من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

حول الخوف من الموت/

من رسالة في الخوف من الموت
أبو علي أحمد بن محمد بن مسكويه




الحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين، وصلواته على محمد وآله الطاهرين. لما أعظم ما يلحق الإنسان من الخوف هو “الخوف من الموت”، وكان هذا الخوف عاماً، وهو مع عمومه أشد وأبلغ من جميع المخاوف، وجب أن أقول:

إن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري ما الموت على الحقيقة، أو لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن إذا انحلّ ذاته وبطلت نفسه بطلان عَدَم ودثور، وأن العالم سيبقى بعده موجوداً وليس هو بموجود فيه، كما يظنه من جهل بقاء النفس وكيفية معادها. أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض، أو لأنه يعتقد أن عقوبة تحلّ به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري إلى أي شيء يقدم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والمقتنيات. وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها.

أما من جهل الموت ولم يدر ما هو، فأنا أبيِّن له أن الموت ليس شيئاً أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها، وهي الأعضاء التي مجموعها يسمى بدناً، كما يترك الصانع مثلاً استعمال آلاته. فإن النفس جوهر غير جسماني وليست عَرَضاً، وأنها غير قابلة للفساد. وهذا البيان يحتاج إلى علوم تتقدمه. وذلك مُبين مشروح في موضعه.

(…….)

وأما من يخاف الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحلّ وبطل تركيبه فقد انحلّ ذاته وبطلت نفسه، وجهل بقاء النفس وكيفية المعاد، فليس يخاف الموت على الحقيقة، وإنما يجهل ما ينبغي أن يعلمه. فالجهل إذن هو المخوف إذ هو سبب الخوف. وهذا الجهل هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم والتعب فيه، وتركوا لأجله لذّات الجسم وراحات البدن، واختاروا عليه النّصب والسهر، ورأوا أن الراحة الحقيقية التي يُستَراح بها من الجهل هي الراحة بالحقيقة، وأن التعب الحقيقي هو تعب الجهل، لأنه مرض مزمن للنفس، والبرء منه خلاص لها وراحة سرمدية ولذة أبدية.

فلما تيقن الحكماء ذلك، واستبصروا به وهجموا على حقيقته، ووصلوا إلى الروح والراحة، هانت عليهم أمور الدنيا كلها، واستحقروا جميع ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة واللذات الخسيسة والمطالب التي تؤدي إليها إذ كانت قليلة الثبات والبقاء، سريعة الزوال والفناء، كثيرة الهموم إذا وُجدت، عظيمة الغموم إذا فُقدت، فاقتصروا فيها على المقدار الضروري في الحياة، وتسلّوا من فضول العيش التي فيها ما ذكرتُ من العيوب وما لم أذكره، ولأنها مع ذلك بلا نهاية. وذلك أن الإنسان إذا بلغ منها إلى غاية تاقت نفسه إلى غاية أخرى من غير وقوف على حد ولا انتهاء إلى أمد. وهذا هو الموت، لا ما خاف منه، والحرص عليه هو الحرص على الزائل، والشغل به هو الشغل بالباطل.

ولذلك جزم الحكماء بأن الموت موتان: موت إرادي، وموت طبيعي. وكذلك الحياة حياتان: حياة إرادية، وحياة طبيعية. وعَنَوا بالموت الإرادي إماتة الشهوات، وترك التعرض لها. وعنوا بالحياة الإرادية ما يسعى لها الإنسان في الحياة الدنيا من المآكل والمشارب والشهوات. وعنوا بالموت الطبيعي مفارقة النفس البدن. وبالحياة الطبيعية بقاء النفس السرمدي في الغبطة السرمدية بما تستفيده من العلوم وتبرأ به من الجهل. ولذلك وصى أفلاطون الحكيم طالب الحكمة بأن قال له: مت بالإرادة تَحْيَ بالطبيعة.

