من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

الموروث الاخلاقي اليوناني وامتداده في الثقافة العربية/ادريس شرود

الموروث الأخلاقي اليوناني وامتداده في الثقافة العربيةخلاصات واستنتاجات إدريس شرود للدكتور محمد عابد الجابري، كتاب جديد يحمل عنوان: العقل الأخلاقي العربي وهو دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية كما هو مثبت في العنوان الفرعي। والكتاب هو الجزء الرابع والأخير في المشروع الطموح حول العقل العربي. يأتي هذا الجزء الأخير، كما يؤكد صاحبه، ليملأ الفراغ الذي تعاني منه المكتبة العربية، والتي تخلو من مؤلفات في تاريخ الفكر الأخلاقي العربي ولو من النوع الذي كتب في تاريخ الفلسفة العربية سواء من طرف مستشرقين أو أساتذة عرب (ص7). يشير الأستاذ الجابري إلى أن هناك ما هو أخطر من كل ذلك، وهو تسليم جل الذين عرضوا للموضوع بفكرة، "أن العرب لم ينتجوا، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فكرا أخلاقيا باستثناء ما ردده بعض فلاسفتهم من آراء في إطار ما نقلوا عن فلاسفة اليونان(ص8).لم تكن الرحلة بالنسبة للأستاذ الجابري، سهلة، إذ أن البحث في العقل الأخلاقي، استلزم منه عتادا معرفيا وصبرا جلودا. وفرض عليه القيام بمغامرة في قارة يجب استكشافها ووصفها ودراسة أشيائها لربطها بأصولها وفصولها(ص19). فتناول هذا البحث المتميز من نقد العقل العربي، تطلب منه إنجاز مهمة مزدوجة: القيام بدور المؤرخ الذي عليه أن يبحث عن المصادر أولا، ثم نقدها وتقويمها وتصنيفها وبناء التاريخ على أساسها من جهة، والقيام ثانيا بالتحليل والمقارنة والنقد و"القراءة" من جهة أخرى (ص18). إضافة إلى كل هذا، فإن أمام الباحث مشاكل سبق أن اشتكى منها في الأجزاء السابقة، وهي ما سماه بـ: "عدم وجود أعمال سابقة"(ص18).لكن رغم هذه المشاكل العديدة، فالرهان الأكبر للأستاذ الجابري تمثل في قوله:أولا: أردنا أن تكون هذه المستندات متنوعة تنطق باسم كيان العقل الأخلاقي العربي ككل. أعني كما تكون داخل الثقافة العربية الإسلامية "العالمة" بمختلف منازعها وموروتاثها(ص18).ثانيا: أن نكون قد تمكنا فعلا من "بدء النظر" في الفكر الأخلاقي العربي ونظام القيم في الثقافة العربية الإسلامية التي أنتجته(18).ثالثا: نطمح إلى تدشين القول في نقد هذا الفكر بوصفه يحمل ويروج لنوع من القيم السلبية مازالت الكثير منها يؤثر في السلوك ويوجه الرؤى في حياتنا المعاصرة(428).فرضت إشكاليات البحث في موضوع الأخلاق، على الأستاذ الجابري، التحلي بنوع من الحذر المنهجي، هذا ما نتلمسه من تأكيده على اختلاف البحث في هذا الحقل عن البحث في حقل المعرفة. لهذا قرر هذه المرة، العمل داخل التراث العربي الإسلامي، ولا على أساس تصنيف حقوله المعرفية تصنيفا إبستيمولوجيا يعتمد مفهوم "النظام المعرفي"، كما فعل في الجزء الأول والثاني من سلسلة نقد العقل العربي ولا على أساس تصنيف اجتماعي-ثقافي يوظف مفهوم "اللاشعور السياسي" كما فعل في الجزء الثالث، بل لقد تبين