من أنا

صورتي
ابو وائل
" إذا خانتك المبادئ ، تذكر قيم الرجولة " قولة عظيمة لرجل عظيم...لا يكون الا عربيا!
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاتصال بالمحرر:

whamed6@gmail.com

هل تعتز بانتمائك الى امة العرب ؟

اذا كنت تعتز بانتمائك الى امة العرب..نقترح عليك خدمة بسيطة ، تطوعية ونبيلة..وهي ان تعرّف بمدونة صدى الايام عبر نشر رابطها في مواقعك والمواقع الاخرى ولفت النظر الى منشوراتها الهامة والحيوية..وان تجعلها حاضنة لمقالات المهتمين بشأن امتنا - عبر بريد المحرر-واننا شاكرين لك هذا الجهد.

فسحة مفيدة في صفحات صدى الايام وعبر ارشيفها







نصيحة

لاتنسى عزيزي المتصفح ان تؤدي واجباتك الدينية..فمدى العمر لايعلمه الا الله..وخير الناس من اتقى..قبّل راس والدك ووالدتك واطلب منهما الرضى والدعاء..وان كانا قد رحلا او احدهما..فاطلب لهما او لاحدهما الرحمة والمغفرة وحسن المآل..واجعل منهجك في الحياة الصدق في القول والاخلاص في العمل ونصرة الحق انّى كان

ملاحظة

لاتتعجل عزيزي الزائر..خذ وقتا إضافيّا وعد الى الأرشيف..فثمة المفيد والمثير الذي تحتاج الاطلاع عليه..ملفات هامة في الاسلام السياسي..في العقائد الدينية الفاسدة والشاذة..في السياسة العربية الرسمية..في مواضيع فكرية وفلسفية متنوعة..وثمة ايضا..صدى ايام الثورة العربية الكبرى




إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

لفت نظر

المقالات والابحاث والدراسات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر ادمن المدونة

سجل الزوار

 