على أن من خاف الموت الطبيعي من الإنسان فقد خاف ما ينبغي أن يرجوه. وذلك أن هذا الموت هو تمام حدّ الإنسان. لأنه حي ناطق مائت. فالموت تمامه وكماله، وبه يصير إلى أفقه الأعلى. ومن عَلم أن كل شيء هو مركب من حده، وحدّه مركب من جنسه وفصله، وأن جنس الإنسان هو الحي، وفصوله هما الناطق والمائت، عَلم أنه سينحل إلى جنسه وفصوله، لأن كل مركب لا محالة سينحل إلى الشيء الذي منه تركّب. فمن أجهل ممن يخاف تمام ذاته، ومن أسوأ حالاً ممن يظن أن فناءه ونقصانه بتمامه؟ وذلك أن الناقص إذا خاف أن يَتمْ فقد حَلَّ من نفسه على غاية الجهل. فإذن يجب على العاقل أن يستوحش من النقصان ويأنس بالتمام ويطلب كل ما يتممه ويكمله ويشرّفه ويُعلي منزلته، من الوجه الذي يأمن به الوقوع في الأسر لا من الوجه الذي يشدُّ وثاقه ويزيده تركيباً وتعقيداً. ويثق بأن الجوهر الشريف الإلهي إذا تخلص من الجوهر الكثيف الجسماني خلاص نقاء وصفو لا خلاص مزاج وكدر فقد سَعِد وعاد إلى ملكوته، وقرب من بارئه، وفاز بجوار رب العالمين وخالطه بين الأرواح الطيبة من أشكاله وأشباهه، ونجا من أضداده وأغياره. ومن هنا تعلم أن من فارقت نفسه بدنه وهي مشتاقة إليه [يقصد مشتاقة إلى بدنه] مشفقة عليه خائفة من فراقه، فهي في غاية الشقاء والألم من ذاتها وجوهرها، سالكة إلى أبعد حياتها من مستقرها، طالبة قرارها ولا قرار لها.

أما من يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه، فقد ظن ظناً كاذباً، لأن الألم إنما يكون للحي، والحي هو القابل أثر النفس. وأما الجسم الذي ليس فيه أثر النفس فإنه لا يألم ولا يحس. فإذن، الموت الذي هو مفارقة النفس البدن لا يألم له لأن البدن إنما كان يألم ويحس بالنفس وحصول أثرها فيه، فإذا صار جسماً لا أثر فيه للنفس، فلا حس له ولا ألم. فقد تبين أن الموت حال للبدن غير محسوس عنده ولا مؤلم، لأنه فراق ما به كان يحس ويألم به.

وأما من خاف الموت لأجل العقاب الذي يُوعَد به بعده، فليس يخاف الموت، بل يخاف العقاب. والعقاب إنما يكون على شيء باق منه بعد الموت. فهو لا محالة يعترف بذنوب وأفعال له سيئة يستحق عليها العقاب. وهو مع ذلك معترف بحاكم عادل يعاقب على السيئات لا الحسنات. فهو إذن خائف من ذنوبه، لا من الموت. ومن خاف عقوبته على ذنب، وجب عليه أن يحترز ذلك الذنب ويتجنبه. والأفعال الرديئة التي تسمى ذنوباً إنما تصدر عن هيئات رديئة [يقصد استعدادات رديئة]. والهيئات الرديئة هي للنفس وهي الرذائل التي أحصيناها وعرفناك أضدادها من الفضائل. فإذن، الخائف من الموت على هذه الوجوه وهذه الجملة، هو جاهل بما ينبغي أن يخاف منه، وخائف مما لا أثر له ولا خوف منه. وعلاج الجهل يكون بالعلم. ومن عَلِمَ فقد وَثق، ومن وثق فقد عرف سبيل السعادة فهو يسلكها. ومن سلك طريقـاً مستقيماً إلى غرض، أفضى إليه لا محالة. وهذه الثقة التي تكون بالعلم هي اليقين، وهو حال المستيقن في دينه المستكمل بحكمته.

وأما من زعم [بأنه] ليس يخاف الموت، وإنما يحزن على ما يتخلفه من أهل وولد ومال، ويأسف على ما يفوته من ملاذ الدنيا وشهواتها، فينبغي أن يُبيَّن له أن الحزن لأجل ألم ومكروه ما لا يُجدي عليه الحزن طائلاً، وأن الإنسان من جملة الأمور الكائنة، وكل كائن فاسد لا محالة. فمن أحب ألا يفسد، فقد أحب ألا يكون. ومن أحب ألا يكون، فقد أحب فساد ذاته. وكأنه يجب أن يفسد وأن لا يفسد، ويحب أن يكون وألا يكون، وهذا محال.

(…….)


فالموت إذن، ليس برديء، وإنما الرديء هو الخوف منه. فالخائف منه هو الجاهل به وبذاته. وحقيقة الموت هي مفارقة النفس للبدن. وفي هذه المفارقة ليس فساد للنفس، وإنما فساد التركيب. فأما جوهر النفس الذي هو ذات الإنسان ولبه وخُلاصته، فهو باق، وليس بجسم (…) لا يحتاج إلى مكان ولا يحرص على البقاء الزماني لاستغناءه عن الزمان.

(…….)


تمت الرسالة، والحمد لله، وصلى الله على ما لا نبي بعده وآله وصحبه وسلم.



0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن