. أما صاحب رأس الحمار، الذي يتعلق به المقال، فهو المؤتمن على تشويه بعث صدام وتخريب منجزاته ، كأنه بصدد تنفيذ إحدى وصايا المجرم بوش اللعين والتي سردها على مسمعه لما كان يقبل كتفيه نزولا إلى بطنه فركبتيه فجزمته حتى يجعله رئيس وزارة ثم حتى لايتركه وحيدا وفي مواجهة مصير مجهول كلما اشتد به الحال. الحقد على بعث الرجال والشهداء يبرر بالنسبة له قتل العشرات حتى يسوّق دعاية مضادة له ونسي الأبله انه البعث الذي صنع معجزات الصعود إلى القمة في ظروف بالغة الصعوبة ومشحونة بالعداء للبلد وللأمة من الرجعية العربية والفرس والصهاينة. نسي انه بعث الله اكبر. بعث نحن لها. بعث فداك بابي وأمي أيها العراق العظيم. بعث سلم المشانق إلى المجد. بعث اقرأ باسم ربك الذي خلق. بعث العروبة والإسلام ، والعلم والعلماء...بعث كهذا لايقتل العراقيين. ولو كان هكذا لما استطاع قائده حين اختلاط الحابل بالنابل التجوال بين الأهالي والتخندق معهم في معارك حقيقية ضدّ الغزاة وعملائهم الحمير، لو كان البعث مجرما لما تجول الرجل صدام في أحياء عامرة والعالم شاهد أن مواطنوه يقبلونه بجنون في كل موضع ويحمونه بأرواحهم وأجسادهم إخلاصا لقيمه وتعبيرا عن روحية العراق والعراقيين كما شكلها بروحه... أين رأس الحمار من هذا..؟!!..أين هو من الرجل أب الشهداء وجد مصطفى..؟!!..يقول ابن خلدون في سياق آخر " هيهات أن تزن بميزان الذهب الجبال " وأنا أقول " هيهات أن يطال من يحبو قمم الجبال الرواسي" ، فالقواد مهما تجمّل وتفاخر وتطاوس وتظاهر أمام الإعلام المأجور يظل قوادا في سفر التاريخ وخائنا لشعبه وقرصونا بريميريا وبوشيا من الطراز الكلاسيكي أو البدائي ، مهما تحايل على البسطاء وحتى إن صفق له كل بقاياه أو حملوه على الأعناق فهو بغل الطحان و(...) الغازي.أما من امسك بالبندقية فهو ابن العراق والعرب والمسلمين وهو سيد وتاج رأس وعنوان يعتز به شعبه وعشيرته من بعده وفوق ذلك جزاء الله الوفير الذي وعد.البندقية أيها السادة صناعة عجيبة وسحرية . لما كان أجدادنا يحاربون بالسيف كانوا أسيادا للعالم ومعلميه. رغم قلة عددهم في مقابل كثرة عدد أعدائهم. أما اليوم ، فالبندقية قادرة على إفناء العدو من خلف ستار ومن مسافة. وعددنا أو عدد العراقيين ليس قليلا على أية حال. فلم لاننتصر؟..لاننتصر حين نمسك في رقاب بعضنا ، حين يضع كل منا شعارا خاصا به وعنوانا وإعلاما ويقول أنا مقاومة، حين نتعلق بالأسماء بدل الأهداف ، حين نملي رغباتنا وأسمائنا فإذا فشلنا قلنا إنها خيانة. ماذا يريد شهداؤكم منكم أيها العراقيون..؟..أن تتجادلوا بصوت مزعج والمزنجرات تحصد الأرواح ، أن تتخاصموا خصام الصبيان والعدو يتلهى ويتلذذ ويدير رأسه..!!..من يريد أن يكون الشيخ المجاهد الدوري قائدا للمقاومة فليحسبه قائدها ويطلق على العدو انه أمامه..ومن لايريده فلا يريده ويطلق على العدو انه أمامه..من يريد هذا الشخص أن يعترف به البعث فليحسبه منذ اللحظة مناضلا بعثيا ويطالبه بمقارعة الأمريكان شخصيا وفورا ..ومن لايريده فليعتبره خارج هيكل البعث ويمضي إلى الفعل المقاوم.. هل يعقل أن يتباكى البعض على فلان أو فلان لأنه مطرود أو مفصول من البعث..؟!!..ألا تعلمكم المبادئ أن الأهداف الغالية أغلى من الأشخاص وأبقى..؟!!..عدوكم الرئيس هو الغازي الأمريكي ، هو قوات الغزو، ناطحوها وحرروا بلدكم ، صرنا خجولين لما نرى الأفغان يقارعون الحلف الأطلسي عاريي الرؤوس وحافيي الأقدام وجوعي، وهم على مشارف إعلان النصر النهائي بعد أن خارت قوى الثور ولم يعد يقوى على استئناف الصراع، بينما لازال العراق في بدء الشوط الأخير من مسيرة التحرير.وبقطع النظر عن مقارنات أكاديمية تتحسب للمعطيات المتوفرة في الساحتين ، فاني أرى أن الساحة الأفغانية بدأت تفرز قوى مابعد رحيل الغزاة وبدأت في التشكل منذ اللحظة بسيمات جديدة هي سمات بلد حر. بينما لازالت في العراق-فيما أرى-وقد لااكون دقيقا في مااراه ، على السمات التي وفرها الغزاة ، ف"الانتخابات" قادمة والبعض ممن لايجادلون في حق بلدهم في الحرية يمارسون الدعاية لهذا الحمار أو ذاك بل يصفون بعضهم بالمخلّصين ويمتدحون آخرين ويطعنون في " وطنية " آخرين..والمالكي مع فرسه وامريكانه وصهاينته سعداء بمظاهر نجاح مشروعهم السياسي . لكنهم لايعلمون أنها مؤقتة وزائلة ومضللة ، وبان من باع ومن اشترى مصيرهما واحد بإذن الله وبان حبل الخيانة كعمر الخائن قصير قصير!. كلمات أخيرة:إلى التنظيمات الجهادية المسلحة ومختلف القوى الوطنية...لاشيء أهم من حرية العراق..لاكرسي الحكم ولا شهرة التواجد في الميدان والفعل فيه ولا أسماء شيوخكم وزعمائكم وعشائركم..من امسك بالبندقية يكون افتراضيا قد ودّع أقاربه ومكنهم من وصاياه وتعلقت روحه بلقاء ربه..فماسر عدم التوحد الكامل بينكم..؟!..إذا كان بعضكم حذرا من التنسيق مع البعث لأي سبب من الأسباب ، حتى وان كان يعتمد على فتوى خليجية قديمة تكفر هذا الحزب وقادته، أو على دعاية أمريكية وعربية رسمية وتهم الإعلام الصفوي الطائفي..فان البعث لا يهمه من يقود ومن يحكم ، ليس معنيّا بالزعامة وبالمواقع القيادية..إن المرحلة مرحلة تحرير... وحين ينجز بإذن الله تكون إرادة الشعب طليقة فتقرر ماتشاء...لما تتكاتف الجهود في تحرير البلد ويصبح العراق في وضعه الوجودي الطبيعي ، بإمكانكم أن تحاكموا البعث ، بل ربما يفاجئ شعبه وأمته بمحاكمة نفسه وان على باطل إذا كان هذا يسعد اطياف واسعة منه...بإمكانكم أن تحاكموا الدوري ، فربما لدى بعضكم أدلة على كونه سرق أو قتل أو هجّر أو شوّه مناضلا أو تخابر على بلده مع جهة أجنبية. من حق كل عراقي أن يتقدم إلى مايتصوره حقه فيأخذه أيا كانت الجهة التي تنازعه إياه...والى أن ينجز التحرير بغيرتكم ووطنيتكم وإيمانكم ، توقفوا عن اتهام والزعم بمحاسبة بعضكم البعض ، توقفوا عن تسقيط بعضكم ومطارحة مسائل ليس هذا أوانها من قبيل : هل صدق المحامي المناضل خليل الدليمي في مانقله عن الشهيد صدام أم كذب..؟..التاريخ يدوّن والحقوق تعود إلى أصحابها والملفات أيا كانت تفتح لما ترحل بغال الغازي عن البلد.أما الآن فلاشيء إلا صوت الرصاص..والكتف مع الكتف في الخندق وفي كل الساحات.إلى المالكي..ماذا عساي أضيف..اعذرني أيها العميل الصغير عن لغتي التي ضاعت مني وتاهت..فمثلك لاتطاوله إلا القصائد...لم لا...والبلد مرتعا للفرس والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية..وأنت تغني..ألا مانامت أعين العملاء والله اكبر وانك من أهل الجحيم إن شاء الرحمان الرحيم ، في حفرة الجمر المجاورة لحفرة عبد العزيز الأعور وفقهاء البغي والرذيلة..الله اكبر..الله اكبر..المجد والخلود لشهداء الأمة منذ انبعاثها..المجد والخلود لشهداء معركة الحواسم التي لاتزال نارها مستعرة، وستظل إلى أن ترحل بغالهم ويطير حديدهم...المجد والخلود لصاحب المجد المخلّد أب الرجال ورفاقه الشجعان... وان الاعتماد على الذين لايحملون في قلوبهم إلا حرقة الحرية والإيمان بوعد ربهم ، بعد الاعتماد على الله من قبل ومن بعد.whamed6@gmail.com