له بعد عملية الاستكشاف الأولي التي قام بها للقارة التي يتحرك فيها، أن التصنيف الأنسب والقادر على استيعاب جميع تضاريس هذه القارة وشطأنها هو ذلك الذي تعترف بنوع من استقلال للموروثات الثقافية المتعددة التي تدخل في تكوين الحضارة العربية الإسلامية. على هذا الأساس، ينطلق الأستاذ الجابري من مسلمة تقول بأن العقل العربي يؤسسه ويوجهه نظام القيم(ص22)، وأن عالم القيم في الثقافة العربية هو في الحقيقة عوالم وليس عالما واحدا، كما أن العقل الأخلاقي العربي هو "عقل" متعدد في تكوينه ولكنه واحد في بنيته(ص22). يشير الجابري إلى أنه منذ عصر التدوين الذي تلا عصر "الفتوحات" مباشرة، برز الموروث الفارسي ثم الموروث اليوناني والموروث الصوفي، علاوة على الموروث العربي "الخالص" والموروث الإسلامي "الخالص" كمكونات رئيسية وأساسية في الثقافة العربية(ص22).إن ضخامة البحث، وغنى المعلومات والأفكار التي يجوبها الكتاب، وتعدد الموروثات الأخلاقية المكونة للعقل العربي، وتشابكها، إضافة إلى اهتمامنا الخاص بالتفكير الأخلاقي اليوناني، دفعنا إلى التركيز في متابعتنا هذه، على موروث واحد، وهو الموروث اليوناني، مع رصد امتداداته في الثقافة العربية. لكننا سنقتصر في هذه المتابعة على الوقوف عند الخلاصات والاستنتاجات التي وصل إليها الباحث محمد عابد الجابري. ونأمل أن ندفع القارئ إلى ولوج هذه القارة بنفسه، ومرافقة الأستاذ الجابري في رحلته، فقد تكون هذه الأخيرة متعبة وشاقة –وهي كذلك بالفعل- لكنها، بلا شك، ستكون ممتعة ومرحة.أنطلق من ملاحظة أساسية أبداها الأستاذ الجابري بخصوص نظام القيم الثقافية العربية الإسلامية، وهي تدخل في صميم المنهج الذي أتبعه لمقاربة موضوع البحث الذي بين أيدينا. تتمثل هذه الملاحظة في الاعتراف بنوع من الاستقلال للموروثات الثقافية المتعددة التي تتدخل في تكوين الحضارة العربية الإسلامية. فهذا الاستقلال، منحنا مشروعية تقديم قراءة للموروث اليوناني ولامتداداته في الثقافة العربية.يتناول الأستاذ الجابري الموروث اليوناني، في الباب الثاني من الكتاب، وهو تحت عنوان: "الموروث اليوناني: أخلاق السعادة"وهو مقسم إلى ستة فصول وهي كالتالي:1 – الفصل العاشر: الموروث اليوناني: الأصول (ص257).2 – الفصل الحادي عشر: نزعة علمية: 1) طب الأخلاق… ومستشفى لتهذيبها(ص291).3 – الفصل الثاني عشر: نزعة عملية: 2) هندسة الأخلاق… ونزعة إنسانية (ص315).4 – الفصل الثالث عشر: نزعة فلسفية: 1) المدينة الفاضلة… والقيم الكسرية (ص345)5 – الفصل الرابع عشر: نزعة فلسفية: 2) تدبير المفرد… والمدينة الفاضلة ممكنة (ص365)6 – الفصل الخامس عشر: نزعة تلفيقية: مقابسات في السعادة… والاستبداد (ص393)ـ إجمال ومناقشة (ص421).1 – الفصل العاشر: الموروث اليوناني: الأصول.يميز الأستاذ محمد عابد الجابري، من خلال وقوفه على أصول الموروث اليوناني، بين ثلاث مرجعيات، يعود إليها كل ما نقل إلى الثقافة العربية من الموروث اليوناني في الأخلاق والقيم: أفلاطون وأرسطو وجالينوس. ويشير الأستاذ الجابري، إلى أنه حصل الجمع بين آراء أفلاطون في الأخلاق كما في مجالات أخرى، وحصل الجمع بين آراء هذين وبين آراء جالينوس. ومع ذلك، يخلص إلى التمييز في الفكر الأخلاقي العربي، وفي الأصول اليونانية بين نزعات ثلاث:ـ نزعة طبية علمية (مراجعتها جالينوس).ـ نزعة فلسفية (ومراجعتها أفلاطون وأرسطو).ـ نزعة تلفيقية تقتبس من المراجعات الثلاث. وكثير منها لا يميز بين الصحيح والمنقول(ص290).2 – الفصل الحادي عشر: النزعة العلمية: 1) طب الأخلاق… ومستشفى لتهذيبها.أ – الكندي: يقف الأستاذ الجابري عند الكندي (185هـ-252هـ)، كأول فيلسوف يبدأ معه التاريخ للفلسفة العربية الإسلامية. ومن خلال مرافقته لتأليف هذا الفيلسوف، يؤكد على أن علاقة الكندي بجالينوس قوية وأكيدة ليس فقط من خلال رسائله في الطب التي يحضر اسم جالينوس في عناوين بعضها، بل أيضا من خلال رسالته في "الطب الروحاني" التي يتطابق عنوانها مع عنوان كتاب للرازي الطبيب وهو في الأخلاق على نهج جالينوس(ص292). هذه العلاقة التي تظهر أيضا على صعيد الطب الجسدي والطب الأخلاقي، أو الروحاني كما يسميه الرازي.ويخلص الجابري إلى الصدع بالحقيقة التاريخية التالية، وهي، أن أول ما انتقل إلى الثقافة العربية من الموروث اليوناني في مجال القيم والأخلاق هو تلك النزعة الطبية الفيزيولوجية التي كرسها جالينوس في هذا المجال من خلال قراءة أخلاق أفلاطون قراءة طبيب لا قراءة فيلسوف، معتقدا أنه بفعله ذاك إنما يرجع الأمور إلى أصلها، إلى أبقراط الذي "أخذ" عنه أفلاطون (ص294).ب – الرازي: يرى الأستاذ الجابري بأن الممثل الرسمي لهذه النزعة الطبية هو الرازي الطبيب (250-320هـ) الذي كانت مكانته في الطب والأخلاق في الثقافة العربية بمنزلية جالينوس في الموروث اليوناني. وتنقسم آراء أبي بكر الرازي الأخلاقية إلى قسمين:قسم "طبي" ينتمي إلى ما أطلق عليه الأستاذ الجابري "طب الأخلاق" وقد كانت مرجعيته فيه مؤسس هذا النوع من الأخلاق: جالينوس.قسم نظري فلسفي تؤطره نفس الخلفية الفلسفية التي كانت تؤطر الفكر الفلسفي في المشرق قبل الإسلام وبعده: خلفية هرمسية غنوصية في أساسها الميتافيزيقي (ص303).يلاحظ الأستاذ الجابري، أن الرازي تجنب التعرض للجانب السياسي من فكر أفلاطون، لعدة أسباب يسوقها بتفصيل. لكنه يؤكد على أن مشروع الرازي سواء قصد إلى هذا أو لم يقصد كان يحمل مضمون سياسيا، كان بمثابة نظام للقيم مضاد لنظام آخر للقيم كسروي في شكله مضمونه ولكنه ديني في لباسه، نظام الإمامة عند الإسماعيلية(ص304).ج – تابت بن سنان: من بين الذين تابعوا منهج جالينوس في دراسة أخلاق أحد كبار أطباء العرب، سلسل عائلة حرانية طبية تابت بن سنان (توفي سنة 363هـ). يشير الجابري إلى أن المصادر لا تذكر له من كتب غير كتاب التاريخ الذي وصل منه كتاب بعنوان "تهذيب الأخلاق" ويؤكد الجابري على أن هذا الكتاب صحيح النسب إليه(ص306). والكتاب ينظر إلى الأخلاق من زاوية طبية، ومن مطالعته يتبين أنه أكثر إيغالا في هذه النزعة من أسلافه بما فيهم جالينوس والرازي.ونظرا للأهمية مؤلف "تهذيب الأخلاق": فقد حظي باهتمام الجابري، إذ استرسل في تقديم أبوابه وإلا شادة به. حيث يقول: "إن اكتشافنا لهذا المخطوط أعني اطلاعنا عليه إذا كنا نجهل وجوده، هو الذي مكننا من موقعة رسالة الكندي في دفع الأحزان" وكتاب "الطب الرحاني" في موقعهما الصحيح من تاريخ الفكر الأخلاقي العربي. وبالتالي مكننا من اكتشاف هذه النزعة الطبية العلمية في الأخلاق بتراثنا، وهي في تقديرنا إنجاز على قدر كبير من الأهمية.ليس هذا وحسب، بل لقد مكننا اكتشاف هذا المخطوط من الحسم في مسألة نسبة كتاب آخر بعنوان "تهذيب الأخلاق" أيضا، بقي إلى الآن موضوع لممارسات لا أخلاقية(ص314).3 – الفصل الثاني عشر: النزعة العلمية: 2) هندسة الأخلاق… ونزعة إنسانية.أ – ابن الهيثم: يقف الأستاذ الجابري عند كتاب يحمل عنوان تهذيب الأخلاق، وبعد الفحص والتحقيق، يعلن عن الحقيقة التالية بقوله: "والذي نراه نحن بعدالبحث والتقصي، بقدرما استطعنا، هو أن الكتاب للعالم الرياضي والفيزيائي العربي الكبير ابن الهيثم"(ص317). ويعرض الباحث لمجموعة من المستندات تثبت عملية الانتساب (من ص317 إلى ص327). ومن خلال العرض، يبين أن مضمونه ينتمي إلى نفس النزعة الطبية في الأخلاق المرتبطة بجالينوس.ب – ابن حزم: وينتقل الأستاذ الجابري إلى رسالة أخرى في تهذيب الأخلاق ظلت هي الأخرى في حالة "شرود"، وهي لابن حزم الأندلسي (المتوفى سنة 456هـ). وتقع داخل نطاق "أخلاق السعادة" وتنتمي كمضمون إلى الموروث اليوناني وإلى جالينوس بالتحديد.لكن بعد البحث والتقصي، وإدخال كتاب بن سنان وكتاب ابن الهيثم في الحساب، تغير المشهد تماما. لقد برزت النزعة الطبية في الفكر الأخلاقي العربي واضحة جلية. ومع أن هذه النزعة كانت امتدادا لفكر جالينوس(…) فهي لا تخلو من مظاهر الاستقلال عنه(ص342). ويسوق الأستاذ الجابري مظاهر هذا الاستقلال.4 – الفصل الثالث عشر: النزعة الفلسفية: 1) القيم الكسروية تغزو المدينة الفاضلة.أ – الفارابي: ينتقل الأستاذ الجابري إلى الفارابي ومعه إلى أرسطو في الأخلاق، إلى "أخلاق السعادة" وإلى سياسة أفلاطون. ولكن لا "السياسة" التي تعني تشييد المدينة الفاضلة بل إلى "آراء أهل المدينة الفاضلة".يرى الجابري، أن نظام القيم لدى فيلسوفنا الكبير ليس أفلاطونيا ولا أرسطيا محضا، بل هو نظام يجمع بينهما ويجمعهما معا مع أشياء أخرى(ص346). ويعرض لـ"الأخلاق" عند الفارابي، من خلال وقوفه على مفهومه لمعنى السعادة. بعد القيام بالتحليل، يستنتج الكاتب، أن الفارابي، ومن خلال ملابسات عصره. ووضعه هو، تبنى إشكاليات علم الكلام الإسلامي وحاول دمجها في الفلسفة لإيجاد حلول لها داخلها ممهدا لذلك بـ"الجمع" بين أفلاطون وأرسطو. ومن هنا كذلك، انصرف بتفكيره "آراء" أهل المدينة الفاضلة وليس إلى المكونات الاجتماعية والسياسية والتربوية لهذه المدينة كما فعل أفلاطون. ومن هنا أيضا انصرافه عن نقد المدن غير الفاضلة التي سماها هو "المدن الجاهلية" نقدا جذريا ومفصلا كما فعل أفلاطون، واهتمامه بنقد المدن "الفلسفة" و"الضالة" وهي مدن لم يتحدث عنها أفلاطون وإنما أضافها الفارابي بوصفها مدنا عرفت الآراء الفاضلة وانصرفت عنها أو حرفتها، على غرار ما يعطيه نظام القيم السائدة في عصره بـ"الفسق" والضلال(ص362).يقدم الأستاذ الجابري، استنتاجا آخر أكثر خطورة، حيث يقول: إن الفارابي لم يقع تحت هيمنة نظام القيم الذي كرسه المتكلمون وحدهم، بل لقد وقع أيضا تحت تأثير نظام القيم الكسروي الذي كرسته "الآداب السلطانية"(ص363). وأن "المدينة الأمامية" التي قال عنها إنها "فاضلة بأفعالها" هي مدينة أردشير التي كانت حاضرة بقوة زمن الفارابي كما يؤكد الجابري (ص364).5 – الفصل الرابع عشر: النزعة الفلسفية: 2) تدبير المفرد॥ والمدينة الفاضلة ممكنة.أ – ابن باجة: يرجع بنا الأستاذ الجابري في هذا الفصل إلى الأندلس، إلى ابن باجة بالذات(475-533هـ). ويخلص من قراءته لمؤلفات هذا الفيلسوف، إلى أنه لم يخرج عن أرسطو وإنما عبر عن فكرته بعبارات إسلامية.لقد تحدث أفلاطون عن المدينة الفاضلة، فاستوفى الكلام فيها، وتحدث أرسطو عن الأخلاق الفاضلة التي يجب أن تسود في المدينة، لأن المدينة الفاضلة عنده حلم لا يمكنهم تحقيقه على أرض الواقع. أما ابن باجة، يقول الأستاذ الجابري، فقد رأى عكس ما انتهى إليه أفلاطون، وانطلق منه أرسطو، وهو التسليم بعدم إمكانية المدينة الفاضلة في هذا العالم. فارتأى أن المدينة الفاضلة ممكن وجودها إذا انطلقنا من تكوين الفضلاء واحدا واحدا حتى إذا اجتمع منهم ما يكفي كونوا المدينة الفاضلة المطلوبة. إذن، فالبداية يجب أن تكون، لا بيان كيفية "تدبير المدينة الفاضلة" بل كيفية "تدبير المتوحد" البنية الأولى في صرحها(ص380).ب – ابن رشد: يشيد الأستاذ الجابري بالطريقة التي تعامل بها ابن رشد بخصوص جمهورية أفلاطون، ويرى أنه لأول مرة في الثقافة العربية أمكن القول إننا أمام عمل متميز وأصيل، رصين وشجاع. وتتجلى أهمية المشروع الرشدي في الخصائص التالية:ـ أولاها: أنه لأول مرة –وأيضا لآخر مرة- يتم التعامل، في الثقافة العربية، مع المضمون السياسي لكتاب الجمهورية كما هو، بعيدا عن أية بطانة ميتافيزيقية (كتلك التي لفه فيها الفارابي)، وعن منهج "المقابسات" و"سوق الأدب" الذي يقتطف عبارة من هنا وهناك، مع تجنب ما هو نقدي قد يفهم "إياك أعني واسمعي يا جارة".ثانيها: أن ابن رشد بقي مخلصا لروح النص وطابعه التحليلي النقدي، وأكثر من ذلك وظفه في نقد السياسة في زمانه وبلده نقدا مباشرا، لا مواربة فيه ولا التواء.ـ ثالثتها: هي أنه لأول مرة في التاريخ الفكر الفلسفي والسياسي والأخلاقي والاجتماعي في الثقافة العربية تواجه السياسة بخطاب صريح. لأول مرة يتم نقد الاستبداد بمفاهيم مباشرة ("وحدانية التسلط") وبجرأة وقوة وبإعطاء أمثلة من وقاع التاريخ العربي.