من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

ماحدث في بيت الريّس الليلة الاخيرة/خالد جمال عبد الناصر


خالد جمال عبد الناصر: ما حدث فى بيت الريِّس الليلة االأخيرة2009-09-30 00:04:51
خالد جمال عبد الناصرفى الأيام الأولى من حقبة الثمانينات التأمت الأسرة فى قاعة السينما فى الدور الأرضى من بيت منشية البكرى. وقاعة السينما بالأصل صالة طعام رئيسية كان يستضيف فيها الرئيس ضيوفه الكبار على موائد العشاء. جلست أمى تحية كاظم وحدها على كرسى فى الصف الأول، وجلست فى الخلف مع زوجتى داليا فهمى، وكان معنا شقيقاى عبدالحميد وعبدالحكيم بصحبة زوجتيهما إيمان ونجلاء، كانت أحاديثنا فى ذلك المساء عادية حول بعض شئوننا الاجتماعية، ولم نتوقع أننا بصدد حادث عاصف بالمواجع القديمة. أخذ عامل السينما عبدالعظيم يستعد لعرض شريط سينمائى حديث، ولكنه أخطأ فى الشريط وفوجئنا بالعرض يبدأ، وصورة أبى على غير انتظار تطل على الشاشة ومشاهد الملايين الملتاعة تزحف خلف نعشه بأنشودة وداع صاغتها بعفوية الوادع يا جمال يا حبيب الملايين. الشريط السينمائى عنوانه أنشودة الوداع للمخرج على عبدالخالق. شيء أقرب إلى الصاعقة ضربنا. أمى غرقت فى بكاء مرير بصوت مرتفع، ومع بكاء أمى أخذتنا الدموع إلى مدى بعيد لم نتصور منذ لحظات، وبعد عشر سنوات تقريبا من وفاة أبى، أننا سوف نذهب إليه.. كأنه مات الآن، كأننا فقدناه الآن، شعرنا بحسرة الفراق، وكما لم يحدث من قبل، لم استطع متابعة الشريط السينمائى وغادرت القاعة مسرعا.ابقميص أزرق طويل وبنطلون رمادى خفيف فى قدميه وقف أبى ذات مساء من الصيف الأخير فى شرفة واسعة على يسار استراحة المعمورة فى الإسكندرية، الاستراحة تواجه البحر مباشرة، كنا فى مطالع الصبا، نلهو على البحر، وأبى يتابعنا من بعيد، ويتمشى أحيانا فى البلكونة، وأحيانا ينزل للتمشى على البحر. كان يشاور لنا من بعيد، ونحن نرد التحية بحماسة، كنا متعلقين به بصورة لا تصدق، كانت مشيته فى الصيف الأخير تبدو عادية أو لعله أراد بعناده المعروف أن يتحدى المرض، وأن يخفى آلامه عنا، وأن يبدو طبيعيا، بدت حالته الصحية بالنسبة لى تحت السيطرة، لم يكن هناك ما يقلق ولا خطر فى بالنا أن هذه آخر أيامنا مع جمال عبدالناصر، غير أن ضغط الأحداث عليه، من الاستعداد لتحرير الأراضى المحتلة بقوة السلاح إلى مجازر أيلول الأسود أخذ ينال من صحته ويضع قلبه فى مرمى نيران النهاية.ذات مرة قال لى لن يتركونى أبدا، ونهايتى إما مقتولا أو سجينا أو فى مقابر الغفير كان يدرك أن القوى العاتية التى حاربها سوف تحاول الانتقام، وأن الانتقام سوف يكون مريعا، وعندما حدثت هزيمة يونيو كان تصوره أن طالب الناس بشنقه فى ميدان التحرير، فإذا بالملايين يخرجون مطالبين القائد المهزوم بالبقاء، وكما لم يحدث فى التاريخ من قبل.كنا على مائدة غداء ذات يوم عام 1970، ولسبب ما قلت: مضت ثلاث سنوات وكنت أتحدث عن موضوع شخصى مضت عليه هذه الفترة، التفت عبدالناصر تجاهى، قال وكأنه يحادث نفسه:ثلاث سنوات؟!. كانت هذه السنوات قد مضت على النكسة.. لم ينس أبدا هذا الجرح.مارس 1969، استشهد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المصرية على جبهة القتال الأمامية، صدمة عبدالناصر باستشهاد رياض بدت صاعقة كان يراهن على الجنرال الذهبى فى تحرير أراضينا المحتلة بقوة السلاح تحت وابل من النيران وأفق مشتعل بالنار ثقته بالكفاءة العسكرية لرياض كانت بلا حدود، لكنه شعر أيضا بالفخر لاستشهاد رئيس أركان حرب القوات المسلحة على جبهة القتال، مصر تغيرت، ونفضت ثياب الهزيمة بإرادة المقاتلين وبدماء الشهداء، وهو المعنى الذى التقطته مئات الألوف التى خرجت تودع رياض فى جنازة مهيبة اخترقت ميدان التحرير من جامع عمر مكرم. أصر الرئيس على أن يتقدم صفوف الجنازة وتحدى إجراءات الأمن وأزاح رجال الحراسة وذاب وسط الجماهير، كان لديه إيمان صوفى بالجماهير، يشعر بالتوحد معها، وبأنه فى مأمن تماما بحمايتها، رجال الأمن أصابهم الفزع، اقترب أحد ضباط الحراسة من الرئيس بصعوبة شديدة وقال: يا فندم كفاية كده نهره عبدالناصر بيده ومضى فى الجنازة حتى نهايتها متأثرا بهتاف الشعب.. رياض ما متش والحرب لسه مانتهتشحتى الآن.. ورغم مضى كل هذه السنوات الطويلة يساورنى شعور طاغ بتقصير الأطباء فى علاج الرئيس إلى حد كبير، حاولوا إرضاء الرئيس على حساب صحته، وقد تفرض أجندة الالتزامات أن يلقى خطابا جماهيريا أو يعقد اجتماعا سياسيا فى ظل أزمة صحية تستدعى أن يستريح. يقول للأطباء: عاوز أروح أخطب فيلتزمون بما طلب دون مناقشة أو اعتراض، يعطونه مضادات حيوية من أقوى جرعة ممكنة، وفى اعتقادى أن هذا النوع من العلاج بتسكين الآلام لمقتضيات السياسة هو أقرب إلى سوء استخدام تكنولوجيا المضادات الحيوية، وقد أنهك صحة أبى بصورة خطيرة. ليس من واجب الطبيب أبدا أن يستجيب لطلبات المريض، حتى ولو كان رئيس الجمهورية، ليس من واجب الطبيب حين يقول له الرئيس:تعال ادينى حقنة ريفالين أن يكون الرد الفورى حاضر لا أغفر لأطباء عبدالناصر هذا التساهل المفرط فى مقتضيات العلاج.االسيرة الصحية لوالدى ترتبط بتواريخ السياسة.. أثناء الحصار الاقتصادى الذى فرضه الغرب على مصر أصابه مرض السكر عام 1958 بعد نكسة 67 نالت منه مضاعفات السكر بصورة خطرة، إرهاق العمل المتواصل فى الليل والنهار لتحرير الأراضى المحتلة بقوة السلاح أصابه بأزمة قلب، وأزماته الصحية كان يمكن باستمرار تداركها، مضاعفات السكر تمت السيطرة عليها، أما الإرهاق وتحدى أوامر الأطباء بالراحة فلا سبيل لتداركهما، من عرف عبدالناصر فى تلك الأيام كان يدرك بسهولة أنه غير مستعد للنوم مرتاحا أو الاستمتاع بأى شيء قبل إزالة آثار العدوان. اقبل ذهاب والدى لمصحة تسخالطوبو فى الاتحاد السوفيتى للاستشفاء قضى شهرا كاملا فى الإسكندرية على سرير المرض متأثرا بمضاعفات مرض السكر، فيللا المعمورة ثلاثة أدوار وأبى وأمى يعيشان فى الدور الثالث.. دخلت عليه ذات يوم فى غرفة النوم فوجدته يتأوه من الألم، حاول أن يخفى علامات الألم، كنا نحس به، لكنه نجح لحد كبير فى خداعنا والتهوين علينا، لم نعرف أنه أصيب بأزمة قلبية حتى فوجئنا بالثانية القاتلة، حتى أمى لم تعرف.. لا أسامح نفسى حتى الآن على أننى لم أفهم أن إقامة المصعد فى بيت منشية البكرى فى 21 ساعة تعنى أن أبى أصيب بأزمة قلبية تمنعه من صعود السلم للدور الثانى. صاحبنا الرئيس والدتى وأنا وشقيقاى عبدالحميد وعبدالحكيم فى رحلة العلاج لمصحة تسخالطوبو فى الاتحاد السوفيتى، تحسنت حالته الصحية هناك، لم يكن مسموحا لنا بالحضور معه فى جلسات العلاج. قضينا فى تسخالطوبو أوقاتا رائعة، لم نكن قلقين على صحته.. لعله نجح فى خداعنا، ومازلت أعتقد أن والدى مات بالإرهاق أكثر مما مات بأزمة قلب أيلول الأسود.انصحه الأطباء بممارسة الرياضة، بدأ يلعب التنس فى ملعب خلفى فى البيت، مدربه اسمه غريب مازال يمارس التدريب حتى الآن فى نادى القوات المسلحة فى الجلاء منذ الخمسينيات، كان أبى يلعب التنس مع محافظ القاهرة صلاح الدسوقى، بعودة أبى لممارسة الرياضة كنا نقول له:عايزين نلعب معاك يا بابا، ونستمر فى خبط الكوره كنا نلعب معه أحيانا كرة قدم، يشوط أبى الكرة ويقول اجر يا خالد كنت أسمع كلامه كجندى وأجرى أسابق الريح لإحضار الكرة، وفى السنوات الأخيرة عندما بدأ يتألم من مضاعفات مرض السكر،كان يطلب منى أن أرتدى أحذيته الجديدة الناشفة ويقول البس الجزمة يومين طريها واديها لى.ا28 سبتمبر 1970 الساعة الخامسة من مساء هذا اليوم كنت انتهيت لتوى من تدريب كرة اليد فى نادى هليوبولس فى ضاحية مصر الجديدة، جلست مع أصدقائى فى التراس نحتسى الشاى والقهوة، كانت على المائدة المقابلة داليا فهمى زوجتى فيما بعد، لم يكن هناك شيء غير عادى، مؤتمر القمة الطارئ لايقاف نزيف الدم فى عمان انتهى بالنجاح، أبى يعود اليوم للبيت بعد أربعة أيام قضاها فى فندق هيلتون النيل للمشاركة فى القمة وإجراء الاتصالات الضرورية، لم أكن أعرف أنه لم ينم ولم يرتح طوال هذه الأيام بسبب أنه لابد من وقف نزيف الدم الفلسطينى فجأة رأيت أمامى عصام فضلى، وهو ضابط من قوة الحراسة الخاصة بالرئيس، لم يحدث من قبل أن أرسل والدى لاستدعائى ضابطا من حرسه الشخصى قال لى تعالا عاوزينك فى البيت. ولم يزد حرفا. فى أقل من خمس دقائق وصلت، صعدت سلم البيت قفزا بتساؤل كاد يشل الروح:ماذا حدث؟.فكرت فى كل احتمال، ولم يخطر على بالى أبدا ما حدث.احركة غير عادية فى الدور الثانى فى غرفة الرئيس، الباب مفتوح، أبى أمامى على السرير مرتديا بيجامة.. طبيبه الخاص الدكتور الصاوى حبيب يحاول انقاذ حياته بصدمات كهرباء للقلب، السيد حسين الشافعى فى زاوية الحجرة، يصلى ويبتهل إلى الله، الدكتور الصاوى قال بلهجة يائسة كلمة واحدة:خلاص. الفريق أول محمد فوزى نهره بلهجة عسكرية:استمر ثم أجهش بالبكاء.. نفذ أمر الله، أخذت الأصوات ترتفع بالنحيب. لم أبك، وقفت مصدوما. بكيت بمفردى بعد أسبوعين لثلاث ساعات مريرة. لم أصدق أن أبى رحل فعلا، أمى أخذتها حمى الأحزان الكبيرة، أخذت فى الصراخ والعويل كأى زوجة مصرية بسيطة تنعى رجلها وجملها فى غمرة الحزن طلبت أمى من صديقى محمد الجيار ألا يغادر غرفة الرئيس أبدا، لمدة ثلاث ساعات جلس الجيار على الأرض بجوار سرير عبدالناصر يبكى بحرقة ويقبل قدميه. جاء أنور السادات وتبعته على عجل السيدة جيهان بفستان أزرق، السادات نهرها:امشى البسى أسود وتعالى. بدأ توافد كبار المسئولين فى الدولة على البيت، بعد قليل اجتمع عدد كبير من الوزراء وقيادات الدولة فى صالون منشية البكرى، تقرر نقل جثمان الرئيس لقصر القبة حيث تتوافر هناك امكانات الحفاظ عليه فى درجة تبريد عالية لحين إحضار ثلاجة خاصة لهذه الحالات، والانتهاء من إجراءات الجنازة وإعلان الخبر الحزين على الشعب. بدأت الإذاعة والتليفزيون فى بث آيات من القرآن الكريم، لم يدر أحد بما حدث، حاولت داليا الاتصال بى للاطمئنان، أخيرا أمكنها الوصول لعامل السويتش..أخبرها وهو يبكى:الريس مات.اقوة الحراسة الشخصية لعبدالناصر، وفى مقدمتهم محمد طنطاوى الذى كنا نطلق عليه لقب الطبيب حملت جثمان الرئيس على نقالة إسعاف بلا غطاء، وجهه مكشوف، ابتسامة رضا تعلو وجهه، رائحة الموت كريهة، لكنها بدت مسكا، أمى تابعت الجثمان المحمول على نقالة إسعاف بصراخ رهيب دوى فى المكان الذى كان للحظات قليلة مضت المقر الذى تدار منه مصر والصراعات على المنطقة، قال لها السادات على طريقة أهل الريف فى مثل هذه الأحوال: يا تحية هانم.. أنا خدامك مضى أبى أمام عيوننا محمولا على نقالة إسعاف ولم يعد، لم نره مرة أخرى. لم تذهب معه أمى ولا أحد من أبنائه لقصر القبة. أمى جلست على السلم تنتحب، حتى الآن مازالت تدوى فى وجدانى كلمات أمى الملتاعة، وهى تتابع الخروج الأخير لعبدالناصر من بيت منشية البكرى: وهو عايش خدوه منى وهو ميت خدوه منى. سيارة إسعاف الرئاسة نقلت جثمان أبى من بيت منشية البكرى إلى قصر القبة قبل إعلان الخبر المفجع على الرأى العام فى مدخل القصر الرئاسى قابلت أنور السادات، طلبت منه بإلحاح: عاوز أشوفه يا سيادة النائب. رفض السادات هذا الطلب، قد تكون له أسبابه، ربما خشى أن تنفلت مشاعر شاب صغير لرؤية جثمان والده، ومع ذلك لن أغفر للسادات أبدا أنه لم يمكنى من إلقاء نظرة أخيرة على أبى.امساء الاثنين 28 سبتمبر، 1970، نهر الدموع امتد من الماء للماء على خريطة أمة العرب، فى كل قرية عربية مأتم، قال المصريون البسطاء: عمود الخيمة سقط قرأ المصريون فى طوفان الدموع ما سوف يحدث غدا وبعد غد بهتاف: عبدالناصر يا عود الفل من بعدك حنشوف الذل.. الأناشيد الحزينة أخذت تدوى فى سماء القاهرة التى كانت يومها عاصمة العرب وعاصمة حركات التحرير الوطنى، صرخات ملتاعة تستعيد اسما واحدا لخص كل شيء، حقبة كاملة من الصعود والانكسار، النصر والهزيمة، اسما بدا شهابا قد مضى وتاريخا قد مضى، وإرادة ومقاومة لم يعد يعرف أحد ماذا سوف يحدث بعدها، مات عبدالناصر فجأة، ولم يكن أحد يتوقع أن يغيب مبكرا فى سن الثانية والخمسين، الصدمة المروعة هزت مشاعر المصريين أخذ الملايين يصرخون باسم رجل يرقد وحده فى غرفة مبردة فى قصر القبة.اكان أبى فى ذهابه وإيابه إلى البيت يشاهد مسجدا تبنيه إحدى الجمعيات الخيرية فى شارع الخليفة المأمون عند كوبرى القبة، بدا للرئيس أن مشكلات مالية تحول دون استكمال بناء المسجد، استقصى الأمر من معاونيه، تدخل لتوفير الإمكانات اللازمة لاستكمال البناء، لم يكن يدرى أنه سوف يدفن فى ضريح بهذا المسجد.اعندما بدأت الحشود الهائلة من المصريين البسطاء تزحف باتجاه بيت منشية البكرى، فور الإعلان عن وفاة الرئيس وقفت عند مدخل البيت مأخوذا بالمشهد الحزين، شاهدت عن بعد شخصا يرتدى زى طلاب الكلية البحرية الأبيض، لم أتبين فى البداية من هو، حتى أدركت بعد قليل أنه أخى عبدالحميد، أتوا به على عجل من الإسكندرية، وقف عبدالحميد عاجزا عن دخول البيت من فرط الحشود التى حاصرته بقلوبها وأحزانها. كنت قد قاربت العشرين من عمرى يوم وفاة أبى، علاقتنا بالجيران فى منشية البكرى حكمتها قواعد أمن الرئيس، ومع ذلك لم نشعر يوما بأننا فى وضع أفضل لكوننا أبناء جمال عبدالناصر، ولا هو نفسه كان يسمح بأية ميزات لأبنائه، وذات مرة قال لى: لو استخدمت اسمى للإساءة إلى أحد أو تجاوز فى التصرف، فلن أتردد فى وضعك فى السجن الحربى. فى هذا اليوم الحزين طلب جيراننا من أطقم الحراسة رؤية خالد لتقديم واجب العزاء.اطلبوا من أمى فى اليوم التالى أن تذهب لقصر القبة لتلقى العزاء من الشخصيات الدولية والعربية التى وفدت للعاصمة المصرية للمشاركة فى مراسم الجنازة. أمى لم تشعر بأنها فى مكانها الطبيعى، كانت تقول باستمرار عن بيت منشية البكرى بيتى وقررت أن تعود لبيتها كى تتلقى العزاء فيه، وتتخفف من المراسم الرسمية، بلا قصر قبة أو إجراءات خاصة، فالعزاء أرادته من بسطاء المصريين وعامة الناس.لثلاثة أيام تدفقت على بيتنا عشرات الألوف تعزى نفسها ولا تعزينا فى جمال عبدالناصر، الملايين أخذت طريقها من القرى البعيدة فوق أسطح القطارات فى أكبر عملية زحف فى التاريخ المصرى نحو العاصمة، ضافت الطرقات بأحزان المصريين، كانت مصر تبكى الرجل الذى أحبها كما أحبته، كنا فى بيتنا مأخوذين بالمشهد الجليل فى غمرة الحزن لم نشعر بأننا نحزن بمفردنا، مات عبدالناصر يوم الاثنين مضى الثلاثاء ببطء أشد. مضى يوم الأربعاء والأحزان تفيض على جنبات النيل، حان يوم الخميس، الوداع الأخير لعبدالناصر، يوم الهول العظيم فى مصر، ليلتها وفى ظلمة الحزن أخذت مصر تنشد بأصوات ملايينها الملتاعة أنشودة الليلة الأخيرة الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ثورتك ثورة كفاح عشتها طوال السنين. فى صباح يوم الوداع الأخير وضع جثمان أبى فى طائرة هيلكوبتر بصحبة طائرتى شرف، حلقت الطائرات فى سماء القاهرة فوق النيل، فوق أمواج البشر التى تدفقت إلى الشوارع بالملايين، المشهد أثار الأحزان. أخذت الجماهير الغفيرة تتطلع بعيون دامعة إلى السماء:الوداع يا جمال.لحظتها وقفت فى أرض ملعب الجولف فى نادى الجزيرة الرياضى مع شقيقى عبدالحميد وعبدالحكيم وصديقى محمد الجيار ومحمود القيسونى وكأننا يتامى بانتظار هبوط الطائرة بجثمان الأب الراحل. هبطت الطائرة ببطء، تحرك حرس الرئيس لنقل الجثمان بسيارة خاصة من الباب الخلفى للنادى القاهرى الشهير إلى مقر مجلس قيادة الثورة على النيل، لم أذهب إلى نادى الجزيرة بعدها غير مرة أو مرتين، الذهاب إلى هذا النادى يستدعى أحزانا فوق طاقتى الإنسانية على التحمل، فى مجلس قيادة الثورة وضعوا النعش على مصطبة عالية من الجرانيت، حكيم ارتمى باكيا على النعش، تصورنا فى البداية أن الجنازة سوف تمضى بتنظيم محكم، غير أن الأمور كلها أفلتت بضغط هائل من الجماهير الحزينة التى أخذت تصرخ يا ريس.. سايبنا ورايح فينبدأ الموكب الحزين من مجلس قيادة الثورة، وضعوا جثمان أبى على مدفع، مشينا وراءه كما كنا نمشى دائما، لكنه الآن لم يعد معنا، تدفقت الحشود تحاول أن تقتحم الموكب الرسمى، وفرضت كلمتها فى النهاية، ضغطت بتدافعها الرهيب على الرؤساء والقادة، تبخرت إجراءات الأمن المشددة ، وبعد قليل غادر المسئولون الكبار الجنازة بنصائح أمنية، ومضيت مع اخوتى وأصدقائى وحدنا وسط الحشود الهائلة وراء المدفع حتى فندق هيلتون النيل، الناس يضغطون علينا من الخلف فى محاولة للمس نعش الرئيس، وربما بأمل إلقاء نظرة أخيرة عليه من قريب، وفى تدافع الجموع بدا شقيقى الأصغر عبدالحكيم 51 عاما فى ذلك الوقت يعانى بشدة من ارتطام متوال بالمدفع، وأخذ يصرخ: ضلوعى حتتكسر ثم نظر حوله وكنا قد تباعدنا عنه، وخشى أن يكون قد ضاع فى وسط الزحام الرهيب، وأخذ ينادى بصوت عالأخوتى فين؟. كاد أن يضيع فعلا عبدالحكيم منا وسط تدفق أكثر من 5 ملايين مواطن فى تدافع رهيبب بأحزان كبرى على كوبرى النيل، خفت أن يضيع منا حكيم فى هذا اليوم، وأخذت أصرخ هاتوا أخويا الصغير. وكانوا قد حجزوا غرفة خاصة لوالدتى فى فندق هيلتون النيل، وعلى مقربة من هذا الفندق وقفت والدتى فى أعلى مقر الاتحاد الاشتراكى تتابع الجنازة بقلبها ودموعها، ولعلها خشيت فى هذا اليوم أن تفقد الزوج والابن الأصغر معا.من عند فندق النيل هيلتون أخذت سيارة إلى الجامع الذى أصبح فيما بعد معروفا باسم جامع جمال عبدالناصر عبر طريق صلاح سالم بصحبة صديقى محمود الجيار، وصلنا بصعوبة بالغة قبل صلاة الجنازة، دخلنا إلى حرم الجامع من ناحية الكلية الفنية العسكرية، البوابة كانت مغلقة، وبدأت الجماهير المحتشدة تدرك أن أولاد عبدالناصر قد وصلوا ثم تحركوا باتجاهنا، وبسرعة أصدر الفريق أول محمد فوزى القائد العام للقوات المسلحة الذى كان يستند بظهره إلى جدار الجامع الخارجى أوامره بعمل كردون من قوات الصاعقة من حولى حرصا على حياتى من فيض عواطف الحشود، رأيت عمى عز العرب يبكى بهستيريا ويضع على طريقة أهل الصعيد فى إبداء الحزن التراب على رأسه ويقوم بتمزيق الستائر.عاشت أمى سنوات طويلة بعد رحيل أبى، وتوفاها الله فى 25 مارس 1990، طوال هذه السنوات لم تخلع ملابس الحداد السوداء على جمال عبدالناصر، ألححنا عليها كثيرا لارتداء ملابس ملونة، وأحيانا كنا نبادر بشراء مثل هذه الملابس من أجلها، ونردد على مسامعها الحكمة المصرية الشهيرةالحزن فى القلب غير أنها لم تقتنع أبدا، وكان أملها الوحيد أن تدفن بجواره ذات يوم.المدفن عبارة عن حجرتين، دفن أبى فى إحداهما، وفيما بعد دفنت أمى فى الثانية، يومها أخذت تطالب وسط موجات من البكاء ما يشبه الوصية. لازم ادفن معاه، فى حجرة الدفن رأيت أشرف مروان ومحمد الجيار، ربما كان هناك آخرون لا أتذكرهم الآن، وفى غمرة الحزن قال أحد ضباط الحرس الجمهورى: ياريت أنا اللى مت. وما إن انتهت إجراءات الدفن حتى أخذ بعض العمال يسدون القبر بالطوب، وهذه كانت أسوأ لحظة فى حياتى.ا 2 ديسمبر1971، فى هذا اليوم عقدت قرانى على زوجتى داليا فهمى فى بيت منشية البكرى، فى حضور رئيس الجمهورية الجديد أنور السادات وعدد كبير من الوزراء وكبار المسئولين، حرصت يومها على دعوة أساتذتى فى كلية الهندسة من جامعة القاهرة، السادات شهد على وثيقة الزواج فى صالون جمال عبدالناصر، كل شيء يحيطه جلال الغياب، الملابس سوداء، وراعى الحضور إلى أقصى حد ممكن ضبط التصرفات المعتادة فى مثل هذه المناسبات حرصا على مشاعر أسرتى، نزلت أمى من الدور الثانى، سلمت على الضيوف. وبدا أنها قد تقبلت التهانى كما هو معتاد فى الأفراح، غير أنها كانت فى دنيا أخرى مع رجل آخر، فجأة أخذت تنظر حولها كمن تبحث عن شخص بعينه وتتوقع أن يكون على رأس الحفل السعيد، ثم أخذت تسأل :جمال فين.. الريس فين؟.. أمى سيدة مصرية بسيطة تؤمن بالله، وتصلى الفروض فى مواقيتها، وتزور أولياء الله الصالحين وفى الملمات تلجأ لمقام سيدنا الحسين، وتدرك أن هذه إرادة الله وحكمته، غير أنها فى هذه المناسبة العائلية افتقدت وجود رفيق حياتها، غابت كل الوجوه، وحضرت صورته، وحدها فى القلب.. لعشر دقائق كاملة أخذت تسأل.. والدموع فى عيوننا، ولا مجيب، ماتت أمى منذ خمسة عشر عاما، وهناك فى أمتنا بأوضاعها المحزنة الحالية، من لا يزال يسأل بإلحاح: جمال فين.. الريس فين؟.ا
*نقلا عن جريدة "العربي" المصرية

من هو رمز الطمع عند العرب؟/ منقول

من هو رمز الطمع عند العرب ؟
ورد في الأثر أن أشعب وهو رمز الطمع عند العرب دخل على أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور فوجد أمير المؤمنين يأكل من طبق من اللوز والفستق فألقى أبو جعفر المنصور إلى أشعب بواحدة من اللوزفقال أشعب :
يا أمير المؤمنين( ثاني اثنين إذهما في الغار) فألقى إليه أبو جعفر اللوزة الثانيةفقال أشعب :
(فعززناهما بثالث) فألقى إليه ألثالثه فقال أشعب :
(فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك) فألقى إليه الرابعةفقال أشعب :
( ويقولون خمسه سادسهم كلبهم )فألقى إليه الخامسة والسادسةفقال أشعب :
( ويقولون سبعه وثامنهم كلبهم )فألقى إليه السابعة والثامنةفقال أشعب : (وكان في المدينة تسعة رهط) فألقى إليه التاسعةفقال أشعب :( فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) فألقى إليه العاشرةفقال أشعب :
( إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) فألقى إليه الحادية عشرفقال أشعب : والله يا أمير المؤمنين إن لم تعطني الطبق كله لأقولن لك( وأرسلناه إلى مائه ألف أو يزيدون) 00 فأعطاه الطبق كله!هذا هو أشعب وبرغم طمعه وجشعه إلا أنه كان يحفظ القران عن ظهر قلباللهم ارزقنا حفظ القرآن واجعله ربيع قلوبنا( آمين يا رب العالمين ) ..........................................راقت لى كثيرا جدااا فآثرت نقلها

قصة اسلام وحشي قاتل حمزة/منقول

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي وحشي بن حرب قاتل حمزة يدعوهإلى الاسلام فأرسل إليه : يامحمد كيف تدعوني وانت تزعم ان من قتل أو أشرك أوزنى يلق اثاما ألا يقول ربك فى كتابه ((والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما ,يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا )) صدق الملك .سورة الفرقان 68 ، 69وأنا صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة ؟
فأنزل الله عز وجل : ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ,فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات,وكان الله غفورا رحيما))
فقال وحشي : يامحمد هذا شرط شديد ((الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا))فلعلي لاأقدر على ذلك
فأنزل الله عز وجل : ((إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء))فقال وحشي : يامحمد , هذا أرى بعد مشيئة الله فلا أدري هل يغفر لي أم لا فهل لي غير هذ؟
فأنزل الله عز وجل: (( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله, إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)) الزمر
قال وحشي : هذا نعم , فأسلم فقال الناس يارسول الله : إنا أصبنا ماأصاب وحشي .قال : هي للمسلمين عامة..................................................

سبب نزول " ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة "/منقول

سبب نزول قوله تعالى: ((ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة))
قال الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [سورة الحشر]،
سبب نزولها: أن رجلاً أتى النبي فبعث إلى نسائه ليقدن له شيئا فقلن: "ما معنا إلا الماء" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضم أو يضيف هذا" فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيّئي طعامك واصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت وكأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضحك الله" وضحك هنا بمعنى رضي وليس كضحك البشر، أو "عجب من فعالكما"، فأنزل الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [سورة الحشر]

هل من تسوية بين واشنطن وموسكو؟/ابا الحكم

التراجع الأمريكي عن "الدرع الصاروخي" كان متوقعاً.!! ·
والتوقع جاء في حركة موسكو حيال طهران صوب الخليج العربي.!! ·
التراجع هناك عند التخوم، قد يفضي إلى التراجع هنا عند السواحل.!! ·
المهم ما وراء التسوية، التي لن تكون بدون ثمن!!
هكذا نفهم التحولات الإستراتيجية التكتيكية :
كانت إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن، قد استخلصت مساراً إستراتيجياً يبدأ من حلف شمال الأطلسي لاحتواء دول المنظومة الشرقية، التي انفرط عقدها في إثر انهيار الإتحاد السوفيتي وضمها إلى الأطلسي والزحف بقوات الحلف خارج سياسته الجغرافية الأوربية نحو المجال الحيوي لروسيا الاتحادية حتى الصين لغلق المنافذ والمعابر وتطويق الدولة الروسية والصينية وحرمانها من فرص النهوض من جديد لاستئناف التوازن الإستراتيجي الدولي. ما الذي حصل؟ وما الأسباب أو الدوافع التي جعلت صاحب القرار الأمريكي (يتخلى أو يتراجع) عن قرار ذي أهمية إستراتيجية، خاصة وأن مثل هذه القرارات يصعب التراجع عنها لأن ولآية سياسية جديدة قد حلت على البيت الأبيض لا يعني التخلي أو التراجع عن قرارات (إستراتيجية تكتيكية) اتخذتها ولآية سابقة ما لم يستجد في الأفق ما يرغم على التراجع.. فما هي المسببات التي جعلت واشنطن تتراجع أمام الخصم الروسي؟! ثم ما هي الظروف الدولية والإقليمية التي تحيط بالقرار؟ ثم ما المستجد في السياسة الإستراتيجية الروسية من تحولات في المفاهيم؟! ملامح المتغيرات في العقيدة النووية الروسية : شهدت العقيدة النووية الروسية تطوراً ملحوظاً منذ عام 1993 حيث كانت تعرف بـ(سياسة عدم استخدام السلاح النووي أولاً)، فيما بدأت في عام 1999 تتشكل ملامح عقيدة نووية جديدة تعطي للسلاح النووي مهام جديدة تهدف إلى منع نشوب الحروب التقليدية المحدودة، وذلك لوجود قناعة لدى القيادة الروسية بوجود خطر خارجي يتهدد البلاد لاسيما خلال الفترة ما بين 1990 – 1999، يتمثل في احتمال لجوء حلف الناتو إلى القوة العسكرية على نطاق واسع من أجل الحصول على مكاسب سياسية وبطريقة قد تكون مشابهة للحروب التي جرت في منطقة البلقان. ولوجود قناعة أيضا، بضعف القوات الروسية التقليدية وعدم قدرتها على مواجهة حرب محدودة في ظل التفوق النوعي والكمي لحلف الأطلسي. ومن منظور القيادة الروسية، كان الاعتماد على السلاح النووي رداً (منطقياً) على هذه المخاوف على أساس أن القوات النووية لديها مزايا غير تلك التي حصرتها القيادة السوفيتية السابقة بـ (ردع هجوم نووي واسع النطاق)!! لكن وفي الوقت ذاته، كان الرأي ينصب على أن الاعتماد على السلاح النووي سيكون عاملاً مؤقتاً لتوفير الأمن القومي الروسي إلى حين استكمال خطط تطوير وتعزيز القوات الروسية التقليدية. في عام 2000 اعتمد مفهوم جديد للأمن القومي لروسيا اعتبر تعديلاً لمفهوم عام 1997 يؤسس الضوابط المرتبطة بالأمن القومي الروسي ويتناول الإستراتيجية النووية بخططها العامة دون الخوض في التفاصيل التي أعدت في إطار العقيدة العسكرية المعتمدة، والجديد في وثيقة الأمن القومي الروسي التي أعدت في عهد بوتن هو ((استخدام جميع القوى والوسائل المتاحة بما في ذلك السلاح النووي في حال لزم الأمر، لصد اعتداء مسلح، بعد أن تستنفد جميع الوسائل الرامية لحل الأزمة أو أن هذه الإجراءات أثبتت فشلها)). والمفهوم الجديد ((يسمح باستخدام القوة النووية ضد أي اعتداء صغيراً كان أم كبيراً حتى لو لم يهدد وجود وكيان الدولة))، حيث يسمح باستخدام محدود للقوة النووية مقارنة بالمفهوم القديم المعروف بالضربة النووية الشاملة رداً على أي هجوم واسع النطاق.!! إن هذا التغيير في العقيدة النووية الروسية يرتبط بالتوصيف الروسي للتهديدات المحتملة التي يمكن تلخيصها : أولا- رغبة بعض الدول أو مجموعات داخل دولة بتحجيم دور الآليات القائمة لتوفير الأمن الدولي، وأولها الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوربي. ثانيا- تقوية التكتلات العسكرية السياسية وتحالفاتها، وأولها توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً. ثالثاً- ظهور قواعد لقوات أجنبية أو حشود عسكرية في الجوار القريب للحدود الروسية. رابعاً- انتقال حلف شمال الأطلسي إلى ممارسة العمليات العسكرية في خارج نطاق مسؤولياته دون تفويض من مجلس الأمن الدولي.. (في أفغانستان والعراق وانتشار القوات والحشود في الخليج العربي والجزيرة والبحر العربي وتعزيز جزيرة ديوغارسيا وانجاز قواعد عسكرية على أراضي بعض دول وسط آسيا.. الخ). أقر مجلس الأمن القومي الروسي هذه الإستراتيجية النووية عام 1999، بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب في إقليم (كوسوفو).. هذه الحرب عززت المخاوف الروسية السابقة من قيام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بعملية عسكرية محدودة ضد روسيا من أجل الحصول على مكاسب سياسية، مثل إجبارها على سحب قواتها من بعض الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، أو وقف الحرب في الشيشان أو الرضوخ لترتيبات أنابيب النفط والغاز التي تتربع قمة المصالح الحيوية الروسية. وفي ما يتعلق باتفاقية الصواريخ العابرة للقارات: لم يعد الخطر الذي تفرضه اتفاقية (Start-1) في صالح روسيا التي تسعى حالياً إلى تعديلها في اتفاقية (Start-3) فيما لم تصادق روسيا على اتفاقية (Start-2)، وذلك لعدم قبولها بالقيود المفروضة ذاتياً على الأسلحة النووية التكتيكية في عام غابت عنه المنافسة الدولية بعد أن تحول العالم إلى نظام القطب الواحد. ولعل من أهم التعديلات التي أدخلتها موسكو في وثيقة الأمن القومي عام 1999، توسيع السيناريوهات المحتملة للصراع، الذي يمكن استخدام السلاح النووي فيها حيث أن العقيدة الأمنية الروسية الجديدة تميز بين أربعة أنواع من الحروب :
1. الصراع المسلح وبشكل أساسي، الديني أو العرقي المنشأ داخل البلاد بمشاركة دول أخرى.
2. الحروب المحلية التي تشنها دولة أو مجموعة دول معينة لكنها ذات نطاق وأهداف محدودة.
3. الحروب الإقليمية التي تشنها دولة أو تحالف من الدول لتحقيق مكاسب سياسية.
4. الحرب الكونية التي يشنها تحالف من الدول وعلى نحو يهدد وجود وكيان الدولة الروسية.
يمثل هذا التغيير في العقيدة الإستراتيجية الروسية، أدراك مبكر لطبيعة المخاطر التي من المحتمل أن يتعرض لها الأمن القومي الروسي، الأمر الذي مكنها من وضع خيارات محددة لمواجهة هذه الاحتمالات، في ضوء أي حركة يرسمها الخصم (الأمريكي) مباشرة أو من خلال (حلف شمال الأطلسي). والتساؤل في هذا المنحى : لماذا تراجع (باراك أ وباما) عن خطة إستراتيجية تم الاتفاق عليها في نطاق حلف شمال الأطلسي وهي نشر صواريخ بالستية عابرة للقارات في بولونيا والتشيك؟ وما هي الدوافع والمسببات لهذا التراجع؟ الحركة الروسية نحو إيران : يتخذ الصراع الأمريكي- الروسي- الأطلسي شكل مشروعين، أحدهما روسي يغذي أوربا وخاصة ألمانيا وإيطاليا بالنفط والغاز الروسي والإيراني.. والمعنى في ذلك، أن العلاقات الروسية- الإيرانية تقوم على قاعدة مشتركة متعددة الأوجه الإستراتيجية منها (بناء المفاعلات النووية الإيرانية والإشراف على استكمال إجراءات صيانتها) و (أنابيب النفط والغاز) و (تصدير السلاح) و (مشاريع مدنية مشتركة) يمكن رصدها وكما يلي :
1. اتفاق بين شركات سكك حديد روسية إيرانية آذربيجانية لمد خط جديد من مدينة قزوين الإيرانية إلى منطقة (أسترا) الأذرية، وهو الخط البري الذي ينقل البضائع بين أوربا إلى المحيط الهندي عبر الخليج العربي. والدول التي وقعت على هذه الاتفاقية (روسيا وإيران والهند)، انضمت إليها كل من كازاخستان وآذربيجان.
2 . إنشاء مشروع بين روسيا وأرمينيا يمثل ممر نقل جديد بين البلدين، وخط جديد آخر بين أرمينيا وإيران. وأن جميع الخطوط البرية التي تربط روسيا بإيران تمر بالأراضي الأذرية والتركية.
3. هناك مشروع بمثابة خط عبر الأراضي الأفغانية يربط إيران بالصين وبكازاخستان وبحر آرول.
4. تستثمر روسيا مراحل جديدة في حقلي (فارس) الجنوبي و (آزادخان) الشمالي النفطيين الإيرانيين.
5. تدخل روسيا وإيران وأرمينيا بشراكة مد خط لأنابيب النفط بين كل من إيران وأرمينيا، فيما يمول المشروع من قبل الدول الثلاث.
6. تقوم روسيا بإنشاء قناة بين بحر قزوين والبحر الأسود، فيما تهتم إيران بدعم روسي إنشاء قناة تربط بين بحر قزوين وساحل الخليج العربي.!!
7. تقوم روسيا وإيران بإنتاج مشترك داخل إيران لطائرتي الركاب (204-To) و(214-To)، فيما حققت روسيا عرضها بشراء شركة أصفهان للصلب ذات الأهمية القصوى في إيران.. والصفقة تقع في حدود(2) مليار دولار.. أما الأرباح التي تجنيها روسيا من مشروعاتها المشتركة مع إيران فتقدر أكثر من (20) مليار دولار.
8. تصدر روسيا إلى إيران أنظمة دفاعية.. كما تصدر أجزاء صواريخ (S-300PMu-1) و (S-300PMu-2)، على أمل تصدير منصات إطلاقها في ما بعد تبعاً لظروف تعاملها مع الموقف الدولي. وذلك استناداً إلى الاتفاقية التي وقعها الجانبان الروسي والإيراني في نهاية عام 2005 التي تقضي بشراء (29) وحدة من منظومات الدفاع الجوي، بالرغم من القيود الفنية والعملية التي قد تعرقل تنفيذ الصفقة، لأنها لم تقتصر على إيران إنما تدخل في قائمة التصدير الروسية المحدودة. والخلاصة من ذلك : أولا- إن قرار تصدير السلاح ليس تجارياً، إنما هو قرار سياسي في إطار برنامج مبيعات السلاح الخارجية. ثانيا- يرى الخبراء الإستراتيجيون الروس أن أحد العوامل التي تخفف من الضغط الغربي على المجال الحيوي الروسي هو الدخول في حلف إستراتيجي مع إيران، لأن موقع إيران الجغرافي من شأنه أن يمنح روسيا إمكانية الحركة في منطقة تمتد من القوقاز إلى الخليج العربي، وهي المنطقة التي تشمل المحيط الهندي حتى البحر الأسود!! ثالثا- والمتوقع أن النقلة المقابلة للتحرك الأمريكي المضاد ((أي إصرار أمريكا على إبقاء إستراتيجيتها في نشر درعها الصاروخي في بولونيا والتشيك.. وإصرارها على خرق منطقة وسط آسيا))، المزيد من تعزيز العلاقات الإستراتيجية الروسية- الإيرانية، وذلك بإقامة قاعدتين عسكريتين روسيتين على الأراضي الإيرانية، إحداها بالقرب من مدينة (تبريز) والأخرى في جزيرة (قشم) في الخليج العربي، الأمر الذي قد يفضي إلى تحالف إستراتيجي بين كل من روسيا وإيران والصين. المغزى من الحركة الأمريكية حيال النقلة الروسية :
1. إن روسيا تمتلك أو تصنع أوراق الضغط الإستراتيجية قبل أن تواجه نقلة (سياسية) أو (عسكرية) أمريكية مضادة.
2. تدرك روسيا أن نشر الصواريخ الإستراتيجية الأمريكية في بولونيا والتشيك سيهدد عمقها الإستراتيجي وكذا مجالها الحيوي.. ولمواجهة هذا الخطر أو التحدي عززت روسيا من أحد خياراتها وهو الإقتراب خطوة عبر إيران أمام المصالح الحيوية الأمريكية، وتلك خطوة يمكن تسميتها بـ (إستراتيجية المقابلة بالمثل).
3. إن تمتين العلاقات الروسية- الإيرانية ليس دعماً لنظام متخلف ظلامي، إنما للموقع الجيو-إستراتيجي الذي تتميز به إيران، والذي أخذ شوطه من دعم مفاعل (بوشهر)، إلى الدخول في مشاريع الطاقة ومشاريع سكك الحديد، إلى تزويد طهران بالصواريخ وقواعد إطلاقها، إلى بناء قاعدتين عسكريتين روسيتين في كل من شمال منطقة قزوين وفي جزيرة (قشم) في الخليج العربي.. وبهذا الفعل دخلت العلاقات الروسية الإيرانية مرحلة التحالف الإستراتيجي.. فهل تدخل روسيا كدولة عظمى في تحالف إستراتيجي مع إيران، والأخيرة قد دخلت مسبقاً في تحالف إستراتيجي مع أمريكا؟!
4. من المعروف أن القيادة في النظام الصفوي الإيراني تمتلك حنكة ودهاء اللعب على مبدأ التناقضات. وهذا المبدأ معروف يمثل في ركنه المخاتل قمة البراكماتية : فإيران تتعامل مع الشيطان الأكبر على الأرض، وتتقاطع مع هذا الشيطان إعلامياً في آن واحد.. وتتعامل مع إستراتيجية الحرب على الإرهاب الأمريكية، وتتعاطى مع القاعدة ومنظمات الإرهاب في آن واحد.. وتعلن سياسة دعم القضية الفلسطينية، وتدخل الطائفية إلى الشعب الفلسطيني وتكرس التشرذم السياسي والجغرافي الفلسطيني في آن واحد.. تدعي مبادئ الإسلام، وتعمل على التشيع الفارسي لتفتيت الإسلام من الداخل وتمزيق نسيج الشعوب العربية والإسلامية في آن واحد.. تنشر في المنطقة رغبتها في إقامة علاقات طبيعية مع دول المنطقة، وتقوم بتهديدها بصواريخها البائسة، وتصر على أن تكون البحرين جزءاً منها وتصر على احتفاظها بالجزر العربية في آن واحد.. تقارع الصهيونية والكيان الصهيوني وتعلن أنها قادرة على مسح (اسرائيل) من الخارطة، ثم تجتمع مع حاخامات صهاينة في آن واحد، وتعلن أن إيران لا تشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي.!! هذا هو مبدأ اللعب على التناقضات في السياسة الخارجية الإيرانية. بيد أن هذه السياسة على ما هي عليه وجوهرها فلسفة (التقية) سيف ذو حدين خسر النظام الصفوي في إيران باستخدامه هذا السيف الكثير حتى بات عارياً تماماً حتى أمام الشعوب الإيرانية، التي تعاني من كابوس ولآية الفقيه وإذلال الحرس الدموي.. وعلى الحاذق أن يكتشف سر كراهية هذا النظام للعرب وللإسلام!!
26/9/2009شبكة البصرةالاثنين 9 شوال 1430 / 28 أيلول 2009يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس http://www.albasrah.net/ar_articles_2009/0909/abahakm_280909.htm

المؤتمرات الصهيونية7/7-محمد سيف الدولة

المؤتمرات الصهيوينة 7/7
محمد سيف الدولةSeif_eldawla@hotmail.com
هذه هى الحلقة السابعة والاخيرة فى سلسلة المؤتمرات الصهيوينة البالغ عددها ثلاثة وثلاثون مؤتمرا على امتداد قرن من الزمان 1897 ـ 1997 ، والتى بدأناها بمناسبة حلول الذكرى السنوية الاولى لرحيل المفكر الوطنى الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيرى . فقمنا بجولة مع موسوعتة " اليهود واليهودية والصهيوينة ."واليوم نعرض المؤتمر الثالث والثلاثون الذى عقد فى عام 1997 . وكان غرضنا الرئيسى من عرض هذه السلسلة هو تتبع نشأة وصعود الحركة الصهيوينة خطوة بخطوة ، وتلمس مدى التزام الصهاينة بمنطلقاتهم المبدئية جيلا وراء جيل ، مع المرونة فى الاستراتيجيات والتكتيك . وهو على العكس تماما مما حدث على الجبهة العربية التى يتراجع قادتها مع كل هزيمة او ضغط دولى ، الى ان وصلنا الى ما نحن فيه الآن من تنازلهم عن معظم فلسطين مقابل بعضا منها ، يقبلون به ، بلا سيادة ، و بلا شىء على الاطلاق . ولن يحصلوا عليه . والبقية تأتى .
المؤتمر الثالث والثلاثون:·
عقد فى القدس فى ديسمبر 1997 · اجتمع هذا المؤتمر متأخرا عن موعده وقد كان المفروض أن يعقد في 1996. وقد تم تأخيره حتى يتزامن مع الذكرى المئوية للمؤتمر الصهيونى الأول .· حضر المؤتمر 750 مندوبًا من يهود العالم (حوالى ثلاثة أربعهم من اليهود الإصلاحيين أو المحافظين) و 190 مندوبًا عن المستوطنين الصهاينة.· وقد وصل عيزر وايزمان ، رئيس الدولة ، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء ، متأخرين عن موعدهما . ولم تعر الصحف الإسرائيلية المؤتمر اهتماما كبيرا ، ونشرت أخباره فى مقابل صفحة الوفيات! · وكالمعتاد كان هناك كثيرمن الاقتراحات :ý فصل الدين عن الدولة ý تقوية الديموقراطية الإسرائيلية ý حذف مفهوم "نفى الدياسبورا" على أن يحل محله مفهوم «مركزية إسرائيل فى الحياة اليهودية» ý مفهوم التعددية يحل محل مفهوم «أتون الصهر» أو «مزج المنفيين»، بمعنى أن تحتفظ كل جماعة يهودية مهاجرة إلى فلسطين المحتلة بملامحها الإثنية والدينية الأساسية التى أتت بها من بلدان المهجر ý تغيير الموقف من النازحين (يوريديم) ـ الاهتمام بالمواطنين غيراليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل ý الاهتمام بأسلوب الحياة والبيئة فى إسرائيل ý إنشاء «بعثات سلام اسرائيلية» ، أى أن يقوم الشباب اليهودى فى العالم بأداء نوع من الخدمة «القومية» فى إسرائيل نيابة عن الشعب اليهودى). · كما نشبت المعارك المعتادة : فحينما قال يوسى ساريد (عضو الكنيست ورئيس حزب ميرتس) أن أى شخص يساهم فى تسمين المستوطنات يرتكب فعلا معاد للصهوينة لأنه يعرض عملية السلام للخطر، وحين قام بالهجوم على نتنياهو، قاطعته أصوات عالية، تتهمه بأنه ليس يهوديا ، بل وطالبه البعض بالذهاب إلى وطنه! · وقد هاجمت شوشانا كاردين ، رئيسه النداء الإسرائيلى الموحد، الطبيعة السياسية للحركة الصهيونية وطالبت بإعادة تعريفها بحيث تصبح مشاركة حقيقية بين الدولة الصهيونية والجماعات اليهودية فى العالم ، وأن تقوى أواصر العلاقة بينها. · وقد حذر الحاخام نورمان رام ، رئيس جامعة يشيفا ، من إعطاء ثقل غير حقيقى للحركتين الإصـلاحيه والمحافظة داخل الحركة الصهيونية . وهذه كلها موضوعات «قديمة» سبق نقاشها من قبل. ·
وكانت قرارات المؤتمر الصهيونى كلها ذات طابع إدارى إجرائى ، وتنبع معظمها من إحساس أعضاء المنظمة الصهيونية والقائمين عليها بأن المنظمة أصبحت لا قيمة لها وأنه أصبح من الممكن الاستغناء عنها (على أن تقوم الحكومة بالوصول مباشرة إلى أعضاء الجماعات اليهودية فى العالم). وكان من ضمن القرارات إقامة مشاركة حقيقيه بين إسرائيل ويهود العالم ينعكس على اختيار المندوبين ، بحيث يكون نصفهم من إسرائيل والنصف الآخر من يهود العالم ، وهو قرار يعكس المحاولة اليائسة من جانب المنظمة الصهيونية أن تصبح لها دور، ولكنه فى ذات الوقت تعبير عن تآكل دورها. · والملاحَظ، من متابعة سير المؤتمرات الصهيونية المختلفة ، أن الاختلافات والصراعات التي قامت بين أنصار التيارات الصهيونية المختلفة ، من صهيونية سياسية وصهيونية عمالية أو عملية أو ثقافية أو دينية أو توفيقية ، لا تعدو أن تكون خلافات داخل "الأسرة الواحدة" حول أفضل الأساليب وأكثرها فاعلية دون أن تتجاوز هذا إلى الأهــداف النهـائية التي هـي موضـع اتفـاق عام بين هذه التيارات. ·
وقد أُثيرت في الآونة الأخيرة شكوك قوية ـ من جانب كثير من القيادات والتيارات الصهيونية ـ حول جدوى المؤتمرات الصهيونية ومدى فاعليتها . إذ يرى الكثيرون أن المؤتمرات تحوَّلت إلى منتديات كلامية وأصبحت عاجزة عن مواجهة المظاهر المتفاقمة للأزمة الشاملة للحركة الصهيونية ودولتها، التي تتمثل في مشاكل النزوح والتساقط واندماج اليهود في مجتمعاتهم والزواج المُختلَط والتمايز بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين ، بالإضافة إلى انفضاض يهود العالم عن حركة الصهيونية بما يكرس عزلتها . ومن أبرز الدلائل على تلك الأزمة أن المؤتمرات الصهيونية المتتالية لم تفلح حتى الآن في الاتفاق على حلٍّ لمشكلة من هو اليهودي ومن هو الصهيوني رغم أنها تأتي دائماً في مقدمة الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال في المؤتمرات المختلفة. ورغم أن البعض يحاول أن يُرجع هذا العجز إلى أسباب فنية وتنظيمية إلا أنه بات واضحاً أن مظاهر الأزمة ذات طبيعة تاريخية وحتمية تتجاوز الحدود التنظيمية لتصل إلى جذور المشروع الصهيوني نفسه وإلى طابع نشأته وتطوره. ولهذا ، فليس من قبيل المبالغة أن يُضاف عجز المنظمة الصهيونية العالمية بهيئاتها المختلفة، ومنها المؤتمر، إلى مجمل المظاهر العامة لأزمة الحركة الصهيونية.
* * * * *القاهرة 2 سبتمبر 2009

المقاومة المسلحة : الرقم الأصعب والفائز/أ.د.كاظم عبد حسين عباس


المقاومةالمسلحة: الرقم الأصعب والفائز

الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
أكاديمي عراقي

من غير مقدمات وبدون تزويقات لفظية .. لايوجد قطعا سقف زمني يحدد سلفا ويقاس على ايامه او سنواته تاريخ محدد تنتصر فيه المقاومة المسلحة ضد احتلال يمتلك اقوى ترسانة عسكرية في العالم تسندها مخابرات وشركات وثروات غير متناهية. ومَن ينظّر لموت او اضمحلال المقاومة العراقية ليقدم للعراقيين بديلا مخابراتيا ويسوّق للانتخابات على انها هي الولادة القادمة في شطرها الذي يتم الاعداد له الان او في صفحاتها اللاحقة بعد عدد غير محدد من السنوات، فانه يعبر بذلك عن منهج منحرف ونفس اتعبها واظناها انتظار لحظة وصوله الى البرلمان الاحتلالي او وزارة احتلالية. ولا ينقذ مثل هذا الدعيّ او سواه من المزمرين الدائميين لما يسمى بالمعارضة السلمية، ولم يستحي أي منهم حين سقطوا في احضان المعارضة غير السلمية التي قادت العراق الى كارثة الاحتلال وما تبعها من تخريب, لاينقذه ان يتجنى على الشعب العراقي وكأنه هو الكيان الذي يدير الانتخابات وهو ليس كذلك، وكأن الشعب هو الذي يرشح وينتخب والشعب هو الذي يقرر وينظم وليس احزاب الخيانة والعمالة الذين جلبهم الاحتلال من ازقة لندن وطهران وغيرها من زواغير الظلام .
يقولون بعدم وجود مقاومة .. ويقولون انها غير فاعلة إن اعترفوا بوجودها .. ويقولون انها لم تحرر العراق بل فشلت .. ويتجاهلون تماما ان المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية العراقية البطلة تصدر يوميا بيانات تصديها للاحتلال ... بصيغة ضرب لدورياته, تفجير لآلياته وعجلاته المختلفة, اسقاط لطائراته المسيّرة والمقادة بطيارين، ودك متواصل لمعسكراته في كل انحاء العراق. بيانات المقاومة لايقرأها المنشغلون بأمر الحكومة والبرلمان والمقاومة السلمية لانهم لاهون في بحثهم عن فرصهم في الدخول الى تحالف طائفي او عرقي ينقلهم الى ضفاف حلمهم الذي طال انتظاره. ولذلك فانهم حين يكتبون عن المقاومة يظهرون للعالم ما تبطنه نفوسهم المفجوعة بطول الانتظار ويسقطون ما في ذواتهم من احلام العصافير، فتذهب بهم احلامهم بعيدا الى اعلان موت الاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية والقومية، والى اعلان انتهاء امد الزمن المحدد لانتصار المقاومة الذي ابتدعوه وكأنه عكاز من قصب لم يتعكز عليه عاقل من قبلهم!.. فيطرحون بديلهم المفضل: الانتخابات .
هؤلاء المفجوعون .. ينسون او يتناسون ان طائرات اميركا وجيوشها تشن يوميا عشرات الغارات على بيوت وقرى ومدن العراق لتداهم وتعتقل وتقتل رجال العراق الشجعان. وبغض النظر عن نوع وصياغة اخبار هذه الفعاليات الامريكية التي لم تنقطع يوما و بغض النظر عن تغليفها وتأطيرها بمفردات صارت مثار سخرية العراقيين والعالم كله كالارهاب والبعثيين والصداميين والتكفيرين، فان البيانات والتصريحات والاخبار الامريكية ذاتها التي تتضمن فعاليات جيش الاحتلال هي اعلان رسمي عن فعاليات مقاومة شعبنا الباسلة. ان تخبط اميركا ولجوءها الى المداهمات والاعتقالات العشوائية ضد ضباط الجيش العراقي الشرفاء وضد ابناء العراق الشرفاء الذين لا ذنب لهم سوى انهم لم يوقعوا على اوراق الولاء للاحتلال واعوانه واذنابه سواءا كان وصفهم بعثيين ام اسلاميين ام وطنيين، واعتداءها المتواصل على شرف عوائل العراق انما يعلن ويفصح عن خسائرها الموجعة وعن احساسها بالفشل المريع وبطلان كل الحسابات التي انطلقت منها، فضلا عن كونها رد فعل مأزوم على فعاليات الرفض العراقي المدوي.
وفي ذات الخط .. وبفعل مشترك في الاعم الاغلب او بافعال منفردة احيانا فان حكومة الاحتلال تعلن بوضوح هي الاخرى عن تواصل وتصاعد للمقاومة العراقية البطلة ليس ببث بيانات المقاومة عبر اجهزة الاعلام المختلفة، وليس بنشر افلام فعالياتها الاسطورية، بل عن طريق الاعلان عن المداهمات والاعتقالات العشوائية والقتل المدبر للافراد وللعوائل والاعدام الجماعي والفردي.
كيف يتجرأ البعض اذن الاعلان من على منابر الاعلام المختلفة عن انقراض وعدم جدوى المقاومة المسلحة؟ وان الولادة العراقية قادمة عبر الانتخابات!!... وأية ولادة تلك التي يبشرون بها من بين سيقان الاحتلال وزمر الخيانة؟ ألا خسأت .. هكذا ولادة لاتليق بشعب العراق العظيم وخسأ المنجبون الطارئون على تاريخ عراق المجد والحضارات، رغم اننا على يقين من انهم مصابون بالماحل ولا تمطر مزنهم غير الفساد.
نحن نتحدى هنا اميركا وحكومة الاحتلال العميلة ان تعلن عدد المداهمات العشوائية اليومية التي تنفذها في طول العراق وعرضه، ونتحداها ان تقدم احصائيات بما تكتشفه يوميا من مخابئ السلاح والاعتدة والصواريخ، ونتحداها ان تقدم احصاءا بعدد المعتقلين واعداد السجون في العراق، ونتحداها ان تقدم احصاءا بعدد مَن يقتلون يوميا من العراقيين على ايدي ميليشيات وفرق موت وفرق خاصة وجيش وشرطة، فضلا عمّا يُزهق من ارواح وما يُحرق من ممتلكات وما يُدمر من بيوت وما يُنتهك من اعراض العراقيين من قبل قوات الاحتلال المجرم. ونتحدى بعض المفمفمين الذين لا ورقة عندهم يلعبون عليها في سوق النخاسة والعهر السياسي غير ورقة تسطر حروف اسطرها نزعات واهواء لا تبتعد كثيرا عن اجندات مخابرات اميركا وايران والكيان الصهيوني، واهدافها واضحة بيّنة جليّة من اهمها بث اليأس والاحباط بين ابناء شعبنا من جدوى وفاعلية المقاومة البطلة المنتصرة باذن الله.
هل يحصل كل هذا الاجرام المعلن وغير المعلن ضد شعب مسالم يقف طوابير بانتظار فتح صناديق الاقتراع لينتخب مرشحي بدر والمجلس والدعوة والجلبي والهاشمي وغيرهم من عبيد اميركا وايران والكيان الصهيوني؟ وكيف يمكن ان يولد عراق جديد عبر انتخابات لايمكن ان توصل الاّ الى برلمان من احزاب العمالة والخيانة والطائفية والعرقية، لان ما سمي بالائتلاف الوطني وكذلك ائتلاف دولة القانون من جهة، والكتلة الكردية من جهة اخرى، وحتى لو استبدل بعضها مسمياتها الطائفية القديمة، غير انها هي التي ستفوز بالغالبية الساحقة، إن لم نقل بجميع مقاعد البرلمان، وتغيير المسميات والتحالفات وزج بعض المتساقطين من هنا وهناك لن يغير ستراتيج هذه القوى الطائفي والعرقي؟
لمن يمنّي النفس المتهالكة بمكان يضمن له الاستفادة من زمن النهب والسلب ويجد بمهاجمة المقاومة والقوى الوطنية الحية سبيلا لتحقيق اغراضه غير الوطنية نقول .. حزب البعث العربي الاشتراكي ومقاومته البطلة ومعه حلفاءه من الطيف العراقي المعروف واصدقاءه واقرانه من فصائل الجهاد الاخرى حيّة وتنمو وتتسع قواعدها وفعلها .. وكونكم لاتقرئون ولاتسمعون اخبارها لايعني البتة انها قد ماتت، كما تتوهمون وتمنون النفس، ونحن على يقين ان اجهزة الاعلام المختلفة غير الخاضعة للاحتلال على الاقل، ستعيد النظر بالنشر لكم او استضافتكم لانها ستكتشف انكم تحرجونها امام خلق الله اما لكذب تمارسونه او لضعف معيب في رؤاكم وتحليلاتكم وتصوراتكم. لم يعد العالم ايها السادة ينخدع بصياغات محبوكة، بل انه يحاكم الاحداث ونتائج الافعال على الارض وهذه كلها تعلن بوضوح ان مقاومة العراق الاسلامية والبعثية والقومية والوطنية تهدم مواطئ قدم المحتل وبناءه المتهاوي ووجوده الزائل باذن الله. وعلى اميركا وعبيدها ان يدركوا ان القتل والاعتقال وسحق كرامة الناس لن تنفعهم بشئ بل انها تضرهم كثيرا .. ان مقاومة العراق تتوالد وتنمو وتزدهر بفعلها البطولي كل يوم .. والله اكبر.
aarabnation@yahoo.com

إياك والكلب ذو الصاحبين/القادسيتين





اياك والكلب ذو الصاحبين
الوقت و المكان :- بين صيف وشتاء عام 2006 مع انتشار الرعب والعنف والاجرام الميليشياوي في البصرة بكل فخر أقول إنني أول عراقي أستمع إلى نصيحة وعمل بها!!!. وهي بنظري سابقة غريبه فالعراقي يكره النصائح ومن يطلقها ولدينا مثل يقول ((العراقي إنطحه ولا تنصحه!!!)) أعود إلى الموضوع وجدت نفسي مرغماً على العمل بنصيحة تبرع بها صديق لي بعد أن إستمع إلى شكاوي من قلة النوم والقلق والخوف من العصابات الليلية التي عاثت في البصرة فساداً فكان كل من يمشي على قدمين هو هدف محتمل إلى هذة العصابات، من يمتلك مالاً يختطف ويقتل ومن كان لدية رأي يخالف رأي المتنفذين يقتل أيضاً ومن كان لديه زوجة جميلة فهو مقتول أيضاً.
ولقد شملتني حمى الخوف على الرغم من إني لم أكن أملك مالاً كل ما أملكه هو سيارة عتيقة أعمل بها كسيارة أجرة فكان كل من يركب بها يقسم أغلظ الإيمان أن لا يركب بها مرة أخرى لأنها ببساطة سيارة مصابة بمرض باركنسن لأن كل جزء منها يرتجف على حده أعان الله من ركب بها مرة!!.
ثم أنَّ زوجتي لاتشبه الممثلة شارون ستون لا من قريب ولا من بعيد وبعد ذاك ليس لدي رأي مخالف للكل... فالآراء والحمد لله كلها متضاربه. ومع هذا كنت لا أنام في الليل خوفاً من غدر عصابات قذرة تسلحت بكل آلات القتل، وتمتطي سيارات مملوكة للدولة وليس للدولة عليها من سلطان، وتباركها فتاوى مقدسة لرجال مشكوك بولائهم للوطن والدين!!.
أصبح سهر الليالي عندي ضرورة، وعاده، أما عن كونه ضرورة فإني لا أريد الموت بطريقة خروف العيد. وعن كونه أصبح عاده فكنت أسهر ليلاً وأنام نهاراً لأني والحمد لله لم يكن لدي عمل ثابت يرغمني على النهوض صباحاً.
قال صديقي المحترم: ((إقتني لك كلباً يعينك على الحراسة ليلاً وينبهك في حالة غفلتك)). وجدت إنَّ نصيحته رائعة فعلاً وتنم عن عبقرية وفهم مدروس للأوضاع الحاليه نادراً مايتفوه بها أحد هذه الأيام، أعلنت عن رغبتي بإقتناء كلب فقام أحدهم وأرسل لي كلباً كبيراً جميل المنظر فنظرت اليه بإحترام لأنه منقذي من سهر الليالي.
أطعمت الكلب وربَتُّ على رأسه وعنقه ((هذا مأخوذ من كتالوج الإستعمال!!!!))، بدأ الكلب يتعود علي فإذا خرجت ركض إليَّ وهو يهز ذيله قافزاً حولي فرحاً. لكن برزت مشكلة أخرى مع زوجتي التي لا تشبه الممثلة شارون ستون أما المشكلة في موضع نجاسة الكلب.... فكانت ترغمني على الإستحمام كلما هز الكلب ذيله قربي، مع هذا رضيت بالوضع لإنعدام الخيارات الأخرى كما إنَّ المثل يقول ((يرضى بالحمى من ذاق الموت!!))، فكان الإستحمام المتكرر أهون من السهر الدائم رغم تحفظي على مسألة (نجاسة الكلب) وأعتبر إنًّ الكلب - رغم نجاسته- فهو أطهر من بعض الذين أعرفهم بما فيهم بعض المعممّين أجلكم الله!!.
في خضم هذه الأحداث فاتني وأنا في أزمتي مع ضعف قدرتي على التركيز التي ورثَّها لي السهر المتواصل أن أسأل عن هذا الكلب، وعن أصله ونسبه ونوعه، ولماذا تخلى عنه أهله، لايهم كل هذا!!!. فالمهم ((أصبح عندي الآن كلباً.. فإلى النوم خذوني معكم)).
ذهب عني الخوف قليلاً لوجود الكلب المحترم، وشعرت ببعض الأمان... ولماذا لا والكلب أخذ على نفسه السهر على سلامتي وسلامة بيتي فكان نِعْم الحارس الامين، فما أن تقفز قطة الجيران في باحة بيتي حتى تنشب معركة شرسة فيها من النباح والصياح والصراخ وبعثرة محتويات صندوق القمامة، أصوات تجعل الأطفال يهبون من نومهم مذعورين، فكنت أسرع لفض الإشتباك لكن بدون جدوى فشراسة الكلب تجعلني أتراجع خوفاً منه، في بعض الأحيان كنت أفكر بالإستعانه بقوات التحالف!! لفض الإشتباك الدائر لكني أتراجع في اللحظة الأخيرة، خوفاً أن يتهمني البعض بـ(العماله) للمحتل!!، وتنهزم القطة وأبتسم أنا من كل قلبي فرحاً بإنتصار كلبي الوفي وأقول في نفسي ((والله هذا صدك كلب إبن كلب!!))، إذا كان الكلب مع القطة يجعلها معركة فما الذي سيعمله مع اللصوص أكيد سيجعلها ((أُم المعارك!!)) وأشفق في سري على اللصوص وأنا أتخيّل مؤخرّاتهم الممزقة. وأعود للفراش وأنام قرير العين!!.
مر إسبوع شعرت فيه براحة النوم، وعاد بدني لسابق عهده، وفارقني المزاج العكر الذي صاحبني لفترة طويلة، وعدت لعملي وسيارتي الرعاشة وعاد الركاب يقسمون أن لا يركبوها ثانية، وعادت علاقتي بزوجتي التي لاتشبه شارون ستون إلى طبيعتها السابقة!!، الحمد لله فالنوم له سحر في حياة الإنسان حتى كان في ليلة أن أطفأ الصفاء الرومانسي بيني وبين التي لا تشبه شارون ستون وبعد شدّ وجذب ونقاش مستقبلي غير مثمر إستسلمت لنوم عميق وشعور الأمان يغطيني بفضل الكلب. وفي الصباح إستيقضت على صوت زوجتي تناديني للإفطار، جلسنا نفطر سوية وخيال رومانسية الليلة الماضية يرفرف علينا.
على المائدة خيرات كثيرة لكنها للأسف كلها مستوردة من البيض إلى كل منتجات الألبان، سألت نفسي هل الدجاج العراقي عاقر أم هل أن الأبقار العراقية تتعاطى حبوب منع الحمل؟ لماذا يغزر إنتاج المواشي والدواجن في الدول المجاورة ومواشينا يصيبها العقم؟ سؤال لم أعرف إجابته، قلت في نفسي ((لاسامح الله لو أغلقت الدول المجاورة حدودها ولم تصدر لنا المنتوجات الزراعية.... ماذا سيحل بنا؟)). أكيد ثم أكيد إنها المجاعه!!، تعوذت من الشيطان اللعين الرجيم من هذه الأفكار السوداء ودعوت الله تعالى أن ييسر حمل دجاجنا بالبيض وأبقارنا بالعجول، وأرضنا بالزراعة الوفيرة لكي نتخلص من الذل الاقتصادي الذي يسومه لنا جيراننا بدون إستثناء... إتكلت على الله وخرجت للعمل بسيارتي الباركنسونيه، لكني صدمت بعدم وجود سيارتي أمام باب بيتي. وبعد الأخذ والرد والسؤال عرفت إنَّ سيارتي قد سرقت! فأقمت شكوى في مركز الشرطة، حضر أفراد الشرطة لمعاينة مكان السرقة، فجأة سألني ضابط الشرطة وهو يقف أمام منزلي ((يبدو إنَّ لديك كلباً)) فأجبته بالإيجاب وعاد يسألني ((ألم ينبح كلبك أثناء الليل؟)). أجبته بالنفي. أثارت ملاحظة الضابط إنتباهي لعدم نباح الكلب على اللصوص وإستغربت من تصرف الكلب سألني الضابط ((هل تربي هذا الكلب منذ صغره؟)) فأخبرته بالقصة كلها وكيفية حصولي على هذا الكلب، أكمل رجال الشرطة إجراءاتهم ورحلوا تاركيني وحيداً مع قهري وحزني بقلب يملؤه الغضب على تلك التي لا تشبه شارون ستون لائماً إياها ولاعناً ليلتها الرومانسية التي جعلتني أنام كل هذا النوم العميق.
مر يومان وتم إستدعائي من قبل الشرطة فلقد عثروا على سيارتي وعلى سارقها أيضاً، أتعرفون من هو؟ لقد كان شقيق الرجل الطيب الذي أهداني الكلب. قال لي رجل حكيم (( إياك والكلب ذو الصاحبين، أتعرف لماذا؟ لأنك لو ربيت الكلب وهو صغير سيكون إنتمائه وولاؤه لك، أما إذا أخذت كلباً وهو كبير فسيكون إنتماؤه لك وولاؤه لغيرك ... فإذا إحترق بيتك أو سرق سيكون دوماً هنالك دار أخرى له))!!! لهذا ياعزيزي إنَّ كلبك الشرس لم ينبح على اللصوص لأنهم أهله بكل بساطة..
ملاحظة /أهدي مقالتي هذه لكل الساسة العراقيين الذين أتونا من بلدان أخرى وهم يحملون جنسياتها .. وأذكرهم بقصة الكلب ذي الصاحبين!!!

طالب ومطلوب...وفهم مقبول/جاسم الرصيف

اذا كانت مشروعية إختلاف الرؤى مبنية على مصالح الشعوب وإنسانيتها ، فشرف هذه المشروعية يستمد من الحرص على حمايتها من أعداء الشعوب الحقيقيين : الجواسيس الذين ينفذون أجندات حكومات أجنبية ضد البلد ، لذا وضعت كل حكومات العالم ، متقدمة ومتخلفة ، عقوبات قاسية ومشروعة بحق من يتجسسون عليها لصالح دول أخرى ، وصار الأمر من بديهيات العصر .
ومثلها مثل كل حكومات الأرض تعاملت حكومة الراحل صدام حسين مع جواسيس محليين لصالح أجانب ، ووثقت أيام الإحتلال بمجئ الأحزاب ذات الأصول الأيرانية أن تلك الأحكام ضد جواسيسهم كانت في محلها ، وربما أقل مما إقتضته الظروف تحسبا مما هو قادم ، حيث أعفت الحكومة عن بعضهم وتغاضت عن بعض آخر سرعان ماتلقفته مخابرات معظم الدول الحالمة بتدمير العراق .حسنا .
نجحت المعارضة ، التي يمكن أن نسمّيها ( قديمة ) الآن ، وهي ثلة جواسيس تعرفهم حكومات الدول العربية قبل غيرها ، بإحتلال العراق مستعينة بأميركا وبريطانيا وأيران ودول أخرى فقدمت لنا النموذج التالي من الحكومات :
أولا : ( 14 ) وزيرا و ( 50 ) نائبا من حملة الجنسيات المتعددة، خلافا لكل الأعراف والقيم الوطنية في كل دول العالم ، أكثر ما يثير القرف منها أنها قدّمت للعالم على أنها ( نموذج ) للشرق الأوسط ، والأكثر إقرافا أن مامن دولة شرق أوسطية قد تعاطت أو تفكر بتعاطي إزدواجية الولاء الرسمية هذه ، ومايوصل المرء الى قمّة القرف أن دولنا العربية تتلقى ( المسؤولين ) العراقيين ، مزدوجي الجنسيات ، بالإحضان والقبل الساخنة ، وكأنها تقول ضمن لشعوبها أنها لاتستحي من إستقبال جواسيس علنيين قاموا بإحتلال بلدهم بالتواطئ مع أجنبي .
ثانيا : بوصفها الحكومة الأبشع من بين حكومات العالم تبنّت فرق الموت ، محلية وأجنبية ، حتى صار قتل المواطن العراقي ، على الهوية ، أو على شبهة ( الإرهاب ) ،والمقصود المقاومة المشروعة ، صار ممارسة يومية تتمتع ب ( حصانة ) سنّتها وشرعنتها قوى الإحتلال الأمريكية الأيرانية الكردية ، نسخا عمّا إستنبطته إسرائيل ضد الفلسطينيين ، فنجحت في قتل أكثر من مليون ، وتشريد أكثر من ستة ملايين داخل وخارج العراق ، من مجموع ( 30 ) مليونا .
ثالثا : واذا كانت حكومة مصدّات الأحذية عمّن نصّبها قد نالت المركز الثالث لأكثر الحكومات فسادا على وجه الأرض ، حتى لايكاد يمر يوم واحد دون سرقة من أموال الشعب العراقي ، فقد زادت طينتها بلّة أنها الدولة الوحيدة التي تضم بين مسؤوليها عشرات الألوف من حملة الشهادات المزوّرة ،ومن بينهم وزراء ومدراء عامين ، ومئات الألوف من الوظائف الوهمية .
رابعا :الحكومة الحالية تمثل الآن أكبر دولة حاضنة للمرتزقة الأجانب في العالم ، ويبلغ عديدهم أكثر من ( 150 ) ألفا ، وسيزداد عديدهم بتزايد إنسحاب الجيش الأمريكي ــ حسب الإدعاءات التي لاتبدو صحيحة ــ وثمة حقيقة في طريقها للبروز تشير الى أن المضبعة الخضراء ستتولى صرف رواتب لمن يتبقى من هؤلاء ومن الجيش الأمريكي بعد عام 2011 ومن أموال الشعب العراقي لضمان إستمرار الجواسيس الأجانب في حكم العراق .
خامسا :أنها الحكومة الوحيدة في العالم التي يزورها المسؤولون الأمريكان والأوربيين والإسرائيليين وحتى الأيرانيين وغيرهم بدون إذن مسبق منها ، والحكومة الوحيدة على وجه الأرض مع حكومة كرزاي ، التي تستشير السفارة الأمريكية في كل مايعنيها داخل وخارج البلد ، ومع ذلك تتشدق بأنها قد نالت ( الإستقلال ) ، مع أن مسؤوليها ونوابها يتعرضون لتفتيش الكلاب البوليسية وأجهزة السونار في كل مرفق أمريكي .
سادسا : الحكومة الوحيدة ، بعد لبنان ، التي يحكمها ممثلو طوائف متعاونين مباشرة مع قوات الإحتلالات المركبة في البلد ، ممّن نالوا تزكيات من أجهزة المخابرات في أميركا وأيران وعصابات البيش مركة .
ماتقدم يوصّف جهة الطالب في هذه الأيام !.
أما المطلوب فهو : كل العراقيين الذين رفضوا الإحتلال وأجنداته وبدون إستثناء كما هو معروف وواضح لكل الدنيا .
ولكن تم ّ التركيز على ( 170 ) من البعثيين العراقيين في سوريا ، ليس بسبب تفجيرات مادعي بيوم ( الأربعاء الدامي ) لوزارة الخارجية التي كانت عراقية كما يفهم كثيرون ، مضللين أو ضالّين ، بل لأن البعثيين العراقيين في سوريا مدّوا جسرا بينهم وبين الأمريكان على الظن بأن هؤلاء يمتلكون شيئا من أخلاقية المحاربين ، فلايكشفون أو يستغلون معرفتهم بأسمائهم وعناوينهم الحقيقية اذا فشلت ( المفاوضات ) التي كان فشلها مؤكدا ومسبقا . الغطرسة الأمريكية الفارغة من معناها ومبناها معا جعلت هؤلاء يمررون للمضبعة الخضراء أسماء وعناوين البعثيين العراقيين المقيمين في سوريا تحديدا ــ مع مفارقة وجود بعثيين عراقيين في الأردن يبدو أنهم لم يثيروا إستياء أحد!! ــ وللأسباب التالية :
أولا : إدامة الضغط على سوريا ، وإضافة مشكلة جديدة لها مع العراق فضلا عن مشاكل قديمة .
ثانيا : الضغط على البعثيين العراقيين في كل مكان للرضوخ للشروط الأمريكية وأولها إجبارهم على مشاركة الجواسيس متعددي الولاءات في العملية السياسية وتحت عنوان ( المصالحة الوطنية ) .
ثالثا : خلق توترات أقليمية للتغطية على تزوير حاصل بكل تأكيد في الإنتخابات ( العراقية ) القادمة . إذا !! .. المطلوب ( القديم ) صار طالبا ، والطالب القديم صار مطلوبا !! ..
ولكن المفارقة الكبيرة ، إن على صعيد التأريخ أم على صعيد الأمن القومي العربي ، أن الطالب الجديد هم عصابات جواسيس موثّقين ، لايمكن حتى لمجنونين أن يختلفا عليه ، ومايزيد المفارقة إفتراقا أن المطلوب القديم كان يقيم في سوريا كما هو حال المطلوب الجديد !! .
وقديما قال العراقيون في أمر الإختيارات الخاطئة مثلا :
( اليمشي ورا الجحش يتحمّل ضراطه !! )

التجسس الاسرائيلي عبر الجوال/القادسيتين

بسم الله الرحمن الرحيم

التجسس الاسرائيلي عبر الجوال

امكنية الاستفادة من الهواتف الجوالة في الرصد والتجسس التي تستخدمها اجهزة الاستخبارات للوصول الى رجال المقاومة والاجهزة الحزبية


مركز القادسيتيين للدراسات والبحوث القومية

مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية

أثارت النجاحات الإسرائيلية في قضية الاغتيالات إرباكاً متناميا في صفوف قوى المقاومة ‏وصلت إلى حد اختفاء العديد من قادة ونشيطي مختلف قوى المقاومة عن الشارع وتبديل أرقام ‏هواتفهم الخلوية بل وعدم الرد عليها بعد أن تبين خلال التحقيق الداخلي الذي أجرته حركة ‏المقاومة الإسلامية حماس في محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أن رصد الدكتور تم ‏بواسطة هاتفه الخلوي .