الانا والاخر/الكاتب الفلسفي التونسي زهير الخويلدي


الأنا وجه لوجه مع الآخر أو ليفناس فيلسوف الغيرية / بقلم زهير الخويلدي
09-11-2009

الأنا ليس الكائن الذي يبقى في وجوده هو عينه بل الكائن الذي يرتكز وجوده على التماهي وعلى البحث عن هويته من خلال كل ما يحدث له...
السؤال الذي استفز الفيلسوف امنيال ليفناس ( 1906/1995) كثيرا وأثار فيه عدة استفهامات هو تخوفه من وجوده في عالم لا يحمل أية جدة ممكنة وانخراطه في حياة خالية من الأمل ومعدة بشكل مسبق دون ضمانات للاستمرار في البقاء والمعطى الذي عزز تخوفه هذا أن لا أحد من المجموع البشري يملك أي نوع من أنواع القدرة على التغيير والاختيار ولذلك لم يكن مشروعه منصبا فقط حول تعويض روحانية المعرفة بروحانية الحب المهددة من قبل اللاعقلانية الطاغية نتيجة هيمنة التقنية وانتصار التصور الوضعي للعلم بل تمحور حول السبل الكفيلة بإيقاظ البشر من سباتهم الدغمائي الذي جعلهم يعتقدون أنهم قادرون في يوم ما على التحكم في الأزمات التي يتعرضون إليها واقتراح الحلول الجذرية لها. القرار الذي اتخذه بالتوجه نحو الفلسفة لم يكن وليد الصدفة بل نتيجة إيمانه الراسخ بأن "الفلسفة هي نفس الثقافة وروح الحضارة التي شكلتنا وجعلت منا نحن ما نحن" بالإضافة إلى تتلمذه ومقابلته لأهم الفلاسفة في عصره وبالخصوص هيدجر وياسبرس ومرسال وبرنشفيك.
بيد أن الشحنة الكبيرة التي دفعته نحو التفكير في عالم الحياة أتته من التراث اليهودي المستنير وخاصة تأويلات حاييم فولوزنار المتحررة للتوراة واعتباره هذا الكتاب "الكلمات الأولى التي ينبغي أن يصرح بها من أجل أن يكون للحياة الإنسانية معنى"،كما تأثر بكل الكتاب والسياسيين الذين واجهوا الحكم الشمولي سواء الشيوعي أو النازي وحاولوا إيجاد علاقة جديدة مع المستقبل تتميز بسخاء إبداعي وقد انخرط هو نفسه في مشروع مناهضة النازية بكتابته مقال بلور فيه "بعض الأفكار حول الفلسفة الهتلرية سنة 1934 أين رفض مفهوم الحشد وقاوم سياسة تكبيل الجسد التي تمارسها الدعاية النازية واعتدائها على قيم الكرامة والحرية الشخصية وقد بدأ يتحسس هنا المشكل الفلسفي المركزي الذي سيرتبط اسمه به ويرفعه إلى صف الفلاسفة الكبار وهو مشكل علاقة الانية بالغيرية فكيف يتسنى لنا منذ البدء أن نعلن أن ليفناس هو فيلسوف الغيرية؟ ماهي علاقة الانية بالغيرية؟ ومن يحدد الآخر؟ هل المطابق هو الذي يحدد الآخر أم الآخر هو الذي يجعل من المطابق مطابق لذاته؟ كيف يكون المرء ذاته ويصبح أنا؟ هل عن طريق الوعي أم عن طريق الإرادة؟ هل عن طريق القول أم عن طريق الفعل؟ كيف تطرح هذه الذات ذاتها؟ هل بالانفصال عن العالم والانطواء على ذاتها أم بالانخراط في العالم والانفتاح على الآخر؟ ماهو الآخر؟ ولماذا أصبح الآن مشكلا فلسفيا بامتياز ؟ هل هو عدو للذات أم هو عين الذات كآخر؟ من أين ينبع إحساس الذات بالضياع في العالم وباللاحماية من الآخر؟ وماذا تفعل للتغلب على هذا الخطر المتأتي من الآخر؟ كيف يمكن للذات أن تفتك مكانا ما تحت الشمس وتنجز كيانها دون أن تعرض حياة الآخر إلى الخطر؟ ماهو الطريق الجديد الذي انخرط فيه ليفناس وساعده على حل معضلة الانية والغيرية؟ ألا ينبغي أن تتوقف على اعتبار الآخر مجرد شيء ونبدأ في معاملته كشخص ينتمي مثلنا إلى دائرة النوع البشري؟ هل يقدر الحوار على إزالة سوء التفاهم بين الأنا والآخر أم يجب أن نتعدى ذلك نحو المقابلة rencontre laوالتلاقي وجه لوجه؟ ماذا تضيف المقابلة إلى الحوار؟ كيف تبدأ الذات في التجلي l’épiphanie للأخر دون تزييف في لحظة المقابلة والتلاقي؟وألا يفعل الآخر نفس الأمر من خلال الوجه الذي يتيح له فرصة التجلي للذات والكف عن الغربة والانطواء؟ وهل يجوز أن نعتبر الوجه visage الجسر الاتيقي المنشود الذي يربط بين العين والغير؟ لكن عن أي وجه آخر نتحدث؟ وما المقصود بأخر الوجود بالنسبة للذات؟
ما نراهن عليه هو تخطي منطق التنافي والتخاصم وتفكيك قلاع الهويات المتكتمة على ذاتها ومد جسور التواصل والتصافي بين الذوات والأمم من أجل تحقيق مجموعة من التفاهمات وانجاز جملة من التشاركات قصد بناء الهوية الإنسية الكونية المؤهلة لتحمل مسؤولية المحافظة على الحياة الأرضية وتحقيق وصية الاستخلاف والائتمان والتعمير.
1. التفكير في الأنا من جهة علاقته باللانهائي:
نشر ليفناس سنة 1934 مقالا بعنوان l’évasion عبر فيه عن رغبته في الخروج من الوجود وذلك لتبينه أن الذات منسحقة من طرف الوجود وبقائها في خدمة النسق ولاكتشافه فظاعة الممارسات اللاانسانية التي يحملها التاريخ إلى الناس وسبب هذه الفظاعة هو ما يحمله الإنسان من كره وحقد على الإنسان الآخر وتفشي النزعات العنصرية التي تعتمد على مبادئ الإقصاء والتمركز على الذات واستئصال المخالفين وتصفيتهم جسديا ومعنويا ولذلك حاول ليفناس أن يعطي الإنسانية اللمسة التي تنقصها لكي تصبح إنسانية بحق بحيث تحدث عن الصداقة ونادي بضرورة احترام الآخر والاعتراف بحقوقه والسماح له بالمشاركة ولذلك نظر لإنسانية الإنسان الآخر l’humanisme de l’autre homme . إن خطأ الإنسانية الغربية المهيمنة الأول هي أنها جعلت العين هو دائما الذي يحدد الغير ولم تنظر إلى الغير على أنه هو الذي يحدد العين، الخطأ الثاني هي أنها اعتبرت الوجود من أجل الله واعتبرت الله من أجل الوجود بينما الله هو منفصلا عن الرغبة بشكل لامتناهي انه آخر الوجود أو الوجود الآخر المنفصل. لذلك يناهض هذا الفيلسوف غير الفلسفي الميتافيزيقا الغربية في معناها الميتافيزيقي التي سعت جاهدة إلى دمج كل شيء ضمن دائرة المعرفة الموضوعية السببية وهمشت الذات ووقعت في الخلط بين الطبيعة والفكر والتاريخ والبنية ويهتم بما أبقته هذه الميتافيزيقا خارجها من مشاكل وقضايا ويتناول المواضيع التي أسقطتها من حسابها وهمشتها مثل الغيرية والجسد والوجه.
إن كل واقعة مهما كانت غرابتها وتفاهتها تنتمي إلى مجال الوجود هذا ما أكده ليفناس وكل ما يعزب عن الوجود هو عدم ولا يتعلق الأمر هنا بفعل وجد الذي يعني كان بل باسم يشير إلى الكائنات والأشياء وماهيتها وما يجعلها هي هي. إن الفلسفة هي علم الوجود أو أنطولوجيا لا يعزب عنها شيء أي هي نظرية للكلية Totalité أما العلم فهو أثر للعقل و مرتبط بالتقنية ويظهر كتفعيل لمعرفة مسيطرة على الطبيعة. من هذا المنطلق يتحدث ليفناس عن شمولية Totalitarisme العقل ويقصد أن المعرفة العقلية هي التي تتحكم في سلوك الذات البشرية وفي حرصنا على أن نفتك مكانا تحت الشمس، انه بالمشاركة في هذا الحدوث للوجود تكون الذات هويتها وتصبح أنا وهذا الجهد من أجل إثبات الذات يمكن أن ينتج عنه عنف وحرب وذلك لتضارب المصالح وتدافع الرغبات واصطدامها ببعض. ينقد ليفناس الأنطولوجيا التي ترد كل الموجودات إلى الوجود ويقترح ميتافيزيقا جديدة مهمتها التطلع إلى اللانهائي L’infini الذي لا يختزل في غيره ولا يمكن أن تحتويه أي كلية لاهوتية أو تاريخية.
2- التفكير في الأنا من خلال جسد الآخر:
يبحث ليفناس في مقاله المراوغة عن طريق جديد يسمح للذات الإنسانية من الخروج من غل الوجود الزائف واختراق السلسلة الأكثر صلابة وهو هنا لا يقول شيئا جديدا بخصوص هذا الطريق بل يكتفي بأخذ مسافة نقدية مع أحلام الشاعر ورغبة الرومانسي التي تصطدم مع واقع المجتمع وتحفظات تقاليده. إن هذا الطريق الجديد الذي يسلكه ليفناس لا يحملنا خارج العالم بل يقحمنا في حضن الوجود أي وجودنا الآخر أو آخر وجودنا Autrement qu’être.
تساعدنا الفنومنولوجيا على اكتشاف الكيفية التي نمر بها في حياة كل يوم إلى الوجود الذي نحن وهي انجاز حالة من الانفصال Séparation كحدث حقيقي للميلاد وحتى يحافظ هذا الميلاد على مبادأته لابد أن تدركه الذات في اللحظة التي أنتجها فيها أو عاشته فيه ويسمى ليفناس هذه اللحظة بحدث الحرية وهي لحظة تفك فيها الذات ارتباطها بالوجود الزائف وتصبح اثنين واحدة في مواجهة أخرى أي أنا مناظر للآخر. أما الإنسان العامي فهو خاضع لسلسلة الوجود المكبلة مستسلم لمشاعر الضياع والكسل والكسل Paresse هو رفض البدء والعزوف عن الاستئناف، انه تردد أمام قدوم الوجود والكف عن استقدامه أو تعب من المستقبل ورضا بالحاضر وهذا التعب والكسل والملل هي من الأمور التي تساعد على إنشاء المستقبل بالنسبة للذات وتبين لها أنها ليست مجرد صفحة تعكس حقيقة الوجود وأن وجودها بيدها وليس مجرد قدر أما البدء فليس فرصة لولادة ثانية بل هو حدث ولادة أصلية ولحظة حرة وممتعة تدشن فترة جديدة تنطلق فيها الذات نحو الاعتناء بذاتها وذلك باشتغالها بحراسة ذاتها بذاتها من أجل تحصينها من الخلاء الذي يملئ الأمكنة والضجيج الذي يدوى في الساحات قصد حمايتها من الإحساس باللاحماية Insécurité.
يسمي ليفناس هذه التجربة المأساوية التي يحس فيها الإنسان أنه تحت رحمة ضربات القدر بتجربة الوجود غير الشخصي أو الوجود العام حيث لا يوجد أي صوت يمكن أن يسمع ولا أية صورة يمكن أن ترى وكأن الذات موجودة في الليل ولا تدري ماذا سيحصل لها فهي لا ترى شيئا ولا تستطيع أن تحرس نفسها بل هذا هو الذي يحرس انه الوجود المسلوب من روح الأشخاص.
من هذا المنطلق يصعب على الأنا أن تلمس بأصابعها العمق الغامض للوجود الذي يسمح بظهور الأشياء في الليل طالما أن الوعي مخترق من قبل هذا الضجيج المتصاعد من الساحات العامة ومرتعب من صمت الفضاءات اللامتناهية أين يصعب عليه أن يميز بين الأشياء والأشخاص.
الانفصال لا يعني الانطواء على الذات بل تأكيد لاستحالة العودة إلى القوقعة والشروع في الاحتكاك بالهذا وتفكيك الشعور بالخطر من لقاء الآخر. لحظة الولادة هي منعطف بالنسبة للذات وهي معانقة الوعي للوضوح وانقشاع الظلمة وهي تحصل في الزمن الذي ينبعث فيه الضوء وتشعل الشمعة وتشرق الشمس وتتلاشى وضعية بائسة ويدرك أثناءه المرء آخر الدرب...إننا نرى ديمومة الأشياء ومهجة الألفاظ ورائحة العطر ولحن الآلة ونصل إلى الحل النهائي أين يأخذ العالم صورة وتختفي مجهولية الوجود ويقترن الانفصال في الحياة بالشعور بالغبطة كسعادة و"الغبطة وسيلة حياة مثلما كانت الريشة وسيلة كتابة" وهي لا تدرك بالعودة إلى الذات وعندما يفهم المرء ما يحصل له بالإحساس بالهوية عن طريق انخراط الجسد في عالم الحياة لأن "الجسد ليس ذلك الدخيل الأبدي" الذي يحطم وثبة الفكر الحرة ويعيده إلى شروطه الأرضية كالقبر الذي ينتظره بل هو الأقرب إلي الذات من باقي أشياء العالم والأكثر ألفة والذي يتحكم في مزاجنا ونشاطنا وحياتنا النفسية،أليس الجسد هو أساس الإحساس بالهوية "ألا نثبت ذواتنا في هذه الحرارة الفريدة التي تنبثق من جسدنا قبل تفتح الأنا الذي سيدعى التميز عن الجسد؟"
الحياة هي الدلالة الخاصة بالغبطة التي تنتمي إلى مجال الإحساس والجسد وهي ليست انفصالا بالمقارنة مع الكلية بل مصدر الهام ينادي بالتعالي في الداخلية، يقول ليفناس في هذا السياق:"كل غبطة بهذا المعنى هي تغذية،أما الجوع فهو الحاجة والحرمان بامتياز.إن الحياة في... بهذا المعنى ليست مجرد الوعي بما يشغل الحياة.هذه المضامين تعاش:إنها تغذي الحياة.إن المرء يحيا حياته".
يحدث ليفناس منعطفا فكريا يتجاوز به منعطف الحداثة الذي أحدثه ديكارت لأنه عندما صرح:أنا شيء يفكر فانه ربط الوجود بالتفكير ولكنه فصل الذات عن الواقع المعاش وعن الحياة اليومية لكن ما يثير الإعجاب في الكوجيتو الديكارتي هو لفظ شيء وآيته في ذلك أن الشيء يقطن مكانا ما وله مأوى والوعي بوصفه شيء مفكر لا يخرج عن هذا الوضع فهو شيء متحيز،إن كل من يفكر يرتكز في تجربة تفكيره دائما على قاعدة يجمع نفسه حولها ويصبح سيدا على ما يفكر فيه وهذه القاعدة هي الجسد بوصفه حدث الوعي وحدثان الوجود. على هذا النحو يجري الجسد انقلابا في علاقة الإنسان بالواقع وفي عالم ذات البين Intersubjectivité طالما أن الوعي يكون عالم الذات عن طريق الجسد دون أن يقوم بتجريده أو يغادره يقول ليفناس في هذا الصدد:" يبدو الجسد دائما وأبدا من أجل أن يكون أكثر من كومة من المادة،إذ يمكن له أن يكون أكثر كثيرا واقل قليلا من مجموعة أجزائه...الوجه والعينين بوصفها مرايا الروح هي أعضاء التعبير بامتياز. لكن روحانية الجسد لا تقطن قدرته على التعبير عن الداخل.الجسد لا يعبر عن الحدث انه هو نفسه هذا الحدث".
الذات ليست خارج العالم بل متجذرة فيه عن طريق الجسد،إنها في البيت حيث مربض الجسد ومأواه والمأوى ليست القوقعة والعزلة ونهاية الحياة الإنسانية وانغلاقها بل شرطها الضروري وبدايتها،ألم يأتي الأنا إلى العالم داخل البيت وبدأ انطلاقته نحو الوجود من عتبته؟
إن المأوى من حيث هو شقة ينتمي إلى عالم الأشياء ولكنه من حيث هو بيت الإنسان يجعل العالم الحميمي الذاتي ممكنا،انه ليس مكان الوحدة والعزلة بل مجال لممارسة حق الضيافة والانتظار والاستقبال لجميع زائريه دون تحفظات،انه وجود الجسد وجسد الوجود ومكان لقاء الأنثى وتحول الأنثى إلى وجود بالنسبة للذكر،بعبارة أخرى لم يعد الوجود الأنثوي داخل البيت آخر الوجود أو الوجود الآخر بل يصبح وجود الأنثى هو الشرط الضروري لذكورة الوجود إقبالا وانفتاحا.
3- التفكير في الأنا من خلال الوجه :
"الوجه هو الهوية عينها للكائن"
تدور فلسفة ليفناس حول مقولة الآخر كفكرة مركزية تعطي للوجود معنى والآخر يتجلى من خلال مقولة الوجه الذي يمثل مرآة عاكسة لشخصية الأنا وكينونته ينبغي على الآخر أن يحترمها ويعترف بمنزلتها من تأسيس علاقة ذات البين ترتكز على فكرة اللاتناهي من جهة مناظرة الأنا للآخر وتبادلهما المسؤولية من أجل المحافظة على الحياة على الأرض. وتلعب اللغة دورا أساسيا في العلاقة بين الأنا والآخر فهي تجعل العلاقة بين المتحاورين ممكنة وتسمح بتبادل المعارف والمعلومات بينهم وتحقق التواصل بين جميع الفرقاء لأنه حتى في حالة اندلاع النزاع والصراع بين مجموعة من الأطراف فان اللغة تظل في قلب الأحداث وتبقى الوسيلة الوحيدة لإجراء مفاوضات من أجل الوصول إلى تسويات ظرفية واتفاقات ترضي الجميع وتبلور السلم الاجتماعية، إذ يقول ليفناس في هذا الشأن:" يمكن أن نسمي حوارا هذه المقابلة التي يدخل عبرها المتحاورين إلى فكر الآخرين حيث يعطون للحوار قيمة.ويمكن أن نسمي اجتماعية وحدة أشكال الوعي المتعددة الداخلة في عين الفكر". هذا الحوار كفيل بإيقاف النزاع وتحييد العنف وإرجاع الناس إلى طبيعتهم العاقلة وتمكينهم من السيطرة على أهوائهم وتثقيف طبيعتهم العدوانية وتكوين الحقيقة عن طريق الإجماع Unanimité ويربط ليفناس هذا الحوار بالمحايثة حيث تظل الذات ملتصقة بذاتها ومنهمكة في الاعتناء بوجودها ويربط بين إثبات الذات والانفتاح على الآخر واحترامه أين يحدد المطابق le même الآخر L’autre ويحدد الآخر بدوره المطابق لكن ليفناس ينبهنا إلى أن وراء كل اقتناع convaincre توجد غلبةvaincre وهيمنة وقهر وبالتالي يبرز خطر العنف مجددا في علاقات ذات البين وبالتالي ثمة تخوف من اعتبار الآخر كمجرد شيء وموضوع للرغبة وأداة للاستعمال ومن أن ينظر إليه الأنا على أنه ضدا وعدوا ومزاحما يجب إزاحته والقضاء عليه.يتجاوز فلاسفة الحوار هذه المعضلة بتأكيدهم أن لحن الأصوات وشذى المعاني المتبادلة وليس دلالة الكلمات هي التي تصنع هذه العلاقة المتكافئة وأن شكل العلاقة التي تنجزها اللغة هي علاقة أنا – أنت وليس شكل العلاقة أنا-هو إذ عندما يتكلم كائنان بشريان ويستعمل ملاهما لغة التخاطب فان الأنا يتوجه إلى الآخر ويقول له أنت قبل أن يبدأ في الحديث عن نفسه وفي هذا التوجه نحو الآخر بالحديث خروج عن النرجسية الفارغة واعتراف بالآخر واحترام له كطرف حقيقي في الحديث،يقول ليفناس حول هذا الموضوع:" أن نتحدث مع الآخر هو في نفس الوقت أن نعرف الآخر ونجعله يعرفنا،فالآخر هنا ليس فقط معروفا بل وأيضا مرحبا به، ليس فقط مسمى بل وأيضا مدعو من طرفنا.أنا لا أفكر في كل ماهو بالنسبة إلي فقط بل وأيضا وفي الآن نفسه أفكر في كل ماهو بالنسبة إليه".
العلاقة الشرعية بين الأنا والآخر هي إذن مقابلة Rencontre وتقتضي هذه المقابلة المحافظة على المسافة والبقاء في حالة الانفصال بين الطرفين لأنه بمجرد أن أتعلق بما يقوله عني أو يتعلق هو بما أقوله عنه فان الاتصال يتحول إلى ذوبان وانمحاء والمقابلة تتحول إلى علاقة تطابق بين الأنا والآخر وبالتالي لم يعد هناك لا أنا ولا آخر بل مجرد شيء واحد هو المثيل Même أو المطابق Identique . إن المقابلة تجرى عندما يتم احترام المسافة التي تفصل بين الطرفين وتسمح لهما بالتواجد معا والعيش سويا والمسافة الضرورية ليست مسافة مكانية بل مسافة زمنية وثقافية وتاريخية وهي غير قابلة للتذليل والاجتياز لأنها هي التي تسمح للغيرية للوجود عند الطرفين. نعثر على خاصيات الحوار المتعالي في علاقة الترابط بين الأنا والأنت لكونها علاقة اتيقية متعادلة وهذه هي صورة الحوار المتعالي أو التعالي بالحوار من أجل إتاحة الفرصة للأنا لكي يقابل الآخر وللآخر من أجل مقابلة الأنا دون أحكام مسقطة ودون برمجة مسبقة. بيد أنه ثمة تخوف من أن علاقة الترابط يمكن أن تمحي الغيرية وتفسخ الخاصية التقابلية للطرفين لأن"المقابلة الحقيقية تحدث بين كائنات لا تعرف بعضها البعض"،لإزالة هذا التخوف يقترح ليفناس أن تكون العلاقة بين ذات البين علاقة تناظر وتقابل أين يكون كل واحد في خدمة الآخر وليس علاقة تنازع أو تطابق لأن التنازع بل وحتى التطابق يؤدي إلى انتفاء أحد الطرفين والقضاء بالتالي على العلاقة وتنعدم شروط المقبلة ووضعية الحوار.
إن الحوار يتضمن كلاما أرسله إلى الآخر وردا من الآخر يرسله إلى أنه يفترض الانخراط في لعبة تبادل للرسائل بين الباث والمتقبل وهو يوقظ عندنا روح المسؤولية لأنه ينبغي أن يجب كلانا على ماهو مرسل إليه من نداء ولا أحد بإمكانه أن يعوضنا في ذلك لأن الكلام موجه إلينا وليس لأحد آخر.إن الحوار يخرج المرء من وحدته الصماء الفارغة أي من أنانته ويقحمه ضمن الكلية التي هي نتيجة إجماع المتحاورين على الحقيقة وهي ليست تطابق بين العقل والواقع بل رفع المتحاورين للغطاء عن أسرار الواقع لرؤية وجهه الحقيقي طالما أن العلاقة أنا-أنت هي مكان حدوث الاتيقا وطالما أن الأنا أثناء مقابلتها بالآخر تأخذ بعين الاعتبار الكل أو تطمح إلى أن تتكلم باسم الكل ولا تكتفي بالكلام عن الفردي الجزئي.
يتراوح وجود الذات بين الاستقالة والارتماء في الوهم بالانطواء في النوم من أجل الحلم بعالم آخر أفضل ولكن ليفناس يرفض هذا الحل ويعتبره جزءا من شجاعة الانتحار أين تسقط الذات بين حبائل الهيمنة خوفا من الموت أو رعبا من تجربة الهناك ويبحث هذا الفيلسوف عن النسيج الذي يشد الذات إلى الوجود في قلب المحايثة وفي اليومي أين تتواجد عبر الصور وعن طريق فعل السكن وتشعر بالغبطة حين ينفتح أفق الجسد على جدة أصيلة. يقول في هذا السياق:" إن اختراق قوقعة العزلة هو وحده الذي يسمح لنا بالنفاذ إلى آخر الوجود بطريقة مغايرة عنه".
علاوة على ذلك يؤكد ليفناس على الدور الاتيقي للوجه في العلاقة التناظرية بين الذات والغير لأنه عندما تتوجه الذات نحو ذات أخرى فإنها تحاول على التو معرفة من تكون وتفهم ماذا تريد وتقول لها ما تنتظره منها ولن يتسنى لها تحقيق هذه المقابلة إلا بمنحها وجهها وبالتعرف على وجه الذات الأخرى،في هذه العلاقة أي أثناء المقابلة بين شخصين نحن لسنا فقط أمام فهم ومعرفة بل أمام وجه لوجه face à face و"الوجه يحدثني ومن هنا يستدعيني إلى علاقة دون قياس مشترك مع قدرة تمتحن". لكن تبادل الكلام هو أكثر من تبادل المعارف لأن هذا الشخص الذي يكلمني لا أفكر فيه كما هو بل أتحدث إليه فهو مشارك لي في علاقة تجعلني حاضرا دائما وأبدا بالنسبة إليه وتجعله حاضرا دائما بالنسبة إلي ومن هنا ينشأ الاحترام والاعتراف المتبادل. لقد تحدثت إليه وتحدث هو إلي وبالتالي أهمل الوجود الجزئي الذي يخصه وانخرط في الكلي. عندئذ يكون الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يستطيع عندما يلتقي بغيره ألا يعبر له عن سعادته بهذا اللقاء أو سخطه وامتعاضه الشديد.يتميز اللقاء عن المعرفة بكونه يوجه إلى الآخر تحية وسلاما ويترجم موقفا إنسانيا وليس مجرد لقاء تعارف لأنه عندما أتحدث مع غيري فان الأمر لا يتعلق بتبادل الكلام معه بل باستدعائه واستضافته. هنا ليس الآخر هو الذي يفرض عليه الأنا هيمنته بل ذاك الذي يحافظ على نفسه ويتماسك في خارجيته . انه الشخص الذي يتحدث إليه الأنا ويوجد خارجه والذي يستمد مرجعيته من ذاته وليس هو فقط موضوع الحديث أو ذاك المشار إليه بالهو.
يتدخل الوجه بطريقة حاسمة في انفتاح الانية على الغيرية وفي تحول الغيرية إلى شرط إمكان إثبات الانية لأن الآخر عبر وجهه يظهر للأنا في خارجيته وغرابته وتميزه،" انه من خلال الوجه يتجلى الآخر للأنا" بل إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك وجه ويتميز عن الآخرين بوجهه بينما الأشياء والكائنات الأخرى ليس لها وجه ولا تتميز عن بعضها البعض بهذه الخاصية لأن لها نفس الملامح والصفات وبالتالي فالوجه إنساني أو لا يكون.
إن تجلي وجه الآخر للأنا يتم عبر النظرة والنظرة ليست مجرد الرؤية الحسية بل التمعن والتحديق والإبصار لأنه كما يقول هيدجر:"ليس المهم أن نرى بل الأهم أن نبصر في ما نراه" والوجه ليس مجرد الجبهة والأنف والفم والعينين والوجنتين بل هو بصمة الشخصية ورمزها العلني وأكثر الملامح مجلبة للانتباه وكما يقول ليفناس:" دلالة الوجه تكمن في البعد الجديد الذي يفتحه في إدراك الوجود"، والمقصود أننا نحن موضوع الإدراك بحكم الاختلافات في الوجه والتي تعطينا كيفيات تميزنا. يتميز الوجه بمجموعة من الخصائص مثل النقاء الأصلي و المقاومة اللامتناهية والخارجية الجذرية، فالتجلي كوجه ليس انكشافا لعالم باطني بل خارجية الوجه هي هنا ما لا يمكن إخفائه والاضطلاع به وتحملها،إنها من الآن فصاعدا تقدم نحو اللانهائي والبرانية الجذرية،فالآخر ليس له أن يعبر ويظهر إلا عن طريق وجهه والوجه هو بالتحديد هذا الظهور الاستثنائي للذات بذاتها. تجلي وجه الأنا للآخر هو زيارة الآخر عن طريق وجهه المختلف وبالتالي يفتح الوجه نوافذ الذات للزائرين ويسمح لها بزيارة الآخرين عبر وجوههم وهكذا يدخل الوجه إلى عالمنا عبر حقل غريب والإنسان الغريب يأتي إلينا من الخارج منفصلا عبر وجهه المتجلي ويعترف ليفناس أن:"دلالة الوجه في تجرده هو في معناه اللغوي خارق للعادة وخارج كل نظام وخارج كل عادة".
إن المحاور يطرح نفسه في مواجهة الآخر دون أن تعني المواجهة صداقة وحسن ضيافة ودون أن تكون النظرة المصوبة نحو الوجه هي نظرة معرفة وإدراك فحسب بل قد تكون نظرة حقد وازدراء أو نظرة حب واحترام، وبالتالي ينبغي أن نتوقف عن معاملة الآخر كموضوع حتى نستطيع أن نراه على حقيقته ونقابله مقابلة حقيقية كما يقول ليفناس:"إن أحسن طريقة لمقابلة غيرنا لا تتطلب ملاحظة لون عينيه" لأن التفرج على وجه الآخر يشترط التحلي بالاتيقا والتسلح بالبعض من الاحتشام والحياء ولأننا عندما نرى لون عيني الآخر فإننا لا نكون في علاقة اجتماعية مع آخرنا بل في علاقة عاطفية شعورية. في الواقع يوجد أسلوبان من أجل اعتبار وجه الآخر:
- العلاقة مع الوجه يحددها الإدراك المعرفي أين يقع الهيمنة على الوجه عن طريق الرؤية مثل الهيمنة على أي موضوع آخر.
- العلاقة مع الوجه هي علاقة اتيقية تسمح بإنقاذ خارجيته الجذرية أين يوجد الآخر برمته قبالة الذات دون موانع أو تحفظات.
الدخول الاتيقي في الآخر يتوقف على حركة فتح الأبواب والنوافذ الخاصة بالذات من أجل استضافة وحسن استقبال الآخر والوجه من خلال استقامته وصفائه ومقاومته هو ميدان هذا الانفتاح وأفقه واستقامته لا تعني صراحة الآخر وإخلاصه بل تتحقق في الحركة التي يظهر بها الوجه قبالة الآخر دون تردد. من جهة ثانية يرفض الوجه كل تملك ويند عن كل موضعة ويتنطع عن كل اختزال ويقاوم الوحدة في القراءة والتنميط في الصورة وصفاؤه ونقاؤه وبراءة جلده وعريه كلها شهادات على فرادته وتميزه كما أن المقاومة التي ينخرط فيها لا يستمدها من سلطة خارجية يخضع لها بل يأخذها من تحرره من كل نظرة اختزالية طالما أن الوجه هو ما لا يمكن تلخيصه ووصفه وصفا شافيا،يمكن أن أضرب الوجه وأشوهه ولكن لا أستطيع إخضاعه واستعباده ويوجد حل جذري لذلك وهو أن أسحقه وأقتله لكن إذا كان الموت ممكنا فان القتل مستحيلا أخلاقيا،انه ليس أبدا نصرا بل إرادة يائسة تختزل الآخر الذي يتحدى رغبتنا في شهوة القتل،هذا الآخر هو الوجود الوحيد الذي نشتهي قتله عندما تتعارض القوة التي تضربه على وجهه مع مقاومته وامتناعه عن الموت الذي يمثل النظرة نفسها نحو الوجه. هنا يتعالى الآخر على وجود القوة الموجهة ضده نحو لامتناهي الوجه وهذا اللامتناهي هو الذي يفتت القوة الغاشمة المسلطة عليه بمقاومته اللامتناهية للقتل.
فلسفة ليفناس هي فلسفة اللامتناهي وهذا الأخير لا نحصل عليه بعد امتحان المعرفة التي تحاول فهم الواقع وليس مجرد نقيض للمتناهي بل هو الأفق الذي يتعالى على كل معرفة وهو كذلك رغبة في المطلق وليس مجرد حاجة تنبع من الذات. تتعلق رغبة الإنسان بلامتناهي نابع من وجود لا ينقصه شيء ولذلك يظهر الآخر في هذه العلاقة كشيء مرغوب فيه.
فكرة اللامتناهي تتعلق بتجربة الغيرية وبالعلاقة مع الآخر بوصفها علاقة اجتماعية تتمثل في الاصطدام مع وجود خارجي بإطلاق،لاتناهي هذا الوجود لا يمكن أن يحتوى الآخر ويضمن ويكون هذه الخارجية التي تظهر في المقاومة المطلقة التي يبديها الوجه ضد كل موضعة.
يقول في هذا السياق ليفناس:" من المؤكد أن الآخر يمنح نفسه لكل قدراتي ويقع تحت حيلي وجرائمي ويقاوم بكل قواه ومصادره غير المتوقعة حريته الخاصة... توجد خارجيته الحقيقية في نظرته التي تمنعني عن كل غزو. تتكون هنا علاقة مع مقاومة كبيرة مع الآخر المطلق، مع المقاومة الاتيقية..."
إن الوجه الذي يستدعيني ويوجهني ويدعوني إلى تحمل مسؤولية لا متناهية تجاه الآخر هو وجه عار ومجرد وملامحه مكشوفة ولا يخفي أي سر ورائه فهو موجود خارج عالم الظواهر وكل ما فيه قد ظهر منه،يضع الوجه الذات في علاقة تناظر موازية للآخر وهذا الآخر ليس مجرد مرآة عاكسة ترى فيها الذات ذاتها بل هو كذلك ثقب في عالم الذات يترك فيها بصماته وآثاره عندما يمر من أمامها وتنفتح عليه كما يقول ليفناس:"إن الوجه ليلمع داخل أثر الآخر"
في علاقة المرور ينبغي أن يتخلى الآخر عن الرغبة في رؤية ومعرفة الذات،يجب أن يرضى فقط بوضع المرور الذي هو رفض لكل ذوبان في المطابق والمثيل والنظير،انه يؤدي زيارة ويشرع في القدوم فيعطل المحايثة دون أن يصمد في التعالي ودون أن يثبت في آفاق العالم.
الوجه هو داخل أثر الغياب المرتبط بالآخر وليس البتة مقبوضا عليه،أما الأثر فهو يلعب دور العلامة على مرور الآخر قبالة الذات ويتمسك به الوجه ليؤكد مروره.
الآخر الذي مر والذي ظل غائبا بإطلاق وغير قابل للإدراك يشهد على قوته ويعبث بنظام وجود الأنا وهو مطالب بالانسحاب حتى لا يتحول إلى رهينة للأنا،يذكرنا الأثر أنه أثناء هذا المرور يتشكل شيئا ما عند مقابلة الآخر،لقد مر شيء ما والجوهري في مغامرة مروره ليس الوصول إلى المعرفة والتذكر بل الحصول على التعرف أثناء المقابلة. إن الأثر الذي يظهر في الوجه لحظة مرور الآخر يفتح الأنا على المجهول ويمكنه من الوصول إلى جدة غير متوقعة.
4- مستقبل الأنا هو مجاورة الآخر:
"كل مقابلة تبدأ ببركة متضمنة في كلمة صباح الخير"
الإنسان مدعو على طول وجوده في العالم الذي قذف فيه إلى وضع إمكانياته قيد التنفيذ وذلك بالتفكير في الزمن لا كانحطاط للديمومة بل كعلاقة مع الآخر المطلق الذي يظل غير مفهوم.
يبحث ليفناس عن الوسيلة التي يستعملها الآخر ليقاوم بها العدم وينتصر في وجوده دون أن يهمل مأساة موته الخاص وحزنه من موت الآخر. إن الوجود المائت هو في نفس الوقت وجود من أجل الموت ولكنه أيضا وجود ضد الموت. إن الموت يعطي معنى للوقت المتبقي للحياة لكي يكون انهماما بالوجود، إن المستقبل المهين عليه السأم من الموت لن يصبح مستقبلي لوحدي بل المستقبل الذي يشاركني فيه الآخر.
صحيح أن الموت يهدد الذات في وجودها الخاص ولكنها تمتلك الوقت الكافي لإثبات وجودها بالنسبة إلى الآخر وللعثور على المعنى على الرغم من الموت،إن الذات مدعوة لكي تعترض على عنف الموت بالطيبة حيث ينبغي أن يستفيد المرء من خير الآخرين مادام مزال على قيد الحياة. يثمن ليفناس مبدأ الأمل الذي صاغه أرنست بلوخ والذي يقوم على القول بأن المستقبل الأصيل هو الذي يجعل الموت أمرا مفهوما ويرتبط بالحب الشديد الذي يعوض الموت.
إن ما نسميه حب هو الفعل الذي يتأثر بموت الآخر أكثر من الذات ،انه نتيجة حب الآخر بقوة وليس الضيق من الموت الذي ينتظر الذات. الموت هو الخطر الذي يقترب مني كالسر انه إقبالي على الآخر ومرجعيتي بالنسبة إلى الموت "أننا نلتقي بالموت في وجه الآخر"
من جهة أخرى يعتبر ليفناس الأنوثة هي الآخر بالنسبة إلى الذكورة ويطالب بإعطاء المرأة نفس الحقوق التي ظل يتمتع بها الرجل لوحده لأن المرأة عنده تحوز على نفس الخصائص التي توحدها من جهة كونها إنسان مع الرجل. لكن الأنوثة هي الغيرية الخاصة بالمرأة والتي لا يقدر الرجل على معرفتها حتى عن طريق الحب والزواج. إن الأنوثة ليست جسد يمكن إدراك حدوده تحت الضوء بل هي خاصية مختفية على الدوام وانطواء على الذات. علاقة الحب لا يمكن اختزالها في مقابلة بين شخصين مختلفين يطمحان إلى الانصهار في ذات واحدة عبر تقاسم لذة أبدية. الأنثى هي مستقبل مفتوح للرجل في هذا الزمن الممزق،إنها طريقة للانعطاء تطل على الوجود وعلى العدم كحرارة متدفقة،إنها هشاشة مطلقة ومعطوبة.
اللافت للنظر أن هذه الطريقة في أن تكون امرأة التقينا بها في شكل آخر هو المأوى،المرأة هي مأوى الرجل،كما ينبغي أن يشعر الرجل المرأة بأنوثتها حتى تتفطن إلى رجولته وذلك عن طريق مداعبتها وتمسيح شعرها،التمسح مغامرة ينكشف فيها ماهو متخفي وتتوجه نحو اللانهائي وهو العلاقة المحبذة التي ينبغي أن تنعم بها الأنثى ويقوم بها الرجل حتى يزهر جسدها ويلتهب فؤادها شوقا،انه حركة المحبوب أمام ضعف المحب والغبطة من علاقة الأنثى بالذكر ليست إرضاء الشهوات بل مواجهة المحب لغيرية الأنثى. إن الذات الرجولية غير قادرة على إمساك هويتها إلا بحصولها على حب من الأنثى والعكس بالعكس إذ يقول ليفناس:" الذات الرجولية لا تقدر على انجاز هويتها إلا باكتشاف غيريتها في الأنثى".إن الشهوة هي انجذاب نحو اللانهائي حيث يجتمع الإحساس بالخارجية ويكون الجسد في علاقة مع من في العالم أين الكل وجود وليس وجود.
إن"وجه المحب لا يعبر عن السر الذي يدنسه الحب...فهو ما ينفك يعبر..." الوجه يصبح صامتا بالقياس إلى السر المدنس،انه يقودنا نحو الخلاء ويشير إلى العذرية والبراءة الأصلية في حين يرمز العري إلى الإبراز والتجلي والإفصاح عن اللغز.المتحابون يريدون أن يكونوا وحدهم في العالم لكي يمارسوا الحب دون رقابة ودون ضغط ومستقبل الحب هو ولادة طفل لكن لكي يأتي الطفل لابد من أن يقابل الرجل الآخر من حيث هو أنثى. الطفل هو في نفس الوقت إمكانية من الأنا وإمكانية من الآخر،انه يتجاوز قدرة المحب والمحبوب على المستقبل.إن مستقبل العلاقة هو الآخر الطفل. الأبوة هي علاقة مع غيب يظل بأكمله آخر لأن الطفل لا يكون ابني إلا من جهة المولد أما بعد ذلك يصبح غريبا بالنسبة إلي،كما أن الابن ليس البتة ملكي ولا أثري مثلما تكون الأغنية أثرا للفنان فليس مقولات القدرة والمعرفة والملكية هي التي تحدد علاقة الأب بابنه بل تتبلور علاقة خارجية من خلال تجربة الخصوبة التي تسمح لكل واحد أن يكون نفسه ويوجد الآخر في نفس الوقت. هنا كل واحد هو آخر للآخر والوحدة لا ترتكز على الانتماء إلى نفس النوع بل متعالية على البيولوجيا وتتأسس على المحبة المتبادلة بين الأنا والآخر.
يقول ليفناس في هذا السياق:"إن العلاقة مع الآخر تتركني محل تساؤل،تستفزني،تفرغني من نفسي ولا تنفك تفزعني عندما تكتشف في منابعا جديدة دائما..." إن السؤال الذي يطرح هنا هو التالي: من أين يأتي هذا الثراء السري الموجود في والذي أجهل وجوده والذي لولا مقابلتي مع الآخر ما كنت اكتشفته؟
هناك داخل علاقة الأنا بالآخر إدراك بالرؤية واحتكاك باللمس والتمسيح وهناك أيضا تخاطب باللغة والتواصل عن طريق الصورة. الصورة هي المهيمنة الآن في العلاقات ذات البين لكونها الطريقة المفضلة التي تمثل الأنا للآخر والتمسيح يتهدده التباس الحب واللذة والتراخي لذلك تبقى لنا اللغة وهي ليست لغة المعارف والعلوم بل لغة الحديث الشفوي والكلام اليومي المتداول.
اللغة تخدم حوار المحايثة أين يقع تبادل حجج لغاية إرساء سلم بين المتحاورين . يرسي الحوار المتبادل عدالة بين المتحاورين داخل علاقة الأنا- الأنت، فهو القول الذي يفتح الباب على الآخر ما وراء حاجز الكلمات من أجل رؤية الأشياء والتواصل مع الذوات للتعرف على حياتها الماضية ومشاريعها المستقبلية وهوياتهم التي تتشكل حولا بعد حول.
إن تجلي الوجه الذي يحبذ المناظرة يفتح الأنا على طريق آخر هو طريق الآخر وعوض أن يكتفي الآخر بالتكلم مع الأنا وإرضائه فانه يغرس فيه تخمين ويزرع فيه الشك ويتركه حائرا مترددا لكن من أين تأتي هذه الصدمة التي تحصل لي عندما أقع ضحية نظرة الآخر؟
إن هوية الأنا هي دون غطاء القول ودون طريقة في أن يوجد بشكل معتاد وتعرض نفسها للآخر كماهي دون تكلف.إن الذات تقترب عن طريق التبادل التي تسمح به اللغة في القول من الآتي بأن تعبر له عن نفسها لأن كما يقول ليفناس:" الواحد يعرض نفسه على الآخر مثل الجلد الذي يعرض نفسه للذي يجرحه." الآخر يكتشف أن الأنا الذي يتكلم ليس أبدا موضوعا منكشفا قبل القول بل يقع التعرف عليه بعد أن تخلى عن جميع دفاعاته ويقع اخراجه من مخبئه. مهما كان مضمون التبادل وديا أو عشقيا فان الأنا لا يستطيع الهروب من هذا الوضع العاري وبعض الكلمات القوية كفيلة بأن تسلط الضوء على هذا الاقتلاع من جذور الذات الذي يهددها في تعارض تام مع مجهودها في الوجود وحاجتها إلى الإثبات التي تهيمن على وجودها اليومي. لهذا السبب تتردد الذات في فتح بابها وقبول الآخر ببساطة بل إن الآخر يدخل إلى حياة الذات متسللا كالسارق ويدعوها إلى تحمل مسؤولية لا تريدها ولم تبحث عنها لأنها لا تختار الآخر الذي تلتقي به بل كان مصدر ما حصل لها من إزعاج وفوضى. منذ أن تبدأ الذات في الحديث مع أحدهم فإنها تعرض نفسها عليه فعلا فلا تكون الأنا الذي قرر معرفة السبب في حرية كاملة إذ ينبغي أن تجيبه حتى قبل أن يطلب منها الآخر ذلك وبالتالي لا أحد يستطيع أن يحرر الذات مما سيأتي إليها بالرغم عنها من الخارج. إن اللغة كقول تحدث انقلابا آخر داخل الذات وعندما يتحدث موجودان فان التبادل يبدأ في لحظة معينة وينطرح بطريقة مستقيمة ثم يتوقف. إن زمن التبادل يتعلق بالحاضر من أجل المستقبل أين ينكشف المعنى تدريجيا والقول يشهد على الزمن بشكل مغاير ويمزق الزمن الخطي للقائل. إن قدرتي على التحديد الذاتي تتأثر بانفتاحي على الآخر واضطربت نتيجة التبعية تجاه الآخر.مهما كان محاوري فأنا الذي اخترته فجأة،إذ منذ أن أبدأ في الحديث مع أحدهم فاني أعرض نفسي له فلا أكون الأنا الذي قرر معرفة السبب في حرية كاملة،إذ ينبغي علي أن أجيب حتى قبل أن يطلب مني لماذا ؟، لا أحد يستطيع أن يحررني مما سيأتي إلي بالرغم عني من الخارج. إن اللغة كقول تحدث انقلابا آخر داخل الذات. عندما يتحدث موجودان فان التبادل يبدأ في لحظة معينة وينطرح بطريقة مستقيمة ثم يتوقف. زمن التبادل يتعلق بالحاضر من أجل المستقبل أين ينكشف المعنى تدريجيا، إذ يشهد القول على الزمن بشكل مغاير عندما يمزق الإيقاع الخطي للقائل.
أن نتحدث إلى أحدهم هو أن نفتح الباب الذي نحن منغلقون وراءه للانهماك بالوجود.انه لا أحد محروم من هذه المغامرة التي ينكشف معها بعض الضعف البشري. إن الذي يعزف عن الحديث للآخر يحرم نفسه من نجدة الكلمات ومن ثمار النقاش الذي يمكننا من التخلص من معتقداتنا البالية. التحدث إلى الأخر والتوجه نحو والتراسل معه هو الانعطاء له والوجود مع الآخر ومن أجله والمعاناة والتألم من وجوده فبالة الذات.إن الكلام ألم ومعاناة ومكابدة ويتطلب الصبر ويخضع الأنا تحت الامتحان خاصة وأن " الأنا كانت في القول معطية للآخر دون تحفظ"
الأخذ باحتياجات الآخر والاعتناء به هو مجاورته من أجل معالجة أخطائه وإصلاح هفواته عن طريق الهبة والعطاء والبذل وهذا الفعل لن يكون له معنى إلا إذا كانت في شكل انتزاع من الذات بالرغم عن الذات ، وحدها الذات التي تأكل يمكن أن توجد من أجل الآخر أما الذات الجائعة فإنها لا توجد إلا من أجل قضاء حاجياته بل بالعكس إنها توجد من أجل أن تنتزع خبز الآخرين من الفم وهذا هو سلوكه العدواني تجاه الإنسانية المنغرسة فيها.لن تكون هناك دلالة للواحد منا للأخر إلا إذا كنا موجودين من لحم ودم. الإحساس بالآخر لا يمكن التسبب في العطوبية أو التعاطف مع مرض الآخر. الجرح بالنسبة إلى الآخر هو انتزاع الخبز من الفم الذي يحرم من الغبطة ويمنعها. لا يتعلق الأمر هنا بفائض في القيمة بل بإعطاء الآخر الخيرات المعروضة علين. إن الأنا حسب ليفناس وقع انتهاكه والاعتداء عليه من قبل الآخر في هذه المغامرة المأساوية أين تم لمس الأنا من قبل الآخر.أثناء هذا الاحتكاك يختبر الأنا المجاور الأصيل أو الحسي المباشر وهو الآخر المتجسد في وجوده اليومي. ومهما تعظم الاحتكاك الذي وقع انجازه فهو لن يبلغ أبدا لحظة الانصهار والوجه لوجه لم يختفي بل أخذ منعرجا مدهشا هو منعرج المجاورة. إن هذه العلاقة التجاورية التي تسمح بالعيش سويا ليست مجرد قياس للمسافة التي تفصل بين حدين بل هي الشرط الذي يجعل من الأخر مستقبل للأنا. أن نتقاسم مع الآخر نفس الأفكار والمبادئ ونتعاطى معه نفس العادات والتقاليد ونتعادل في التبادل للمنافع والسلع لا يعني أننا سنقترب منه ضرورة إذا لم نفتح له قلبنا ولم تنتابنا الحيرة من صفاء وجهه. إن الاقتراب ليس حالة نهائية ومحصلة وان المجاورة لا تعني التطابق مع الآخر بل تبقي على المسافة التي تفصل بينهما لأنه" أكثر ما أقترب من الآتي المهتم به أكثر ما أكون بعيدا عنه".
غيرية الآخر اللامحتملة تقاوم الأنا إلى ما لانهاية وان ما يقرب الذات من الآخر ليست ما يجمعها به بل ما يجعلها تتحمله في غيريته وما يجعل الآخر يتحمل الذات على الرغم من خارجيتها عنه. ينبغي أن نتحمل جمعينا مسؤولية تواجدنا معا وعيشنا سويا طالما"أن الاجتماع معه يبدأ من واجبي تجاهه وواجبه تجاهي". إن القادم الغريب غير المعروف هو الذي يهم الذات قبل كل ادعاء وقبل كل التزام فهو الذي ينظمها دون أن تكون تعرفه. القادم هو الذي يهم الذات ليس لأنه ينتمي إلى نفس النوع الذي تنتمي إليه بل لأنه تحديدا آخر. النحن ليس جمع الأنا ولا الأنا في الجمع بل اللفظ الأنا يعني هاأنذا أو لبيك. الأنا يكون هويته من خلال الحياة في السكن والشغل والتملك والمعرفة وعلاقات الحب،وجوده كمواطن والتزاماته تجاه الثقافة ومدى احترامه للقيم. ان العلاقة بالآخر تظهر في شكل الحياة مع وباحترام العيش سويا حسب ما يفترضه القانون. إن الأنا مبتلع من طرف الوجود وفي خدمة النسق وهوية الأنا لا تقول كل شيء عن ذاتيتها فهي متكتمة في وجودها ولا تفصح بسهولة عن سرها والحياة الداخلية للهوية ليست فقط اهتمامها بوجودها بل حائرة أمام وجود الآخر.
إذا كان الأنا هو مصدر قراراته فان عين الذات غيرا لا يمكن أن مثل الأنا بل انفعالية مطلقة.القائل هو عرض للآخر،انه ابن الأب المجهول مثل المخلوق الملحد الذي يجهل دون شك خالقه، والخلق من لاشيء أي اللاشيء ليس العدم بل الخير ما تحت الوجود.
زهير الخويلدي

حول الخوف من الموت/

من رسالة في الخوف من الموت
أبو علي أحمد بن محمد بن مسكويه




الحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين، وصلواته على محمد وآله الطاهرين. لما أعظم ما يلحق الإنسان من الخوف هو “الخوف من الموت”، وكان هذا الخوف عاماً، وهو مع عمومه أشد وأبلغ من جميع المخاوف، وجب أن أقول:

إن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري ما الموت على الحقيقة، أو لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن إذا انحلّ ذاته وبطلت نفسه بطلان عَدَم ودثور، وأن العالم سيبقى بعده موجوداً وليس هو بموجود فيه، كما يظنه من جهل بقاء النفس وكيفية معادها. أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض، أو لأنه يعتقد أن عقوبة تحلّ به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري إلى أي شيء يقدم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والمقتنيات. وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها.

أما من جهل الموت ولم يدر ما هو، فأنا أبيِّن له أن الموت ليس شيئاً أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها، وهي الأعضاء التي مجموعها يسمى بدناً، كما يترك الصانع مثلاً استعمال آلاته. فإن النفس جوهر غير جسماني وليست عَرَضاً، وأنها غير قابلة للفساد. وهذا البيان يحتاج إلى علوم تتقدمه. وذلك مُبين مشروح في موضعه.

(…….)

وأما من يخاف الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحلّ وبطل تركيبه فقد انحلّ ذاته وبطلت نفسه، وجهل بقاء النفس وكيفية المعاد، فليس يخاف الموت على الحقيقة، وإنما يجهل ما ينبغي أن يعلمه. فالجهل إذن هو المخوف إذ هو سبب الخوف. وهذا الجهل هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم والتعب فيه، وتركوا لأجله لذّات الجسم وراحات البدن، واختاروا عليه النّصب والسهر، ورأوا أن الراحة الحقيقية التي يُستَراح بها من الجهل هي الراحة بالحقيقة، وأن التعب الحقيقي هو تعب الجهل، لأنه مرض مزمن للنفس، والبرء منه خلاص لها وراحة سرمدية ولذة أبدية.

فلما تيقن الحكماء ذلك، واستبصروا به وهجموا على حقيقته، ووصلوا إلى الروح والراحة، هانت عليهم أمور الدنيا كلها، واستحقروا جميع ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة واللذات الخسيسة والمطالب التي تؤدي إليها إذ كانت قليلة الثبات والبقاء، سريعة الزوال والفناء، كثيرة الهموم إذا وُجدت، عظيمة الغموم إذا فُقدت، فاقتصروا فيها على المقدار الضروري في الحياة، وتسلّوا من فضول العيش التي فيها ما ذكرتُ من العيوب وما لم أذكره، ولأنها مع ذلك بلا نهاية. وذلك أن الإنسان إذا بلغ منها إلى غاية تاقت نفسه إلى غاية أخرى من غير وقوف على حد ولا انتهاء إلى أمد. وهذا هو الموت، لا ما خاف منه، والحرص عليه هو الحرص على الزائل، والشغل به هو الشغل بالباطل.

ولذلك جزم الحكماء بأن الموت موتان: موت إرادي، وموت طبيعي. وكذلك الحياة حياتان: حياة إرادية، وحياة طبيعية. وعَنَوا بالموت الإرادي إماتة الشهوات، وترك التعرض لها. وعنوا بالحياة الإرادية ما يسعى لها الإنسان في الحياة الدنيا من المآكل والمشارب والشهوات. وعنوا بالموت الطبيعي مفارقة النفس البدن. وبالحياة الطبيعية بقاء النفس السرمدي في الغبطة السرمدية بما تستفيده من العلوم وتبرأ به من الجهل. ولذلك وصى أفلاطون الحكيم طالب الحكمة بأن قال له: مت بالإرادة تَحْيَ بالطبيعة.

على أن من خاف الموت الطبيعي من الإنسان فقد خاف ما ينبغي أن يرجوه. وذلك أن هذا الموت هو تمام حدّ الإنسان. لأنه حي ناطق مائت. فالموت تمامه وكماله، وبه يصير إلى أفقه الأعلى. ومن عَلم أن كل شيء هو مركب من حده، وحدّه مركب من جنسه وفصله، وأن جنس الإنسان هو الحي، وفصوله هما الناطق والمائت، عَلم أنه سينحل إلى جنسه وفصوله، لأن كل مركب لا محالة سينحل إلى الشيء الذي منه تركّب. فمن أجهل ممن يخاف تمام ذاته، ومن أسوأ حالاً ممن يظن أن فناءه ونقصانه بتمامه؟ وذلك أن الناقص إذا خاف أن يَتمْ فقد حَلَّ من نفسه على غاية الجهل. فإذن يجب على العاقل أن يستوحش من النقصان ويأنس بالتمام ويطلب كل ما يتممه ويكمله ويشرّفه ويُعلي منزلته، من الوجه الذي يأمن به الوقوع في الأسر لا من الوجه الذي يشدُّ وثاقه ويزيده تركيباً وتعقيداً. ويثق بأن الجوهر الشريف الإلهي إذا تخلص من الجوهر الكثيف الجسماني خلاص نقاء وصفو لا خلاص مزاج وكدر فقد سَعِد وعاد إلى ملكوته، وقرب من بارئه، وفاز بجوار رب العالمين وخالطه بين الأرواح الطيبة من أشكاله وأشباهه، ونجا من أضداده وأغياره. ومن هنا تعلم أن من فارقت نفسه بدنه وهي مشتاقة إليه [يقصد مشتاقة إلى بدنه] مشفقة عليه خائفة من فراقه، فهي في غاية الشقاء والألم من ذاتها وجوهرها، سالكة إلى أبعد حياتها من مستقرها، طالبة قرارها ولا قرار لها.

أما من يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه، فقد ظن ظناً كاذباً، لأن الألم إنما يكون للحي، والحي هو القابل أثر النفس. وأما الجسم الذي ليس فيه أثر النفس فإنه لا يألم ولا يحس. فإذن، الموت الذي هو مفارقة النفس البدن لا يألم له لأن البدن إنما كان يألم ويحس بالنفس وحصول أثرها فيه، فإذا صار جسماً لا أثر فيه للنفس، فلا حس له ولا ألم. فقد تبين أن الموت حال للبدن غير محسوس عنده ولا مؤلم، لأنه فراق ما به كان يحس ويألم به.

وأما من خاف الموت لأجل العقاب الذي يُوعَد به بعده، فليس يخاف الموت، بل يخاف العقاب. والعقاب إنما يكون على شيء باق منه بعد الموت. فهو لا محالة يعترف بذنوب وأفعال له سيئة يستحق عليها العقاب. وهو مع ذلك معترف بحاكم عادل يعاقب على السيئات لا الحسنات. فهو إذن خائف من ذنوبه، لا من الموت. ومن خاف عقوبته على ذنب، وجب عليه أن يحترز ذلك الذنب ويتجنبه. والأفعال الرديئة التي تسمى ذنوباً إنما تصدر عن هيئات رديئة [يقصد استعدادات رديئة]. والهيئات الرديئة هي للنفس وهي الرذائل التي أحصيناها وعرفناك أضدادها من الفضائل. فإذن، الخائف من الموت على هذه الوجوه وهذه الجملة، هو جاهل بما ينبغي أن يخاف منه، وخائف مما لا أثر له ولا خوف منه. وعلاج الجهل يكون بالعلم. ومن عَلِمَ فقد وَثق، ومن وثق فقد عرف سبيل السعادة فهو يسلكها. ومن سلك طريقـاً مستقيماً إلى غرض، أفضى إليه لا محالة. وهذه الثقة التي تكون بالعلم هي اليقين، وهو حال المستيقن في دينه المستكمل بحكمته.

وأما من زعم [بأنه] ليس يخاف الموت، وإنما يحزن على ما يتخلفه من أهل وولد ومال، ويأسف على ما يفوته من ملاذ الدنيا وشهواتها، فينبغي أن يُبيَّن له أن الحزن لأجل ألم ومكروه ما لا يُجدي عليه الحزن طائلاً، وأن الإنسان من جملة الأمور الكائنة، وكل كائن فاسد لا محالة. فمن أحب ألا يفسد، فقد أحب ألا يكون. ومن أحب ألا يكون، فقد أحب فساد ذاته. وكأنه يجب أن يفسد وأن لا يفسد، ويحب أن يكون وألا يكون، وهذا محال.

(…….)


فالموت إذن، ليس برديء، وإنما الرديء هو الخوف منه. فالخائف منه هو الجاهل به وبذاته. وحقيقة الموت هي مفارقة النفس للبدن. وفي هذه المفارقة ليس فساد للنفس، وإنما فساد التركيب. فأما جوهر النفس الذي هو ذات الإنسان ولبه وخُلاصته، فهو باق، وليس بجسم (…) لا يحتاج إلى مكان ولا يحرص على البقاء الزماني لاستغناءه عن الزمان.

(…….)


تمت الرسالة، والحمد لله، وصلى الله على ما لا نبي بعده وآله وصحبه وسلم.



نصب تذكاري للعملاء/ابو ياسر البصراوي- شبكة البصرة


سيجد البعض هذا العنوان غريبا، اذ انه من المتعارف عليه عالميا اقامة النصب التذكارية للابطال والشهداء الذين ضحوا بارواحهم من اجل تحرير اوطانهم من نير الاستعمار والاحتلال او للذين يقدمون خدمات جليلة لاوطانهم او للبشرية। هذا صحيح وهو معمول به في انحاء العالم كافة. ولكن ربما يسأل القارئ الكريم لماذا نقترح اقامة نصب تذكاري للعملاء الذين خانوا العراق، وحملوا المعاول مع المحتلين لتدميره ونهب خيراته وافساد شعبه وبذر بذور الشقاق والنفاق والطائفية المقيتة في ربوعه. هؤلاء الخونة الذين جاؤوا على ظهور دبابات المحتلين و طائراتهم او دخلوا ارض الرافدين زحفا من جارة السوء والحقد الدفين. اننا نبغي من اقامة مثل هذا النصب حتى لاينساهم شعبنا الابي، ولكي يبقى يتذكر اعمالهم الخسيسة ولكي تبقى اسمائهم البغيضة محفورة في ذاكرة الاجيال العراقية القادمة وليس في كتب التاريخ فحسب. اننا شعب فريد من نوعه في العالم، وينبغي ان تكون افعالنا فريدة ايضا. السنا من علم البشرية القراءة والكتابة وسن اولى الشرائع واسس اولى الامبراطوريات، السنا نحن من فجر اسرع واعظم مقاومة في التاريخ، السنا من هزم اقوى واعتى واشرس جيش في العالم، السنا احفاد الذين اسسوا ثمان امبروطوريات وحطموا تسعا واخرهم امبراطورية الشر والارهاب؟!! وتأسيسا على فرادة افعالنا فاننا سنسبق العالم باقامة مثل هذا النصب الذي سيكون السابقة الاولى من نوعه ومضمونه في التاريخ. لقد تمادى العملاء في ايذاء العراقيين، وأوغلوا في قتل ابنائه ونسائه وشيوخه وشبابه، ولم يتركوا ثروة الا ونهبوها وسرقوها ولا معملا الا فككوها ونقلوها الى الجارة السوء، فهؤلاء لاينبغي ان ينساهم الشعب العراقي بل يجب ان تبقى اسمائهم البائسة متداولة بين الاجيال القادمة كأقذر وانجس من مشى على ارض الرافدين. ولهذا ينبغي، بعد تحرير العراق انشاء الله العلي القدير ثم بسواعد ابطال مقاومتنا الباسلة اقامة مثل هذا النصب. مقترحنا هو كالاتي: 1- يسمى النصب (نصب العملاء) يشيد من الرخام الاسود (مثل سواد وجوههم) على هيئة انسان فاقد الملامح منحني الرأس بذل كذل العملاء وانكسارهم لاسيادهم. يقام هذا النصب في ساحة دائرية في مكان ما (يختار المكان بعد التحرير انشاء الله) في بغداد، وخلف النصب يشيد الواح من الرخام الاسود (بعدد جيوش الدول التي شاركت في غزو العراق واحتلاله) يحفر على الالواح اسماء العملاء كاملة والمناصب التي نصبهم فيها سلطات الاحتلال وتواريخها مع نبذة مختصرة عن الجرائم التي اقترفوها، ويشمل العملاء كافة، ابتداءً من اعضاء مجلس الحكم المقبور والى يوم تحرير العراق بعونه تعالى ثم بسواعد ابطال المقاومة الباسلة. 2- يشارك الشعب العراق، دون استثناء، بتكاليف انشاء النصب. 3- يقوم الشعب العراقي يوم 9 نيسان المشؤوم من كل عام، بزيارة هذا النصب ورجمه بثلاثة احجار صغيرة (تقوم امانة العاصمة بتهيئة الاحجار الصغيرة قبل فترة مناسبة في مكان قريب من النصب). اما الاحجار الثلاثة فيرمز الاول الى عمالتهم للمحتل الامريكي والثاني يرمز الى عمالتهم لايران والثالث يرمز الى الكيان الصهيوني. ان هذا الرجم هو رجم العملاء والاحتلالات في الوقت عينه. (العراق وفلسطين). 4- يجوز للمواطنين العراقيين زيارة النصب يوميا ويكتفون بالبصاق عليه، اما الرجم فيكون يوم 9 نيسان من كل عام فقط، كما ذكرنا سابقا. 5- يسن قانون، بعد التحرير من قبل المجلس الوطني، مفاده يبلغ كل زائر رسمي للعراق مسبقا، القيام بواجب رمي ثلاثة احجار على النصب بعد وضعه أكليل الزهور على قبر الجندي المجهول والذي يمتنع عن القيام بهذا العمل تلغى زيارته. 6- يمكن اقامة نصب مماثلة وبحجم اصغر في محافظات القطر، يدون في الالواح اسماء العملاء من ابناء المحافظة نفسها ويتم رجمه يوم 9 نيسان وحسب ماذكر اعلاه 7- هناك فرصة امام العملاء (باستثناء اعضاء مجلس الحكم المقبور ونوابهم) لرفع اسمائهم من نصب العمالة عندما يعلنوا التوبة والندم والاعتذار من الشعب العراقي ويعيدوا ماسرقوه من ثروات العراق سحتا حراما، على شرط ان يكون اعلانهم في التلفزيون والصحف لمدة ثلاثة ايام. هذه التوبة والندم فقط لرفع اسمائهم من النصب، ولايسقط الحق العام للشعب العراقي من الاقتصاص منهم وفقا للقانون العراقي الوطني. قد يسأل القارئ الكريم لماذا نحمل اولاد واحفاد هؤلاء العملاء الذين لاذنب لهم لكي يحملوا العار جريرة ما اقترفه ابائهم. نعم اننا نؤمن بانه لاتزر وازرة وزرة اخرى، ولكن لننظر الى العملاء الحاليين، فلو دققنا ونبشنا عن ابائهم او اجدادهم سنجد ان معظمهم كانوا بدورهم عملاء للاجنبي، فاننا بهذا العمل نحمي احفاد واحفاد احفاد هؤلاء، لكي لا ينزلقوا الى هذا الدرك الاسفل من الحياة، اي اننا نريد ان نضع حدا لتوريث العمالة. اما ابنائهم الحاليون فاننا قد غسلنا ايدينا منهم. هذا المقترح مطروح للمناقشة، وقابل للتطوير والاضافة، وحبذا لو تقوم المواقع الالكترونية الوطنية باجراء استفتاء عبر مواقعها فيما اذا يشاركنا قرائهم الرأي أم لا. ندعوا الفنانين العراقيين الوطنيين، البدء بالتخطيط وعمل النماذج لنصب العملاء، لان تحرير العراق بات وشيكا باذن الله. وما النصر الا من عند الله. بغداد المحتلة 17\11\2009

الاحزاب السياسية العربية/ محمد كريشان

الاحزاب السياسية العربية /محمد كريشان
كلاملمسؤول مصري يكاد يتكرر على أكثر من لسان في أكثر من دولة عربية رغم اختلاف المعطيات: يقول مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري إن الأحزاب السياسية في بلاده في غالبيتها' أحزاب مصطنعة وفوقية وأحزاب تقوم على أساس أشخاص'، مضيفا أن الحياة الحزبية المصرية كانت وستظل دائما ضعيفة، معتبرا أن 'هذه الأحزاب باتت راضية بوضعيتها وتقبل بأن تعمل في إطار من الديكور السياسي ليس إلا'। وأكد الفقي في لقاء مع قناة 'دريم' المصرية الخاصة أمس الأول أن الإخوانالمسلمين لا يمثلون قوة ضاغطة حقيقية في البرلمان المصري، وأن الأصوات الثمانية والثمانين التي حصلوا عليها في مجلس الشعب ليست سوى أصوات عقابية للحكومة على سوء أدائها وتراجع الخدمات، مضيفا أن 'الإسلاميين يستخدمون الديمقراطية الغربية ويرضون بها فقط كسلم للوصول للسلطة مما يعكس حجم الانتهازية السياسية التي تحكم سلوكياتهم'। كما شدد الفقي على أن الرئيس حسني مبارك يعتبر 'ضمانة للاستقرار في مصر'، بيد أنه عاب عليه تفويته بعض الفرص التاريخية التي كانت مناسبة لإحلال بعض الإصلاحات الضرورية في البلاد। ومع أن بعض الدول العربية لا تخلو من مثل هذا المنطق على لسان أكثر من مسؤول إلا أنه يسجل للفقي، على الأقل، أنه لم يستثن الحزب الوطني الحاكم من تقييمه القاسي للأحزاب في بلاده، والذي أرجع جزءا كبيرا منه على ما سماه 'التفاف المواطن المصري تاريخيا حول السلطة'، كما أنه لم يتردد في صياغة بعض الملاحظات الحذرة عن رئيس الدولة الذي وصفه كذلك بأنه 'لا يؤمن بسياسة الصدمات الكهربائية والقرارات العنيفة'.كثيرا ما يتقدم عدد من المسؤولين العرب، خاصة في معرض التعليق على نتائج انتخابات برلمانية ما والفوز الساحق للحزب الحاكم، ليقولوا تقريبا ما معناه ما ذنبنا إن كنا حزبا شعبيا كبيرا وكانت بقية الأحزاب ضعيفة مهزوزة؟!! وليمضوا من هناك مباشرة إلى انتقاد الإسلاميين لديهم سياسة ونوايا. عمليا هذا يعني أنك تعاير من ارتضى الدخول معك في تنافس انتخابي بأنه ضعيف، أما القوي فأنت لا تقبل به لأنك لديك عليه كذا وكذا من الملاحظات التي تبرر الإقصاء. النتيجة أنك، كحزب حاكم، لا تقبل المنازلات الانتخابية إلا مع من أمنت ضعفهم أما من تخشى قوتهم فأنت كفيل بخلق مبررات إزاحتهم وجيهة كانت أم مفتعلة. هنا السلطة هي من تفرض قواعد اللعبة التي تريد وبالتالي فهي تسخـّف الحياة السياسية والحزبية لتبقى لها الصدارة الدائمة ثم تتقدم متبرمة من هذا الواقع حتى تكاد ترثي لحالها أو تعزيها لبقاء هيمنتها مكرهة!!من ناحية أخرى، لا يقدم رئيس الدولة وهو عادة رئيس الحزب الحاكم، إلا على أنه 'القائد الضرورة' بشكل يعني أن البلاد بدونه لا تساوي شيئا وأن هذه البلاد باتت عاقرا على إنجاب من يوازيه ناهيك عن من يفوقه مكانة وكفاءة. المفارقة أن هذا كله يجري وسط حديث لا يتوقف عن 'دولة القانون والمؤسسات' التي تعني بداهة أن أركان الدولة وأعمدة النظام السياسي أقوى من الأشخاص مهما كانوا. وطالما استمر حديث السياسيين في بلادنا العربية عن حزب حاكم لا يقهر وقائد ملهم لا يبلى فإن هذا القدر المحتوم لا يعني شيئا آخر غير موت الحياة السياسية التي تقوم بداهة على صراع أفكار وبرامج يجري دوريا فحصها وامتحانها عبر انتخابات حرة ونزيهة. أما الوصول لانتخابات بعد أن يكون الحزب الحاكم قد أحكم قبلها قبضته على دوائر الدولة جميعها وعلى كل منظمات البلاد ونقاباتها وجمعياتها، الحكومية منها وغير الحكومية، فهو ضحك واضح على الذقون.



الارشيف

المتواجدون الآن