-رابعتها: وهذا ينطبق على ابن باجة أيضا هي أننا إزاء فكر سياسي وأخلاقي متحرر تماما من "أردشير" والقيم الكسروية. وبعبارة أعم: من "أخلاق الطاعة" ومتحرر كذلك من النزعة الصوفية، سواء على صعيد الأفق الميتافيزيقي، أو على صعيد الفعل الاجتماعي، حيث يهرب المتصوف من المقاومة الإيجابية إلى "المقاومة السلبية"، كما كان شأن المانوية في فترة من تاريخها(ص392).6 – الفصل الخامس عشر: مقابسات في: "السعادة"… والاستبداد.يقيم الأستاذ محمد عابد الجابري مقارنة بين القيمة المركزية في الموروث اليوناني والموروث الفارسي. إذ يرى أن نظام القيم في الموروث اليوناني يجعل من: "السعادة" قيمة المركزية بارتباط مع المعرفة (المعرفة بالنفس وبالمجتمع وبالكون وبالله) بوصفها العنصر المقوم للكمال الإنساني. في حين يؤكد على أن نظام القيم في الموروث الفارسي –على الأقل كما داع في الثقافة العربية- هو نموذج أردشير: الحاكم الذي يؤسس حكمه على الدين وينصب نفسه حارسنا له، فيضمن الطاعة. وفي جميع الأحوال، فالقيمة المركزية هي الاستبداد(ص420).وتفضي هذه المقارنة بالباحث، إلى الإعلان عن مفارقة خطيرة، وهي أن الجمع الذي قام به ممثل هذه النزعة، وهما العامري ومسكويه، بين الموروث اليوناني والموروث الفارسي، يترتب عنها حتما الجمع بين القيمتين المركزيتين فيهما: السعادة والاستبداد.ويرى الأستاذ الجابري، أن الأدبيات الأخلاقية السياسية في الإسلام التي تغرف من الموروث اليوناني، بما في ذلك: "مدينة الفارابي"، "تلغي السعادة" إما بتأجيلها إلى الحياة الأخرى وإما بربطها في هذه الدنيا بنموذج أردشير، الحاكم المستبد، الحارس للدين مظهرا، والحارس لحكمه من الدين (أي من الشعب) واقعيا(ص420).إجمال ومناقشة:يميز الأستاذ الجابري من خلال مقاربة للموروث اليوناني وامتداداته في الثقافة العربية بين ثلاث نزعات أو اتجاهات:ـ اتجاه طبي علمي.ـ اتجاه فلسفي.ـ اتجاه تلفيقي.وكل واحد منها متعدد بدوره.إذا كان أفلاطون وأرسطو يمثلان المرجعية الرئيسية في الأخلاق اليونانية، في تراثنا، فإن الأستاذ الجابري، يرى أن الحضور القوي لجالينوس (النزعة الطبية) يغير الصورة تماما. بحيث تبرز تلك الظاهرة "التوفيق بين الموروث اليوناني والموروث الإسلامي" وهو ما يطلق عليه بـ"أسلمة الأخلاق اليونانية". والنتيجة يقول الجابري، هي أن "أخلاق السعادة" قد تحولت في الثقافة العربية، وداخل الموروث اليوناني وحده، إلى "سوق القيم". هنا في مثل هذا الوضع تختلف المعايير، ويسود الرديء(ص422).فعلا، يؤكد الجابري، لقد ساد المقتبس "الرديء" من الموروث اليوناني في ثقافتنا العربية، "بضاعة" النزعة التوفيقية التي ينتمي إليها كل من كتاب العامري "السعادة والإسعاد" وكتاب مسكويه، "تهذيب الأخلاق". الأول مشهور كفاية، والثاني أكثر منه شهرة. وقد بقي إلى الآن يعتبر أهم كتاب في الأخلاق أنتجه الفكر العربي(ص422). في نفس الوقت، غاب "التنبيه على سبيل الإسعاد" للفارابي، وغاب "تهذيب الأخلاق" لأبي سنان، وغاب "تهذيب الأخلاق" لابن الهيثم. وأخيرا والتأكيد ليس آخر، غاب "الضروري في السياسة: مختصر السياسة لأفلاطون"، لابن الوليد ابن رشد. فغاب بغيابه نقد السياسة في ثقافتنا، النقد المباشر الذي يتجه إلى "وحداني التسلط" وإلى الحاشية الفاسدة. هذا فضلا عن غياب أفلاطون الحقيقي في ثراتنا، لأن ما راج فيه قبل هذا الكتاب كان –كله تقريبا- منقولا ينتمي إلى الأفلاطونية المحدثة وكتب "النصائح" و"الكلمات القصار"(ص422).