صدام حسين...كانك تعيش ابدا/منير سعيداني- تونس

صدام حسين... وكأنك تعيش أبدا


منير سعيداني – تونس


كان له أقصى ما تمناه، استشهادا مجللا بالإباء. وكان لنا آخر ما يمكن أن نتحمل رؤيته، اغتيالا خسيسا. وبين حديه هذين كان موته ذروة أخرى في تاريخ العرب المعاصر. توالت به وبنا الأيام منذ التاسع من نيسان وصولا إلى الثلاثين من كانون مراوحة بين آلام الاحتلال البغيض وآمال التحرير متسارع الخطى. قليلون صدقوا أنه ظهر يوم كانت الدبابات المغرورة مزهوة بانتصارها الكاذب على جيش كان قد غادر مواقعه ليتخذ أخرى في هيأة أخرى ولتنفيذ خطة أخرى. قليلون صدقوا أنه شارك في معركة المطار.
قليلون صدقوا أنه كان قد هيأ للمقاومة بكل ما أوتي من الخبرة والجهد و العزم والمال و الإيمان. قليلون صدقوا أن عزيز القوم أوكل مصير زوجته وبناته و أبنائه إلى رحمة الأقدار وحدب الخلص من أبناء الأمة. قليلين كانوا ولكن عددا أقل كذبوا علاماته الباقيات بعد أن اختفى عن الأنظار الحاقدة. وكان من صدقوا أن الرئيس يصدق وعده، ولو بعد حين، كثيرين جدا. كانت وكالات الإخبار ووسائل الإعلام في كل بلاد العدوان الغادر والبلاد التابعة تقتر عليهم أنباءه المشرقات. لم تكن تجود عليهم بما يتلهفون عليه إلا بمقدار ما كانت تتأكد أنها لو فعلت عكسه لانتهت إلى فقدان جمهورها.
ومنذ أن تأكدوا أنه لن يقبل بمساوماتهم ولن يركع لإذلالهم، وبعد أن انفجرت فضيحة أبي غريب، فتحت الأبواب. تتالت منه شخصيا إشارات مصدقات لمن ظلوا يعصرون الألم لافتقاده ويمضغون الأمل في عودته. صور وشهادات ورسائل وقصائد وبيانات وبطاقات وسير وآيات من الذكر الحكيم محفوظة في كتاب كان قد ضاع منه ليتم دورته بين يديه. عادت صوره الحية شهورا معدودات وبضعة من أيام أخر. صوروه أسيرا ورآه الصادقون آسرا فكان بما شع من عينيه مصداقا لأمل جديد. كان حيا نابضا يكذب السقوط المسرحي البائس لتماثيله من ساحات بغداد. كان فذا شامخا يفند رواية ركوعه الكاذب في الجحر اللعين. رآه الصادقون المصدقون باسما في حبور، صارخا في شجاعة، مصليا في خشوع، نائما في هدوء، ماشيا بثقة، مجادلا في أناة. كان سجانوه ضعفاء في جبروتهم وكان صلبا في ما ظنوا أنه سربلوه به من ضعف العاجزين. وكان في كل ذلك يختزل المنازلة التاريخية بين سياستين تنهلان من موارد حضارية متناقضة.
أتوا مدججين بالأسلحة الفتاكة وأكاذيب الادعاء وألاعيب التفتين المجرم. وكان عاريا إلا من إيمانه بشرف أرضه وعزة شعبها واستعصاء الأمة عن الإفناء. كانوا يشرعون أدوات حكم العار الاستعماري في وجهه وكان يرفع في وجوههم قرآنه المجيد، وسبابته المتوعدة وقلمه المتحفز. جاءوا ليحطموا الدولة صرحا صرحا فترك الحكم ليبني مشروعه لبنة لبنة. بدأوا بهدم الجيش الوطني وكان قد سبقهم ببناء المقاومة. سارعوا باجتثاث البعث وكان قد غرس معنى رسالته في الأفئدة. زرعوا شبكات العملاء وجواسيس الموساد وكان قد استأصل شأفة الخيانة إلا من نفوس من كان في قلوبهم مرض. كانوا يريدون نسج مسلسل من حلقات الصدمة والترويع والإرهاب الحاقد الأعمى وكان في ظلمة سجنه يستهدي بالقرآن ليتبين إن كان في حزم حكمه بعض من ظلم غير مقصود أو قسوة زائدة عن الحاجة. كانت عزة الإثم تنسيهم أن يكونوا جديرين بلقب إرهابيي الدولة ومقترفي الجرم المنظم وكانت ذكريات سطوته تنهال عليه بصور الإنجازات المدنية و الاقتصادية والعلمية والتربوية. جاهروا باستراتيجية التقسيم والتجزيء والتفتيت، وأعادوا رسم خرائط الحكم في شرقهم الأوسط الجديد. غدروا بأصدقائهم في محيط العراق العربي، وخاتلوا الإيرانيين عند تقاطع مصالحهم المتفارقة. أما هو فقد أعلن مرارا و تكرارا أن بوصلة السياسة العربية لا يمكن أن تشير إلا إلى القدس الشريف محررا من الصهاينة الغاصبين. حتى في أوج غزوهم للعراق لم يكونوا لينسوا فلسطين إسرائيلية يهودية، وحتى في أوج الحرب مع إيران لم يكن لينساها حرة عربية. ألبسوا عملاءهم وشركاءهم أقنعة مهترئة لإسلام محرف زائف خانع يكرع مما أسموه الفرقان الحق، وكان حنيفا ينهل إسلامه من معين صاف، قرآنا عربيا مبينا. جاءوا ليضربوا سنة بشيعة وعربا بأكراد وآشوريين بتركمان وصابئة بمسلمين، وكان يبني من أربيل إلى البصرة، ومن الموصل إلى الكوفة ومن بغداد إلى بابل تحاببهم كافة وتجانسهم كلهم أهلا بأهل وإخوة بإخوة وأصهارا بأصهار وجيرانا بجيران، عراقيين وعربا آخرين. جمعتهم أزقة العجائز الحانيات إلى ماض بعيد ومنازل العرائس الرانيات إلى غد قريب، قرب بينهم في الشوارع والجامعات، وتكاتفوا في المصانع و المتاجر، وتزاملوا في الإدارة والجيش وتباروا حبا في الوطن، وآخى بينهم في الحكم وفي صفوف البعث. كان الأعداء يستنجدون بالنظريات المقسمة للعوالم بين خير وشر وللبشر بين ملائكة و شياطين وكان يجهد ليرى العالم كونا للإنسانية رغما عن أعداء الإنسانية.
ومنذ أن بات مخطط ضرب العراق واضحا في بداية التسعينات إلى أن بات غزوه قاب قوسين أو أدنى كان يعظم ويصغرون، يشمخ ويتهاوون، يعتلي المراتب ويتداعون للسقوط. ظلت الأحداث تصدقه وتكذبهم، تقويه وتضعفهم، تدنيه من الناس وتبعدهم، تنحت له مكانا في وجدان الخائفين على مصير بلدهم و شعبهم و أمتهم، وتبني له موقعا في مستقر الوعي السياسي و الثقافي للنخب العربية والإسلامية والإنسانية. كانوا يرسمون البرامج الإخبارية ويخططون للحملات الدعائية ويدفعون الأموال لمجملي الصور الباهتة معولين على آلة الإعلام الرهيبة صحفا ومجلات وإذاعات وقنوات وأشرطة. وكان من حيث لم يخطط أحد ينزاح بوجدان الجماهير ووعي القيادات وفكر النخب إلى حيث يفيض عن الحيز المحدود الذي احتله بحضور المادي، الآن وهنا. وكان من حيث أراد وصمم يتعهد ذاته المادية المفردة وهي سائرة إلى منتهاها المحتوم ليتسامى بها إلى مرتبة الوجود الروحي المنفلت من عقال التاريخ و الجغرافيا. كان لا يتوقف عن الخروج من مألوفه إلى مألوف اقل، وكان في كل خطوة يحل بمرتبة أعلى فأعلى ويحتل مكانة أرقى فأرقى، نازعا نحو مثالية الصورة والمعنى، عابرا للمدى. لم يكن لذلك أن يتم بين عشية وضحاها ومع ذلك فإن السياق السياسي والظرفية التاريخية كانتا كفيلتين بأن تبتدعا الفكرة التي جسدها بوتيرة متسارعة. كان التسابق والتلاحق في المنازلة التاريخية بين السياستين المتناقضتين هادرا و حادا وعنيفا، تتالت صفحاته على خلفية الموت والدمار والدماء وحروب التطهير و الإبادة تشعلها أشباح الطوائف الخسيسة المحملة على ظهور الدبابات. كانت تلك مواجهة تاريخية بين منطقين ثقافيين متناقضين في صنع المواقف والتصورات والقيم والمعايير والمثل.
أولى علامات الخروج كان انكفاء مكانة الرئيس خلف صيت القائد.
ظلت بيانات الأحزاب والمجموعات السياسية العربية الوطنية والقومية والإسلامية تنادي به، وعن حق، رئيسا شرعيا لجمهورية العراق. ولكن الوجدان الشعبي ووعي بعض القيادات وفكر بعض النخب كان يرى أنه بات أكبر من ذلك، وكأنه كان على موعد تاريخي خاص يصنعه الناس لحاجتهم إلى من يحتل الموقع الأكثر تقدما في الصف الأمامي من جيشهم المنصور. تحتاج الجماهير دائما إلى قائد وخاصة إذا استشعرت خطرا داهما. لا يكون مهما حينها إن أتى عبر انتخابات أو بانقلاب أو اصطفاه الناس في اقتراعات سرية أجروها وهم يتلون أدعية جهرية من دون أن تشرف عليها الأمم المتحدة. لا يكون مهما حينها إن اصطبغ ما يوازي الحملة الانتخابية في مسار ظهوره بالدماء وبالدموع عوضا عن التزيي بألوان المناظرات التليفزيونية سيئة الإعداد والإخراج. بل لا يكون مهما حينها إن كان عينه رفقاؤه أو اجتباه إخوانه أم انضاف إلى هذا وذاك أنه فرض نفسه عليهم مقتدرا مستحقا. مسارات ظهور مثل هؤلاء القادة طويلة ومعقدة وغير نقية بمقاييس الديمقراطية الليبرالية الساخرة من عقول الناس والمتلاعبة بأهوائهم. مسارات ظهور مثل هؤلاء القادة وعرة ومتعرجة ما إن تكبو حتى تنهض من جديد، تصاعد لولبية إلى نهاياتها الحتمية نصرا أو شهادة. يأتون على غير ما تتوقعه التحاليل السياسية التي تتعلق بالعقلانية لتفارق هموم جماهير الأمة ومطالبها وتطلعاتها وآمالهما، وطريقتها الخاصة في صنع الأحداث وإظهار قادتها. يأتون من صفوف الشعب بمثالبهم ونقائصهم وأخطائهم ويكونون مثل الذين ظهروا من بينهم إلى أن يبدأوا بالتسامي عنهم. لقد كان صدام حسين المجيد قائدا فاتبعوا نهجه.
ثاني علامات الخروج كان ارتقاء القائد إلى مرتبة البطل.
كان يستجيب إلى حاجة الجماهير في تعلقها به. تخلق الجماهير أبطالها ليضطلعوا بتأدية الأدوار الأولى في حكايات الفداء والشهامة والإباء وتختلق مخيلاتها علامات وإشارات ترسمها في كل مرة على وجه من الوجوه حتى تبدو سيماههم على وجوههم. لا تريد الجماهير التي تخوض منازلاتها التاريخية الفاصلة أن يكذب تاريخها الذي تعيش ما كان من تاريخها القديم. هي تبحث دائما عن مصداق ما نسجته في تواريخها المروية وتناقلته الأجيال وتوارثه الحكاؤون ليأسر قلوب العذارى ويشغف السامعين والقارئين. ولكن البطل لا يخرج من وقائع الحكايات بل من مواقع سنوات الجمر. وقد فعل، متعاليا على استشهاد ابنيه وحفيده وعلى خيانات الأذلاء وعلى نكوص البعض. كان عليه أن يواجه هجوم الأعداء وخيانة البعض من الأقرباء. كان عليه أن يتعالى على الوجع وأن يتجاوز ما افتقده مما كان ينتظر من أهله عمومة وخؤولة وعموم قربى. رفض المشاريع المشبوهة واحدا واحدا واحتقر حياة بائسة يكون ثمنها إيقاف المقاومة والقبول بالاحتلال المهين. كان عليه أن يتجاوز القيادة والريادة إلى ما هو أعلى منها حتى يكتمل التأسيس القيمي لنهجه السياسي بحيث تتكرس بعثيته المناضلة في قومية عربية مكافحة ذات تاج إسلامي مجاهد وهالة إنسانية خيرة. لقد كان صدام حسين المجيد بطلا فعظموه.
ثالث علامات الخروج كان اكتسابه نبل الشهادة.
لم يكن سياقه السياسي وظرفيته التاريخية في مصبهما الأمريكي البريطاني الصهيوني ليرضيا بالتهديد الذي كانت تجسده هذه البطولة القائدة مكرسة لوطنية ذات عمق عروبي إسلامي وأبعاد إنسانية. لم تكن محاكمة ولم يكن حكما. تقاسم قتلته الأدوار بين مقررين ومنفذين. كان قتلته المقررون على عجلة من أمرهم ولم يكن هو يريد أن يتمهل. كانت خطاهم تقودهم إلى هوانهم الأكبر وكانت خطاه هو تقوده إلى مصيره الذي تمناه طويلا. كان قتلته المنفذون يخشون أن يرتعد الموت خوفا فلا يلاقيه وكان يخشى أن يجبنوا فلا يمكنوه من تاج فخاره الأسمى. ظن القتلة المنفذون أنهم يثأرون وكانوا على عمى كمن لم يتصف ولو برهة بسماحة الإسلام. كانوا يشمتون بالميت ويمثلون بالجسد وينكلون بالرفات خوفا من أن تنبعث الروح في الجثة الهامدة. ولكن سياقه السياسي وظرفيته التاريخية في مصبهما العراقي العربي الإسلامي كانا يتحرقان عطشا للتضحية. لقد نال جزاءه بالتأكيد. جزاء البطولة القائدة استشهاد نبيل أبي عزيز شامخ لم ترهبه المشنقة والفحيح الأمريكي الصهيوني متلبسا بالخسة الطائفية المستوردة. وكانت الأمة في يوم عيد. لم تكن الأضاحي يومها لتبلغ المؤمنين مقاصدهم في استرضاء الله و كانت مشيئته تصرف شأنهم تصريفا آخر. نفذت العدالة الإلاهية بالتأكيد. اختارت ما هو أبلغ من أضاحي العيد مقصدا وأجل قربانا واستبدلت النفيس بنفس زكية راضية مرضية مقبلة على جنة الخلد. لقد مات صدام حسين المجيد شهيدا فأكرموه.
رابع علامات الخروج كان استحالته إلى رمز.
التحق القائد البطل الشهيد بمصاف أكرم الناس جميعا وأنبل بني البشر. سكن منذ لحظة مفارقة روحه للجسد جنة ربه وجنات يصنعها له البشر. كان الشهيد حبة أخرى في مسار اكتمال العقد. كان يركب الراحلة الأخيرة في موكب الشهداء و الصديقين مرافقا لعمر بن الخطاب والحسين بن علي وصلاح الدين الأيوبي وعمر المختار وعز الدين القسام وفرحات حشاد... وكلما حل موكب الشهداء مجددا بيننا ليصطفى من رشحته بطولته لينضم إليها اتصل الحاضر بالماضي والراهن بالأبدي والعادي بالمقدس والآخرون بالأولين والفرد بالجماعة والأمة بالأمة. ولحظة استشهاده ارتبطت روعة الإنجاز التحرري العراقي الحالي بأقباس حركة التحرر القومي العربي على مر تاريخها الحديث. شأنها شأن كل الأمم، تحتاج أمة العرب إلى رموز، لأن الرمز يجعل مبادئ وعيها بذاتها وحقائق تاريخها ومعاني فكرها ومعايير خلقها ومراتب قيمها مجسدة ومرئية. يبلور الرمز المشاعر المشتركة لدى أبناء الأمة وينسج لحمتها ويدعم تضامنها فيذكر أفرادها أنهم أعضاء جماعة واحدة لها رسالة مخصوصة في التاريخ. لقد كان صدام حسين المجيد رمزا فاحفظوا ذكراه.
من المفترض أن تكون خامس علامات الخروج انقلاب الرمز إلى أسطورة. فالأسطورة في أبسط معانيها حكاية تنسجها الخيالات مستخدمة علامات و إشارات و رموزا تتجاوز بها تاريخها الحيني وجغرافيتها القائمة لتصنع للجماعة الاجتماعية معنى لوجودها وتحملها رسالة أبدية. ولأن الأمة شأنها شأن كل الجماعات الاجتماعية تحتاج إلى الأساطير ولا تكف لحظة واحدة عن صنعها فستواصل الحكايا التفافها حول الرمز وتورق حكايا وحكايا حول أسرته وأهله ومتعلقاته. وفي ما لا يزال يحيا بيننا بعض ممن عايشوه ورافقوه وساعدوه وأحاطوا به ودافعوا عنه وزاروه ورأوه تحدث هو ذاته عن مائة عام ستشغل الأعداء في لململة حضوره رمزا ومعنى في حياة العرب والمسلمين. من المفترض أن تكون خامس علامات الخروج انقلابه إلى أسطورة إذ لا يمكن لمثل تاريخ العرب الراهن الحافل بالبطولات والشهادة والمليء بالدماء و بالدموع أن يكون بمبعد عما تنسجه الإيمانات القوية بالمقاومة وبمصير الاحتلال المحتوم من عمليات أسطرة للقادة والأبطال والشهداء والرموز فكيف بمن كان جمعا في صيغة الفرد. هو بصدد التحول إلى أسطورة فاستعدوا لتخلدوها.
لا يفتأ تاريخنا العربي الحديث منذ أن وطأت أقدام نابليون أرض مصر يعيش على وقع التعظيم والإجلال والاقتداء بالقادة والأبطال والشهداء والرموز يصنعهم ليتمكن من صنع وجوده وتأكيد مسار تحرره. وقد اعتيد أن يقال في أدبياتنا السياسية المعاصرة عن جمال عبد الناصر أنه القائد وعن عز الدين القسام أنه البطل وعن عمر المختار أنه الشهيد وعن ياسر عرفات أنه الرمز. غزل التاريخ الشفاهي و المرئي و المكتوب نسيجا من الحكايات الأسطورية حولهم ولا يزال. انتقلت بهم تواريخهم إلى مراتب تفصلهم عن حقيقتهم المادية المباشرة. ليس تاريخنا المروي وبعض من تاريخنا المكتوب في ذلك كاذبين ولا مكابرين. إن قائليهما وكاتبيهما يتبعون نهج القادة و يعظمون الأبطال و يكرمون الشهداء ويحفظون الرموز ويخلدون الأساطير وهم في الحقيقة لا يعظمون ولا يمجدون ولا يقدسون إلا معنى تاريخهم وروح أمتهم المتوثبة إلى التحرير والعزة. روح تنحت من الآلام والآمال والانتصارات والخيبات ولكنها روح سائرة أبدا في تاريخها إلى تاريخ تشيده بأياديها ضدا عن الغزو والاحتلال والاستعمار والاستيطان وانتصارا للإنسانية المكافحة. يؤكد استشهاد صدام حسين المجيد أن ثقافة المقاومة تتغذى من معارك الأمة وتغذيها بالقيم النبيلة والمعاني السامية لتردف الموقف ضد الاحتلال بالفعل المقاوم ساعية نحو أهدافها التحررية مستلهمة رموزها ناسجة أسطورتها الكبرى.
صحيفة الشعب التونسية
منشورات الطليعة العربية في تونس

0 التعليقات:

إرسال تعليق




الارشيف

المتواجدون الآن