وعلى الرغم من جملة الاحتياطات الأمنية التي دأبت قوى المقاومة ‏على اتباعها لحماية كوادرها من حملة الاغتيالات التي أعلنت الحكومة الإسرائيلية تكثيفها ‏وبضوء أخضر أمريكي إلا أن تلك الاحتياطات والإجراءات لن تحظى على ما يبدو بالنجاح ‏المطلوب في ظل جهل كوادر ونشيطي المقاومة ماهية الإمكانات التكنولوجية الهائلة التي ‏تمتلكها الترسانة العسكرية و الأمنية الإسرائيلية والتى تتيح لضباط الشاباك مراقبة ورصد ‏الهدف المطلوب داخل مكاتبهم المكيفة حيث لم يحتاجوا في معظم عمليات الاغتيال إلا الى ‏إجراء مكالمة بسيطة مع قائد الاباتشي أو اف 16 للضغط على زر إطلاق. . فمن الواضح لآي مراقب أن الثقافة الأمنية التي يتمتع بها كوادر ورجال المقاومة ‏على اختلاف مستوياتهم تجاه الثورة التكنولوجية التي تعيشها أجهزة الأمن الإسرائيلية . هي ‏قديمة وضحلة ولم تتعد عند معظمهم سور الجلسات الأمنية على أبراش سجن النقب و السجون ‏المركزية وهي الجلسات التي أغفلت حقيقة إمكانية حدوث الاختراق الإسرائيلي للمناضل من ‏جهة اتصالاته الهاتفية لصالح اختراقه من الدائرة الأسرية أو الضيقة أو تعرضه للمراقبة من ‏قبل عميل في الحي الذي يقطن فيه أو علاقة عاطفية…ألخ. وأثبتت التحقيقات والدراسات الأمنية ‏التي أجرتها الحياة الجديدة على عمليات الاغتيال الأخيرة والموثقة بملفات التحقيق مع ‏المتورطين في عمليات الاغتيال أن الهاتف الخلوي بشكل خاص والاتصالات الهاتفية بشكل عام ‏التي يستخدمها كوادر ورجال المقاومة كانت تخضع كلياً لتنصت المخابرات الإسرائيلية وهو ‏الأمر الذي استطاعت من خلاله أجهزة الأمن الإسرائيلية إفشال العديد من عمليات المقاومة ‏وتصفية أو اغتيال عناصرها قبل تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم كما ساعدت وبشكل جوهري ‏في تحديد أماكن المقاومين وتصفيتهم رغم الاحتياطات الأمنية التي دأب المقاومين على اتباعها ‏في تحركاتهم والتي استثنوا منها في كل الحالات الهاتف الخلوي لاعتقادهم أن استخدامهم أسماء ‏حركية أو أرقام غير معروفة كافية لتجنب رصد محتمل للمكالمة من قبل المخابرات الإسرائيلية ‏‏.


الإمكانات التي يوفرها الجوال للمخابرات الإسرائيلية


فعن طريق بصمة الصوت التي يسهل ‏التقاطها من قبل المخابرات الإسرائيلية لأي إنسان تستطيع أجهزة الأمن الإسرائيلية رصد ‏وتسجيل كافة المكالمات التي يجريها صاحب البصمة من أي هاتف على وجه الأرض حتى لو ‏استخدم اسم أبو يوني بدلاً من أبو ثائر كما تستطيع بواسطة تكنولوجيا الاتصالات استخراج ‏مكالمات سابقة لصاحب البصمة لفترة زمنية غير معروفة فضلاً عن قدرتها على استخدام ‏جواله حتى في حال إغلاقه للتنصت على أحاديثه الشخصية التي يجريها بواسطة تحويل هاتفه ‏الخلوي إلى أداة تنصت بواسطة تكنولوجيا معينة تستفيد من الكهرباء المخزنة في بطارية ‏الجهاز والتي عادة ما تخصصها الشركات المصنعة لحفظ ذاكرة الجهاز.

التنصت على مكاتب الرئيس عرفات


وكان ‏مكتب الرئيس عرفات قد انتبه منذ العام 1999لخطورة الهواتف النقالة وإمكاناتها الهائلة في ‏التنصت على الأحاديث التي تدور في مكاتب الرئيس ياسر عرفات بعد أن وصل الأخير تقريراً ‏سرياً من المخابرات المصرية يؤكد استراق الجانب الإسرائيلي بواسطتها السمع لمعظم ‏الأحاديث الجانبية التي تدور في اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي والاجتماعات الخاصة ‏مع الوزراء والقادة بعد اختراع شركتي ‏Sckwar&Rode‏) ) جهازا لصالح المخابرات ‏الألمانية يمكن من خلاله التقاط جميع المحادثات الجارية في محيط أي جهاز نقال حتى ولو كان ‏مغلقاً . حيث تتحول هذه الهواتف إلى أجهزة بث من خلال السيطرة على الكود المشفر لهذه ‏الهواتف حتى في حال إغلاقها بيتحول الميكروفون الموجود في الهاتف النقال إلى جهاز يبث ‏كل الأصوات التي يلتقطها في محيطه . وهو الأمر الذي دفع بالرئيس عرفات أنذاك إلى منع ‏إدخال الهواتف النقالة إلى مكتبه، وأمر شركة الاتصالات الفلسطينية بالإسراع في إنجاز شبكة ‏الاتصالات الخلوية الفلسطينية "جوال" في محاولة للحد من خطر الهواتف الإسرائيلية إلا أن ‏المخابرات الإسرائيلية سرعان ما استطاعت اختراقها هي الأخرى رغم اعتمادها على أحداث ‏تقنية أمنية للاتصالات في العالم والمعرفة ب(جي اس ام ) ومن اللافت القول أن التقنيات الهائلة ‏التي تم الإعلان عنها بل واستخدامها من قبل الشركات التجارية والتكنولوجية في إسرائيل ‏ومختلف أرجاء أوروبا تعتبر تقنيات مستهلكة وقديمة قياساً بتلك التي تستخدمها أجهزة ‏المخابرات العالمية التي تبذل كل ما تستطيع للحفاظ على سريتها منعاً لتجنب أضرارها بالحرب ‏على من تسميهم المنظمات الإرهابية أو الدول المارقة أو حتى الدول الصديقة ولا يتم تداولها ‏تجارياً إلا بعد استنفاذها واكتشاف طرق للنتصت اكثر حداثة ودقة . رئيس فريق التكنولوجيا في ‏شركة " موبايل موميرس" كولن باتست قال في إحدى المجلات المتخصصة في بريطانيا أن ‏كبريات شركات الهاتف النقال تقدم خدمة تجارية تمكن أي مواطن في أوروبا من معرفة مكان ‏حامل أي هاتف نقال مقابل مبلغ مالي بحيث يستطيع الأباء أن يعرفوا مكان أولادهم والعكس ‏كما يستطيع أصحاب المطاعم والفنادق توجيه أصحاب الهواتف النقالة الذين يقتربون من ‏محلاتهم إلى مواقعهم بمجرد وصول حامل النقال إلى المجال الحيوي للفندق أو المطعم الذي ‏يرغب في جلب زبون كما تمكن هذه الشركات صاحب الهاتف النقال من التعرف على أصدقاء ‏له في المكان الذي يتواجد فيه عبر طلب هذه الخدمة من الشركة . بل وتمنح شركة ‏Verilocation‏ البريطانية زبائنها على شبكة الإنترنت خريطة تفصيلية لمكان تواجد حامل ‏الهاتف النقال وذلك عبر نظام يسمى ‏GPS‏ والذي كان في السابق محصوراً في الاستخدامات ‏الحربية و العسكرية .

يبقى السؤال الأهم ‏كيف يمكن تجنب أضرار ذلك ؟؟


فالهاتف النقال بات يدخل في صميم الحياة اليومية لكل مواطن ‏وبالتالي فإن الاستغناء عنه يشكل لفئات كبيرة من المجتمع ضرباً من المستحيل في ظل الحياة ‏العصرية التي نعيش . إلا أن الحد من مخاطرها على مجتمعنا وخاصة حياة رجال المقاومة بات ‏أمراً ملحاً في ظل اعتماد المخابرات الإسرائيلية على ما نسبته 90% من المعلومات والرصد ‏على هذه الهواتف وبالتالي فإن الحد من الثرثرة وإفشاء الأسرار ورواية المشاكل الداخلية ‏وأسرار الآخرين على الهواتف هي الطريقة الأقرب إلى الواقعية والتطبيق ناهيك على قيام ‏رجال المقاومة باستبدال الهاتف والشريحة معاً من حين لآخر يخلق إرباكا للطرف المتنصت قد ‏يصعب ملاحقته إلا أن الأفضل في ظل حقيقة اعتماد المخابرات الإسرائيلية على بصمة ‏الصوت للهدف المنوي تصفيته هو عدم استخدام الهاتف إلا في الضرورة القصوى التي يستحيل ‏إيجاد بديل عنها علماً بأن اكتفاء المستهدفين في فصائل المقاومة مؤخراً بتغيير شريحة الجوال ‏من حين لآخر أو استخدام ما يسمى بالرقم الخاص لا يمنع مواصلة المخابرات الإسرائيلية ‏التنصت على هواتفهم في ظل حقيقة أن الرقم المتسلل للجهاز المستخدم يسجل تلقائياً بعد ‏استخدام الشريحة الأولى وبالتالي يمكن بواسطة هذا الرقم معرفة الرقم الجديد للشريحة . كما أن ‏محاولة المستهدفين تغير أصواتهم قد يجدي نفعاً في حالة عدم تمكن المخابرات الإسرائيلية من ‏تسجيل بصمة الصوت في مكالمات سابقة وهذا أمر نادر إلا أن الطريقة المثلى في ظل انعدام ‏أية وسائل تكنولوجية متطورة لدى رجال المقاومة للتشويش وتضليل أجهزة التنصت هي الكف ‏عن الثرثرة ورواية القصص والبطولات عن النفس وعن الغير حيث يعتبر من يقوم بذلك ‏جاسوساً متطوعاً يؤدي خدمات جليلة للمخابرات الإسرائيلية دون أن يدري. الهدف في الحال.

واول ما يحرص جنود الاحتلال على الحصول عليه لدى اعتقالهم نشطاء المقاومة هو ‏الهواتف المحمولة التي بحوزتهم، فيقومون باستخراج الشريحة من الهاتف وبعد ذلك ‏يحددون المكالمات التي قام بها الشخص لمدة شهر ويحددون ارقام الهواتف التي اتصل بها ‏من خلال الهاتف وكذلك الارقام التي اتصلت به، الى جانب التعرف على نص المكالمات كأدلة ‏على الشخص المعتقل لدى التحقيق معه. وبالطبع عبر ذلك يتم التعرف على شركاء النشطاء ‏في عمليات المقاومة وتحديدهم وضمهم الى قوائم المطلوبين الآخذة في الاتساع.

نشرات ارشادية


وعلى سبيل المثال أصدرت حركة حماس بيانا ونشرة إرشادية كاحتياطات لازمة، وأهمها ‏إغلاق الهواتف الخلوية وعدم الحديث عبرها بمختلف أنواعها إلا للضرورة القصوى، وعدم ‏المكوث في مكان التحدث فترة طويلة، وعدم التنقل إلا لحاجة ملحة ومن دون استخدام السيارات ‏الخاصة أو سيارات الأجرة، والتنقل سيراً على الأقدام وعبر شوارع ضيّقة لا يمكن مراقبتها من ‏الجو. ويحظر وجود أكثر من مطلوب في مكان واحد.. ونصح البيان المطلوبين بضرورة التنكر ‏عند التنقل من مكان إلى آخر. ‏
أمثلة وشواهد

رصدت غرفة عمليات كتائب الشهيد عز الدين القسام عددا من ملفات الاغتيالات في ‏عمليات اغتيال عديدة - معظمها نجح وفي قليل منها نجا المستهدفون- ثبت أن الرصد لا يتم فقط ‏من خلال العملاء بل تنفيذ الاغتيال يعتمد على التكنولوجيا ويعتبر الهاتف الخلوي للمستهدف ‏جهاز الرصد الأول له. قبل عدة شهور حاولت قوات الاحتلال اغتيال القائدين القساميين رائد ‏العطار ومحمد أبو شمالة وآخرين كانوا برفقته من مدينة رفح, وخلال تحركهما بالسيارة على ‏الطريق الشرقي بين رفح وخان يونس رن هاتفه الخلوي كانت على الخط فتاة تسأل عن شخص ‏بالخطأ ومن خلال الحس الأمني شعر العطار بريبة ومباشرة سمع أصوات الأباتشي التي كانت ‏تستعد للانقضاض عليهم ومباشرة قفزوا من السيارة وألقوا الأجهزة الخلوية بعيدا واختبأوا داخل ‏بيارة في حين بقيت الأباتشي تحلق في المنطقة لتأكدها من وجود المجاهدين ولكن الطيارين كما ‏يبدو فقدوا الإشارة التي تحدد مكانهم بالضبط في هذه الأثناء خرج صبيان على درجاتهم بالقرب ‏من البيارة ويبدو أن الطيارين والمعلومات الآنية توقعت أن يكونوا هم المستهدفين فأطلقوا ‏نحوهم الصواريخ التي قتلتهم على الفور وبحسب الإفادة التي وصلت "لموقع القسام " فإن إلقاء ‏العطار وإخوانه للخلوي ربما كان السبب الرئيس في نجاتهم وليس مجرد تركهم للسيارة. ‏

في عملية أخرى كان المجاهدون القساميون أحمد اشتيوي ووحيد الهمص وأحمد أبو هلال ‏ومحمد أبو لبدة خارج السيارة ويجلسون في منطقة تنمو فيها أشجار صغيرة على شاطئ بحر ‏غزة وربما شعروا بوجود الاباشي مبكرا وتركوا السيارة ولكنهم لم يتركوا أجهزتهم الخلوية ‏لذلك تمكنت صورايخ الأباتشي من استهدافهم بدقة. أما الشهيد القسامي حمدي كلخ - في عملية ‏اغتيال أخرى -فقد تمكن من التنكر وكان يركب عربة كارو شرق مدينة خان يونس و اتخذ ‏الاحتياطات اللازمة في التمويه ولم يتحرك في سيارة ولكن حسب مصادر في حماس بمدينة ‏خانيونس فقد كان الشهيد يتحدث في جهازه الخلوي لحظة انطلاق صواريخ الأباتشي نحوه ‏فكانت إصابته في رأسه مباشرة وانفصل عن جسده.‏

عن مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية - ‏ تقرير خاص
الكاتب : مركز المعطيات والدر
اسات الاستراتيجية

فحص بواسير مجاني للصحفيين/د.محسن الصفار

ذهب سعيد الصحفي الذي يعمل في احدى الصحف المحلية الى قصر الرئاسة لتغطية مؤتمر صحفي لفخامة الرئيس يعقده بمناسبة زيارة الرئيس الامريكي لبلاده, ولدى وصوله الى البوابة بدات عملية التفتيش الدقيقة لكل شيئ معه وتم تفتيشه اليا ثم يدويا ثم اليا مرة اخرى ثم يدويا حتى وصل الى احد الحراس الذي طلب منه خلع حذائه واعطاه حذاء اخر مكانه تعجب سعيد وسال :
- لم يجب ان ارتدي هذا الحذاء وليس حذائي ؟
- منذ حادث منتظر الزيدي في العراق ومن باب الاحتياط فاننا نلبس الصحفيين احذية خاصة بها قفل ومفتاح ولايمكن خلعها الا بعد الخروج من القاعة وفتح القفل من قبل الحرس الرئاسي والان تفضل الى هذه الغرفة المغلقة لاكمال عملية التفتيش
دخل سعيد الغرفة واغلق الباب فصدم عندما راى طبيبا يقف ويرتدي القفازات قائلا :- انزل البنطلون والسروال الداخلي وانحن امامي رجاء صدم سعيد ولم يصدق مايسمع وحسب انها مزحة فقال :- ماذا ؟ ماذا تقصد بكلامك هذا ؟
- اي جزء من انزل بنطالك لم تفهمه ؟ ام تريد ان يحضر جندي وينزله لك ؟- هذه فهمتها ولكن لماذا يجب ان افعل ذلك ؟
- كي افتش
- سبحان الله في امركم يااخي ولماذا هذا التفتيش العجيب ؟
- بعد الاعتداء الاخير الذي اخفى فيه الارهابي المتفجرات في مؤخرته اضيف التفتيش الشرجي الى لائحة التفتيش للصحفيين واعتبرها يا اخي فحص بواسير مجاني من الدولة للصحافيين
وكل تفتيش وانتم بخير

فلسطين في المشروع الايراني/صباح الموسوي

شبكة البصرة
صباح الموسوي
لم تكن الثورة الإيرانية (أو كما اصطلح عليها فيما بعد بالإسلامية) التي أسقطت نظام البهلوي الشاهنشاهي قبل ثلاثين عاما، مجرد حدثا داخلي أو انقلاباً شبيه بتلك الانقلابات التي شهدتها إيران مرارا خلال المرحلة التي أعقبت تأسيس أولى كياناتها السياسية المستقلة عقب انفصالها عن الإمبراطورية الإسلامية في القرن التاسع الهجري على يد إسماعيل الصفوي. لقد شكلت هذه الثورة حدثاً فريداً من نوعه فيما يخص شكل نظامها وشعاراته التي تركزت على معاداة الشرق والغرب و " تصدير الثورة "، وهو الشعار الذي جعله نظام الثورة على رأس أولوياته فيما يتعلق بعلاقاته مع البلدان العربية خاصة والإسلامية عامة. ومن بين الشعارات الأخاذة الأخرى لنظام الثورة كان شعار " اليوم إيران وغداً فلسطين" وهو ما جعل الكثير من المراقبين يعتقد و منذ الوهلة الأولى أن هذا الشعار قد لا يعدو كونه شعاراً استهلاكياً شأنه شأن شعار (لا شرقية ولا غربية) وغيره من الشعارات الأخرى التي كانت تمثل المحرك الأساسي لعواطف الجموع الغفيرة من الجماهير الفرحة بسقوط عرش البهلوي و المتطلعة لبناء غداً أفضل تسوده العدالة والمساواة والحرية الخلاّقة. و إذا كان هذا هو تطلع الشارع الإيراني، المتنوع الأعراق والمذاهب، فان الشارع العربي أيضاً لم يكن هو الآخر بأقل حماسة من نظيره الإيراني بشأن تعاطفه مع هذه الثورية وشعاراتها التي توسموا فيها خيراً. فقد كان الشارع العربي فرحا لسقوط أكبر حليف للكيان الإسرائيلي في المنطقة، وثاني أهم عدوي للعرب. والأمر الآخر أن شعارات الموت " لإسرائيل " و الموت " لأمريكا " التي كانت تدبج خطابات قادة الثورة الإيرانية، قد أعادت إلى أذهان الجماهير العربية، التي كانت قد أصيبت بعد اتفاقية كامب ديفيد بفقدان الثقة بما حولها من أنظمة وحكام، حماسة الأيام التي عاشتها على نغمة الخطابات الثورية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وذكرى موقف التحدي العربي الجريء الذي تمثل في قرار الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود بوقف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية، وذكرى صور معارك حرب العبور، وصور البطولة التي جسدها الفدائيون الفلسطينيون في معركة الكرامة. و في الجملة فان الشارع العربي كان بحاجة ماسة إلى سماع أي خطاب أو مشاهدة أي حدث يمكن أن يعطيه بارقة أمل جديدة ويعيد له الثقة التي كان قد فقدها بمن حوله، وقد جاءت شعارات نظام الثورة الإيرانية لتلفت انتباهه وتجعله يستمع لها بتفاؤل كبير متجاوزاً كل الخلافات المذهبية والقومية، ومتناسيا كل المواقف العدائية التي وقفتها إيران ضد العرب والتي تمثل جانب منها باحتلالها لإقليم الأحواز و الجزر الإماراتية الثلاثة و أراضي عربية أخرى، و فوق ذاك كله مناصرتها العلنية للكيان الإسرائيلي. و لم يكن هذا التعاطف العربي مع الثورة الإيرانية محصوراً بالعامة بل غلب أيضاء على عواطف وعقول عدداً من القادة العرب لحد وقوف بعضهم مع إيران في حربها الظالمة ضد العراق ومدها بصواريخ بعيدة المدى لضرب بغداد أملا في تحقيق الحلم الذي هيجته الشعارات الإيرانية في أذهانهم واستولت به على شعورهم و مشاعرهم العربية النقية. بعد مضي ثلاثين عاما على انتصار الثورة الإيرانية وتأسيس نظامها الفريد من نوعه، من جهة خلط مفهوم الجمهورية بالإسلامية و تسليم زمام شؤونها العامة والخاصة بيد حاكم مطلق يسمى الولي الفقيه، بات يتعذر على الكثير ممن امنوا أو كانوا قد تفاءلوا بشعارات الثورة ونظامها، تفسير المواقف الإيرانية التي تثير الحيرة بالنسبة لهم. فشعار" تحرير طريق كربلا " الذي لم يستطع قادة النظام الإيراني تحقيقه خلال ثماني سنوات من حربهم العدوانية على العراق، فقد تحقق لهم بوقوفهم مع جيوش الغزو الغربية لهذا البلد العربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ليس من اجل الوصول إلى القدس كما كانوا يزعمون حينها بل من اجل تفريغ بغداد من العرب السنة وحرق مساجدهم و تقليل نسبة عددهم ليكونوا أقلية تحكمهم أكثرية عمل قادتها السياسيون ومراجعها الدينيون على تحقيق حلم بقي يراود الإيرانيون طوال ألف وأربع مئة عام مضت، أي منذ معركة القادسية الخالدة التي هدت عرس كسرى وأدخلت نور الإسلام إلى بلاد فارس. بعد ثلاثين عاما من تأسيس الجمهورية الإيرانية التي كانت قضية فلسطين من ضمن شعاراتها الصّياحة، يتساءل سائل من الذين كانوا متفائلين جداً بتلك الشعارات، ترى ماذا تحقق لفلسطين من تلك الشعارات، وماذا تحقق من طموحات الذين كانوا قد جردوا السلاح على إخوتهم ووقفوا مدافعين عن نظام طهران أملا في تحرير القدس برشاش الخميني؟. لا احد ينكر أن رشاش الخميني طوال الثلاثين عاما الماضية قد مزق " ومازال يمزق " صدور مئات الآلف من أبناء الشعب العراقي وغيرهم من العرب الذين كان لهم قصب السبق في نصرة فلسطين ولكنه لم يطلق رصاصة واحدة على الجيش الذي احتل فلسطين ويرتكب المجازر تلو المجازر بحق الفلسطينيين، ومع ذلك فان النظام الإيراني مازال يزاود على الجميع في ما يخص مسألة الدفاع عن فلسطين!. علماً أن القدس والمسجد الأقصى المبارك، الذي قال الإيرانيون أن احتلال كربلاء شرطاً لتحريره، ليس له مكانة من القدسية في عقيدة قادة النظام الإيراني. واليك بعض ما ورد عن مكانة المسجد الأقصى المبارك في الكتب العقائدية لهؤلاء المتبجحين بالدفاع عن فلسطين. أولا: جاء بحار الأنوار للمجلسي (22ص/90ج) عن أبي عبد الله " الإمام جعفر بن محمد الصادق " قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: "مسجد الكوفة أفصل منه"!. ثانيا: جاء في كتاب الخصال للشيخ الصدوق: 137. " لا تشدو الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله، ومسجد الكوفة ". ثالثا: روى الكليني في كتاب الكافي، بإسناده عن خالد القلانسي أنه قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: صلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة. كتاب وسائل الشيعة ج3/ص547. و لقصر المقام نكتفي بهذه الإشارات التي وردت في كتب عقائد الأمامية عن مكانة قبلة المسلمين الأولى لتعرف حقيقة هذه المكانة في عقيدة قادة النظام الإيراني. إذن لماذا بقيت فلسطين حاضرة في خطاب قادة النظام الإيراني أن لم يكن لديهم هدف استراتيجي ابعد من الشعارات؟. و الجواب ربما تجده في ملخص هذا الذي سوف استعرضه لك عن ما حققته الجمهورية الإيرانية للفلسطينيين من خلال ما قاله الإيرانيون وليس مما أقوله انأ. في خضم حملة الانتخابات البرلمانية الإيرانية الثامنة التي أجريت مؤخراً، كانت فلسطين حاضرة في الحملات الانتخابية لبعض القوى الإيرانية الموالية للنظام، وهي قوى تحتل مكانة مرموقة في السلطة. وعلى سبيل المثال نذكر هنا التصريح الذي أدلى به " حسين مرعشي " الناطق باسم حزب " كار گزاران سازندگي"، الحزب الموالي لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، و نشرته صحيفة " اعتماد ملي " العدد 570 الصادر في 28 يناير الماضي، حيث قال في معرض انتقاده لتصريحات الرئيس احمدي نجاد بشأن الهلوكوست وإسرائيل ما نصه: (الإيرانيون و منذ سنوات يعتقدون أن أموالهم تذهب هدرا بشأن الاستثمار في قضية فلسطين. فالإيرانيون لديهم مشاكل مع العرب أهم واكبر من المشاكل التي لديهم مع الآخرين ولكن السيد احمدي نجاد لم يشر إليها؟). ولم يكن تصريح زعيم حزب الله الإيراني، آية الله " محمد باقر خرازي ". ابعد من تصريح حسين مرعشي. فقد قال آية الله خرازي، و هو احد أقطاب تيار ما يسمى بالمحافظين، في حديث نشرته صحيفة "عصر إيران" الصادرة في يوم الأحد 2 مارس الجاري وأعادت نشره وكالة أنباء "أخبار الشيعة" الإيرانية، فقد صرح هذا القيادي الإيراني البارز متسائلاً: (ما هي الفائدة التي جنيناها أو سوف نجنيها من دعم الحركات الفلسطينية. فإذا أردنا دعم الفلسطينيين يجب أن نكون متيقنين أن فلسطين ستكون سائرة على مذهب أهل البيت (يعني شيعة) وإذا لم تكن على مذهب أهل البيت إذن ما الفرق بين إسرائيل وفلسطين). وردا على هذه التصريحات فقد نشرت صحيفة " عصر إيران " مقالا مطولا بقلم " فتاح غلامي " احد المسئولين في المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية الإيرانية، بعنوان " التشيع في فلسطين " ننقل بعض ما جاء فيه عن انجازات النظام الإيراني لفلسطين. يقول المسئول الإيراني المذكور: (كان التشوق إلى معرفة مذهب التشيع بعد انتصار الثورة الإيرانية قد انتشر على مستوى واسع جدا ولم تكن الأراضي الفلسطينية مستثناة من هذا التشوق الأمر الذي خلق قلقاً لدى أهل السنة في المنطقة. ومثال على ذلك أن العالم السني يوسف القرضاوي انتقد في مؤتمر تقريب المذاهب الذي عقد في الدوحة بصراحة الشيعة. و طالب القرضاوي خلال حديثه الشيعة بالتوقف عن الترويج لمذهب التشيع في البلدان والأراضي التي يسكنها السنة. و وصف القرضاوي ترويج التشيع بين أبناء الشعب الفلسطيني بالفتنة. وعن دور الثورة الإيرانية في نشر التشيع في فلسطين، فانه يمكن أن نشير إلى حركة الجهاد الإسلامي على أنها أكثر الحركات الفلسطينية تشيعا والأكثر ارتباطا بحزب الله وإيران وقد قامت بدور مهم في نشر التشيع في فلسطين. ولايقتصر انتشار التشيع على حركة الجهاد الإسلامي بل تعدى إلى حركات وطنية ودينية أخرى أخذت طابع التشيع وهي تهتم في الغالب بالشؤون الثقافية والاجتماعية، كالحركة " الإسلامية الوطنية" التي بتشيع رئيسها الأستاذ محمد أبو سمرة وكوادرها أصبحت من الحركات التي تحسب على شيعة فلسطين وقد أنشأت الحركة مركز القدس للدراسات والبحوث لدعم نشاطها الدعوي. وتعتبر مدينة بيت لحم اليوم مركزاً رئيسياً للشيعة في فلسطين. فبعد الثورة الإسلامية تأسست في مدينة بيت لحم مجموعة باسم " اتحاد شباب الإسلام " اخذ عملها طابع الجمعيات الخيرية من اجل الترويج لمذهب التشيع، حيث أقدمت هذه المجموعة على تأسيس مستوصف الإحسان الخيري ومستوصف السبيل ومركز نقاء الدوحة الجراحي ومدرسة النقاء ومركز النقاء النسوي، إضافة إلى فتح دور للقرآن الكريم في المساجد وغيرها ساهمت بالترويج لتشيع بشكل واسع. أما المركز الشيعي الآخر فهو في بيت لحم ويدار من قبل " محمد شحادة " احد أنصار حركة الجهاد الإسلامي والذي له دور في نشر التشيع. والمؤسسات الشيعية النشطة الأخرى هي " الجمعية الجعفرية " في قضاء الجليل وتحديداً في دبوريق، وتعمل بإدارة " أشرف أمونة " وهي جمعية تتولى رعاية هيئات منها حسينية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومكتبة الزهراء عليها السلام ومجلة السبيل. كما توجد مؤسسة شيعية أخرى هي "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين" برئاسة محمد غوانمة، احد الأعضاء السابقين لحركة الجهاد الإسلامي. كما انه يوجد هناك عدد من المستبصرين وهم من العلماء السنة الفلسطينيين الذين اعترفوا بأحقية مذهب أهل البيت. ومن بين هؤلاء الأشخاص الشيخ محمد عبد العال الذي كان قد أمضى سنوات في البحث والتدقيق في مذهب التشيع. وكان عبد العال قد ذكر في إحدى مقابلاته، إن من أهم الكتب التي قرأتها، كتاب المراجعات والذي لم يزد في إيماني شيء غير انه أضاف إلى معلوماتي شي جديد، ولكن الحادثة التي أنهت الأمر و هدتني إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام، كانت على النحو التالي. في احد الأيام ذهبت أتمشى إلى حانوت صغير لأحد أقربائي و جالست عنده وسمعته ينادي على احد أحفاده أن يجلس محله ليذهب هو لأداء صلاة العصر، وعندها أخذني التفكير، إذا لم يكن شخص يستطيع ترك حانوت صغير من اجل الذهاب إلى الصلاة دون أن يجلس احد محله ليحافظ له على أمواله، إذن كيف يمكن أن يكون النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله –قد يترك امة بدون إمام أو وصي؟. فوالله لا يمكن أن يكون كذلك). وبهذه القصة (المضحكة) أنهى المسئول الإيراني مقالته التي رد بها على المعترضين على دعم إيران لبعض الحركات الفلسطينية. مؤكدا أن النظام الإيراني قد استطاع أن يدخل التشيع إلى فلسطين وهذا هو ما لم يحصل في عهد أي من الأنظمة الإيرانية السابقة. فوجود التشيع بأي منطقة يعني أن هناك نفوذ لإيران، وهذه هو محط الجّمال. الحادثة الأخيرة التي طبلت لها وسائل الإعلام الإيرانية واعتبرتها نصراً لإيران، كانت حادثة لف جنازة الشهيد " محمد شحادة"، الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلية في الثاني عشر من مارس الجاري في بيت لحم، بعلم حزب الله يوم تشييعه. واعتبرت وسائل الإعلام الإيرانية أن محمد شحادة كان قد تيشع عندما كان في سجون الاحتلال الإسرائيلي مطلع الثمانينات حيث اختلط بسجناء لبنانيون شيعة وعقب ذلك أصبح من العناصر البارزة في ترويج التشيع في الأراضي الفلسطينية. لم يحزن المسئولين الإيرانيين لمقتل هذا المجاهد الفلسطيني، ولكنهم فرحوا وهلهل إعلامهم لكون جثمان الشهيد شحادة لم يلف بالعلم الفلسطيني، الذي يفترض أنه استشهد من اجل أن يرفرف هذا العلم خفاقا على مبنى رئاسة الدولة الفلسطينية في القدس، وإنما لكونه لف بعلم حزب الله الموالي لإيران، ليقولوا أن في فلسطين هناك من يوالي إيران أكثر من ولائه لفلسطين وان استشهد باسم الدفاع عن فلسطين. لا نعلم أن كان هو حسن حظ الإيرانيين أم سوء طالعنا نحن العرب، فهل هناك اكبر من هذا المكسب بالنسبة لهم حينما يسمعوا أن قائداً فلسطينيا بحجم الأخ خالد مشعل يقول، أن الخميني هو الأب الروحي لحركة حماس. فالسؤال، ماذا يكون الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله بالنسبة لحماس إذا كان الخميني أباً روحياً لها؟. فهل هناك أكبر من هكذا مصيبة بالنسبة لنا من أن تتحول دماء شهداءنا ثمرة جاهزة نقدمها بأيدينا لحكام طهران الذين كل ما قدموه لفلسطين هو أنهم ادخلوا فيها التشيع!!. فهل عرفنا ماذا تنوي إيران من وراء دعم بعض الحركات الفلسطينية وما هو جوهر المشروع الإيراني في فلسطين؟.
صباح الموسوي رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة الأحوازي ‏16‏/03‏/1429

ازمة الهوية بين السياسات القومية وتحول دور الدولة/رضوان زيادة

أزمة الهوية: بين السياسات القومية وتحول الدولة
رضوان زيادة
إذا كان سؤال الهوية هو السؤال الأكثر حضوراً في عصر العولمة، كونها متهمةٌ بالسعي إلى تهديد الهوية والعمل على إزالتها، فإن مفهوم الهوية نفسه يظل ملتبساً وعصيّاً على التحديد بَلْه المقاربة.هذا اللَبس الذي ارتبط بالمفهوم نابعٌ من كونه يتداخل مع حقولٍ معرفية مختلفة، بحيث يصعب تجريده وتحويله إلى مفهومٍ مكوِّن. إن الهوية وبتداخلاتها الانتربولوجية والسوسيولوجية والسياسية والثقافية تشكل مفهوماً مكوَّناً من التداخلات المعرفية للحقول السابقة جميعها بحكم كونها رهينة بالمتن الاجتماعي وبالصيرورة التاريخية ومن الصعب عليها الانفكاك منهما.1. خطاب الهوية السياسيوإذا كان خطاب الهوية قد ورث خطاب القومية، بمعنى أن خطاب الهوية الثقافية قد حلَّ تدريجياً محل خطاب التحرير القومي الذي شاع أبان مرحلة نزع الاستعمار، فإنه لدى البعض ليس إلا شكلاً جديداً للقومية يعبر عن نفسه بتعابير التناقض الأيديولوجي أكثر مما يعبر بتعابير التناقض السياسي، فالشعوب التي كانت مستعمرة تعاني في الواقع الحالي عواقب عصرنة تهدد القيم الخاصة بها التي بُنِيَ عليها سابقاً الاجماع ضد المحتل، وعلى ذلك علينا أن نتساءل لماذا بدأ الكلام عن الهوية في لحظة معينة؟ وليس في لحظة أخرى، وفي أي سياق تاريخي واجتماعي ظهر هذا الأمر، فالثقافة تأخذ أسبقية على السياسة، إذ لم يسبق لنا أن تحدثنا عن الهوية أبداً بقدر ما نتحدث عنها اليوم، وذلك لأن الهويات باتت مهددة أكثر فأكثر، إن لم تكن مدمرة، إذ لا يُطالب الشعب بهويته إلا عندما يبدأ بالشك في وجودها، وعلى حد تعبير جان ماري بونوا "هناك وسواس يسود عصرنا الذي أشبع تواصلاً، إنه وسواس انطواء كل منا وانعزاله في أرضه، أي فيما يحقق اختلافه وأعني هويته الخاصة، إنه الحلم بالتجذر في فضاءٍ منعزل"(1).لكن، إذا كان الكلام عن الهوية حديث العهد، فلماذا يتم دائماً استحضار الهوية كتشكلٍ في الماضي، على اختلاف مفاهيمها سواءً أكانت هوية ثقافية أم قومية أم هوية اثنية، إن الهوية بحسب هذا الخطاب تصبح مفهوماً مكتملاً وناجزاً، وليس علينا سوى البحث عن صيغة التطابق مع المثل (الماضي) لتحقق الوجود (الحاضر).وهذا ما دعى البعض إلى التمييز بين الهوية وخطاب الهوية، فإن كانت الأولى حقيقة رمزية على الأقل تعيشها المجتمعات والأفراد، فإن الخطاب المنشئ عن الهوية هو خطاب أيديولوجي ينصب تحت استراتيجيات العمل السياسي وتحولاته.فالهوية بوصفها ثقافة تشكل لحمة العمل الاجتماعي الشعبي، وهي بهذا المعنى تختلف عن الخصوصية التي هي محض خطاب أيديولوجي يتجه نحو الآخر بغية تأكيد الذات ورفض تماهيها مع الآخر ومع ما يطرحه، إنها سياسة الممانعة التي تتخذ صبغة ثقافية.وإذا كانت مسألة الآخر مكوّنة للهوية، فذلك لأن كل معرفةٍ للذات هي بالضرورة مشوبة ومختلطة بنفي الآخر بغية توكيد الذات، فكنْه الذات لا يتم إلا عن طريق الآخر ومن خلاله.فخطاب الهوية يطرح نفسه كخصوصية، على المجتمع في صيرورته أن يحافظ عليها، وعلى الآخر ألا يهددها أو يعمل على اختراقها، تصبح الهوية بذلك بنيةً مصمتة غير قادرة على التواصل والمثاقفة، على اعتبار أن الآخر دوماً هو راغبٌ في محو ثقافتها وجادٌ في العمل على تغيير حضارتها ومعالم وجودها.يرى جان فرانسوا بايار أن الهوية لا تعدو سوى أن تكون وهماً، فليست هناك سوى استراتيجيات للهوية يتبعها محترفو السياسية(2).فالعالم يعيش الآن قلقاً عاماً متعلقاً بالهوية، فهو يخشى توحيد الأشكال ويخاف من تلاشي التمايزات، إذ أن هناك حركة عامة رامية إلى إزالة الحواجز بين المجتمعات بالعولمة مصحوبة باحتدام وتأجج الهويات الخاصة سواءً أكانت عقائدية أو قومية أو إثنية. ولذلك تغدو العلاقة الجدلية بين الاتجاه نحو الكونية وتأكيد الخصوصيات حاضرة وراء أغلب الظواهر التي تحتل مركز الصدارة في مختلف وسائل الإعلام من التوسع في الاقتصاد إلى رواج الفكر الديمقراطي خارج العالم الغربي، وانتشار الإعلام بشكلٍ غير مسبوق، وجموح موجات الهجرة إلى غير ذلك. ولكن السؤال الذي يجمع كل هذه التساؤلات، كيف يمكن أن نتفهم العلاقات بين الثقافة والسياسة دون الوقوع في فخ الانغلاق الثقافي؟.إذا اعتمدنا على ماكس فيبر في تعريفه للهوية،ذلك أن فيبر كان قد عرف الإنسان بأنه كائن يتشبث بشبكة المعاني التي نسجها بنفسه، وليس هناك أي نشاط، حتى النشاط المادي، إلا وهو منتج في الوقت نفسه لمعانٍ أو رموز،لذلك فنحن لا نستطيع أن نفهم أي ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية دون الكشف عن مبررها الثقافي، فالثقافة هي نفسها التي تشكل الفائدة.فالهوية تشتبك مع الثقافة، والثقافة التي يتم تخيلها ترسم للأفراد التابعين لها هوية مبسطة أشبه بالأشياء والأثاث السابق التجهيز والمطلوب تجميعه بكلِّ يسر، وعندها يتم خلق جوٍ من العدائية لكل ماهو أجنبي، رغم أنه لا وجود لقيمٍ تقتصر على حضارات دون غيرها، أو نطاقات ثقافية خاصة بمجتمعات معينة، فقيم "التقدم" و "الحرية" ليست حكراً على المجتمعات الغربية فحسب وإنما هي نتاج إنساني يجب التشارك فيه، ذلك لأن الحضارات بأجمعها ساهمت في خلق هذه القيم وفي إنضاجها حتى وصلت إلى الصورة التي عليها في الوقت الحالي.وإذا كان بعض الغربيين يفخر بأن الغرب يقوم على تصدير هذه القيم. فعليهم أن يعلموا أنهم قاموا بتصدير قيم الدمار والنفي أيضاً على حد تعبير بايار نفسه.وإذا كانت الثقافة كما رأينا تشكّل الحاضن للهوية، فإن الثقافة نفسها إنما هي متعلقة بالسياسة، أو بصيغة أخرى إن التفكير الثقافي الانغلاقي يعتبر ضمنياً أن التوافق بين مجتمع سياسي ما وبين تماسكه الثقافي مسألة مفروغ منها، سواء كان ذلك التماسك الثقافي أصيلاً أو متوارثاً.فهو يعتقد أن أي ثقافة تشكل جمعاً من التمثلات الثابتة على مدى الزمن، وهو يرى أن هذا الجمع منغلق على نفسه، ويعتبر كذلك أن هذا الجمع يقرر توجهاً سياسياً محدداً، لذلك تنشأ نواة صلبة من التمثلات المقدسة تتأيد على مرّ القرون وتظل منطوية على نفسها، وهو يدلّك بذلك على أنه أكثر تعلقاً بالثبات، ويمتنع هذا التفكير عن استخلاص العمليات الملموسة التي تنتج عن طريقها تاريخ العناصر الاجتماعية ، إنها تعرف نفسها في آنٍ واحد بالنسبة لتفهمها للماضي وبالنسبة لتصورها للمستقبل.ومن بين هذه العمليات الثقافية تبرز أربع منها تستحق التفصيل، وتتعلق باستراتيجيات الانفتاح على الخارج، وممارسات التحول، وعمليات التأصيل، وعمليات تكوين هويات أولية.فالانفتاح على الثقافات الأجنبية يفترض عملية أخرى، ألا وهي نقل مغزى ممارسة ما، أو مكان أو تمثيل أو رمز أو نص إلى الطرف المتلقي، لأن الانفتاح يكون حسب تعريفه تقريباً، إعادة تفسير واشتقاق، و إضفاء مغزى جديد على نصوص ورموز منذ ألاف السنين، بغية تجنيدها لخوض معارك تخدم الطرف المتلقي، إنها عملية تحويل المعاني بغية استثمارها في الواقع السياسي وبما ينصبُّ في النهاية في مجال الهوية.أما عمليات التأصيل أو ما يسمى (بتصنيع الأصالة) فإنها تشكل الوجه الآخر والمساعد لعمليات تحويل المعنى أو الدلالة بحيث يتم اللجوء إليها بشكل مستمر من قبل أصحاب التوجه الثقافي الانغلاقي وذلك للمحافظة على النقاء الأصلي للهوية من ضروب التلوث الخارجي ومن اعتداءات الآخرين، وحتى وإن لزم الأمر يتم تحقيق ذلك من خلال مساعٍ ارتدادية(3).وهذا الخطاب الاستيهامي المتعلق بالماضي الذي يعاد إحياؤه بالكامل يمثل رد فعل انتقادي للحاضر الذي هو دائماً في موقع السلب والنفي.وانسجاماً مع ذلك تعاد عملية التعرف على الهوية، التي هي في أساسها مجرد عمليات تماهٍ مع الماضي، وعندها لا تكون الهوية التي يتشدق بها أنصار الانغلاق الثقافي متواجدة إلا بشكلٍ مستقل عن المتكلمين باسمها، إنها تنعقد أو تنحل عن طريق عمليات التماهي هذه، وبذلك يعاد إنتاج هوية أي إنتاج ثقافة تعكس العلاقة مع الآخرين كما تعكس العلاقة مع الذات، هذه العلاقة التي لا تتأثر بالزمن والتي يلعب فيها التخيل دوراً مركزياً يتم من خلاله تكوين رؤيةٍ للعالم تحرص على إضفاء الذاتية والرجوع إلى الأصل الذي هو النقاء، والابتعاد ما أمكن عن التلوث بالآخر بغية الحفاظ على طهارة المجتمع وبكارته، إنه خطاب تخيلي يتحول إلى ممارسة سياسية يومية.فوظيفة التخيل المؤسسية تقوم بدور مركزي في قيام الدولة، وفي الإنتاج السياسي بوجه عام إنها تستثمر من جانب المحركين السياسيين، فعندما يعلن رئيس الكامرون "أنا أبو الأمة، أفكر في الجميع، في كل أبنائي" فإنه يتخذ لحسابه صورة رئيس أهل البيت، مع إضفاء صبغة دينية عليها لكي يجعل نفسه ضمناً الإله - الأب وفقاً للمفهوم الدارج في النظم التسلطية التي تسود تلك المنطقة.إنه تطويع للوعي العائلي على حساب السياسي ورسم صورة تخيلية توظف من قبل السياسي الذي يصبح في النهاية رمزاً عائلياً ودينياً(4).وبنفس الطريقة يتم الربط بين مجالي السياسة والغذاء، فالأكل عملية فيزيولوجية ضرورية تفرز في الوقت نفسه لذةً شديدة، لها ارتباط صريح بالجنس، والأكل مصدر انفعالات وإحساسات بالحرمان، كما أنه يبلور أيضاً صفات أخلاقية يكون انتهاكها مثار فضيحة أو استهجان، وفضلاً عن ذلك فإن هذه الحاجة الضرورية الممتعة والمعنوية متبادلة إذ أنها تتيح ضروباً ممتازة من الأجواء الاجتماعية وتشكل من جهة أخرى مرحلة رئيسية لبث الروح الاجتماعية، فالحاجة الضرورية والمتعة والمشاركة والطابع الدارج تكسب التحول في مجال الغذاء إلى التحرك السياسي نفوذاً فريداً يمكن أن يصدج مبدأً يقوم على أساسه (حكم البطون) كما في أفريقيا(5).وإذا كان الغذاء يشكل علاقة ارتباطية مع المجال السياسي، فإن الملبس يشكل وبصورة مضاعفة هذه العلاقة، إذ إن الملبس يبرز الصلات الخفية بين المادي والفكري، وبفضل هذه المرونة يشكل الملبس أداة متميزة لبناء الهويات والتعاملات بينها، إنها هويات فردية، وجماعية أيضاً، فالثوب يصنع الكاهن كما يقول المثل الفرنسي والمحركون السياسيون يدركون ذلك تماماً، فهو يورث القداسة والنقاء أو التلوث، لذلك يحرص الدكتاتوريون العصريون على الظهور في شاشة التلفزيون في بزة مكونة من ثلاث قطع وذلك كاف لجعل نظامهم مدنياً ولطمأنة الرأي العام.وهكذا فإن التخيل لايمثل كلاً متماسكاً في مجتمع معين مادام يشمل سديماً من الأشكال غير متجانسة ودائمة الانفلات، فالمنتجات التخيلية ليست بالضرورة متماثلة الأشكال، فهي بحكم تعريفها منتجات رمزية، متعددة المعاني وملتبسة وهي تسهم بهذه الصفة في تماسك المجتمع دون أن تتوفر أبداً إمكانية إثبات تماسك عالم معانيه، أو حتى التسليم بإمكانية ذلك الاثبات(6).إن التخيل الذي تمارسة السلطة السياسية على المجتمع ينبع من معرفتها أن المجتمع ليس جسماً موحداً تمارس فيه سلطة واحدة فقط، وإنما هو في الواقع تجمع وارتباط وتنسيق وتدرج أيضاً لسلطات مختلفة تظل مع ذلك لكل منها خصائصها، لقد عبر عن ذلك فوكو بمقولته (المجتمع أرخبيل من السلطات المختلفة)(7).يُعتبر أندرسن أبرز من درس مفهوم "الهوية المتخيلة"،إذ ينطلق من فرضيةٍ تقول أنه لا يمكن استخلاص تعريف علمي لكلمة الهوية القومية ، ومع ذلك فالظاهرة كانت وما زالت موجودة ، ولكن وجودها لاحق لسياسات تخيلية خلقت فيما بعد مفهوم القومية وبلورته ، إذ هي وفقاً لذلك محض اختراع ، ويدلل على ذلك بالعديد من مشاهداته لا سيما في الدول الإفريقية،إذ يعرف القومية بدءً من محدداتٍ ثلاثة: أولها الحداثة النسبية للقوميات في أعين المؤرخين في مقابل قدمها الذاتي والخاص في أعين القوميين، وثانياً عمومية ورسمية الجنسية كمفهوم اجتماعي وحضاري ، ففي العالم الحديث يجب على كل فرد أن تكون له جنسية وهذا ما ولّد مفهوم الخصوصية المتميزة، وثالثاُ القوة القومية السياسية في مقابل فقرها الفلسفي وعدم اتساقها النظري ، وبذلك تعرف القومية وفق سياقها الانتربولوجي فحسب على أنها مجتمع سياسي متخيل ، وهو متخيل أيضاً في كونه محدد الأصول وذا سيادة سياسية(8).إن الهوية القومية إذاً مفهومٌ متخيل لأن أبناء حتى أصغر القوميات لا يعرفون أغلب أفراد قوميتهم ، ولا يقابلونهم ولا حتى يسمعون بهم ، ومع ذلك ففكرة تجمعهم وتوحدهم تعيش في ذهن كل واحد منهم ، وبتعبير آرنست غلنر القومية ليست صحوة الأمم لإدراك الذات ، إنها تخترع الأمم من حيث لا توجد(9).ولكن هل تخضع القومية وفقاً لذلك لنفس معيار النسق الأيديولوجي من حيث تجييشها وتوظيفها وفق الرغبات السياسية وبذلك تكون وليدة اللحظة التاريخية ولا تسبقها بأي حال من الأحوال ، إن أندرسن ينفي هذه المقارنة بين القومية والأيديولوجيا وإن كان لا يستبعد أن تتأسس الثانية على الأولى ، ولكنه يطالب بوجوب فهم القومية بتوحيدها ليس مع أيديولوجيات سياسية في دائرة الوعي ، ولكن مع الأنظمة الحضارية السابقة عليها والتي ظهرت من خلالها ، كما ظهرت ضدها وهو لذلك يحدد دراسة القومية بفهم المجتمع الديني وحكم الأسرة.فالمجتمع الديني غالباً ما يرتبط بلغة مقدسة التي ترى أنها مركزية في العالم ومرتبطة بنسق قوة غير أرضي مما يجعل اللغة أداة اندماج ديني أولاً، وتتصاعد فيما بعد لتصبح لغة قومية عن طريق الوظائف التي تؤديها اللغة كالتواصل الاجتماعي الأفقي والعمودي، كما يؤمن تسلسل تعلم الأجيال عبر العصور مما يجعل اللغة إرثاً تاريخياً يزيد قدسيتها وهيبتها ولتتحول مع الزمن رمزاً قومياً تتوحد من خلاله الجماعات المختلفة .أما الحكم الوراثي أو حكم الأسرة فيمارس دوره في خلق القومية عن طريق توسعه أفقياً لا سيما من خلال الزيجات الملكية التي تضم شعوباً مختلفة تحت سلطة واحدة ، وبذلك تصبح هذه الشعوب خاضعة لحكم أسرة واحدة هي التي تعطي للدولة سماتها وميزاتها وبالتالي قوميتها . يبدو طرح أندرسن هنا مختلفاً تماما عن كل التنظيرات المقدمة والمتعلقة بأصول النظرية القومية التي ترى تأسسها وصعودها مع بروز نموذج الدولة – الأمة التي شكلت قطيعة مع مفهوم الأسرة – الدولة ، إلا أن أندرسن يرى أن تلمس مفهوم القومية لا يمكن فصله أبداً عن الفترة الاستعمارية التي كانت حاضنة لنشوء القوميات والشعور بها ، إذ ساعد دور النخبة كثيراً في تظهير البعد القومي لدى الدول المستعمرَة ( بفتح الراء ) التي رغبت في نيل استقلالها عن طرق تنمية الحس القومي لدى أبنائها في الشعور بالخصوصية والتميز ، وبذلك يكون المثقفون قد لعبوا دوراً أساسياً في نشأة القومية في الأراضي الاستعمارية ، ثم لعبوا فيما بعد دور من تسلموا مقاليد الحكم لا سيما بعد حصول هذه الدول على استقلالها ، مما عزز لديهم الهاجس القومي وساعد في تنميته وتصعيده(10).ويشير أندرسن إلى أن أية لغة استعمارية تحوي كلمات تشير إلى السكان الأصليين كما في الإنكليزية والبرتغالية والفرنسية ،هذه الكلمات تشير باستمرار إلى أن هناك أشخاصاً " أدنى " و"ينتمون إلى هناك " في حين تضفي اللغة الاستعمارية على نفسها صفة العلو والاستعلاء ، ودور اللغة هذا ساعد على تعزيز الشعور بالاختلاف والانتماء إلى أعراق مختلفة وبالتالي إلى قوميات متباعدة(11).غير أن النخبة المثقفة والمشبعة بالأفكار القومية التي لعبت دوراً حاسماً في حصول الدول على استقلالها قامت بدور الصفوة المحلية المثقفة بثقافةٍ أخرى مما جعلها جسر الوصل بينها وبين مستعمرِها السابق ولذلك جرى الاعتماد عليها سياسياً وملأت بإخلاص النسق الوظيفي المعاون في المستعمرة للشركات التجارية الكبيرة وبقدر ما لعبت هذه النخبة دوراً سياسياً هاماً ودوراً ثقافياً حاسماً في تعزيز القومية والانتماء إليها بقدر ما شعرت بالدونية تجاه " اللغة الثانية " لغة الدول المستعمرَة مما جعلها باستمرار لا تغادر الدور الوظيفي وتحافظ على امتيازاتها عن طريق ارتباطها بمن ناضلت ضده سابقاً وأصبحت تعمل من أجله لاحقاً .لكن إذا كانت الهوية القومية كمفهوم قد جرى اختراعه وتكييفه ، فما الذي يجعل البشر يموتون في سبيله ودفاعاً عنه ، هنا تطرح علاقة القومية بالعنصرية ، فالقوميات تفكر دائماً بأسلوب المصائر التاريخية ، بينما تحلم العنصرية بتلوث أبدي ينتقل من أول الزمان عبر توال لا نهائي للزيجات الممقوتة الكريهة خارج التاريخ ، وبفضل" فرشاة القار" سيظل الزنوج زنوجاً للأبد على حد تعبير أندرسن نفسه ، وبفضل" بذرة إبراهيم" يبقى اليهود يهوداً أبداً أيضاً مهما كانت جوازات السفر التي يحملونها ، ومهما كانت اللغات التي يتكلمونها ويقرؤونها ، وعلى ذلك فاليهودي الألماني كان دائماً أفّاكاً لدى النازي وهذا المفهوم نفسه هو الذي ساعد على ظهور الصهيونية ونشأة إسرائيل على شكل إعادة تخيل مجتمع ديني قديم على أنه قومية من ضمن القوميات ، وبذلك تمثل نشأة إسرائيل لدى الفكر اليهودي تغيراً كيميائياً من الجوّال المخلص إلى الموطن القديم .وبذلك يمكن اعتبار إسرائيل كنموذج مثالي على نجاح قومية شتات في اختلاق قومية خاصة بها.إذ إننا نجد اليهود أنفسهم الذي لا يشتركون لا باللغة أو الثقافة أو التراث أو التاريخ أو حتى إزاء موقف محدد من الدولة اليهودية ، رغم ذلك فإنهم يسعون إلى تكوين أمة يهودية عن طريق صناعة تاريخ خاص بها واختلاق لغة من خلال إحيائها من جديد،فأصبحت القومية الإسرائيلية التي هي عبارة عن مجمع لغات وثقافات بمثابة الهوية الاندماجية العلمانية التي يصر عليها زعماء إسرائيل المتكررون،إلا أنها وبحكم تكوينها التاريخي لم تلبث أن تحولت إلى ثقافة أكثر عزلة وانعزالاً.لقد ارتبطت العنصرية إذاً مع ظهور القومية وتناميها، وغالباً ما اندمجت مع السيطرة الأوروبية التي أعلنت نشوء القومية الرسمية والسيطرة الاستعمارية عن طريق تعميم السمو الموروث المولود في أفرادها ونقل ذلك إلى الأجيال اللاحقة ، فإذا كان اللوردات الإنجليز أسمى بطبيعتهم من الإنجليز العاديين الباقين ، فإن ذلك لا يهم فالإنجليز العاديون لا يقلون سمواً بالنسبة للشعوب الأخرى المستعمرَة ، وقد ساعد على نشأة العنصرية ضمن المنظور القومي ظهور البورجوازية ضمن الأرستقراطيين الذين حصروا ضمنهم المبادلات التجارية والرأسمالية .غير أن سياسات بناء الأمة القومية لم يقتصر على دور النخبة المثقفة ودور رجالات الأعمال فقط. وإنما ساعدت الدول الاستعمارية نفسها على بناء القومية في نفوس أبناء دولها عن طريق تنمية الحماس القومي الشعبي الحقيقي وعمليات زرع منظمة للأيديولوجية القومية عبر وسائل الإعلام ونظم التعليم والقوانين الإدارية وغير ذلك مما جعل القومية حقيقـة أكثر من أي وقـت مضى.2. إعادة اكتشاف معنى القومية:وهكذا إذاً تبدو القومية وكأنها طبعت القرن العشرين بختمها ،فلا عجب بعد ذلك أن يُطلق عليه قرن تأجج الهويات القومية وصعودها،لقد كانت القومية بمثابة هاجس العصر الذي يحضر في كيان كل دولة ويجثم في مخيلة أية جماعة التي لا تني تبحث عن دولتها وفقاً لتميز قوميتها،لذلك فالدولة القومية أشبه ما تكوم بوريثة الامبراطورية .لقد حاول آرنست غيلنر أن ينزع عن مفهوم القومية هالته القدسية التي تكونت حوله ونشأت من خلال أسطورة التميز والرفعة،إذ يعتبر أن القومية لا تتعدى كونها اختراعاً سياسياً كما كان قد انتهى إلى ذلك بندكت أندرسن سابقاً،فالعاطفة القومية التي تثور دفاعاً عن انتهاك المبدأ القومي إنما تعبر عن سياسات التلاعب الإدراكي بعقول الجماهير ومخيلاتهم،وهي لذلك جزءٌ من سياسات الهوية المتخيلة(12). ولكن هل تقتصر القومية فقط على الجماعات الممنوحة دولة؟ ،وبذلك لا تنشأ القومية في المجتمعات العديمة الدولة،وعندها تكون فكرة الدولة سابقة على فكرة القومية وليس العكس،فالوعي بضرورة وجود الدولة هو الذي يخلق القومية ويبرزها بعد أن كانت خفية وغير مدركة.فالقومية كمفهوم الأمة ملتبس وعصيٌ على التحديد،ويمكن اعتباره مرتبطاً بالعصر الصناعي ،إذ لم تنشأ القومية في العصر الزراعي،كما أنها ترتبط بعمليات الاستعمار والامبريالية ونزعات التحرر من الاستعمار كما ذكرنا ذلك سابقاً،إذ إن ظهور المجتمع الصناعي في أوروبا لم يكن إلا نتيجة للفتح الغربي للعالم على حد تعبير غلنر(13).ولكن كيف يمكن تعريف القومية وفقاً لذلك،طالما أنها غير ذات نسب ديني أو عرقي،هنا تعرّف القومية بأنها الثقافة المشتركة الموروثة التي تعطي الأمل في تأسيس جماعة منسجمة،وإذا كان عدد القوميات الفعالة محدوداً على مستوى العالم كله،فإن القوميات الكامنة أكثر من أن تحصى أو تعد،وهكذا فالقومية تمر بمرحلة كمون قبل بروزها إلى مرحلة العلن والفعالية ،وهي رغم ذلك لا يمكن اعتبارها بمثابة إيقاظ قوة قديمة كامنة سابقة مع أنها تطرح نفسها على هذه الصيغة،وإنما هي في الواقع ناتج أيديولوجي لاختراع مفكرين محمومين،وهي نتيجة شكل جديد من التنظيم الاجتماعي،قائم على إدماج داخلي عميق لثقافات رفيعة معتمدة على التعليم،وتحمل كل منها دولتها الخاصة بها،كما أنها تستثمر بعض الثقافات الموجودة سابقاً محوّلة إياها في خدمة عملية بناء القومية.وعلى قدر ما توجد ثقافات متعددة ومتنوعة في العالم بحكم التمايزات الثقافية المستمرة،على قدر ما تترشح القوميات للظهور والصعود،لتتماهى بعد ذلك في مفهوم الأمة الذي يمثل الصياغة الثقافية لمعنى الدولة السياسي بامتياز،فما يولّد الأمم هو القومية،وليس العكس،فالقومية تستخدم تكاثر الثقافات أو الثروة الثقافية الموجودة سابقاً والموروثة تاريخياً،وتحولها أحياناً بصورة جذرية،كما تعمل على إحياء الثقافات الميتة واختراع التقاليد ،واستعادة النقاوات الأصلية المزينة تماماً بحيث تبدو القومية في النهاية بمثابة الخليط الخلاّق،وبعد فترة الانتقال من الكمون إلى البروز تكف الثقافات الرفيعة التي تبقى على قيد الحياة عن أن تكون وسيلة وعلامة مميزة لفئة مثقفة،إذ تصبح بدلاً عن ذلك وسيلة وشعاراً لأمة قومية.يضرب الأنثربولوجي الشهير آرنست غيلنر أمثلة على ذلك بالإسلام الذي خصص له كتباً عدة(14)، إذ يعتبر أن الإسلام والعالم العربي نموذج واضح وجلي على فترة بزوغ القومية،ذلك أن التاريخ الثقافي للعالم الإسلامي خلال القرون الماضية يثبت حصول عمليات إصلاح إسلامي مستمرة تتقدم وتتراجع،وهي نوع من البروتستانتية الإسلامية عن طريق تأكيدها الشديد على النصوص المقدسة والعداء الراسخ لما يسميه غلنر السمسرة الروحية للوسطاء المحليين بين الإنسان والله،لذلك فهو يعتبر أن الإسلام يستحق وصف الإصلاح الدائم بسبب تحولاته الذاتية المتتابعة من أجل الإصلاح،واحد تحولاته تلك صادف مجيء القومية العربية الحديثة ،والتي لا يمكن فصله عنها إلا بصعوبة عظيمة،فظهور الأمة وانتصار حركة الإصلاح يبدوان جزأين من حركة واحدة،واستفادت الحركة القومية العربية من النزعة التوحيدية الراسخة في الإسلام والثابتة في المجتمعات المسلمة عبر تأكيد صعودها بربط ذاتها بالإسلام ،فحملت بذلك تراثاً عظيماً من عدة جهات ،أولها توظيف اللغة العربية باعتبارها اللغة القومية ،إضافة إلى تأجيج نزعة التحرر والجهاد من أجل التخلص من الاستعمار مما جرة توظيفه في النهاية في خانة القومية،وبذلك تمكنت القومية العربية عن طريق حملها للتراث الإسلامي إلى التحول لنزعة قوية ذات إرث عريق وثقافة رفيعة،الأمر الذي يضمن بقاءها واستمرارها.فالقومية إذاً كما الهوية محض اختراع سياسي ،ولكن إذا كانت القومية تقوم على نزعة أيديولوجية سياسية فهل من الممكن أن يجري تعديلها كما يجري للكثير من الأيديولوجيات،إننا نستطيع أن نتوقع أن يجري تعديل للقومية ذلك أنها تنشأ وتصبح الحاجة إليها ملحة عندما تزداد الثغرة بين المجموعات السكانية المندمجة صناعياً والممنوحة حق الانتخاب سياسياً واقتصادياً،وكلما ضاقت هذه الثغرة فإن الشعور بها وإدراكها لا يكون على مثل هذه الحدة التي تنشأ عندما تزداد الثغرة ولكن ذلك يطرح سؤالاً أكثر راهنية ويتعلق بإمكانية غياب القومية وزوالها عندما تدمج المجتمعات في دورة اقتصادية وصناعية تغيب عندها الفوارق بينها كما يجري الآن في ظل العولمة وإن كانت تنتج أنماطاً أخرى من التهميش ،وعندها تصبح القومية مرتبطة بالثقافة التي نشأت من ضمنها،فالثقافات الشعبية والتقاليد الصغيرة لا تبقى على قيد الحياة إلا بصورة اصطناعية حيث تبقى في التداول بفضل جمعيات حفظ اللغة والفنون الشعبية،في حين أن الثقافات الرفيعة تتقارب مع بعضها وتتداخل بوثوق كبير، لكن دون أن تلغى نهائياً،فكما أن الأمم لم تكن متشابهة في الفقر فهي لن تكون متشابهة في الرفاهية كما يقول المثل الشهير،فالقومية سوف تكف عن أن تكون مشكلة ،ولكنها ستستمر بالوجود وتحاول التشبث بالبقاء ولكن في شكل مخفف وأقل عنفاً على حد تعبر غلنر.وبنفس المعنى إذا كان مفهوم الهوية يعبر عن وهم لا وجود حقيقي له، وإنما توجد استراتيجيات للهوية يتم توظيفها لخدمة هوية سياسية مصطنعة، وإذا كان عالم التخيلات والرموز موظفاً أيضاً لخدمة هذه الهوية المركبة، فكيف يتم إذاً الحفاظ على التمايزات، أو كيف يمكن جعل التنوع والاختلاف قائماً وصحياً -أي دون خوف مرضي- في نفس الوقت؟.هنا يجيء دور المجتمعات في ابتكار دورٍ مفارق للحداثة، فالحداثة تجربة اجتماعية خاصة بمرحلة معينة وخصوصاً تجربة العولمة، إنها مرحلة موجهة نحو المستقبل، ومتصورة على أنها ستكون على الأرجح مختلفة وأفضل إن أمكن من الحاضر والماضي.وإذا كان فوكو يعتبر أن الحداثة حالة قائمة، لامرحلة من مراحل التاريخ، فإن السؤال الذي يجب أن تطرحه المجتمعات على نفسها هو كيف نشأت الحداثة؟ وهل في الإمكان خلق نموذج خاص بالحداثة في كل مجتمع؟.إن البديل الذي يجب أن يُطرح بدلاً من الانزواء والانغلاق أو التماثل والتوحد، هو إعادة صياغة الفوارق، دون الحاجة إلى جعلها شرطاً مسبقاً، إذ إن هذا الإصرار يثير الريبة لأنه يفتح الطريق أمام كافة أنواع القيود الذهنية والسياسية، فالخطاب الانغلاقي يحصر أكثر فأكثر المجتمعات التاريخية في تعريف جوهري لهوياتها، بإنكار حقها في الاستعارة وفي الاشتقاق الخلاّق، أي التغيير المحتمل عن طريق الابتكار المفارق للحداثة.لقد بات من الملح اليوم مواجهة التيار الانغلاقي بعقلية فلسفية حديثة تفرق بين نصيبي كلٍ من المحتمل والعام مادام المشهد السياسي اليوم يخوض معركة الهوية.ولكن هل ارتبط تأجج الشعور بالهوية القومية مع ظهور مفهوم الأمة تاريخياً؟.إن علينا بداية أن نميز بداية بين مفاهيم الأمة والدولة والقومية ،ذلك أن تعريف الأمة يختلط بالقومية ويلتبس بها ، فالأمة ليست قديمة قدم التاريخ ، حيث أن معناها الحديث لا يعود في القدم إلى أبعد من القرن الثامن عشر ، ورغم ذلك فإن تطور الأمة التاريخي جعل التعاريف المقدمة جميعها غير قادرة على الاستيفاء بالشروط التاريخية والسياسية والثقافية المنتجة لها ، وإن كان تعريف ستالين هو الأكثر شهرة الذي يرى فيه أن الأمة هي عبارة عن وحدة مستقرة تطورت تاريخياً من اللغة والأرض والحياة والاقتصاد والتركيب السيكولوجي وتمظهرت فيما بعد في وحدة الثقافة . يرى المؤرخ النمساوي الشهير إريك هوبزباوم أن هذا التعريف رغم شموليته التي يوحي بها يبدو نظرياً أكثر منه واقعي ، إلا إذا اعتبرنا أن جميع الكيانات التي تخرج عن إطار هذا التعريف هي مجرد استثناءات ، عندها يكاد يكون الاستثناء نفسه هو القاعدة وليس كما يقولون أنه يأتي ليؤكد القاعدة لا ينفيها . لذلك فهو يربط تعريف الأمة بالوعي الإرادي لأفرادها المنتمين إليها ، فخلق الأمة يعني إرادة الأمة في أن تكون أمة فإذا أراد عدد كاف من سكان جزيرة وايت أن يكونوا أمة وايتية ، ستوجد حتماً أمة وايتية(15).وهذا ما يفرض علينا إعادة النظر في جميع التعاريف السابقة المقدمة واتباع نهج اللاأدرية موقفاً مبدئياً لدراسة حقل الأمة والقومية بشكل يمنعنا من تبني أي موقف قبلي لتشكيل الأمة ، فالأمة ليست كياناً سياسياً أو اجتماعياً لا متغير أو أنها تنتمي حصراً إلى عصرٍ معين حديث تاريخياً ، فهي كيان اجتماعي فقط طالما أنها ترتبط بنوع محدد من دولة إقليمية حديثة هي الدولة – الأمة ، أما النزعة القومية التي تأخذ في بعض الأحيان شكل ثقافات موجودة سلفاً وتحولها إلى أمم ، فالنزعة القومية تسبق الأمم ، فالأمم لا تصنع الدول والقوميات ، بل العكس هو الصحيح ، كما أن الوعي القومي الذي يوجد لدى أفراد الأمة ينشأ على نحو غير متكافئ بين الفئات الاجتماعية وبين الأقاليم المختلفة التابعة للدولة وهذا ما كان يتم تجاهله تماماً في الماضي،فأمثلة كثيرة تؤكد أن الدولة هي التي سبقت الأمة كما هي حال تركمانستان وأوزباكستان وكازاخستان ودول أخرى في آسيا الوسطى التي صنعت من نفسها أمماً بإعادة كتابة تاريخها دون أن تكون ناتجة عن قومية قديمة دائمة.لقد حاول هوبزباوم أن يدرس تطور النزعة القومية بين فترتين تاريخيتين محددتين(16)، بدء من 1870 وحتى 1918 والفترة الأخرى التي شهدت أوج النزعة القومية بين 1918 و 1950 ثم يستخلص نتائجه وانطباعاته عن النزعة القومية في أواخر القرن العشرين ، فيعتبر أن الأمم والنزعة القومية لم تكن في الفترة الأولى تمثل مشكلات داخلية كبيرة بالنسبة للكيانات السياسية التي وصلت إلى مرحلة الدول القومية مهما كانت هذه الدول متنافرة قومياً وفق المعايير الحديثة ، ذلك على الرغم من أنها كانت مصدر إزعاج حاد للامبراطوريات اللاقومية التي كانت غير قابلة للتصنيف تحت صفة متعددة القوميات . بل إن النزعة القومية نفسها لم تكن جاهزة في التمثيل الشعبي السياسي كما تكشف عن ذلك عبارة ما سيمو دازيليو في أثناء الثورة الإيطالية ضد الهيمنة النمساوية عندما قال (لقد صنعنا إيطاليا، والآن علينا أن نضع الإيطاليين) ، والأمر نفسه نجده لدى المحرر النهائي لبولندا كولونال بيلسودسكي في عبارته (إن الدولة هي التي تصنع الأمة وليست الأمة هي التي تصنع الدولة)(17).فإذا حاولنا دراسة العوامل التي تعزز نشوءالأمة القومية وتبلورها كاللغة والتاريخ والثقافة فإن هوبزباوم يشكك باستمرار في قدرتها على إنشاء القومية بشكل منفرد ومعزول عن الدور السياسي لها كما يجري تصوير ذلك في الأدبيات الغربية في نهاية القرن الثامن عشر ، إذ يرى أن اللغة الأم التي يتعلمها الأطفال من الأمهات الأميّات ويتكلمونها في الاستعمال اليومي لم تكن بأيّ شكلٍ من الأشكال لغة قومية ، فاللغات القومية هي بشكلٍ شبه دائم تراكيب شبه اصطناعية وفي بعض الأحيان تكون لغة مبتكرة كالعبرية الحديثة ، فاللغة القومية هي ابتكار قياسي مفصح ومكوّن من عددٍ من اللغات المحكية ، التي يجري تخفيضها فيما بعد إلى لهجات وتكون المشكلة الناجمة عادةً من كونها عبارة عن تركيبة هي اللغة التي يتم اختيارها كأساس لهذه اللغة المفصحة والمتجانسة ، فاللغة كالقومية تصطنعها أو تبتكرها الدولة ، فاللغات تزداد بازدياد الدول وليس العكس .وعندما بلغ التطور الأوروبي درجة معينة ظهرت الوحدات اللغوية والثقافية لشعوبٍ نضجت بصمت على مر القرون ، لقد أصبحت واعية لنفسها كقوة ذات مصير تاريخي ، فصارت تطالب بالسيطرة على الدولة كأعلى أداة متاحة للسلطة ، وتناضل لتقرير مصيرها الذاتي السياسي ، فتأريخ ميلاد المشروع السياسي للأمة كما يرى هوبزباوم هو عام 1789 أي عام الثورة الفرنسية ورفع شعار دولة واحدة فقط للأمة بكاملها ، الذي يختصر المشروع القومي ومطالبه في نشأة الأمة وتشكيلها ، إلا أن اللحظة التاريخية التي تحول فيها مفهوم الأمة إلى مبدأ القومية كانت في نهاية الحرب العالمية الأولى الذي عنى بشكلٍ غير مقصود انهيار الامبراطوريات الكبرى المتعددة القوميات في وسط أوروبا وحدوث الثورة الروسية التي ظهرت كثورة اجتماعية أكثر مما هي تقرير لمصير قومي ، نشأ عندها ما يسمى بالمسألة القومية لاسيما مع معاهدة فرساي ، التي أعادت رسم الخارطة السياسية لأوروبا على أسس قومية ، وأصبحت الدول الآن فوق الحد المتوسط بدلاً من كونها دولاً صغرى وصارت "الشعوب المضطهدة في داخلها تدعى أقلياتٍ مضطهدة " وكانت النتيجة المنطقية لمحاولة خلق قارة مقسمة بدقة إلى دول إقليمية متماسكة، كل واحدة كان يقطنها سكان منفصلون متجانسون ولغوياً هي الترحيل الجماعي أو الإبادة للأقليات ، وهنا ظهر المنزع الإجرامي والعنصري للنزعة القومية ، وازداد حضوره مع الحركات الفاشية واليمينية الأخرى التي عملت على استغلال النزعة القومية على أشدها فخلقت وراءها كوارث بشرية تحتاج البشرية معها إلى قرون حتى تتعافى منها.لكن السؤال كيف تأثرت مصائر النزعة القومية خارج المناطق الجغرافية التي ظهرت فيها في آسيا والبلدان الإسلامية ، هنا يجيب هوبزباوم مرةً أخرى بأن إعادة الاكتشاف الثقافي للقوميات والحضارات من قبل هذه الشعوب هو الذي عزز المنزع القومي لديها وحرّضها للحصول على دول متحررة ذات تجانس قومي بحيث أصبحت الدولة – الأمة الهدف الذي تسعى جميع القوميات إلى تحقيقه واقعاً بعد أن داعب خيالها السياسي طويلاً لاسيما أثناء فترة الاستعمار . أما الآن وبعد أن هدأت الفورة القومية إلى حد كبير وانحسر دور الدولة القومية وتقهقر فإن ذلك يرجح الاحتمال القائم بأن التاريخ والثقافة القومية لن يكونا بارزين ، بمعنى أنها سيمارسان أدورأ ثانوية لكنهما لن يلعبا دوراً تحويلياً في حياة الشعوب والبلدان وسينحسر دور القومية لتكون مجرد طريقة لوصف هويات أناس يوصفون بأنهم إنكليز أو فرنسيين ولكن من بين هويات أخرى يستعملونها لنفس الغرض ،وهكذا ينتهي هوبزبام إلى نتيجة معاكسة تماماً لما يروج له هنتنغنتون في مقولته عن صدام الحضارات القائمة على أساس أن الصراع القائم هو بين الحضارات على اعتبار أن هذه الحضارات هي هويات أو كيانات ثقافية(18).3. نهاية الهوية القومية أم نهاية "الدولة ـ الأمة" :يستأثر الجدل النظري والفكري حول مصائر الهوية القومية أو الدولة ـ الأمة وتحولاتها بمعظم النقاش داخل دوائر علم السياسة والباحثين في العلاقات الدولية المعاصرة، فمفهوم الدولة الذي طبع التطور السياسي لمعظم المجتمعات الغربية والعالمثالثية، ومنه استمدت العلاقات الدولية مسماها يبدو اليوم موضع امتحان عسير واختلافٍ أيدولوجي وسياسي وفكري عميق، فمنذ معاهدة وستفاليا عام 1648 التي وضعت نهاية لحرب الثلاثين عاما ًبين فرنسا والنمسا وجرى عندها تحديد نهائي وترسيم كلي للحدود بين الدول،عندها أخذ يتبلور المفهوم الحديث للدولة من حيث هي تنظيم سياسي اجتماعي للأفراد القاطنين في بقعة جغرافية محددة، ومع بزوغ النزعات القومية في منتصف القرن التاسع عشر وتحولها في القرن العشرين إلى نزعاتٍ مهيمنة انتهت إلى نشوء دولٍ قومية في كلٍ من ألمانيا وفرنسا كما ذكرنا. فإن المأزق الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي الذي آلت إليه هذه الدول بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم التحولات الديمغرافية من خلال الهجرات الشرعية وغير الشرعية دفع نخبها إلى التفكير من جديد في طبيعة تكوين وآلية عمل الدولة القومية وهو ما يُصار إلى التعبير عنه حالياً بنهاية الدولة القومية وبداية التفكير بالدولة الديمقراطية أو دولة الحق والقانون.إن جاك باغنار على سبيل المثال يؤكد على تاريخية مفهوم الدولة. فما دام هذا المفهوم نتاج تاريخي فإن زواله أيضاً مربوط بالتحولات التاريخية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات، فالدولة بالنسبة له كانت نتاج تطويري للسلطة المتصلة باجتماع ثلاث ثوابت هي المأسسة الفعّالة للسلطة، والمركزة الحقيقية الصحيحة للإكراه وتخصيص العوامل المضطلعة بمصير جماعي، وقد ارتبط تطور مفهوم الدولة أو بالأصح ولد من رحم النموذج الأوروبي ثم عرف تطعيمات مختلفة هنا وهناك بحسب الخصوصيات الأصلية لكل مجتمع من المجتمعات، وهو لذلك يؤكد بعكس الكثيرين من الباحثين الغربيين أن كل دولة تمتلك هوية تكوينية خاصة ونظاماً (D.N.A) نوعياً، حتى لو بقي الحد النوعي الجنسي للدولة مُعتمدا ًعموماً(19).بعد ذلك ظهرت الصيغة الحديثة للدولة التي تعممت ودّياً عن طريق القوة في أوربا خلال القرون الوسطى، وهناك تم ابتكار النموذج المعمم للدولة- الأمة، ويعود الفضل في إنجاز هذه الدولة إلى ارتقاء السيادة الداخلية للحاكم الذي فرض السلطة على رعاياه، لأنه قبل تنظيم الشؤون الخارجية والحرب والدفاع ثم تنظيم المحاكم العليا للعدل والمالية.



الارشيف

المتواجدون الآن