في ظل هذا الوضع، يؤكد الجابري، غابت أخلاق السعادة، ونسبت إلى الموروث اليوناني، نفس القيم الكسروية التي انتقلت مع الموروث الفارسي. وهكذا، فإن "السعادة" التي هي القيمة المركزية في هذا الموروث قد فقدت مضمونها الإنساني الواقعي، لتصبح سعادة في عالم ما ورائي لتتحقق بتخليص النفس من أغلال البدن والحياة الحسية(ص629). ومن تم، القطع بين "السعادة" كقيمة مركزية في الموروث اليوناني وبين الأساس العقلاني الذي بنيت عليه أول مرة(ص629) في حين ساد حضور أخلاق الطاعة، والقيم الكسروية الساحة الثقافية العربية(ص628).إن الرحلة التي قام بها الأستاذ الجابري لتقصي أصول العقل الأخلاقي العربي، أفضت به إلى الصدع بحقيقتين أساسيتين، يقول:الحقيقة الأولى: إن الرغبة في "اتقاء الفتنة" قد بررت على الدوام قبول العيش باستكانة، تحت الحكم الذي أصله فتنة! فكانت النتيجة قيام الحكم في الإسلام، وعلى الدوام إلى الآن، على "وحدانية التسلط"، فكانت مدينتنا إلى اليوم "مدينة الجبارين"(ص630).الحقيقة الثانية: لم ينهض العرب والمسلمون بعد، ولا إيران ولا غيرها من بلاد الإسلام النهضة المطلوبة، والسبب عندي أنهم لم يدفنوا في أنفسهم "أباهم" أردشير!(ص630).إن وضعية "القبول بالعيش باستكانة". التي تتضمنها الحقيقة الأولى، نتيجة قوية جدا في نظري، سواء بالنسبة لما يمكن لقارئ أن ينتظره من عملية نقد العقل الأخلاقي العربي، بوصفه يحمل ويروج لنوع من القيم السلبية ما زالت الكثير منها يؤثر في السلوك ويوجه الرؤى في حياتنا المعاصرة، أو بالنسبة لكائن بشري "سياسي" أحسن يوما بضيق التنفس في مدينته أو قريته، بسبب "وحدانية التسلط" وغياب النهضة المطلوبة نتيجة الحضور القوي لـ"الأب" أردشير. هذا القبول، تحول إلى "نمط وجود"، عمر طويلا، وللأستاذ الجابري ألف تحية، لأنه عمل على الإخلال بمساراته وفكك بنيته وكشف عن تاريخه وتجلياته.أما النفي الفعال التي تتضمنه الحقيقة الثانية، والتحليل الذي قدمه الباحث على طول صفحات هذه العمل الفكري القيم، يعتبر طرحا أصيلا لمبحث ظل بعيدا عن الدرس والتحقيق والنقد والمراجعة. فهو صادر عن عمل وجهدا أكيد –والجابري يؤكد ذلك غير ما مرة في مؤلفه- ويمكن لأي قارئ أن ينتهي إلى هذه الحقيقة. وأعتقد أن مقولة "العيش" التي تسللت خلسة إلى الصفحة الأخيرة من الكتاب، كنقطة ضوء هامشية، في مشهد زمني مظلم، استغرق أكثر من 1380 سنة، لها علاقة قوية بالموروث الأخلاقي اليوناني، ذلك أن موضوعة "العيش" اعتبرت مبحثا أساسيا في التفكير الفلسفي اليوناني، وشكلت فنا يحرض على الاعتناء بالذات وبالآخرين، ويحتفل بجمالية الوجود.ـــــــــــالمصدر : مجلة فكر ونقد المغربية العدد 54

0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن